تفريغ نصي الفاضلة أم أحمد قال سيدنا ومولانا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : ( إنما شيعةُ عليٍّ مَنْ عَفَّ بطنَهُ وفرجَهُ وعمِلَ لِخالِقِهِ ورجا ثوابَه ، فأولئك شيعةُ عليٍّ صلوات الله وسلامه عليه ) ... الحديث عن تاريخ التشيُّع في منطقةٍ من مناطق المسلمين هي ما وراء خُراسان ، المعروفةِ تأريخياًّ باسم ( سِجِسْتان ) ، ومُعاصِراً باسم ( أفغانِستان ) .. الحديث في هذا الموضوع يُرسِلُ رسالةً أولى حول وجود التشيع في الأمة لكي يقول إن العامل التاريخي والعامل الجغرافيَّ كلاهما يُؤكِّدان معنى أصالة التشيع ، فهو ليس حالةً سياسيةً طارئةً مرتبِطةً بوضعٍ سياسيٍّ حديث ، ولا هو مذهبٌ نابِتٌ وناشيءٌ في الأرمِنةِ الأخيرة ، وإنما تاريخُهُ يضرِبُ في الجذورِ إلى السنواتِ الأولى من بدايةِ الإسلام ، وهذا ما سبق أن تحدثنا عنهُ في سنواتٍ ماضية عند الحديث عن تاريخ التشيع في القطيفِ والأحساء والمدينةِ المُنوَّرة والبحرين ولبنان والعِراق وإيران ... وبَيَّنَّا فيها أن هذا العامل التاريخيَّ يضرِبُ في الجذور إلى السنوات الأولى من بدايات الإسلام ، ويُضيفُ أيضاً عامِلاً جُغْرافِيّاً : وهو أن هذا المذهب استَقْطَبَ مناطقَ كثيرةً من العالَم الإسلامي إلى حدٍّ تكاد أن تقول إنه لا يوجَد بلدٌ إسلاميٌ لا يُوجَد فيه شيعةٌ لأهلِ البيت عليهم السلام قَلُّوا أو كثُروا ، هذا العاملُ الجغرافيُّ يطردُ بعض الأفكار التي تريدُ أن تُلصِقَ التشيُّع بفِئةٍ مُحدَّدةٍ أو بعُنصُرٍ مُعيَّن أو قومِيَّةٍ خاصة ، التشيُّعُ بهذا المعنى عابِرٌ للقومِيات لا تحُدُّهُ قومِيةٌ ولا ينحَصِرُ في واحدة منها ، وبالتالي فإن على العالم الإسلامي أن يقبل هذا الواقع وأن لا يُفكِّرَ أحدٌ في أن بإمكانه أن يسْتأصِلَ أو أن يجْتثَّ أو أن يُلْغِيَ وجوداً شيعياً في منطقةٍ من المناطق فإن غيرهُ قد سبَقَهُ ، وإن فراعِنةً كثيرين قد دأبوا في هذا الجانب في سنواتٍ كثيرة فما حصَدوا إلا الخيبةَ والخُسْران ... الرسالة الأخرى / هي رسالةٌ مُعاصِرة هذه المنطقة التي نتحدَّثُ عن تاريخ التشيُّعِ فيها بالرغمِ من فقرها المادي ، وتَخَلُّفِها العُمراني إلا أنها مُمْكِن أن تُقَدِّمَ للعالم الإسلامي نموذجاً من التعايُشِ المُمكِن بين المذاهِب ، ومن العلاقةِ بين سائر المذاهب وبين شيعةِ أهل البيتِ عليهم السلام ... الآن في أفغانِستان شيعَةُ أهلِ البيت ، وُجودُهم – حُرِّياتُهم الدينية – تمثيلُهم السياسي مُقَرٌّ ضِمْنَ الدُّستور ، يعني ليست شهوة حاكِم ، وليست إرادةَ رئيس ، وإنما هو جُزءٌ من البناء السياسي والدُّستوري في هذه البلاد قائمٌ على هذا الأساس ، ولذلك تجِدُ اليوم في الجِهة التعليمية : يُوجد لدى الشيعةِ في كابول وحدها جامعة يُديرُها أحد العُلماء المُجتهِدين رسمية مُعتَرَف بها ، يوجَد بها أكثر من 10000 طالب وطالِبة .. يُوجَدُ في هذا البلد عددٌ منالقنوات التلفزيونيةِ الشيعيةِ المعروفة والرسمية ، وتتحدَّثُ عن التشيُّع وأفكارِ أهل البيت بِحُرِّيَّةٍ تامة ، ويُوجَدُ أضعاف هذا العدد إذاعات رسمية شيعية ، ويوجَدُ عددٌ من الصُّحُفِ والمجلات في نفسِ هذا الإطار ، وفوق هذا يُوجَدُ مُشاركة سياسية ، حيثُ جرى العُرْفُ على أن يكون هُناك 4 وزراء في كل تشكيلةٍ حكومِية من شيعةِ أهل البيت عليهم السلام ... تمثيل سياسي ومُشارَكة – حُرِّية إعلامية وتبليغية – إمكانيات في التعليم – وأيضاً جرى العُرْف على أن يحضُر رئيس الجمهورية في يوم العاشر من المحرم إلى أحد المجالس المركزية لِشيعةِ أهل البيت وهو ليس من الشيعة ، ولكنه أصبح مُتعارَفاً عندهم ، ورُبما ألقى كلمة لكي يُعطي رسالةَ تَطمينٍ إلى شيعةِ أهل البيت أنكم جُزْءٌ من هذه البلاد ، وأن ما لكم هو لغيركم ، وما على غيركم هو عليكم أيضاً ... وهذا يُعتَبَرُ حلاًّ لكثيرٍ من المشاكل المُستَعصِية في بلاد المسلمين يتقدَّمون فيهِ على عشرات الدُّول والمُجتمعات الغنيةِ مادِّياً ،، ما الذي يضُر أن يأتي رئيس السلطة السياسية في بلدٍ ، أو يأتي الرئيس الرسمي في منطقةٍ إلى بعضِ مجالس الإمام الحسين عليه السلام ؟ والحال أنه يُحضَر إلى مُبارَياتِ الكُرة ، يُحضَر إلى بعض المهرجانات التي ليس فيها تلك الرسائل الاجتماعية المُطَمئنة والباعِثة على الاستقرار ... ماذا لو أن بلاد المسلمين سلكت هذا المسلَك وهذا السبيل ؟ ما الذي يضُرُّهم ؟ بل سيتحقَّقُ لهم نفْعٌ كبير ... إذن في هذا الموضوع نُوَجِّهُ رسالتَيْن / الرسالة الأولى فكرية : أن التشيُّعَ له أصالةٌ تاريخيةٌ التاريخُ يخدِمُه ، والجُغْرافيا تخدِمُه في تنوُّعِ المنتَمين إليه ، وليس نبتَةً صحراويةً أو وافِداً في غفلةٍ وإنما هو مذهَبٌ أصيلٌ يلتَزِمُ به المسلمون في مناطق مختلفة على اختلافِ أعراقِهِم ، ولُغاتِهم ، ومناطِقهم الجغرافية .. والرسالة الأخرى معاصِرة : أن هذا المُجتمع الأفغاني بعد مُعاناة وبعد حروب ، وبعد مشاكل وصل إلى هذه النتيجة ، أنه لابُد أن يعترِف المُختلِفون باختلافهم ، المذاهب ببعضِها البعض ، وأن يتعايَشوا على هذا الأساس .. الموضوع التاريخي / الشيعة اليوم بحسب كلامهم يُقدِّرون وجودهم في أفغانستان ما بين 20 إلى 25 % من عدد السُّكان ، وهم معروفون بالهَزارَا ، وهم قومية تتمايز حتى في شكلها إلى حدٍّ مع سائر القوميات ، هؤلاء الشيعة يتجاورون إلى جانب الأكثرية السُّنية الحنفية ، وأيضاً يوجد هناك شوافِع وحنابِلة ... يبدأ موضوع هذه المنطقة التي عُرِفت بِسِجِسْتان ، وتُعرَّب بسيستان - وهذه تختلف عن منطقة سيستان الإيرانية الموجودة على أطراف خُراسان ، والتي ينتمي إليها بعض مراجع الدين – وهي من ما بعد خُراسان إلى الهند تاريخياً كان يُطلَق عليها سِجِستان وفيها مناطق كثيرة جداً ومُدُن كبيرة ، وأتحاء شاسِعة .. هذه