من تاريخ التشيع في اندونيسيا
كتابة الفاضلة سلمى بوخمسين
قال الله العظيم في كتابه الكريم (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب)
حديثنا يتناول شيئا من تاريخ التشيع في جنوب شرق اسيا في دولة اندونيسيا
جرت العادة في محرم السنوات الماضية ان نتحدث عن تاريخ التشيع في بلد معين فتحدثنا عن التشيع في القطيف والاحساء والمدينة وتركيا وأذربيجان ولبنان والعراق وايران والمغرب العربي وغيرها من المناطق والغرض من ذلك متعدد احدها ان لا يشعر شيعة اهل البيت عليهم السلام في أي منطقة يعيشون فيها انهم وجود قليل وطارئ في الامة وانما كل الامة الإسلامية بدرجة او أخرى احتضنت التشيع في فترة من فترات تاريخها بشكل كامل او بعض سكانها واجزاءها فالتشيع والشيعة ليسوا وجودا طارئ في العصر الحديث ولم يوجدوا في أي منطقة بسبب احداث طرأت عليها وانما هم ضاربين جذورهم في أعماق التاريخ وهذا يترتب على ان الانسان الشيعي لا ينبغي ان يشعر بانه ليس منتمي لهذه الامة وانما هو جزء اصيل في هذه الامة ومذهبة كما نعتقد هو النسخة الاصلية للإسلام ، يضاف الى ذلك رسالة هي رسالة تواصل وتسالم مع الاخرين من المذاهب الإسلامية بان العالم الإسلامي كان يتعايش بشكل عام مع وجود مذاهب مختلفة فيه كان يتعايش معها لولا بعض الفترات التي حاول بعض أصحاب المصالح من تفجير الخلافات وتشديد الصراعات الطائفية والا قاعدة لكم دينكم ولي دين ( الدين مقصود به في كلامنا هو الطريقة والمذهب فالجميع مسلمون ) .
هذه الليلة نتناول دخول الإسلام والتشيع الى بلاد اندونيسيا لكي يتبين لنا شيء إضافي وهو البركة والنعمة والخير التي نتجت عن منهج ال محمد، فانهم بالإضافة الى شرحهم للشريعة وبيانهم للأحكام ولما جاء به جدهم رسول الله صل الله عليه وعليهم اجمعين كان لهم الدور الأكبر في نشر الإسلام.
اليوم أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان ورابع دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية هي بلاد اندونيسيا 270 مليون نسمة ومساحتها 2مليون كيلو متر تقريبا، 17 ألف جزيرة فيها، هذه الاعداد وما تحتويه من السكان هم ثمرة من ثمرات الدعوة التي حملها احفاد الامام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من الأمور التي بالرغم من محاولات الاخفاء الا انها لم تخفى وبقيت ثابتة يبقى الامر هل كانوا على مذهب التشيع حسب دراسات صحيحة وموثقة ام انهم كانوا على المذهب الشافعي..
فاصل حمل احفاد الامام الصادق عليه السلام الرسالة المحمدية الى تلك المناطق لتي لم تعرف الإسلام الا بواسطتهم.
هناك نظريتين أحدهما تحاول ان تقلل من دور اهل البيت تقول ان الإسلام الذي انتشر في اندونيسيا والفلبين والملايو وتايلند وماليزيا انتشر عن طريق التجار المسلمين الذين يذهبون إليهم للتجارة وهذا النظرية غير دقيقة.
