ماذا عمل الإمام علي في فترة الخلفاء الثلاثة
التاريخ: 20/9/1446 هـ
تعريف:

ماذا عمل الإمام علي عليه السلام في فترة الخلفاءالثلاثة

الفاضل علي السعيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله، السلام عليك يا سيدي ويا مولاي يا أمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين، صلى الله عليك يا سيدي ويا مولاي يا أبا الحسن والحسين، ما خاب من تمسك بكم، وأمن من لجأ إليكم، يا ليتنا كنا معكم، فنفوز فوزا عظيما، لكنما الأمر لله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} سورة الشعراء (227)، والعاقبة للمتقين، عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد. قال سيدنا ومولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه: (فوالله ما كان يلقى في روعي، ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلى الله عليه وآله عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عنى من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت بيدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما، تكون المصيبة به على أعظم من فوت ولايتكم...)، صدق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه. حديثنا في هذه الليلة حول ماذا فعل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في الفترة التي سبقت خلافته الظاهرية من بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي من المواضيع الشائكة لتداخل المسألة العقائدية فيها مع المسألة التاريخية، ولأنها معقدة وطويلة، فقد جاءت التعبير عنها في كلمات أمير المؤمنين عليه السلام، كما هو في خطبته الشقشقية بالقول: (صبرت على طول المدة، وشدة المحنة)، الإمام يصفها في تلك الخطبة بأنها مدة طويلة، ومحنة شديدة، أما أنها مدة طويلة فباعتبار أنها استغرقت أكثر من ثلث حياة أمير المؤمنين عليه السلام، لو حسبت من سنة (11) هجرية إلى سنة (35) هجرية، فأنت تتحدث عن حوالي (24) أو (25) سنة، يعني ربع قرن من الزمان، هي فترة أوج الإمام علي عليه السلام وحياته، وهذه الفترة استغرقت أكثر من ثلث حياته الشريفة. يضاف إلى ذلك أن الإمام عليه السلام يصفها بالمحنة الشديدة، ويجتمع كلا الأمرين، يعني بعض الأحيان كفاكم الله وإيانا الأمراض، قد مرض يصير عند الإنسان ولو شديد لكن يطول لشهر أو شهرين أو ثلاثة، وينقضي هذا المرض، هذا أمره سهل، لكن إذا صار أيضا مرض سيء وشديد، واستمر (10) سنوات، هنا تتضاعف الشدة لجهة طول المدة، الإمام عليه السلام يقول إن هذه الفترة جمعت بين الأمرين، (فترة طويلة)، و(محنة شديدة). دعنا نرى في هذه الفترة الطويلة والمحنة الشديدة ماذا عمل أمير المؤمنين عليه السلام؟ هي فترة متشابكة أيضا، يعني مثلا لما يأتي واحد من مدرسة الخلفاء، ويلاحظ على سبيل المثال أن أمير المؤمنين عليه السلام كان ينصح الخلفاء، ويتعاون معهم، وينقذهم من المآزق الشرعية، والقضاء غير الصحيح، يرسل لهم بعض أصحابه، يقول لك هذه أيضا علامات واضحة على أن أمير المؤمنين كان يرى شرعية هذه الخلافة، ولولا ذلك لما تفاعل معهم، وتعاون معهم بهذا المقدار، بينما قد يقرأ الحدث باحث من الإمامية بنحو آخر، فلا يرى في هذه الأمور على أنها إعطاء للشرعية، وإنما تهدف لهدف آخر. يضاف إلى هذا أن الإمام عليه السلام، وهذا مما يشدد المحنة، كان سيتعامل مع أشخاص للفترة الماضية ليس فقط لأنهم أبعدوه عن خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحرموه وحرموا الناس من موقعه، وإنما أيضا صار اعتداء على منزله، وعلى زوجته الطاهرة، بل ذهبت شهيدة ضحية هذا الأمر، فالإمام يجب أن يأتي ليتعاون مع هذه الفئة، وهذا كثير من الناس لا يستطيعون أن يقوموا به. أمير المؤمنين عليه السلام لكي يبين حقائق أن دين الله هو فوق كل شيء، وأن الإسلام هو أعظم هدف ينبغي أن يسعى إليه الإنسان المؤمن والمسلم، فقد عض على جراحه، وتناسى كل الفوارق التي تفرق بينه وبين تلك الخلافة، مع شعوره الداخلي بالأسى والمرارة والحزن والاعتراض، ومع عدم اعترافه بالشرعية لتلك الخلافة، ولكن مع كل ذلك يقول: (حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد صلى الله عليه وآله، فخشيت إن لم أنصر الاسلام وأهله أن أرى فيه ثلما أو هدما، تكون المصيبة به على أعظم من فوت ولايتكم...)، بالنسبة لي هذا ليس الهدف الأقصى، الهدف الأقصى هو بقاء الدين وقوة الدين. دعنا نذهب وراء بعض التفاصيل، لما صار الخليفة الأول، كان هناك (3) فئات اعترضت على هذه الخلافة: الفئة الأولى: عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من المهاجرين والأنصار، واعترضوا علانية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، حينما كان الخليفة يخطب قاموا بالتتالي، يذكر المؤرخون من أسماء هؤلاء عدد منهم: (خالد بن سعيد بن العاص)، مع أنه أموي النسب إلا أن (خالد بن سعيد بن العاص) كان من أولياء أمير المؤمنين الخلص، والده (سعيد بن العاص)، وهو أموي، ولكن كان من خيرة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، هذا قام واعترض على الخليفة، وتكلم بكلام أمام الناس في أنه أنت (توليت شيئا ليس من حقكم)، ورسول الله قال كذا وكذا، وكلماتهم مفصلة في المصادر التاريخية كما ينقل ذلك العلامة المجلسي في كتابه (البحار). أيضا (المقداد بن الأسود الكندي)، واضح في موقفه مع أمير المؤمنين، (أبي بن كعب)، قارئ القرآن المتميز، أيضا كذلك اعترض، (عمار بن ياسر) المعروف، (أبو ذر الغفاري)، كذلك (سلمان الفارسي)، (عبد الله بن مسعود) مع أنه فيما بعد سيأخذ شيئا من منهج الخليفة الثاني الفكري إلا أنه في أول ما جاءت الخلافة الأولى قام معترضا، (بريدة الأسلمي)، وهكذا، (خزيمة بن ثابت)، المعروف بذي الشهادتين، (سهل بن حنيف)، و(أبو أيوب الأنصاري)، مضيف رسول الله صلى الله عليه وآله، و(أبو الهيثم بن التيهان) الذي يتأسف الإمام عليه، أين عمار؟ وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين؟ وهكذا، فهؤلاء (12) شخصا، بعضهم من الأنصار، بعضهم من المهاجرين، قاموا واعترضوا على الخليفة، حركة اعتراض في المسجد واضحة وصريحة، الغرض الأساسي منها الإشارة إلى أن هذا المنبر الأحق به علي بن أبي طالب. الفئة الثانية: يمثلهم (مالك بن نويرة اليربوعي التميمي)، وبعض آخرون ممن رفضوا تسليم الزكاة إلى الخليفة، ليس أنكروا الزكاة كما تقول بعض مصادر الخلفاء مِن أنهم منعوا الزكاة، ليس هذا صحيحا، هذا من تزوير التاريخ. هذا (مالك بن نويرة) جاء إلى رسول الله قبل وفاته، فعرفه ما يجب عليه وله، وجعله وافد النبي إلى قومه، وقال له إذا أنا قضيت فالخليفة والوصي والولي علي بن أبي طالب، ذهب هذا، لما توفي رسول الله، كان عند أصحابه وقومه من بني تميم زكوات وصدقات واجبة، بالتالي هؤلاء كان لديهم أغنام وإبل، وفيها يكون الزكاة، فجاء بزكوات قومه باعتباره مثل رئيسهم، جاء إلى المدينة، سأل عن رسول الله، قالوا له توفي رسول الله، فقال من قام مقامه؟ قالوا له تأتي وقت الظهر وسترى من قام مقامه، جاء الظهر ورأى ليس علي بن أبي طالب عليه السلام، فرفض أن يسلم الزكوات لهذا الخليفة، وقال أنا إنسان مؤتمن، يجب أن أستأذن من هؤلاء، أسلمها إلى غير علي لو لا؟ لأن النبي قال لي الوصي من بعدي والخليفة هو علي بن أبي طالب، فقال أنا أرجع فيها، أعطيها إياهم، هم أين يريدون أن يبعثوها فليبعثوها. فلما رجع، قضية أنه فيما بعد جُرِّدت عليهم حملة وكُسرت شوكتهم باعتبارهم كما قالوا منعوا الزكاة، وارتدوا وفي تلك الحادثة حصل ما حصل، وزوجة هذا مالك بن نويرة زُوجت في نفس ليلتها، قبل أن تخرج من عدتها، وحديث يطول في هذا الباب، هذه أيضا كانت حركة اعتراض في تسليم مال الزكاة إلى الخليفة المعين. الفئة الثالثة: من حركات الاعتراض كانت حركات ارتداد، بالفعل كانت هناك في الشمال، شمال الجزيرة العربية خرج رجل اسمه (طليحة بن خويلد الأسدي)، وقال إنه هو النبي، النبي محمد توفى، فأنا النبي، والأمر يكون لمن يغلب، فسيطر على منطقة الشمال وحكمها. قسم آخر، (مسيلمة الكذاب)، مسيلمة من بني حنيفة في منطقة اليمامة، أطراف نجد المعاصرة، هذا أيضا نفس الكلام، قال أنا نبي، وعاضدته (السجاح) التي أيضا قالت أنها نبية، ليس فقط الرجال، بالعكس عندها دليل أفضل منكم، محمد قال: (لا نبي بعدي) لكن لم يقل (لا نبية بعدي)، هؤلاء الأنبياء الذكور ليسوا أنبياء صدقا، ولكنه لم ينف النبوة عن الإناث، واتفقا فيما بعد كما تعلمون أنه تزوج النبي بالنبية، وأعطاها مهرا بأنه أزال صلاة الفجر، لماذا الواحد يقوم من الصباح ويترك نومته. فهذا أيضا في وسط الجزيرة العربية، ذاك (طليحة) في الشمال، هؤلاء في الوسط، أما في الجنوب كان (الأسود العنسي)، حركة ارتداد أيضا لنفس الأغراض، قضايا مادية، رئاسة أموال، وفعلا إنكار قضية استمرار النبوة برسول الله وانتهائها بوفاته، وأنه نحن أيضا أنبياء، كما هو نبي أنا نبي أيضا. المشكلة الموجودة الآن أن في مصادر مدرسة الخلفاء، وفي الكتب التي تحلل هذه الفترة، تسوق الجميع بعصا واحدة، ولذلك أنت لما تراجع تقول وترى وتنظر إلى حروب الردة، حروب الردة على القسم الأخير صحيح، ولكن على القسمين الأولين ما كانت هناك ردة، وإنما كانت هناك محاولات لتصحيح الخلل الذي حدث على أثر توافق كبار قريش على إبعاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، أمير المؤمنين عليه السلام يرى نفسه كما يرى هؤلاء الأصحاب، وكما يرى جمع غفير من المسلمين أنه هو الأحق بهذا الموقع، وهو وصي رسول الله بالأحاديث الكثيرة المختلفة. شخص في هذين اليومين سألني قال إن النبي أَخَّر موضوع الولاية إلى آخر حياته حتى يكتب قال (آتوني بدواة وكتف) لما مرض، كان المفروض أن يفعل هذا قبل ذلك، لماذا في آخر حياته؟ الجواب على ذلك، أن النبي فعله من أول يوم، أول يوم في الدعوة العلنية عندما جمع بني هاشم وأخبرهم عن نبوته، قال: (أيكم يناصرني في هذا الأمر فيكون وصيي ووارثي وخليفتي من بعدي؟) لم يقم أحد، إلا علي، كرر الأمر، قال له اقعد، كرر الأمر مرة أخرى، نفس الكلام لم يقم بمن فيهم الكبار في المنزلة مثل أبي طالب، مرة ثالثة قام علي عليه السلام، فقال له: (أنت أخي ووصيي ووارثي، تقضي ديني وتنجز عداتي). فمن ذاك اليوم النبي يتحدث بهذا الموضوع، وما ترك موضعا في سلم ولا حرب إلا وأشار إليه، وصرح باسمه ونص عليه، مئات الأحاديث وليست عشرات، مئات الأحاديث بالصراحة، وبالإشارة، وبالكناية، وبالتلميح، وبمختلف الطرق فعل ذلك، وهذا آخر شيء حتى كأنما هو إتمام الحجة النهائية، لو كان النبي فقط آخر يوم فعل ذلك، سؤال موجه فعلا، ولكن النبي صلى الله عليه وآله من أول يوم وعمر أمير المؤمنين عليه السلام (10) سنوات، نص على إمامته. فهذا الكلام الذي يتحدث عنه أتباع مدرسة الخلفاء بأنه صارت ردة، وجردوا كذا، وغير ذلك، لا بد فيه من التمييز بين الفئات الثلاث التي اعترضت على الخليفة الأول، وأرادت إرجاع الأمر كما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله. الإمام أمير المؤمنين أيد الفئة الأولى، وذكر (مالك بن نويرة) بما يستحقه، لكن في قضية الجماعة التي ارتدت ساعد الخلافة بوسائل مختلفة، حتى أنه أرسل بعض أصحابه من (بني طي) حتى أفسدوا على (طليحة بن خويلد الأسدي) المرتد، أفسدوا عليه أمره، فهُزِم جيشه عند أول مواجهة، وهذا يحتاج إلى بحث خاص. لماذا فعلت هذا يا أمير المؤمنين؟ الآن وقتها، كما يصنع السياسيون والطامحون إلى الدنيا، ما دام (قبَّت) على الخلافة والخليفة، أنت أيضا احفر من الداخل حتى تنال الخلافة، يقول لا، أنا لدي غرض، لدي هدف، وهو بقاء الدين والإسلام، (...تكون المصيبة به علي أعظم من فوت ولايتكم التي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان كما يزول السراب...)، كم تريد أن تعمر أنت؟ كم تريد أن تعيش؟ كم تريد أن تحكم؟ كم تريد أن تستمتع فيها؟ أيام بالتالي تنتهي، لكن بقاء الدين، بقاء الإسلام هو الأهم، فقام الإمام عليه السلام في ذلك وشعاره: (ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه...). انتهت فترة الخلافة الأولى، سنتان وبعض الأشهر، من سنة (11) هجرية إلى (13) هجرية، لكي تأتي الخلافة الثانية من (13) هجرية إلى (23) هجرية، في هذه الفترة وهي فترة طويلة، أمير المؤمنين عليه السلام رأى أن هناك اتجاهات إذا لم يتدخل فيها الإمام عليه السلام بمختلف الطرق، فإن المنهج الإسلامي سيتغير، الآن لما تسمعون مثلا أن الخليفة قال في نحو (70) مرة، (لولا علي لهلك فلان)، معنى ذلك أن الذي لحق عليها الإمام لتصحيح الحكم القضائي الصادر فيها هو نحو (70) موضعا، كيف بالذي لم يلحق عليه؟ وكيف لو لم يتدخل أصلا؟ كم من النفوس كانت تزهق؟ الحوادث التي ينقلونها أن فلانة صار فيها كذا فأخذوها لكي تُرجم، فأمير المؤمنين عليه السلام تدخل في المنتصف، قال ما هي القضية؟ أعادوا عليه القضية، قال لهم لا، الحكم كذا وكذا، وأُنقذت من هذا المصير، كان من الممكن أن كثيرا من هذه الحالات تنتهي إلى غير الصواب. البلد كانت تحتاج إلى ولاة، تحتاج إلى إدارة، تحتاج إلى ناس أكفاء، أمناء، أتقياء، إذا هؤلاء لم يأتوا لن تتعطل البلد بلا والٍ، يُؤتى بأي شخص حتى لو كان غير تقي، حتى لو كان غير كفوء، فكان أن تفاعل أمير المؤمنين عليه السلام بحيث كان أصحابه يُوَلّون هذه المناصب السياسية والعسكرية والقضائية، أمثلة على ذلك (عمار بن ياسر) صار واليا من قبل الخليفة الثاني على الكوفة، (عثمان بن حنيف الأنصاري) صار ما يسمونه اليوم مسؤول المساحة، هذا عنده قضايا مسح البلد، ومعرفة البساتين فيها مثلا، والأراضي البائرة، وقضايا المياه، وما شابه ذلك، هذا واحد من خلص أصحاب الإمام أمير المؤمنين، (عثمان بن حنيف الأنصاري) الذي صار فيما بعد أيام حرب الجمل واليا للبصرة، واعتدي عليه من قبل جماعة الجمل. الأمر الثاني: أيضا كان في هذه الأمور السياسية وولاية الولايات، (سلمان المحمدي الفارسي) صار واليا على المدائن، (حذيفة بن اليمان) تولى أيضا المدائن بعدما توفي (سلمان المحمدي الفارسي)، فهؤلاء لم يكن من الإمكان أن يدخلوا في هذه الأمور من دون استشارتهم لأمير المؤمنين عليه السلام، ورضا أمير المؤمنين بذلك، لماذا؟ لأنه إذا جئت بـ(سلمان المحمدي) غير لما تجيء بـ(عقبة بن أبي معيط) مثلا الأموي، ذاك سيلعب بها، لما تجيء بـ(عمار بن ياسر) غير لما تأتي بـ(المغيرة بن شعبة الثقفي)، هذا سيلعب بالأموال، ذاك لا، رجل زكاه رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال: (إن عماراً جلدةٌ ما بين عيني وأنفي)، فسيدير الوضع بأفضل ما يمكن، ستقلل الأخطاء، تقل التجاوزات مع وجود هؤلاء، هذا فيما يرتبط بهذا الجانب. في الجوانب العسكرية، شارك أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام، بعضهم كقادة، وبعضهم كنواب للقادة، في فتوحات كثيرة، أنا أشير هنا إلى من أراد التفصيل إلى كتاب المرحوم (الشيخ علي الكوراني) رضوان الله تعالى عليه، توفي قبل سنة وشيء من الزمان، وعنده كتب كثيرة نافعة، أحد هذه الكتب اسمها: (الفتوحات الإسلامية)، يبين فيها دور شيعة أمير المؤمنين عليه السلام في هذه الفتوحات، وأن قسما من هذه الفتوحات كانت بيد أشخاص هم من شيعة الإمام مباشرة، لماذا هذا؟ لأنه لو لم يكن هذا هو الوالي، وهذا هو القائد، من الممكن أن يأتي واحد آخر ليس بمستواه الديني والتقوائى، فيأكل الغنائم. فإذن في هذا الجانب ولو ممكن أن قسما من الناس يتصورون إنه ما دام الإمام هكذا يصنع، إذن كان يعترف بشرعية تلك الخلافة، الإمام بالنسبة إليه تصحيح الخطأ، وإقامة المعوج، والحفاظ على أصول الإسلام، هذه أهم قضية من القضايا. فأنت ترى على المستوى السياسي، المستوى العسكري، والمستوى الفتوائي، (عبد الله بن عباس) هو التلميذ المباشر لأمير المؤمنين، والمقرب منه، وأخذ من أمير المؤمنين علما جما وكثيرا، ولذلك برع براعة استثنائية