الهبة في أحكامها وفلسفتها
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/1/1436 هـ
تعريف:

الهبة في أحكامها وفلسفتها

تفريغ الأخت الفاضلة أم سيد رضا
الهبة هي من العقود التي تحتاج إلى إيجاب وقبول، ففي الفقه يقسمون المسائل الفقهية تقسيماً أولياً إلى ما يرتبط بالعبادات وما يرتبط بالمعاملات.
فالعبادات هي التي يشترط فيها قصد القربى لله عز وجل كالصيام والحج والزكاة وغير ذلك بحيث لو لم يحصل فيها قصد القربى لله عز وجل فلا تكون عبادة وتبطل.
هناك قسم آخر وهو ما يطلق عليه بالمعاملات، فالمعاملات لا يشترط فيها قصد القربى كالبيع والمضاربة والنكاح وغيرها من تلك الأمور.
فو أن إنساناً عقد على امرأة بقصد الإستمتاع فقط وليس بقصد الزواج والقربى فعقده صحيح لا إشكال فيه، وكذلك البيع فلو حصل البيع بدون قصد القربى فلا إشكال فيه أيضاً، فالمعاملات لا يشترط فيها قصد القربى على خلاف العبادات التي يشترط فيها.
تنقسم المعاملات إلى أقسام:
قسم منها لا بد فيه من إيجاب وقبول (أي يحتاج إلى طرفين) وهذه تسمى بالعقود، كأن يبيع البائع ويسمى موجب والمشتري يقبل البيعة ويسمى قابل
وكذلك النكاح فهو عقد لا بد فيه من إيجاب وقبول كقول المرأة (زوجتك نفسي) وقول الرجل (قبلت).
 القسم الثاني لا يحتاج إلى قبول بل يحتاج إلى إيجاب فقط (أي يحتاج إلى طرف واحد)، كالوقف العام فلو أن أحداً بنى بنياناً وقال أنه وقف في سبيل الله على الفقراء فهذا يسمى إيجاب من طرف الواقف الذي أجرى صيغة الوقف ولا يحتاج إلى أن يجمع جميع الفقراء ليقولوا قبلت ذلك.
وكذلك الميراث وإن كان يطلق عليه باب الأحكام فهو من المعاملات بالمعنى العام، فالمال ينتقل إلى الورثة ولا يشترط قول الورثة قبلنا المال إلينا.
الهبة هي أيضاً من المعاملات التي تحتاج إلى طرفين (موجب وقابل)، فالواهب يقول لفظاً على سبيل المثال (وهبتك هذه الأرض) والطرف الموهوب له يقول (قبلت).
ولو كان بغير اللفظ كأن يعطي شخصاً لشخص آخر خاتماً أو سيارة فيفهم من ذلك انها له بدون مقابل.
فالهبة هي تمليك من طرف إلى آخر بدون مقابل بعكس البيع الذي يتم فيه التمليك ولكن بمقابل وبثمن ومعين. فالأصل في الهبة أن تكون بدون عوض وفيها استحباب بإعطاء الآخرين والجود والتفضل عليهم وهذا أمر مطلوب ومرغوب فيه شرعاً ، كالأب الذي يهب أبناءه أو الاخ الأكبر الذي يهب أخوته الصغار، أو كذلك الإنسان المتمكن والذي يريد الإحسان فعليه ان يعجل ذلك لأن الشيء الموهوب حينها بنسب إلى الواهب ويجعله موضع حمد من قبل الأبناء او الأخوة او غيرهم وكذلك يغطي حاجاتهم.
بعكس الميراث الذي لا ينسب للشخص لأنه ينتقل إلى الأبناء بحكم شرعي، وعادة يصل الميراث إلى الأبناء في وقت متأخر أي أنه عندما يتوفى الأب ويكون في سن السبعين أو أكثر فالإبن حينئذ لا يكون بحاجة الميراث بنفس قدر حاجته إليه عندما كان شاباً.
يروى أن أحد الخلفاء وعد شخصاً بأن يعطيه المال وكان يسوف (أي يأجل العطية كأن يقول سوف أعطيك السنة القادمة أو ما شابه ذلك) فرد عليه الرجل ببيت شعر : (أعلى الصراط تريد رعية ذمتي أم في الحساب تجود بالإنعام)، أي أنه إلى متى ستأجل تلك العطية ؟ هل إلى يوم الحساب الذي لن عد بحاجة إليها؟