النظرية الأخرى التي تدعمها الشواهد ولها تاريخ موثق هي ان الامام الصادق عليه السلام ابنيه علي بن جعفر معروف بالعريضي وقبره موجود في المدينة وكان له مقام في السابق ،والأخر محمد ابن الامام الصادق المعروف بالديباج هذين احفادهم انتقلوا الى حضرموت كان قسم منهم ساكن في البصرة وبعد ان حدثت ثورة الزنج وهي ثورة فوضوية همجية كانت في زمن الامام الهادي والعسكري عليهما السلام وهي ثورة منحرفة موقعها في منطقة البصرة وعبادان وتوابعهما من المناطق والامام الحسن العسكري اصدر كلاما نزع الشرعية من صاحب الزنج فقال ( صاحب الزنج ليس منا اهل البيت) فقد كانوا يدعون نسبهم لأهل البيت فنفى نسبيتهم وأيضا نفى انتمائهم الفكري والسلوكي لأهل البيت وعدم موافقة الامام على طريقتهم ونهجهم فلقد ارتكبوا جرائم كثيرة ، وطال اذاهم المسلمين حتى السادة من اهل البيت حيث سبيت بعض نساء تلك الاسر المنتمية للأسر الهاشمية ، فهاجر كثير من هؤلاء خارجين من البصرة ومن بينهم السيد احمد ابن عيسى ابن محمد ابن علي ابن جعفر الصادق المعروف بالمهاجر ،وجده علي ابن جعفر احد الرواة الموثوقين الذين رووا عن الامام الصادق وله كتاب يعتمد عليه الفقهاء في الفقه .
السيد احمد بن عيسى المهاجر انتقل من البصرة الى حضرموت في اليمن سكن احمد مناطقها واستقبل من قبل أهلها استقبال ترحيب، وكان يفقه الناس ويدرسهم علم اهل البيت، وقد وجه احمد بن عيسى ابناءه للهجرة فاتشروا في الفلبين وتايلند واندونيسيا وماليزيا، وحينها بدأوا بنشر علم اهل البيت عليهم السلام.
أحد الكتاب اسمه فان بن بيرق عنده كتاب اسمه المستوطنات في الجزائر الهندية، وهو مؤرخ قديم يقول في كتابه كان من اهم أسباب انتشار الإسلام في اندونيسيا ان الدعاة الى الإسلام كانوا من احفاد النبي محمد صل الله عليه واله وسلم، وقد لقوا الحفاوة والتجاوب من اهل تلك المناطق أحبوهم واتبعوهم، فهؤلاء احفاد احمد المهاجر باشروا دورهم بالدعوة للإسلام وتعليمه في تلك المناطق.
يوجد فرع اخر من احفاد الامام الصادق وهم احفاد محمد الديباج،
حفيد الديباج عبد العزيز بن علي بن محمد الديباج كان من ضمن المهاجرين لتلك المنطقة وقد انتشروا في مناطق مختلفة منها فبعضهم ذهب لمنطقة جاوه وبعضهم مناطق أخرى وكل واحد بداء يعمل على دعوة الناس الى الإسلام ،عبدالعزيز حفيد الامام الصادق كان ذوا شخصية سوية ودعوته مارسها بأسلوب سلمي واخلاق عالية فاستطاع اقناع امير المنطقة التي اقام فيها بالإسلام وقبل ذلك بقناعة وحب واسلم مع اسرته وزوج عبد العزيز احدى بناته فاصبح وريث العرش بعد ذلك ، فحفيد الامام الصادق عليه السلام الذي كان مضطهد ومحاصر في بلاده البصرة ونواحيها اصبح صهرا لحاكم المنطقة فلما حضرة حاكم المنطقة الوفاة أوصى بالحكم اليه ومن بعده وأولاده واستمرت مدة حكمهم 80 سنة واستمروا خلال تلك السنوات بالدعوة للإسلام ونشره .
ينقل عن كتاب سلسلة محمد الديباج انه كان يروي من أحاديث الرسول ما جاء في حق جده امير المؤمنين (لولا أني أخشى ان تقول فيك طائفة من امتي ما قالته النصارى في المسيح عيسى ابن مريم لقلت فيك قولا لا تمر به على ملاء الا واخذوا من تراب رجليك ومن طهورك يستشفون ولكن حسبك أنك مني وانا منك).