في أيام شبابه، لاحظه الخليفة الثاني ورأى أن هذا متفوق على كثير من الصحابة الكبار الذي بأعمار والد ابن عباس، من أعمار الـ(60) والـ(70)، ولكن هذا متفوق عليهم، لأنه أخذها صافية من علم أمير المؤمنين عليه السلام، فأخذ يستشيره، قربه، كان يبدي له الآراء الفقهية الصحيحة بما أخذ من علم أمير المؤمنين، وأمير المؤمنين عليه السلام كان يقبل بذلك، لأنه لولا وجود هذا الذي أخذ من علم أمير المؤمنين، كانت الأخطاء تكبر وتتضخم، للدرجة أن الخليفة الثاني جعل هذا الشاب في العشرينات ذاك الوقت جعله بمثابة رئيس هيئة الإفتاء والمشورة الفتوائية في زمانه، وكان غيره يغضب إنه كيف هذا عمره (20) أو (22) سنة، ونحن الواحد منا عمره (70) سنة، ومن أصحاب رسول الله، ويقدم علينا هذا؟ لكن هذا شأن العلم هو هذا. في هذه الفترة الإمام تغاضى عن الجراح التي كانت في حقه، وفي شأنه، وربما كان يظهر ألمه وحزنه هنا وهناك، حتى أن الخليفة الثاني مر ذات مرة على ابن عباس، وقال له: يا عبد الله ما حال ابن عمك؟، يقول ابن عباس، أنا ظننت أنه يقصد عبد الله بن جعفر، فقلت له تركته في السوق، قال: لا، أقصد عظيمكم أهل البيت، أقصد عليا، ثم قال لي: عليك دماء البدن إن كتمتنيها، يعني أحلفك بحيث تضحي بالنياق الكثيرة، هل بقي في نفسه من أمر الخلافة شيء؟ فقلت له: نعم، لا يزال يرى نفسه أحق، ولا يزال يطلبها، ويريدها أيضا، ويقول لي وقال لي أبي فوق ذلك إن رسول الله قد أوصى بها إليه، فقال الخليفة: نعم كان من رسول الله ذرو من الكلام، حكاية قالها رسول الله صلى الله عليه وآله، لكن لم يرتب الأثر على هذا. الشاهد أن الإمام عليه السلام مع اعتقاده الدائم بأنه هو الأولى والأحق، وأنه أُبعد عن ذلك، إلا أنه كان بالنسبة إليه قضية الإسلام والدين هي الأهم، وآخر ذلك ما صنعه من مشورة، وهذا في الواقع يضعنا ننظر إلى هذا الإمام بعين أن هذا رجل عجيب غريب، صياغة رسول الله صلى الله عليه وآله، لما استشاره الخليفة الثاني، وقد عزم الفرس على تكوين جيش كبير يقضون فيه على الأمة الإسلامية، وعلى دين الإسلام، وبعث لهم الخليفة فرقة لم يقدروا عليهم، مدهم بمدد، لم يتغير شيء، فجاء الخليفة الثاني ولديه فكرة أنه يذهب على رأس جيش مع من بقي في المدينة، ويقاتلهم، جاء يستشير أمير المؤمنين عليه السلام، قال له: أنا عزمت على الذهاب لقتال الفرس، فقال له: لا تفعل، فإنك إن بقيت في المدينة، رجع إليك الفائت، وقدرت تحرك الخيوط، أما إذا ذهبت إلى هناك قالوا هذا رأس العرب، فكان أشد لكلبهم عليك ويقتلونك هناك. لاحظ مثل هذا الموقف لو أحد من السياسيين العاديين ماذا كان سيفعل؟ كان سيقول له اذهب بسرعة، إن ذهب وقُتل، هذا الذي يريده هو، إن لم يُقْتل هو هنا ينقلب عليه ويأخذ الحكم، لكن هذا علي بن أبي طالب، (ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا علي خاصة التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهدا فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه...)