قال سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من وقر عالمًا فقد وقر ربه )
بهذا الحديث نفتتح حديثنا عن أحد كبار علماء الطائفة وأبقاهم أثرًا وهو العلامة الحلي الشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي رضوان الله عليه المتوفى سنة 726هـ . ويقال أن هذا العالم الجليل هو أول من لقب بهذين اللقبين لقب العلامة ولقب آية الله . والقائلون بهذا الكلام يقولون قبل زمان العلامة الحلي لم يكن أيًا من اللقبين متداولًا في الساحة العلمية والفقهية عند أهل البيت ، وأصبح الآن هذان اللقبان شائعان جدًا فآية الله هو إشارة إلى أن صاحب هذا اللقب مجتهدٌ ودون هذا المقدار لقب العلامة أصبح أكثر انتشارًا بين العلماء في درجاتٍ مختلفة ، وكان الحقيق بهما في الدرجة العالية هو الشيخ الحسن بن الشيخ يوسف الحلي . وهذا العالم الجليل كانت له آثار كثيرة ومستمرةٌ كما سيتبين معنا .
أسرته أسرة علمية فوالده الشيخ سديد الدين يوسف بن المطهر رشحه خال العلامة وهو المحقق الحلي صاحب الشرائع باعتباره الأعلم في الأصولين يعني في الفقه والأصول وأنه إذا أريد مناظرة في هذين الأمرين مع كثرة من كان في الطبقة العالية من العلم إلا أنه رشح المحقق الحلي صاحب الشرائع وكان ذلك الوقت بمثابة المرجع الأعلى للطائفة رشح والد العلامة الحلي على أنه هو الأفضل والأعلم والأفضل في الفقه والأصول ، وهذا الوالد كان أحد أساتذة الولد وهو العلامة الحلي وأستاذه الآخر الذي ترك عليه بصماتٍ كثيرةً هو خاله المحقق الحلي وقد سبق الحديث عنه .
وآل طاووس الحسنيون سادةٌ من السادة علماء كبار بعضهم في الفقه والأصول وبعضهم في التربية الروحية والتهذيب الأخلاقي وقضايا الدعاء وما شابه ذلك إلى أن بعضهم نقل أنه كان يلتقي بالإمام الحجة صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ، كان هؤلاء أيضًا أساتذة العلامة الحلي ( السيد أحمد بن طاووس والسيد علي بن طاووس والسيد عبد الكريم بن طاووس ) وكل واحد منهم كان علمًا من الأعلام في بابه وإليه يرجع الكثير كمتخصصٍ في هذا المجال الذي هو فيه .
ومن أساتيذه الخاجه نصير الدين الطوسي والخاجة بالفارسية بمعنى السيد المعظم أو ما يؤدي هذا الكلام وقد كان الخاجة عالمًا كبيرًا في العقليات وفي قضايا الفلك وعلوم الفضاء حسب التعبير المعاصر وعلم النجوم بالإضافة إلى الفلسفة والمنطق وعموم الأمور العقلية كان فيها الفارس الذي لا يشق له غبار ، فهذا أخذ من العلامة وأعطى له والعلامة أخذ منه وأعطى له . فإن العلامة الحلي كان متفوقًا عليه في الشرعيات ( الفقه والروايات وما يرتبط بها ) وفي مقابل الخاجة نصير الدين الطوسي كان المتفوق في العقليات ( الفلسفة والحكمة والبراهين العقلية وعلم الفضاء والنجوم ) فأخذ العلامة منه هذا المجال وأعطاه ما هو متفوق فيه من الأمور الشرعية .