إذاً الهبة هو أمر مرغوب فيه ومندوب إليه ولا سيما إذا كان بالنسبة للأرحام، ويشترط في الهبة القبض فأي هبة لا يكون فيها قبض تكون باطلة، وهناك بعض الامثلة على ذلك:
1 – لو أن شخصاً اعطى ابنه أرضاً، فإن قبضها الابن من أبيه كأن يستلك صك ذلك الأرض او أن يذهب إلى تلك الأرض ويتصرف فيها تصرف المالكين كأن يبني فيها أو يفعل أي شيء آخر يعبر عن تملكه إياها فهذه حينها تكون هبة .
2 – إذا كان الشخص صغيراً في السن ووهبه والده شيئاُ فيجوز للأب أن يقبض عنه لأنه حينها يكون وكيل في القبض بحكم صغر سن ابنه وعلى ذلك تتم الهبة.
3 – إذا لم يقبض الشخص تلك الأرض ولم يتصرف فيها فهذه لا تعتبر هبة وهي باطلة.
4 – عندما يكتب شخصاً في وصيته أنه وهب أرضاُ لإبنه ولكن الابن لم يقبضها في أيام حياة والده فذلك لا يعتبر هبة تامة وتعود كميراث إلى الورثة.
من احكام الهبة أيضاً انه يجوز للواهب ان يرجع في الهبة فلو وهب شخصاً خاتماً لشخص آخر ثم رجع في هبته أي أخذه منه فيجوز له ذلك وإن كان مكروهاً وغير جيداً، فالراجع في هبته كالراجع في قيئه وذلك لتقبيح الصورة.
هناك امور لا يجوز الرجوع فيها:
1 – إذا كانت تلك الهبة قربى إلى الله تعالى كأن يهب شخصاً ليس من رحمه ويجعل تلك الهبة قربة لله تعالى.
2 – إذا كانت الهبة من رحم لذي رحم، كالأب الذي يهب لإبنه، او الإبن الذي يهب لوالده، أو الاخ الذي يهب لأخته وغيرهم من الأرحام فلا يجوز لهم الرجوع في الهبة
وهناك اختلاف في حكم الرجوع في الهبة بين الزوج والزوجة كأن يعطي الزوج لزوجته شيئاً من الذهب ثم يريد استرجاعه منها، فبعض الفقهاء يقولون أنه لا يجوز له ذلك والبعض الآخر يقول أنه يجوز له الرجوع فيها لأن علاقة الزوج مع الزوجة ليست علاقة رحم، وكلاً يعود لمقلده ومرجعه.
ففي صلة الأرحام هو يشترك الأشخاص في بطن من البطون، كالأخ الذي يشترك مع أخوه في الأم، والأب الذي يشترك مع الابن في الجدة، والخال الذي يشترك مع ابن الأخت في الجد الأعلى وكذلك مع باقي الأرحام.
3 – إذا تصرف الشخص الموهوب بتلك الهبة تصرفاً مغيراً كالإتلاف أو البيع أو ما شابه ذلك، كأن يعطي شخصاُ قطعة قماش لشخص آخر ليس من رحمه وتصرف ذلك الشخص بالقطعة كأن أخاطها إلى ثوباً، فلا يجوز للواهب الرجوع في هبته لأنها تحولت من قطعة قماش غير مخاطة إلى ثوباُ.
وكذلك لو أنه وهب شيئاً من الطعام وتم أكله من قبل الموهوب فلا يجوز للواهب أن يطالبه بها أو بقيمتها لأنها تلفت بالأكل
4 – لو كانت الهبة في مقابل مال كأن يعطي شخصاً لشخص آخر سيارة مقابل مبلغاً من المال وإن كان زهيداً، او أن يهبه شيئاً مقابل أن يعمل له في منزله بضعة أيام فهذا يسمى عوضاً، فو أراد الشخص بعد ذلك ان يرجع في هبته، لا يجوز له لأنها هبة معوضة.
هذه بعض المسائل التي ترتبط بالهبة، ونسال الله العلي القدير أن يوفقنا لمعرفة احكام دينه والعمل بها.

 

مرات العرض: 5719
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 23128.6 KB
تشغيل:

من فقهيات القضية الحسينية
سيرة الإمام الحسين من 50 هـ الى 60 هـ