، هذا في الفترة الثانية. لكن في الفترة الثالثة من أيام الخلافة، كان الأمر أسوأ بكثير من سوابقه، لأن الخلاف في هذه الفترة استعدت أمير المؤمنين عليه السلام، صار فيها نفوذ أموي قوي، الخليفة الثالث نسبه إلى بني أمية من جهات الأمهات، ويكونون أخواله وبني أخواله، وتحكم (مروان بن الحكم) في مفاصل الدولة، إلى حد أن (فدك) التي هي نحلة النبي لفاطمة الزهراء عليها السلام أعطيت لمروان، في البداية قالوا هذه لبيت مال المسلمين، لما صار في عهد الخلافة الثالثة أعطيت كاملة لمروان نفسه، لا أحد يشاركه فيها، وفوق ذلك أعطي خُمس أفريقيا، خُمس دولة كاملة، الخُمس منها قُدم إليه، وتحكم الرجل في مفاصل هذه الدولة. استعدت أمير المؤمنين، أصحابه تم الضغط عليهم، (أبو ذر الغفاري) نفي إلى الربذة حتى مات فيها، (عمار ابن ياسر) أُوذي، وكل من اعترض في هذا الباب كان يُؤذى، أكثر من هذا هُدِدَ أمير المؤمنين عليه السلام بأن ينفى من المدينة، أمير المؤمنين سيد الخلق بعد رسول الله، هو المفروض الولي والوالي والحاكم، لكنه يُهَدد بأن ينفى من المدينة، ويُتَكَلم ضده بكلام مقذع من قبل الخلافة. لكن أمير المؤمنين عليه السلام على مسيرته كان ينصح، وكان يؤكد، وكان يمنع الاعتداء، ولما نشبت الثورة ضد الخليفة، جاؤوا من الكوفة ومن مصر وغيرها، حاول أن يتوسط بين هؤلاء الناقمين وبين الخليفة، أنه تعال أصلح الأمور، لا تتطور لما هو أكثر من هذا، وأنت الذين سبقوك ليسوا أحق بفعل الخير منك، لكن كان الخط الأموي في هذه الخلافة متمكن ومستحكم، بدل أن يتفاهم معهم، كتب رسالة إلى ولاته في الكوفة ومصر، يعني مروان أنه إذا وصلك هؤلاء الجمع والوفد القادمون وهم معترضون، فخذ أعناقهم، واضرب أعناقهم. فالإمام حاول وجهد إلى أن أحاطوا بالقصر أيضا، أرسل الحسنين عليها السلام للدفاع عن الخليفة لكيلا يُقتل، ولكن الله غالب على أمره، انتهى الأمر إلى مقتل الخليفة، والإمام لم يكن يرد ذلك، مع كثرة ما أُوذي الإمام عليه السلام في تلك الفترة، ومع أنها هي لله، لأنها هي الشورى فُصلت على مقاس بحيث توصل إلى فلان، هذا يحتاج إلى بحث خاص، ترون في بعض الدول ينظمون الدوائر الانتخابية بشكل يجب أن يفوز فلان، ولا يفوز فلان، النظام الانتخابي كله يغيرونه من أجل أن يأتي من يريد، الشورى هكذا، ولذلك قال: (يا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!) إلى أن جاءت الخلافة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ولقد زانها وما زانته، يعني غير علي بن أبي طالب لو لم يكن خليفة كان حاله حال أي واحد من أصحاب رسول الله، فالخلافة زينت ذلك الشخص، أما علي فالخلافة لم تزينه، وإنما زانها، ولم تعطِ ميزة، وإنما هو أعطاها مما كان عنده، وخلق منها نموذج إلى اليوم يعتبر من أبرع نماذج العدالة والإنصاف. لكن يا للأسف نفسها قريش التي يقول فيها أمير المؤمنين: (اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قد قطعوا رحمي وأكفئوا إنائي وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري...)