المسؤولية عن منابع المعرفة الدينية
كتابة الخطيب الحسيني فتحي العبد الله
قال تعالى ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (
ننطلق من هذه الآية المباركة لنتحدث عن ( المسؤولية عن منابع المعرفة الدينية )
كمقدمة للحديث عن هذا الموضوع فالآية المباركة تتحدث عن جزئين الأول مقدمة والآخر السبب .
المقدمة
قالت الآية المباركة ( لا تقف ) أي لا تتبع فيقال ( قفوت اثر فلان ) اي تبعت ذهب خلفه بحيث يكون في الامام وانا في الخلف ، ومنه تأتي ( القافية ) في الشعر لان حروف نهاية البيت الثاني تتبع البيت الاول فتسمى بذلك قافية .
في العرفة الدينية يجب ان تتبع احداً اوشيئاً ، وهو ينبغي ان يكون على علم ، فلو اتبعت احداً او فكرةً من غير انتهاء الى العلم ، فانت بذلك محاسب ولست معذور ، فاذا كان بإمكانك تحصيل العلم على تلك القضية وذهبت الى غير العلم وغير الدليل فتكون بذلك محاسباً ،
السبب
يعود السبب الى ان منافذ المعرفة موجودة عندك وهي ( السمع ، البصر والفؤاد )
فالسمع منفذ من المنافذ والبصر بواسطته تطلع على الاشياء والحقائق وكذلك الحال مع الفؤاد وهو العقل منفذ آخر ، فانت مسؤول عن هذه الأدوات سواء اكنت استخدمتها ام لم تستخدمها ، فهذا رجل عندما سمع كلام النبي وضع اصابعه في أذانه حتى لا يسمع كلام النبي ( وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ) فالذي يصنع مثل هذا الصنيع مسؤول عن فعله يوم القيامة ، فالذي أمامه كتاب ويستطيع ان يرجع إليه ، او قرآن يستطيع تلاوته او رسالة عملية لم يطلع عليها فهو بذلك يكون مسؤول امام الله على كل ذلك ، وكذلك الحال مع الفؤاد فلو سمعت شيئاً لا ينساب مع العقل او لا يتفق مع الشرع ، فلو أخذته على علاته من غير تفكير ، فانت هنا مسؤول يوم القيامة ،،
المسؤولية في القرآن
جاءت في القرآن الكريم ( كان عنه مسؤولا ) في عدة موارد ، وهي تتحديث عن المسؤولية عن منافذ المعرفة والنعم التي انعم الله ايها للانسان من اجل ان يحصل على المعاني والمعارف والحقائق فأنت لا تستطيع ان تدخل الحقيقة عن طريق يدك او رجلك فهي لا تدخل الا من خلال السمع او النظر او التفكر والتأمل والتدبر .
لماذا خصت الآية هذا الترتيب حواس المسؤولية ؟
- البعض يأول اسباب هذا الترتيب على وجه الخصوص بسبب ان التكامل العضوي في الانسان من الولادة بهذا الترتيب وهو تكامل السمع ثم البصر ثم العقل ، فقد يكون صحيحاً وربما تكون لهذا السبب ،
- ان حجم المعلومات والمعارف هي بالتسلسل فالسمع أقل من البصر فيما يتعلق بالحقائق ، وما هو متعلق بالبصر اقل ما يتعلق بالتفكر والتدبر فهل هذا متعلق بالتدرج او لأسباب أخرى .