وهذا يشير إلى ملاحظة أخلاقية أن الإنسان إذا كان متفوقًا في بابٍ من الأبواب لا ينبغي أن يترك التعلم في بابٍ آخر ولو من البدايات . كأن يكون طبيب استشاري متفوق في مجاله لكنه في علم الفقه مثلًا لم تكن لديه فرصة لدراسته فلا ينبغي أن يكون عنده إباء لو أن أحد طلاب العلم في سن أحد أبنائه أن يتعلم عنده . وهكذا الحال بالنسبة لطالب العلم فلو كان متفوقًا جدًا في العلوم الشرعية ولكن لنفترض أنه احتاج لدراسة الطب أوالهندسة أو غيره لا ينبغي أن يقول أنني حجة الإسلام والمسلمين لا يمكن أن أدرس عند واحد عمره ثلاثين سنة . وهذه النفسية نفسية الكبر تمنع من تعلم الإنسان .
اللافت للنظر أن العلامة رحمه الله أخذ العلم من علماء غير إماميين فتتلمذ على أحد علماء الشافعية وعلى أحد علماء الأحناف وهذا الأمر كان كثيرًا عند علمائنا والغرض منه أن يعرف مذهبه من فم عالمٍ متخصصٍ فيه ، فكثير من الأمور التي تمنع التواصل والتفاهم وتشيع الخرافة عندما ينقل مذهب الغير من ألسنة غيرهم ، وإلى الآن مع تطور العلوم ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي قد تجد أناس لا زالوا يعتقدون أن الشيعة يرون أن جبرئيل أخطأ في العنوان فبدل من أن ينزل على علي بن أبي طالب نزل على النبي محمد ! فهم سمعوا أحدهم قال هذه الأكذوبة قالها قبل سبعمائة سنة وهو بدأ يرعى في علفها من دون تفكيرٍ ولا تحقيق .
فالعلامة الحلي بنص كلامه يقول أنه درس على يد محمد الكيشي شافعي المذهب وقال عنه وهذا يدل على إنصافه قال عنه أنه من أفضل علماء الشافعية يقول كنت أقرأ عليه وأورد عليه اعتراضات في بعض الأوقات فيفكر ثم يجيب تارةً وتارةً أخرى يقول حتى نفكر في هذا عاودني السؤال ، فأعاوده يوم ويومين وثلاثة ، فتارةً يجيب وتارةً يقول هذا عجزت عن جوابه فيقول عنه أنه من أكثر الناس الذين رأيتهم إنصافًا . وهكذا أيضًا عالمًا آخر من الحنفية وهو برهان الدين النسفي الحنفي يقول العلامة الحلي عنه : كان عظيم الشأن زاهدًا مصنفًا في الجدل استخرج مسائل مشكلة قرأت عليه بعض مصنفاته في الجدل وله مصنفات متعددة . أحد نقطة قوة الأحناف اعتمادهم على البراهين والجدل ويقنعون الخصم رغم أن كلامهم قد لا يكون صحيحًا .
هذا العالم الجليل له أدوار كثيرة ومتنوعة ومختلفة وكان من جلالة شأنه وعظمته أنه قد يؤرخ في تاريخ العلوم الشرعية عند الإمامية ما قبل العلامة وما بعد العلامة نظرً لأن البرنامج أصلًا قد تغير وأورد لك مثالين :
المثال الأول في الفقه توجد مسألة هل أن البئر إذا وقعت فيه نجاسةٌ هل يتنجس ولا يمكن الاستفادة منه ؟ أو أنه يمكن تطيره بنحو من الأنحاء والاستفادة منه .
الرأي القديم قبل العلامة كان يقول بأن البئر إذا تنجس انتهى أمره ولا يمكن الاستفادة منه ولعلهم يعتمدون على أن حجم الماء في البئر حجم قليل لذا يتنجس ولا سبيل إلى تطهيره . أما ما بعد العلامة فإنه درس هذه المسألة ونظر في روايات المعصومين عليهم السلام واستطاع بقدرته الكبيرة في الاستدلال أن ينقض أدلة الخصوم بأنه يمكن تطهير البئر ، وآنئذٍ أصبحت مسألة جديدة هي نجاسة البئر قبل زمان العلامة وطهارته بعد العلامة ببركات اجتهاده واستدلالاته وفقهه . وهذه من ضمن مسائل كثيرة أبداها العلامة وشكلت منعطفًا في الرأي الفقهي بين ما كان قبل وبعد زمانه .