المنطِقة بُدِئ بفتحها في زمان الخليفة عمر بن الخطاب _ من بدايات سنة 17 هـ - بُعِثَ إليها بِحسب التواريخ الأحنف بن قيس التميمي وبقي هذا الرجل قريب من 17 سنة في هذه المنطقة ، وغي كل فترة من الفترات تُفتَتح منطقة جُغرافية ، ويَبقَونَ فيها ، فلم تكن طريقة فتح أفغانستان بطريقة اقتحام من الحدود إلى الحدود ؛ لأنها منطقة جبلية ، وفيها حالات تمرُّد ، وعدم قبول وما شابَه .. الأحنف بن قيس التميمي / قائد عسكري يقومُ بهذا العمل ، يُعَدُّ من شيعةِ أمير المؤمنين عليه السلام ، أخبار كثيرة في هذا الاتجاه ، منها ما ورد من أنه دخل ذات يومٍ إلى بيت أميرِ المؤمنين عليه السلام ، فقال له الإمام : يا أحنف تعشَّ مع الحسن والحسين ، فجلس معهما ، فسألهم عن والدهم لمَ لا يتعشى معنا ؟ فقالوا له : أن عنده عشاءً خاصاً ، فأشاروا إلى جِرابٍ مختوم ، فجَسَّهُ قليلاً فرأى فيه خُبزاً خشِناً . فقال له : يا أمير المؤمنين ، لمَاذا ختَمْتَهُ ؟ فأجابه الحسنان : إنما ختَمَهُ حتى نَلُتَّهُ بِزيْتٍ أو شبهِ ذلك .هذا الرجل آلى على نفسِهِ أن يُخْشَوْشَنَ في ذاتِ الله ، وأن يكون زاهِداً ، ولا يُدخِل في بطنه إلا هذا الأمر .. وبعد أن انتهى من العشاء جلس إلى أمير المؤمنين ، وتحدَّث معهُ ، كان مع الإمام في كل حروبه إلا حرب الجمل ، عندما استُشهِد الإمام عليه السلام ، استُدْعِيَ إلى الشام من قِبلِ معاوية ؛ ليختبره إذا كان ممن ينقادُ بالمال ، أو بأكثر من المال ، حتى يتكلم بكلامٍ ضد الإمام علي عليه السلام .. فجاء الأحنف وإذا بخطيبٍ قام وشتم الإمام علي عليه السلام ، فقام الأحنف وقال له : يا معاوية اتقِ الله ، فإن هذا الرجل لو علِم أن رضاك في لعنِ المرسَلين جميعاً لَلَعَنهم .. وهذا ليس موقفاً مبدئياً عنده ، وإنما هو بوقٌ هَمُّه أخذ المال فقط فاتقِ الله واترك هذا ، تحدث معه وبعد ذلك أعطاه معاوية 50000 درهم ، وأعطى الحُتات بن يزيد أو ابن عمرو 30000 درهم ، وعندما خرجوا سأل الحُتات كم أعطى ؟ قالوا له : أعطى هذا 50000 وذاك 50000 درهم ، وأنت كم ؟ قال : 30000 درهم ..ورجع إلى معاوية وقال له : أنا شرفي أقل من هؤلاء ؟ معرفتي أقل ؟ قال : لا . قال : فلِم أعطيتهم 50 ألفاً وأعطيتني 30 ؟ قال له : هؤلاء نحاول أن نشتري منهم أديانهم ،ليُغيِّروا أديانهم أما أنت فلا .. قال له : مني أيضاً فاشتري يا معاوية . – سبحان الله ما يفعلُهُ المال الحرم !!! – يُقال إن هذا الرجل خرج من مجلس معاوية وذهب إلى بيت الخلاء فجاءه الموت على تلك الحالة !! معاوية قال لهم : اذهبوا وأرجِعوا المال الذي أعطيناه إلى الخزينة ، فلا هو كُتِبَ له موقِفٌ إيمانيٌّ صحيح ، ولا استمرَّ في حياته ، ولا استفاد من هذه الأموال ، لا هو ولا أولاده .. حتى أن أحد الشعرء يذُمُّ معاوية ويُعاتبُه فيقول : أتأخُذُ ميراثَ الحُتاتِ ظُلامةً *** وميراثُ حربٍ جامدً لك ذائبُه ؟!! هذا المال الذي أعطيته للحُتات المفروض أنه أصبح ميراثٌ لأبنائه ، كيف يكون ميراث أبوك عندك مجمَّد بينما ميراث الحُتات مأخوذ منه ؟؟ ** الأحنف كان معروفاً بولاءِ أهل البيت عليهم السلام وبقِيَ على هذه الحالة ، مُسْتَمراً على ولاءِ علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا كان العامل الرئيسي في فتح المنطقة ، الفاتح والقائد يكون له أثر باعتبار أن من خلاله تكون الخُطَب ، وصلاة الجمعة والجماعة ، هو الذي يتكلم مع الناس ، بل هو الذي يأتي بالطبقة العسكرية القيادية التي تكون معه ، وبذلك فإننا نعتقد أن الأثر الأول الذي مارَسَهُ الأحنف بن قيس كان في اتجاه تدعيم موقع أهل البيت عليهم السلام ... وكان هو القائد العسكري باستثاء فترة حُكم عثمان بن عفان ، حيث أن عثمان اعتاد على تعيين أقاربه على الولايات والجيوش ، حتى لو لم تكن عندهُ كفاءة ، جعل أحد أقاربه وهو عبد الله بن عامر بن كريز _ والد هند زوجة يزيد بن معاوية _ وهو من أقارب عثمان جعله قائد القوات يعني رئيس الأحنف بن قيس ، الأحنف رجل ذو شخصية كبيرة من الناحية القَبَلية ، وعندهُ خِبرة عسكرية ، ومعروف أما عبدالله فقد كان عمره 25 سنة ،شاب ليس عنده تجربة ، إلى حدكانوا يقولون أنه جاء إلى منطقة سِجِستان وأراد أن يخطب في الناس ، أول خطبة _ وهي خطاب التنصيب _ صعدد المنبر : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي خلق السماوات والأرضَ في ستِّ سنين _ وكأنه قد استقلَّ مدة ال6 أيام _ أحد الحاضرين قال له : يا أمير أنت غير مُضطر لتعيين الوقت ، لكن إذا كان ولا بد فإن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، فلم يعُد إلى خُطبةٍ بعدها أبداً .. هذا وأمثاله كانوا على أساس أنهم قادة عسكريون بدون كفاءة ولا تجربة ، الميزة الوحيدة لهم أنهم من أقارب الخليفة ... المُحقق الشيخ علي الكوراني حفَظه الله ألَّف كتاب ( الفتوحات الإسلامية بنظرةٍ جديدة ) وهو كتابٌ قَيِّم مبني على نظرية : أن شيعة أهل البيت عليهم السلام لم يكونوا مُنكفِئين ، ومُنعَزِلين بلا دَور ، بل إن أكثر الفتوحات التي حدثت في أيام الخلفاء كان قادتها من شيعةِ آلِ محمد صلى الله عليه وآله وسلم ... ويأتي بأمثلة على ذلك بالتتَبُّع : آل ورقاء الخُزاعيين ، وآل مُقرِن وغيرهم ، يتتبَّع كيف كان فتح إيران ؟ وكيف كان فتح العراق ؟ وباقي الأماكن ... من هو الفاتحون ؟ كيف كانت ولاءاتهم واتجاهاتهم ؟ ويتوصل إلى هذه النتيجة : أن عدداً كبيراً من القادة كانوا من شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وأن الشيعة كان لهم دورٌ فاعل ، لم يكونوا مُنْكفئين ولا متراجِعين ... في المقتل نقرأ عن شَبَثْ بن رِبعي لما قُتِل مسلِم بن عوسجة الأسدي ، وفرِح جيشُ بني أمية بذلك ، قال : ويْحَكُم علامَ تفرحون ؟ بقتل مُسلِم ؟ والله لقد شَهِدْتُ له موقِفاً جميلاً في فتحِ آذَرْيَيْجان فإنه قتل ستةً من المشركين قبل أن تلْتئم الصُّفوف ، أي قبل أن تبدأ المعركة ... مَنْ الذي فتح آذَرْبَيْجان ( حُذَيْفة بن اليماني العبسي ) وهو من أقوى الشخصيات في ولاءِ أمير المؤمنين عليه السلام .. وهذه نظريةٌ حَرِيَّةٌ بالاهتمام والتوجُّه إليها .. فترة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام / عندما وصلت الخلافة إلى أمير المؤمنين عيَّن على منطقة خراسان زوج أختِه أم هاني ؛ لِضَبْطِ أمورها ، وهو رجلٌ من خُلَّصِ أصحاب الإمام اسمه جعدة بن هُبَيْرة المخزومي وله منها ولد اسمه عبدالله بن هُبَيْرة ... وأرسل جعدة ابنه عبد الله بن هُبَيْرة لاستكمال فتح سِجِسْتان ، وفتح فيها مناطق جديدة ، حتى قال الشاعر : لولا ابن جُعْدة لم تُفتَح فُهَنْدُزَكم ** ولا خُراسان حتى يُنفَخَ الصور قُنْدوز منطقة كبيرة كوجودة في أفغانستان ، وهي من المناطق المركزية ، لولا ابن أخت أمير المؤمنين ما فُتِحت هذه المنطقة ، وجود هؤلاء _ أقارب وشيعة أمير المؤمنين – كان من العوامل التي نشرت فِكرَ أهلِ البيت عليهم السلام في تلك المنطقة ، بل حتى وجود الولاة الآخَرين كان له عاملٌ مُساعد في نشر الانتماء لأهل البيت ، فإذا كان الوالي سَيِّء جاء من غير اتجاه ، فإنه يُعزِّز الاتجاه الصحيح .. في أيام معاوية / ولى معاوية على هذه المنطقة زياد بن أبيه ، وهو عيَّن عليها رجلاً مستقيماً مُتديِّناً اسمه الربيع بن عمرو الغفاري ، فلما ذهب إلى هناك ، كانت عنده بعض الغنائم ، وبعض الفتوحات ، بعض الخراج ، كتب إليه زياد كتاباً ، إن أمير المؤمنين معاوية كتب إليَّ أن تسْتَصْفِيَ له البيضاء والصفراء وترسلها إليه .. يقصد بها الذهب والفضة التي عليها في تلك المناطق ،... فرد عليه : كتاب الله قبل كتاب معاوية .. وقد جاءنا في كتاب الله : " أن الخُمسَ لله وللرسول والباقي للمُقاتِلة ، وإلى ترميم المنطقة نفسها أم أننا نعزل أفضل الذهب وأفضل الفضة ونرسله إلى دمشق فهذا لا نفعل به أبدا ، وافعلوا ما شِئتُم " ومَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجَا " ... رغم عدم معرفتنا بانتماء هذا الرجل الصالح إلا أن قبيلة " غَفَار " من القبائل المعروفة بولائها لأهل البيت عليهم السلام ... لكن يتَبَيَّن من خلال هذا الموقف الاستقامة وسلامة الدين ، وأنه لم يكن على مسلكِ بني أمية ... مثل هذا لما يرى ما يُنقَل عن علي بن أبي طالب عليه السلام من أنه لا يأكُل إلا من جِرابٍ مختوم بالخُبزِ اليابس ، وفي المقابل ذاك الحاكم الآخر الذي يريد أفضل الذهب وأفضل الفضة ، لريب أنه يرى أن أمير المؤمنين علي ومنهجهُ هو الأحق بالاتِّباع .. فمن خلال هذه الأمور صار التوجُّه إلى التشيُّع لأهل البيت ، فالقادة والولاة الذين حكموا هذه المنطقة كانت ولاءاتهم لأهل البيت عليهم السلام ، زمن خلالهم دخل التشيُّع إليها .. ** مرحلة أئمة أهل البيت عليهم السلام / وُجِد هناك رُواة من هذه البلاد كحبيب السِّجِستاني ، وعاصم السِّجِستاني ، أبو خالد السِّجِستاني ، بَلْخِيون كثير من منطقة " بَلْخ " الأفغانية ، هؤلاء كانوا رواة عن الأئمة عليهم السلام ، وبعذهم كحبيب السِّجِستاني كان من الخوارج ، ولأفغانستان كانت منطقة يلجأ إليها الخوارج هرباً من السلطة المركزية ، وقد تشيَّع هذا الرجل وانتمى إلى مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، مما يُفيدُ بوجود شيءٍ من الحَراكِ الفكري هناك .. هؤلاء الرواة كانوا يسمعون ويأخُذون من أهل البيت عليهم السلام علمَهم وفقهَهم ، وينقلون هذه العلوم إلى تلك المنطقة ،بل أكثر من هذا ، عندنا بعض المُبَلِّغين تركوا بلدهم الكوفة واستقروا في أفغانستان كحَريز بن عبد الله السِّجِستاني ، يعلم أهل العلم أنه واحد من الرواة المُكثِرين ، وله كتاب من الروايات معروف اسمه ( كتاب حَريز السِّجِستاني ) وهو يُعد من طبفة الفقهاء المُتقدِّمين من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، وكان كتابهُ مُدوَّناً وموجوداً إلى زمان الكُلَيني والشيخ الطوسي ،، هذا الرجل كان كوفِياً ، لكن لأجلِ أن يُبَلِّغ دين الله ترك الكوفة واستقر في سِجِستان ؛ ولذلك عُرِف بهذا الاسم .. وهذه تضحية في سبيل الله أن يترك الانسان بلده وأهله ومجتمعه ويذهب إلى أماكن بعيدة في سبيل تبليغ دين الله ومذهب أهل البيت .. ونحن الآن في زمن نستطيع أن نُبلِّغ فيه فكر أهل البيت عليهم السلام بأيسر السُّبُل ، والحمد لله هذه الروح الإيمانية الحُسينية موجودة في مُجتمعنا ... بعض المؤمنين في مناطق بعيدة تحدَّثوا عن أنهم يُريدون عمل مجالس للحُسين عليه السلام ؛ مناطق التشيُّع فيها جديد فيحتاجون إلى مساعدة لعمل هذه المجالس ، وعندما أخبرهم الشيخ بهذا بين الفرضين لم ينتهي الفرض الثاني إلا والمبلغ كلُّه مكتمِل لأجل الحسين عليه السلام .. وهذا دليل وجود هذه الروح الإيمانية في مجتمعنا ولله الحمد .. حيَّا الله هذه الروح .. في زمان الإمام الجواد عليه السلام / الوالي على هذه المنطقة كان من شيعةِ أهل البيت عليهم السلام ، اسمه الحُسين بن عبد الله النيشابوري ، في رواية أن رجلاً من أهالي تلك المنطقة إلتقى بالإمام الجواد عليه السلام في الحج أو في غيره من الأماكن وقال له : يا سيدي إن الوالي علينا مِمَّن يتولاكم وعندي حاجةٌ هناك بيده أن يفعلها فإن شئت أن تكتُبَ إليه . فكتب الإمام عليه السلام كتاباً غير صريح ، بل هي رُقْعة صغيرة قال فيها : أما بعد فإن حامِل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً ، وإن مَن قضى حاجة أخيه في هذه الدنيا قضى الله حاجتَهُ في الآخرة .. كلام جداً موزون ليست فيه إشارة لأي مذهب .. فأخذ هذه الرقعة وذهب إلى سِجِستان ، على باب المدينةسأله الحارس : لمن هذا ؟ لِمَن أتيت ؟ ما هي حاجتُك ؟ قال : أن من أهل هذه المدينة وهندي أيضاً رسالة إلى الوالي .. فطلبها منه ، لكنه رفض تسليمها ، فهي من محمد بن عليٍّ الجواد إلى الوالي ، عندما أخبروا الوالي قام من مكان إمارته حافياً إلى باب المدينة ، فلما رأى صاحب الرسالة أخذها وقبَّلها ووضعها على عيْنَيْه ، قال : هذه من الإمام الجواد هليه السلام ؟ قال : بلى .. قرأها فقال له : اطلب ماذا تريد أنا خادِمُك ؟ وأنت المتفضِّلُ عليَّ لأنك ذكرتني عند سيدي ومولاي أبي جعفرٍ الجواد .. فإذا كان الوالي في هذه المنطقة بهذا النحو من الاحنرام والتعلُّق بالإمام ، فمن الطبيعي أن ينصُر مذهَبَهُ ودين آبائه وأجدادِهِ الكرام ،، في زمان الغيبة الكبرى / نلاحظ أن تأليف كتاب " مَنْ لا يحضُرُهُ الفقيه " للشيخ الصَّدُوق وهو من المشائخ الثلاثة المعروفين الذين يمتلِكون المجاميع الحديثية الكبرى ، وله هذا الكتاب ، الذي بدأ تأليفَه في منطقة " بَلْخ " الأفغانية ، حيث كانفيد تذاكُر لكتاب ابن سينا " مَنْ لا يَحضُرُه الطبيب " ورأى بعضهم ضرورة كتابة كتاب بعُنوان " مَنْ لا يحضُرُه الفقيه " يتبين وجود مجموعة من الشيعة من أهل العلم حتى يقصدَهم شخصٌ كالشيخِ الصَّدوق ويقتَرحون عليه هذا الاقتراح ، مما يُفيد بوجود حاضنةٍ شيعيةٍ إماميةٍ في تلك الفترة .. فترة الدولة الغَزْنَوِيَّة / تسمى الريح السوداء استمرت 200 سنة من حوالي سنة 400 إلى 600 تقريباً .. هذه الدولة كانت مُتَعَصِّبة مُضادَّة للاتجاهات العقلية عند السنة ، ومُضادَّة مذهبياً لتوجه الإمامية ، حيثُ ضُيِّق على الشيعة ، فهُدِمت بعض المساجد ، وحُوصِرت المدارس ، لم تُعطَ لهم الحرية ، لكن هذه فترة كمود ، فلا يُوجد حاكم يستطيع أن يُنهي مذهب من المذاهب .. واستمر هذا الحال في صعود ونزول إلى وقت الدولة الصَّفَوِية سنة 900 هـ ، عندما سيطر الصفوِيون على أفغانستان سمحوا للشيعة بأن يُعلِنوا التشيُّع ، فوجد الشيعة أنه بإمكانهم تأسيس المدارس ، وإعادة بناء المساجد ، والتحرُّك في نشر العلم ، فتعزَّز موقفُ شيعة أهل البيت عليهم السلام ليس ضد الآخرين ، وما فعله الشيعة لا يضُرُّ بغيرهم بل ينفعهم ، انتَعَشت الحالة الشيعية إلى أن انتهت الدولة الصَّفَوية ، وكذلك الدولة القاجارية انتهت في نفس الوقت ، فالأمور هكذا في حالةٍ من الانفِراج والانفِتاح ،، بشِكلٍ مُناسب لشيعة أهل البيت ،،، حتى قبل 150 سنة عندما جاء دور المَلَكِيات المُستَبِدَّة التي كان بعضها من أعنف وأشد لعلهُ ما شهده تاريخ المسلمين في تلك المنطقة ،، حيثُ جاء حاكم اسمه عبد الرحمن خان فاضطَهَد الشيعة وعَزَم على استئصالهم وقاتل قبائل الهزارا ، فقتل الرجال منهم ، ووزَّع نساءَهم على جيشِه وهذه أول حادثة في تاريخ المسلمين يحدث فيها ما حدث ، فالبعض يتحدَّث عن 10 آلاف امرأة والبعض يزيد والبعض يُقلِّل .. فحتى لو كُنتَ على مذهب آخر ، الدين