هذه الذرية الهاشمية كان لها الدور الأكبر في تأسيس ونشر الإسلام فهذا أحد اهداف هجرتهم لتلك المناطق وان وجدت فرق أخرى غيرها قامت أيضا بذلك الدور من فرق المسلمين كبعض التجار المسلمين الذين مارسوا ذلك الدور ونشروا الإسلام عبر تعاملهم مع أهالي تلك المناطق الذين أحبوا شخصياتهم واخلاقهم العالية وسلوكياتهم الحميدة.
إذا يوجد عوائل هاشمية كثيرة تنتمي لنسب رسول الله لها أصول تاريخية موجودة في اليمن والفلبين وماليزيا فمثلا تجد في اندونيسيا حاليا عوائل معروفة من السادة مثلا عائلة ال الكاف وفيهم علماء معرفون في وقتنا الحالي سادة وينتهي نسبهم للأمام الصادق عليه السلام وعائلة العيدروس والبار والمحضار والسقاف.
من المعروف ان في حضرموت فئة من الناس يعظمون شخصية احمد بن عيسى يعظمونه تعظيم كبير ولكن منهجهم الفقهي هو المنهج الشافعي وكذلك في اندونيسيا نسبة المسلمين فيها 88%الغالبية المسلمة اصولهم تنتمي للمذهب الشافعي والباقي من الشعب بين المسيحيين وديانات أخرى كالبوذية وغيرها وأخيرا تم الاعتراف بالبهائية كدين من الديانات وهي أحد الديانات المنحرفة التي لها أفكار لا ترتبط كثيرا بالإسلام.
في داخل الدائرة الإسلامية الأكثرية الساحقة والغالبة هي من الشافعية المذهب ولهم طرائق صوفية وبعد هؤلاء يأتي شيعة اهل البيت وعددهم ليس بالكثير، ومن الصعب معرفة العدد الحقيقي لأنه لا يوجد لديهم إحصاء على أساس المذهب وقسم من اتباع المذاهب لا يصرحون به لذلك تختلف التقديرات اختلاف كبير جدا فهناك من يقول ان شيعة اهل البيت في اندونيسيا يبلغون 100 ألف وبين من يقول انهم يزيدون على المليون فالاختلاف في تقدير العدد كبير جدا ومتفاوت.
لوجه عام يتبين ان الشافعية هي العدد الأكبر في اندونيسيا وشيعة اهل البيت موجودون بقدر غير قليل كما ان التوجه السلفي في الفترة الأخيرة بدءا يتواجد ويظهر بقوة في تلك المنطقة.
كيف صارت اغلبية المسلمين في اندونيسيا اغلبية شافعية هذا نتناوله في حديث اخر.
المرحلة الأولى وجدنا ان احفاد الامام الصادق ذهبوا لتلك المناطق وباشروا الدعوة الى الدين (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب) اشخاص هاربين من البصرة لاتقاء القتل يذهبون لحضرموت ومنها ينتقلون الى الجزر الهندية ومن هؤلاء ينشئ جيل الان 270 مليون تقريبا 88% منهم مسلمين وهذا شيء عظيم يدل على عظمة الدين الإسلامي.
كما ان احفاد الامام الصادق أصبح لديهم مملكة تسمى مملكة برلاك وبقوا فيها فترة اقل من قرن من الزمان وبعد ذلك زالوا عنها واخذها غيرهم.
بينما في مرحلة أخرى شهدت اندونيسيا حركة واسعة جدا من الدعوة للإسلام يطلق عليهم حركة الأولياء التسعة ، تسعة أولياء من احفاد احمد بن عيسى المهاجر فهؤلاء أبناء ابناءه ، بعد ما يقارب من 500 سنة هجري فصاعدا جاء تسعة اشخاص متتاليين ثمانية منهم احفاد مباشرين لأحمد بن عيسى المهاجر حفيد الامام الصادق ،وبقوا حوالي 170سنة يدعون لله في تلك المناطق واصبح لديهم في بعض تلك الدول رئاسة وزعامة واستمروا على ذلك ، فتواصل امر الدعوة للدين وليس من الطبيعي ان يدعوا حفيد الامام لغير مذهبه ومعتقده ويذكر انهم كانوا عارفين بأحكام الدين والمذهب فكيف تحول العدد من المذهب الشيعي للشافعي هذا الموضوع محل بحث .