وهذه في المسائل الفرعية الفقهية ويستطيع الإنسان تتبع المسائل التي أبدى فيها العلامة الحلي رأيًا جديدًا لم يكن في السابقين وأصبح هو الرأي المنتخب عند المتأخرين . من ذلك ما يذكر في علم الحديث والذي يؤثر في شكل مباشر على الفقه لأن الفقه يستدل على أكثره بالروايات . فيما سبق العلامة الحلي كان تصحيح الروايات كان خاضعًا للقرائن التي تحف بهذه الروايات وقد ذكر كثيرٌ منها المحدث محمد بن الحسن الحر العاملي ذكر في نهاية كتاب الوسائل القرائن التي كان يتعامل بها المتقدمون ليقولوا أن هذا الحديث صحيح ويعملوا به وهي كثيرةً جدًا . لكن هذا ما كان يمكن أن يكون نظاًما للمتأخرين لأن القرينة التي قامت عند شيخ الطائفة الطوسي الآن غير موجودة عندي وأيضًا لا أستطيع تقليد الشيخ الطوسي . فماذا يصنع ؟ العلامة الحلي رحمه الله وقيل أن أصل هذا المبنى كان عند أستاذه ابن طاووس رحمه الله وبعضهم قال أنه هو المبتكر وعلى أي حال الذي شيد هذا المسلك وعممه في كل مكان وأيضًا طبقه ، فيقال أول من استخدم هذه العبارات في الفقه مثلًا صحيحة فلان ، موثقة فلان ، حسنة فلان ، هذه الرواية ضعيفة بفلان ، يقال أن أول من استخدمها كان العلامة الحلي .
فماذا فعل ؟ قال : فلننظر في هذه الأسانيد فإذا كان كل السند إمامي ثقة نسميها رواية صحيحة السند ، وإذا كانوا كلهم ثقات ولكن واحد فيهم ليس إماميًا كأن يكون زيدي أو إسماعيلي أو شافعي أو مالكي أو من غير مذهب أهل البيت واحد فقط لكنه ثقة صادق هنا نسميها موثقة . وإذا ما كان عنده توثيق خاص فلم يعلم أنه ثقة وإنما مدحوه كأن يقال أنه انتشر عنه الحديث ووقره أصحابنا وأخذوا عنه الكثير من الروايات فمدح وأثني عليه نسميها حسنة وهذه الأقسام الثلاثة من الروايات حجة يمكن للفقيه أن يعتمد عليها . وأما إذا فقدت هذه الأمور فلا هو إمامي ولا هو ثقة ولا هو ممدوح فيقال هذه الرواية ضعيفة . فأول من عمم هذا المصطلح في الحوزات العلمية وبين العلماء وشرحه وشيده وأقامه وإلى اليوم لا يزال يتبع في هذا من سنة وفاته سنة 726 إلى الآن ما يقارب 720 سنة لايزال إلى الآن معروف أن الحلي هو من أسس هذا المنهج وهذا يبين أثر هذا الشيخ في العلم الديني سواء في الفرعيات كالفقه أو في الأمور الأصلية التي يعتمد عليها الفقيه مثل ما يسمى بتربيع الأحاديث فقسم الأحاديث إلى أربعة أقسام وهي التي ذكرناها .