الإسلامي يُحرِّم اسرقاق الإنسان الحُر ،، مهما كُنت على دينٍ من الأديان ، لكن إذا ضَيَّع الإنسانُ الطريق يفعل أكثر من ذلك ، والآن نرى أبناء هؤلاء بنفس الطريقة ، القتل من جِهة والسِّبْيُ من جِهةٍ أخرى ، هذا عبد الرحمن _ حنفيَّ المذهب _ أرسل مُعلِّمين أحناف وأئمة جماعة لمن بقي من الهزارا بعدما قتل الرجال وسبى النساء فلم يبقَ إلا الأطفال ، لِيُعلِّموهم مذهباً جديداً ، لكن هيهات أن يترُك الناسُ أديانَهُم ومذهب آباءهم بهذه الطريقة ؛ فالدين قناعة ، آخِرة ، الدين طريق جنة أو نار لا يُساوِمُ عليه إنسان عادةً ، حتى لو أظهر شيئاً غير ما يُبطِنه ، لكنه يعتقِد أن هذا هو طريق الجنة ، وأنه لا يصِلُ إليها إلا بهذه الطريقة ، يُصلي معك 20 ركعة ، ثم يذهب إلى بيته ويُصلي الصلاة التي يعتقِدُ أنها مُبرِئةٌ للذِّمة ، فمر على الشيعة في ذلك الوقت دوْرٌ عسيرٌ وعنيف ، وبقِيت تتوارث يذهبُ حاكم ويأتي حاكم ، حاكم يُصعِّد ويتعنَّف وحاكم يُخفِّف ، إلى أن حدث الاجتياح الروسي المعروف عام 1979 م على أثر النزاع في النفوذ بينها وبين بريطانيا ، وسيطر الروس على كل شيءٍ في أفغانستان ، وبعد 14 سنة الحركات والشعب الأفغاني استطاع أن يُخرِج الروس ، ثم جاءت عاصِفة أخرى وهي الحركة المُتطَرِّفة الشديدة المعروفة .. الطلاب الذين جاءوا من باكستان وانتهت هذه الحركة أيضاً ؛ لكي يصِل الناس إلى نتيجة واحدة وهي أن بقاء المُجتمع يُبتنى على المُشاركة والمُواطَنة وأنَّ الجميع يعترفُ بالجميع ، ويُوفِّرُ الجميع حق الجميع ... المُجتمعات لا يُمكِن أن تُدارَ بالعُنف والقتل والسجن والاغتيال أبداً ؛ لأن هذا يزيدُ الوضعَ تشنُّجاً ... فالأميون في تجربتهم مع الإمام الحسين وانتهوا إلى نهايتهم الأكيدة ، قتلوا الإمام الحسين عليه السلام وبعد 3 سنوات يموت القاتل وينتهي ، وما خطَّط له معاوية باستمرار سلسلة الحاكمين في نسل أبي سفيان انتهت بعد 3 سنوات وانتقلت إلى أسرةٍ أخرى ، هي الأسرة المروانية ، وحتى هذه الأسرة عندما مارست العُنف على الناس ما مضت إلا جيل من الناس وانتهت سنة 132 هـ وصاروا أثراً بعد عين . العنف والقتل والغِلظة على الناس ، ومُصادرة حرياتهم وأديانهم ،لا يُمكِن أن تنتهي إلى خير للحاكم ولا للمحكوم ،بعض الحكام المغرورين الذين لا يملِكون الخبرة ولا الحنكة ولا السن كسعيد بن العاص الأشدق الأموي المعروف .. الحسين كان خارج المدينة مع ذلك أرسل إليه 30 فارِساً مُسلَّحاً فاتكاً شرِساً ؛ لِيقتُلوه ولو كان مُتعلِّقاً بأستار الكعبة .. مع أن القتال في مكة المكرمة ممنوع عند المسلمين جميعاً .. وهذه تنُم عن حالة العُنف الداخلي عند بعض الناس ، الرغبة في القتل والتمزيق والقضاء على الآخرين ، فلم بجد الإمام الحسين طريقاً لحفظ حرمة المكان إلا الخروج من مكة المكرمة مُتجِهاً إلى رِحاب كربلاء ؛ ليُكمِل هذه المسيرة بالشهادة ..