المسؤولية والعهود
• عهود الناس مع الله تعالى
( وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ ۚ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا ) فعندما آمنو وتشهدوا وبايعوا رسول الله ( ص) فالبيعة تعني بيع الحياة في سبيل الدين والرسول والحق ، فعندما يبايع فقد عاهد الله ان لا يولي الادبار ، وهذا العهد هو مسؤول عنه يوم القيامة ، فالذي يفرط في عهده مع الله فيسأل ويحاسب يوم القيامة
ومن جملة العهود التي اوجبها على الناس هي جملة العقائد والاحكام ، فالله سبحانه وتعالى عهد الى الناس ان يأمنو برسله وسيسأل الانسان عن ذلك فهل تولى نبيه وامامه وذلك لسائر العقائد ، كذلك الحال مع الاحكام الشرعية فهي عهود الله الى الناس واوامره ، فقد طلب منهم الاستجابة لها وسيحاسب المقصر فيها ويثيب
• عهود اخذها الله على نفسه مع عباده
مثل انه وعد ان الانسان الصالح والعامل بشرع الله تعالى بان مصيره الى الجنة فالله لا يخلف الميعاد ، فالذي يتولى من امر بولايته وتبرأت ممن أمر الله بالتبرأ منه ،فقد جعلت لنفسك على الله عهداً على الجنة والله قبل هذا العهد ووعد بتصديقه وتنفيذه ( لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْدًا مَّسْئُولً )
فالذي يصنع هذا الصنيع من حقه ان يطالب الله لان الله وعد بذلك إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)
• عهد الناس مع جوارح المسؤولية
وهذا يتجلى في قوله تعالى ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) فستحاسب من بوابتها سواء اكان سمع وبصر او عقل ، فأي نوع من المدخلات التي ادخلتها في هذه الجوارح ، اي ماء ادخلته في نفسك هل هو ماء ملوث والعياذ بالله ،
تأمل في المقدمة
) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ )
ان مطلوب من الانسان ان يترك الظن والوهم والشك ، فمسألة الشك في الذي يقول لعله ويتخطر ويفكر فهو امر لا يصح في الامور الدينية بخلاف الامور الحياتية العادية ، وذلك لان الاخطار تختلف عنها عن الاخطار الدينية ، فالتجارة فيها احتمالية الربح يمكنك ان تدخل حتى لو كانت هناك شك فأقصى ما يمكن ان يتعرض له الانسان هو الخسارة التجارية اما في مجال الدين فالخطورة تكون خطورتها كبيرة قد تؤدي الى خسران الجنة ويكون طعمة لنار جهنم . فاحتمالية الواجب والمستحب يجب ان لا يكون فيه الاحتمالية ، فنبغي اما ان يكون من اهل التخصص فيكون اجتهاده له وعليه ، واما ان لا تكون كذلك فيكون طريقك في الاحتياط الشرعي وهو ان يجمع بين الاحتمال ولانه لا يتيسر للجميع لقساوته اوضح المعصومين من انك في زمان المعصوم ان تتبع الامام لاغير ، اما في غير زمانهم فهو طريق الفقيه المتخصص العادل العالم بشرائط الفتوى فيحق ان تأخذ منه وتسير على وفقه ويوم القيامة لك الحجة في ذلك لانك سألت في ذلك اهل الذكر وان كان لم يطابق الواقع ، لكن الاحتمالية ليس لها نصيب في امور الدين .