ولم يقتصر دور العلامة الحلي على هذا الجانب وإنما كان له الدور الأكبر في تشييع بلاد إيران في زمان السلطان أولجايتو محمد خدابنده وتعني هذه الكلمة ( خادم الله) وهذا كان من سلاطين المغول الذين سيطروا على البلاد الإسلامية ومن جملتها إيران ، فهؤلاء في الأصل لم يكن لديهم مذهب إلهي وإنما فيما بعد بدأوا يلتفتون إلى قضية المذهب الإلهي النازل من السماء وتلك الفترة كانت قد انتشرت في إيران المسيحية النسطورية وكانت هذه منتشرة في منطقتنا القطيف والأحساء والبحرين قبل مجيء الإسلام وكانت هنا كنائس وآثار قبل مجيء النبي محمد صلى الله عليه وآله . ويعبر عنه بكنيسة الشرق في مقابل الكنيسة الغربية الكاثوليك والأرثوذكس . وهذا المذهب المذهب والطريقة الخاصة في المسيحية مجرمة من قبل الأرثوذيكس والكاثوليك ويعتبرونها هرطقة ولا تنتمي للمسيحية ونفوا من الغرب ولم يعترف بهم من قبل القساوسة وبابوات الكنيسة فجاؤوا إلى الشرق وانتشروا في العراق وإيران والخليج وفي بعض بلاد الشام وهؤلاء من جملة اختلافاتهم مع أولئك أن هؤلاء كانوا يرفضون أن تسمى مريم العذراء عليها السلام بأم الإله وإنما هي أم المسيح لأن المسيح ذو طبيعةٍ بشريةٍ وهذه أمه في هذه الطبيعة . فهذا ما جعلهم يخرجون من الحالة المسيحية التقليدية ويطردون . وبعد ما بقي المغول في الدول الإسلامية رأوا أن الإسلام هو الدين الأقوم وليس المسيحية ولو على النمط النسطوري فانتموا إلى الإسلام ، وذلك الوقت كان أكثر المذاهب شيوعًا في بلاد إيران كان الأحناف والشافعية وهذان المذهبان بينهما حالة من المناكفة أحيانًا تزيد على ما بين الشيعة والسنة ومن جملة ما يذكرون يقولون كانت من البداية فأبو حنيفة توفي سنة 150هـ والشافعي ولد في نفس السنة فهؤلاء الشافعية يقولون لما خمد الباطل جاء الحق والأحناف يقولون أنه ما كان الشافعي يستطيع أن يبرز نفسه أو أن يخرج إلى عالم الوجود مادام أبوحنيفة موجودًا . وأكثر من ذلك في المسائل وفي المنهج فالمنهج بينهما مختلف كثيرًا .
ولما جاء الشاه خدابنده وصار مسلمًا فعلي أي مذهب يكون فصار كل واحد يجر من جهة فكل جهة تريد أن يكون الشاه على مذهبها لأن هذا يعني أن تكون المحاكم على مذهبهم والمدارس بيدهم وصلوات الجماعة بيدهم والحالة الرسمية فكان بينهما خلافات ومناكفات ومنازعات ليس فقط على مستوى الاستدلال والمناقشة العلمية بل كان أكثر من ذلك إلى أن انزعج السلطان انزعاجًا شديدًا ، فيقول بعض المؤرخون كان هذا سببًا لأن يبرز برمه وتضايقه من هذين المذهبين وكثرة المشاحنات والمنازعات بينهما . فقال له أحد الحاضرين لم لا تنظر إلى مذهب الشيعة ؟ فقال له الشاه : أتريد أن أصبح رافضيًا ! قال له : اسمع كلام أولئك كما تسمع كلام هؤلاء واحكم أنت بنفسك . فيقال أن هذا كان هو السبب كما يذكر الشيخ فارس الحسون في مقدمة كتاب إرشاد الأذهان وهو أهم كتب العلامة الحلي أو من أهمها يقول كان هذا هو السبب لأن يأتي العلامة الحلي وتصير مناظرات بينه وبين الشافعية والحنفية ويثبت لها ولهم وللسلطان أن الحق مع آل محمد . وسبب آخر أو حادثة أخرى قد يكونان متداخلين في وقتٍ واحد على نحو تكثر الدواعي ينقله المجلسي الأول والد العلامة المجلسي الشيخ محمد تقي المجلسي في شرحه لكتاب من لا يحضره الفقيه ، ينقل أن السلطان غضب من زوجته المحببة عنده وفي لحظة غضب أطلق عليها ثلاث تطليقات ، وفي صباح اليوم الثاني استدعى فقهاء الشافعية والحنفية وقال لهم بما حدث فقالوا له قد وقع الطلاق وقد بانت منك والحل أن يتزوجها شخص آخر ثم يطلقها ثم ترجع إليه ، ومن يجرؤ على هذا العمل . فقال لهم : أنتم تختلفون في جميع المسائل وتتفقون فقط في هذه المسألة ألا يوجد أي عالم له رأي آخر ؟ قالوا : لا كلنا متفقين على هذه المسألة . فتأذى كثيرًا فقال له أحد وزراءه أنه يوجد عالم في الحلة وهو رئيس علماء الشيعة وكان معاصرٍا للعلامة والفرق بينهما في الوفاة حوالي 12 سنة ، فالعلامة توفي سنة 726والشاه توفي سنة 414 أو 415هـ .وقد حكم هذا السلطان مدة 12 سنة . فجاء وينقل عنه أنه عمل هذه المسرحية حسب التعبير لإثارة النقاش وهي مشهورة وقد حذروا الشاه منه وقالوا أن هؤلاء الشيعة ليس عندهم علم ولا فقه ويوردون إلى المهلكة وغير ذلك ، لكنه كان مضطرًا لذلك ، فجاء العلامة وهو حامل حذاءه بيده ودخل دون أن ينحني وجلس بجانب السلطان ، فقالوا له : أنت رأيت بنفسك أن هؤلاء لا عقل لهم فإذا كان عاقلهم يصنع هكذا فكيف يصنع البقية . فقال : اسألوه . فقال : أما أنني لم أركع فلأنه لا يجوز الركوع لمخلوقٍ قط حتى رسول الله وإنما الركوع والسجود لله وحده . فاستحسن الشاه كلامه .وأما أنه جلست بجنب السلطان فلأن السلطان دعاني والجالسون لم يتفسحوا في المجالس كما أمرهم الله فلم أجد مكان فارغ إلا بجنب السلطان ولم يمنعني منه فجلست حيث انتهى المجلس . وأما النعال فخشيت أن يسرقه بعض الحاضرين كما سرق بعض أئمة المذاهب حذاء رسول الله صلى الله عليه وآله . فاستنكروا منه هذا القول . فقالوا لأن أول المذاهب كان أبو حنيفة وهو توفي سنة 150 يعني بعد 100سنة ونصف من وفاة رسول الله والشافعي بعد حوالي 200 سنة فقال العلامة أنه قد شهدوا عندك أن أيًا من هؤلاء لم يكن في زمان رسول الله فمن أين أتوا بهذه المذاهب ؟ لكن مذهبي من علي بن أبي طالب عليه السلام أخي رسول الله ووصيه أول الناس إسلامًا وآخرهم به عهدًا . فأينا أحق بالاتباع ؟ وهنا قامت المناظرات والمجادلات والعلامة كان قوي الحجة وواضح البرهان فما قام من ذلك المجلس حتى أعلن السلطان اعتقاده بمذهب آل محمد وأمر بأن يؤذن به وأن يشاع ويشهر وقال له العلامة الحلي أن زوجتك من الليلة حلال عليك لأن هذا الطلاق باطل لعدم وجود شهودٍ حين إيقاع الطلاق وعندنا بالروايات المؤكدة أنه لابد من شاهدين عادلين يسمعان الطلاق حين إيقاعه ( وهذا من حكمة الله عز وجل ، فلو كل من غضب على زوجته طلقها لصار عناء عجيب ) لذا التزم بعض الفقهاء والغريب أنه نسب لابن تيمية أنه طلاق الثلاث لايقع في نفس الوقت فوافق بذلك الإمامية مع أنه كان يتعمد أن يخالف كل شيء عند الإمامية قدر الإمكان ، ونقل أن الأزهرأخيرًا أقر هذا المعنى وأن الطلاق بالثلاث لا يقع إلا بطلقةٍ واحدة وفوق هذا عند الإمامية أنه بلا شهود لا يقع أصلًا .