، نفس قريش التي خلعت عليا من خلافة رسول الله، الآن هي تسجر الأرض قنابل تحت قدمه الشريف، وتخرج في حرب الجمل، وتخرج في حرب صفين، وهكذا أفسدت على أمير المؤمنين برنامجه، ولم تترك له ساعة من الهدوء يستطيع أن ينفذ كلما أراد. وانتهى الأمر كما تعلمون إلى مثلما حصل في فجر هذا اليوم عندما انبعث أشقاها فضرب أمير المؤمنين على رأسه فشج رأسه الشريف سلام الله عليه، ابن ملجم لعنة الله عليه وعلى كل ظلمة أمير المؤمنين عليه السلام، ابن ملجم: (لقد اشتريت هذا السيف بألف، وسممته بألف، إن خذلني فأبعده الله). أنت تلاحظ أن الأئمة عليهم السلام في الرواية المشهورة ما فيهم إلا مقتول بالسيف أو مسموم، أمير المؤمنين والدهم كلا الأمرين صار فيه، ضرب بالسيف حتى هشمت جمجمته، وأيضا تسرب السم من رأسه إلى كل بدنه، يقول محمد ابن الحنفية أصغر أبناء أمير المؤمنين عليه السلام، أصغر من الحسنين عليهما السلام، يقول بتنا ليلة الـ(20) من شهر رمضان بأشد ليلة، لماذا؟ يقول لأن السم قد سرى من جبهة الإمام إلى قدميه. إمامكم يا شيعة أهل البيت اليوم صلى من جلوس لأنه لا يستطيع الوقوف على قدميه، هذا قالع باب خيبر، ابن ملجم ماذا فعل بأمير المؤمنين؟ قالع باب خيبر لا يستطيع أن يقف على قدميه، زمنا من الوقت أكثر أقل، لكي يصلي الصلاة، فصلى صلاة المغرب العشاء وربما الظهرين وهو جالس بأبي وأمي لعدم قدرته على الوقوف، رجت الكوفة، الرجال يأتون ويذهبون. طُلب أن يُؤتى بالطبيب إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فجيء له بـ(أثير بن هان السكوني)، مثل الجراح في هذا الزمان، فجاء إليه واستخرج عرق شاة ساخن، ونفخ في موضع الضربة، ثم نظر إلى الحسين، تصور في داخل دار أمير المؤمنين، والكل شابح عينه على الطبيب، ماذا يقول الطبيب الآن؟ نظر في وجوههم ثم قال يا أمير المؤمنين: (اعهدك عهدك فإن ضربة اللعين قد وصلت إلى أم الدماغ). ترى لا يوجد رجاء ولا أمل، يا زينب، يا أم كلثوم، يا بنات أمير المؤمنين، يا نساء أمير المؤمنين ودعوا هذا الإمام، لكن يبقى بقية أمل عند الأطفال وعند النساء، يسألون ما الذي جرى لوالدنا، والشاعر يصف حالة زينب، والرجال يدخلون والنساء لا تستطيع الدخول، فتسأل الحسين عن حال والدها هذه الليلة؟ تكله يا ولينا يحسين انشدك يا والينا يا خويه لا تخفي علينا خويه أشوه والدي بطّل ونينه واشوفن عرك يرشح جبينه يكلها يزينب يا حزينه أخبرك خُبر لا تظهرينا ترى والدي يروح امن ادينا نسألك اللهم وندعوك باسمك الأعظم، الأعز الأجل الأكرم، يا الله، بنبيك المصطفى رسول الله، بوصيك المرتضى ولي الله، وبآل بيت آل الله، فرج عنا يا الله، اغفر لنا ذنوبنا، كفر عنا سيئاتنا، آمنا في أوطاننا، لا تسلط علينا من لا يخافك ولا يرحمنا، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآله طرفة عين أبدا، احفظ اللهم إخواني السامعين فردا فردا، واقض حوائجهم، شاف اللهم مرضاهم، لا سيما المرضى المنظورين ومن أوصانا بالدعاء، واقض اللهم حوائج المحتاجين، وفرج عن المكروبين، وتقبل اللهم عمل المؤسسين بأحسن القبول، إلى موتاهم وموتى السامعين نهدي ثواب الفاتحة تسبقها الصلوات على محمد وآل محمد، اللهم صل على محمد وآل محمد.
مرات العرض: 4340
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 32891.17 KB
تشغيل:

هكذا نرفع مظلومية أمير المؤمنين علي عليه السلام
حياة أمير المؤمنين من بيت الله إلى بيت الله