في هذه الفترات الأخيرة على اثر ظهور دور العلماء في أواخر هذا القرن الجديد القرن الخامس عشر الهجري الذي ظهر فيه دور شيعة اهل البيت وحققوا ما حققوا للدين عادت من جديد ذكر اهل البيت في شتى بقاع العالم ومنهم اندونيسيا فاستعيد الامر واخذ الناس يتوجهون لهذا المذهب ووجدت حركة باتجاه مذهب اهل البيت وخصوصا في الاسر الهاشمية وكأنما هؤلاء استعادوا مذهب اباءهم والبعض اخذ يفتخر لانتمائه لأهل البيت ومذهبهم ، ولا ينبغي النظر لمسائلة الانتقال من مذهب لأخر نظرة حرب وصراع فالحرية المذهبية والدينية امر طبيعي لا يمكن للإنسان ان يمنعه ،فممارسة الاجبار والقوة لا تفيد في اثناء أي شخص ينوي تغيير مذهبه او معتقده فهو قناعة شخصية لا يستطيع احد الوقوف في وجهها .
وفكرة ان البعض يدفع له الأموال لتغيير مذهبه ودينه هذه فكرة خاطئة وان كانت تمارس من قبل بعض الجهات ولكنها غير مجدية وقليل جدا من يستجيب لها، فمن يغير دينه او مذهبه لأخر يعتقد ان هذا هو الطريق الصحيح الذي يقود الى السعادة الأبدية.
ومن الاثار الشيعية في تلك المناطق وجود المقابر الشعارات التي عليها تدل على توجه من دفن فيها فشعار ( لا فتى الا علي ولا سيف الا ذوا الفقار ) موجود على قبورهم القديمة ومن الاثار الدالة على ولاءهم لأهل البيت والرسول احتفالهم في أيامنا هذه بمولد النبي صل الله عليه واله والاحتفاء بالمناسبات الدينية وكذلك احترامهم لمن ينتسب لرسول الله وله اسم خاص يقال لهم با علوي أي ابن علوي أي ينتسب للأمام الصادق سلام الله عليه من ذلك أيضا ما يرتبط بالممارسات الخاصة بقضية الامام الحسين في شهري محرم وصفر فكما ينقل ان هناك مناطق كثيرة في شهري محرم وصفر لا تقام حفلات الزواج وغيرها وايام عاشوراء يطلقون عليها سورا .
الان أصبح توجه في تلك المناطق لمذهب اهل البيت فوجدت جمعيات وقنوات وجهات رسمية معترف بها من الدولة وتتماشى مع قوانينها وهذا يدعوا للفخر والفرح فالتشيع هو محبة اهل البيت واتباعهم فينبغي ان يصبح التوجه لمحبة اهل البيت محل اتفاق وليس عداء في الحديث (لا يؤمن احدكم حتى أكون أحب اليه من نفسه ويكون اهل بيتي أحب اليه من اهل بيته) فمحبة اهل البيت مفروض انها نقطة اتفاق بين المسلمين وتبقى نقطة هل نتبع اهل البيت في فقههم او نتبع غيرهم هذا تسأل خاطئ لا ينبغي ان يكون بين المسلمين.
حينما نفكر ان عمل الخير كم ينتج فحين النظر الى العدد وبان رابع أكبر دولة في العالم من حيث كثافة السكان هو هذا البلد وهم مسلمون وموحدون لله تعالى، وبدايته كانت بسيطة على يد نفر قليل منحدرين من اسرة واحدة نرى انه عمل عظيم وإنجاز مذهل، فمن صنع هذا الإنجاز وكانت بدايته بجهده كم له من الثواب عند الله، فمن يقوم بعمل الخير قد لا يتخيل نتيجة عمله وثمرته في المستقبل بينما ثماره تمتد للأبد.
|