الافكار الغير نافعة في التفكر :
تأتي بعض الناس افكار غير طبيعية عن الله تعالى وقد تكون غير مناسبة لله جله تعالى كأن يتهم الله في عدله في خلقه في شكله وفي غير هذه ، فهل يعاقب الانسان على هذه الافكار ؟ لا يعاقب عليه الانسان طالما انه لم يتحول الى عقيدة او الى لفظ او عمل خارجي ، فإنه يوجد لدينا حديث عند المسلمين جميعاً وهو حديث الرفع ( وضع عن أمتي تسع خصال: الخطاء والنسيان وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه والطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد ". ويحتمل أن يكون المراد بالتفكر في الوسوسة التفكر فيما يوسوس الشيطان في النفس من أحوال المخلوقين وسوء الظن به في أعمالهم وأحوالهم. ) هذا الامر يحدث حتى مع المقربين من اصحاب اهل البيت عليهم السلام كمثل جميل بن دراج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: إنه يقع في قلبي أمر عظيم، فقال: قل: لا إله إلا الله قال جميل: فكلما وقع في قلبي شئ قلت: لا إله إلا الله فيذهب عني .) هذا اللفظ هو شغل النفس بالقول عن النافع عن الاقوال الضارة والافكار الغير نافعة
فاذا كان هناك مسؤولية تجاه ما يدخله الى سمعه وبصره وفؤاده ،
كيف نطبق هذه المسؤولية
1- الأخذ من آل محمد (ص)
فالله سبحانه تعالى طلب من البشر ان يعبدوه فإما ان يعبدوه كل وحد على طريقته الخاصة او بالطريقة التي تكون من خلال البرنامج المتكامل الذي لا يمكن ان يزيح عنه ابداً ، فالخيار الثاني هو الخيار الحقيقي الذي وضعه لسائر البشر في عبادتهم لله تعالى ، فالله سبحانه ارسل رسله وواتر انبياءه ووضع لهم كتبه و البرامج التفصيلة ، فهذا الامر كان من خلال القرآن والرسول (ص) في المرحلة الاولى ، ولكن اكمل الله تعالى بالنسبة لنا بعد وفاة رسول الله لاشخاص أخر بعد النبي (ص) فكان القائم عليه والعارف به هم اهل البيت عليهم حيث اوصى وهو ما ورد في حديث الثقلين ( اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي ابدا ، كتاب الله وعترتي اهل بيتي )
للاسف الشديد ان البعض لا يطبق الا النص الاول من هذا النص العظيم فهذا نصف هداية وقد تؤدي الى الضلال ومقابل ذلك ايضاً اذا تمسكم بغيرهما او بطرف ثاني غير العترة فقد ضللتم ، فاعطى البرامج واعطى القائم عليه ، وقال في في مواضع شتى ( انا مدينة العلم وعلي بابها ) ( انا مدينة الحكمة وعلي بابها ) ( انا مدينة الفقه وعلي بابها ) فمن اراد المدينة فليأتيها من بابها ،،
فالذي يريد الفقه والحكمة والعلم عن طريق هذا الباب ، فبعض الروايات تذيل في ذلك ( فقد عد سارقاً ) لان القرآن الكريم يقول ( وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )
وفي حديث امير المؤمنين يقول لكميل ( ياكميل لا تأخذ الا عنا تكن منا ) فالذي يريد ان يكون شيعياً حقيقياً لا يكون كذلك الا اذا اخذ من اهل البيت عليهم السلام ، لان في كل مكان توجد البضاعة في كل مكان فالذي يريد ان المعروض الصافي هو عند اهل البيت وخلافه فيه السقيم والصحيح ،، فالامام الصادق عليه السلام ( شرقا وغربا لن تجدا علما صحيحا إلا شيئا يخرج من عندنا أهل البيت. )
2- الاخذ من خلف أهل البيت عليهم السلام
ويعني بذلك حملة الاحاديث وعارفوا روايتهم والمتخصصون في معرفة احكامهم ، فمن الواضح ان في الامة الاسلامية مذاهب اسلامية سواء أكانت اربعة في مدرسة الخلفاء وفي الشيعة مذاهب والخوراج مذاهب ، فالفئة التي احتضنتها اقوال الائمة وجمعتها ونقحتها هم الاثني عشرية ، فالبعض يقول انهم يحبون اهل البيت عليهم السلام لكنه لا يتبعونهم ، فهم لا يأخذون منهم كالمسائل الشرعية التي أفتى بها الامام الصادق فإنك لا تجد عشرة مسائل عنه عليه السلام في كتبهم ولا في مسائل شرعية عن امير المؤمنين فلا تجد في الصحاح الكبرى تجد ان امير المؤمنين لا توجد له الا ستة وخمسون رواية له فأي باب مدينة العلم من الاخلاق والفقه والعقائد والتفسير والاحكام الشرعية ، فهل يمكن يعيش حياته الشرعية بهذا العدد من الرواية ، حب اهل البيت خطوة ناقصة تماما بالاتباع (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه ) فأين الاخذ عنهم ؟ فمن ورث هذا الامر هم العلماء والمراجع واهل الحديث من الاثني عشرية ونحن نتبعهم ونقلدهم ونحرص على الاخذ عنهم ونعتقد اننا معذورون يوم القيامة وحجتنا ظاهرة واضحة ، فلو سألت لماذا صليت الصلاة بهذه الطريقة ، يكون الجواب لان هناك تخصص عالما دينياً في اعلى درجات التخصص حيث قضى جملة عمره من دون ان يعمل شئ آخر في تنقيح وشرح وتفسير احاديث آل محمد .