وبهذا أعلن السلطان أن المذهب الجعفري هو المذهب الرسمي في إيران وانتشر انتشارًا بالغًا وهذا من الآثار الباقية للعلامة الحلي رضوان الله عليه .
ومن آثاره الباقية مؤلفاته وهي كثيرةٌ جدًا وبمجلداتٍ كبيرة والمعروف منها 100 كتاب بعضها في مجلدات كثيرة وبعضها تم شرحه بالمقدار الذي شرح فيه شرائع الإسلام ‘ فنقل أن ( الإرشاد ) بلغ شروحه قريب السبعين . وفي الفقه عنده مختلف أنواع الفقه وذكرنا أنه يتبين براعة الفقيه عندما تتنوع معارفه الفقهية ، والعلامة عنده كتاب ( تذكرة الفقهاء ) وهو مشهورٌ جدًا وجاء فيه بآراء المذاهب الأخرى والفقهاء الآخرين وأيضًا رأيه الخاص والاستدلال بصحة ما ذهب إليه وخطأ ما ذهب إليه أولئك وهو في 16 جزءً في بعض الطبعات .
وعنده كتاب ( مختلف الشيعة ) وفيه الآراء الخاصة بالشيعة واختلاف علماء الشيعة في المسائل تتبعها واحدًا واحدًا وأعطى رأيه وانتصر له . وعنده كتاب (منتهى المطلب ) في كلا الأمرين لفقهاء الشيعة وغير الشيعة وينتصر لرأيه ويستدل على عدم صحة غيره من الآراء . فعنده حالة موسوعية وإحاطة . وعنده كتاب ( قواعد الأحكام ) يحتوي على حوالي 600 قاعدة فقهية تحدث فيها بكفاءةٍ منقطعة النظير وغير ذلك من الكتب التي لا نستطيع استيفاء الكلام فيها .
ويكفينا أن ننقل شهادتين من عالمين عظيمين من علماء الإمامية كي يتبين مقدار هذا الرجل رحمة الله عليه ، الأولى : شهادة المحدث الشيخ يوسف البحراني رضوان الله تعالى عليه صاحب كتاب الحدائق الناظرة وهو فقيهٌ عيلم وبحرٌ خضم وإلى الآن كتابه ( الحدائق الناظرة ) لا يستغنى عنه في بحوث الخارج العليا وهو من مدرسة المحدثين الأخباريين وهو عالم كبير معترف به بين الطائفتين المدرسة الأخبارية والمدرسة الأصولية . والعلامة الحلي ينتمي إلى المدرسة الأصولية فشهادة مثل الشيخ يوسف في حقه هي شهادة استثنائية ومع ذلك قال فيه ( وكان هذا الشيخ وحيد عصره وفريد دهره الذي لم تكتحل حدقة الزمان بمثلٍ له ولا نظيرله كما لا يخفى على من أحاط خبرًا بما بلغ إليه من عظم الشأن في هذه الطائفة ولا ينبئك مثل خبير )
والشهادة الأخرى من السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي رضوان الله تعالى عليه والذي وإن كان من المدرسة الأصولية إلا أنه معترفٌ به عند الجميع وممن ينقل إنه كان يحظى بلقاء الإمام الحجة قائم آل محمد فقال في حقه ( علامة العالم وفخر نوع بني آدم أعظم العلماء شأنًا وأعلاهم برهانًا سحاب الفضل الهاطل وبحر العلم الذي ليس له ساحل جمع من العلوم ما تفرق بين الناس وأحاط من الفنون بما لم يحيط به القياس مروج المذهب والشريعة في المائة السابعة ورئيس علماء الشيعة من غير مدافعة ) ثم يفصل ما عند الحلي من علوم في الفقه والأصول والعقائد
وبمثل هؤلاء شاد الدين أركانه فالدين لا يشاد بالعبث ولا باللغو ولا باللهو ولا بالتقصير وإنما بمثل هؤلاء الأفذاذ من العلم من جهة ومن الدفاع عن الدين وإراقة الدماء في سبيل بقائه