نشير الى بعض الافكار التي تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي وهي من ابرز تشويهات الثقافة في عصرنا هو هذا الامر وهو ما يسمى بالفوضى الخلاقه وهي في الحقيقة فوضى خناقة حيث هناك فوضى في الفكر والثقافة وحكايا لا تعلم من اين اصلها ومادليلها وماغايتها واين تسلك الناس ، فذلك يقول لماذا تحتك الحقيقة عند العلماء ، فهذا حسب قوله حجة لانه متخصص وعارف وعالم وانت لا حجة في قولك ، فيستطيع الانسان ان يجتهد لكن لا يستطيع ان يعطي لغيره ، فالذي عنده تجربة خاصة في الطب فالذي لو ألمته رجله وضع رجله على بصلة فهي تجربته تخصه فلا يفتح عيادة بهذا الخصوص فقد احاكم على ذلك لانه دخل في امر غير متخصص لانه قد يدخل الاخرين في مهالك ، فالذي يفتح طبابة دون شهادة يقع في اشكالات كذلك الحال في الهندسة لكن عندما تأتي في الموضوع الشرعي يستطيع ان يفتي ويعطي رأياً ، ويتعجب الشخص من ان البعض لا شأن له في الدين ، فالبعض يكون مشهور في سناب شات او اي برنامج آخر ، فتعطيه يفتي ويتكلم في قماشه غير مقاشته ، للاسف ان هناك من يتبعون امثال هؤلاء ممن لا تخصص لهم ولا دراية ولاحتى معرفة في امور الدين ( من اصغى الى ناطق فقد عبده ، فان كان الناطق ينطق عن الله فقد عبدالله ، وان كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) العبادة في حقيقتها ماهي الا الطاعة ، فعندما تستمع الى عالم فقيه وورع وتطيعه فيما يقول فهذا ينطق عن الله فبذلك تبعد الله ، اما من ليس له في هذا المجال فيكون ينطق عن الشيطان وبذلك انا اكون قد عبدت الشيطان ..
ينبغي الانسان ان الاذن مسؤول عنها وعينه وفؤاده وقلبه وعقله مسؤول عنه يوم القيامة .
ومن المسؤليات ايضا هي مسؤولية العهد مع من يمثل الله من الائمة او من يمثل الائمة عليهم السلام ، فهذا موقف الكوفة الى اليوم هو نقطة سوداء في تاريخهم لانهم اعطو مسلم ابن عقيل عهد النصرة وبايعوه نيابة عن الحسين فهي بيعة للحسين بعدما ارسلوا له الرسائل ( أن قد أينعت الثمار وأخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجند؟! ) حيث ارسل الحسين عليه السلام مسلم ابن عقيل ( باعث اليك اخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم ابن عقيل ) ما الغرض من هذه الرسالة ( فان كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملئكم، وذوي الحجى والفضل منكم، على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، فاني أقدم إليكم وشيكا إنشاء الله )
حيث كانت لدى مسلم ابن عقيل ، الوكالة والنيابة والاستطلاع ، فهذه الاوصاف تخص مسلم ابن عقيل
|