آثار الصيام المستحب صوم رجب
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 2/7/1440 هـ
تعريف:

آثار الصيام المستحب / صوم رجب

تحرير الفاضل السيد أمجد الشاخوري

لا يزال حديثنا في موضوع ثواب الأعمال وقد سبق منّا ذكر في حلقات متعددة يرتبط بأنحاء الأذكار والآثار التي تترتب على تلك الأذكار ،كما أيضا سبق ذكر عن بعض آثار الصلوات. والموضوع من حيث السعة هو واسع جدا؛ لو أراد الإنسان أن يتتبع كل ما ورد فيه لا يتيسر له أن ينهيه ولكن نحن نأخذ نماذج من كل عنوان من العناوين. وفي هذا اليوم نتناول شيئا عن آثار الصيام وذلك لمناسبة هذا اليوم الذي هو أول يوم من أيام شهر رجب المرجب.  

من المعروف بين العلماء أن الصيام كان في كل الديانات السماوية؛ في الديانة اليهودية يوجد صيام وفي المسيحية يوجد صيام وفي الإسلام كذلك، ويفترض أن الصيام هو مما كتبه الله على المؤمنين جميعا ( كما كتب على الذين من قبلكم ) وذلك باعتبار أن هناك جهات تكامل لا تحصل للإنسان إلا عبر هذه الممارسة المسماة بالصوم بل حتى في غير الديانات السماوية التفت أصحابها من غير الأنبياء وغير الأوصياء لفرض أن هذه المناهج والديانات لم تكن سماوية كالبوذية مثلا وبعض الديانات في اليابان الطاوية كما يعبرون عنها التفت زعماءها وقادتها إلى آثار منع النفس عن الطعام والشراب والملذات وإن كانت الديانات السماوية قد سبقتهم بذلك ووسعت دائرة الأثر لأن الصوم كما تعلمون في الديانة - لا سيما الإسلامية- لا تختص بالامتناع عن الطعام والشراب بل عن عموم الملذات المعينة والتي تستقطب عادة اهتمام الإنسان وهي معروفة للمؤمنين بما يجب على الصائم أن يتركه. فحتى في غير الديانات السماوية تم الالتفات إلى آثار الصيام وتحقيقه لتكامل الإنسان أخلاقيا وروحيا وفكريا صفاء النفس والذهن الذي يحصل لهذا الإنسان على أثر الصيام تم الالتفات إليه فأُدخل كواحد من الشرائع المُتّبعة. الهنود مثلا عندهم صوم، المرتاضون عندهم صوم، البوذيون عندهم صوم، الطاويوون عندهم صوم وهذه كلها ليست ديانات سماوية فضلا عن الديانات السماوية. 

 في الدين الإسلامي وجدنا أن هناك حداً أدنى وهو حدُّ الواجب وهو أن يصوم شهراً من كل سنة - شهر رمضان- وإن كان هناك صوم واجب عدّه مولانا زين العابدين عليه السلام في بعض أحاديثه إلى ما يزيد عن خمسة وثلاثين نوع من أنواع الصيام الواجب يُبحث في محله بالإضافة إلى هذا الحد الأدنى جُعل الصوم متاحا في استحبابه بشكل كبير جدا مثلما الصلاة. الصلاة خيرٌ موضوعْ أو خيرُ موضوعٍ من شاء فليستقل منه ومن شاء فليستكثر. الصلاة في حد أدنى وهو الفرائض وهناك مجال مفتوح أي وقت من الاوقات أحببت الصلاة فصلي، بمناسبة و بغير مناسبة تضيف إلى كمالك كمالا، وإلى صفاء روحك صفاءً، في مسجد، في غير مسجد، في ليل، في نهار، إلى غير ذلك. كذلك الحال بالنسبة إلى الصيام هناك استحباب عام باعتبار أنه عبادة، إضافة إلى ذلك عُينت مواسم هذه المواسم تم التأكيد عليها ومنها الأشهر السابقة لشهر رمضان: شهر رجب وشهر شعبان؛ تم التأكيد على هذين الشهرين في صيامهما بمختلف أساليب التأكيد وحيث أننا في أول شهر رجب نتعرض إلى هذه الجهة تحريضا لأنفسنا وتشجيعا لمن يسمع لكي لا يفوته هذا المهرجان العظيم من الثواب والجزاء. 

 على مستوى المذاهب الأخرى عندنا في المذاهب الإسلامية -باستثناء الحنابلة- باقي المذاهب يرون استحباب صيام شهر رجب بكامله: الشافعية يرون استحباب صيام الشهر والأحناف كذلك والمالكية كذلك بل والزيدية يروون كثيرا من الروايات التي هي موجودة عند الإمامية في فضيلة هذا الشهر وفضيلة صومه. نعم الحنابلة الرأي المشهور عندهم عدم صيام تمام الشهر؛ حتى اذا تريد تصومه صومه بس لا تصومه كامل شيل منه يوم شيل منه يومين المهم لا يصير كامل. وهذا على خلاف كما قلنا على خلاف باقي المذاهب الأخرى. 

 عند الإمامية الأمر أعظم من ذلك فإن شهر رجب المسمى بالمُرَجّب وقد ورد هذا التعبير في بعض الأدعية الواردة عن المعصومين ترجيب الشيء تكريمه، تعظيمه، الإكثار من إظهار احترامه. شهر رجب المُرَجّب يعني المُعَظَّم، المُكَرَّم، المحترم. وقد ورد أنه أول أشهرِ الحُرُم باعتبار أن بداية السنة إما تكون كما هو الصحيح من شهر ربيع الأول باعتبار أن نبينا المصطفى محمد - اللهم صل وسلم على محمد وال محمد- كانت هجرته في شهر ربيع فيفترض أن تبدأ السنة الهجرية بهذه المناسبة من ذلك الشهر، لكن فيما بعد تم تعيين شهر محرم باعتباره أول السنة الهجرية فيما بعد رسول الله صلى الله عليه واله الخلافة عينت شهر محرم هو أول الأشهر وبهذا الاعتبار سيختلف مثلا أن النبي صلى الله عليه واله إنتقل إلى ربه في السنة العاشرة أو في السنة الحادية عشر ! لأنه في صفر ؛ إذا كان ربيع الأول هو أول السنة فبعدهي ما خلصت السنة، واذا كان لا محرم هو أول السنة فمعنى ذلك بدأت  بشهر وشيء - على أي حال هذا ليس بحثنا فيه -. فأول أشهر الحُرُم سواءً كان بداية السنة محرم أو ربيع أول الأشهر التي حُرّم فيها القتال ( منها أربعة حرم) هو شهر رجب. وآن إذٍ ستقع مثل ذو القعدة، ذو الحجة و محرم ستكون في نهايتها بناء على ذلك الترتيب الذي ذكرناه من كون أول السنة هي أول ربيع ، أول السنة الهجرية ربيع بناءً على هذا تكون أشهر الحُرُم. فلا واحد في يقول مثلا في الدعاء كيف يقول وهذا شهر رجب المُحرّم أول أشهر الحُرم بناءً على هالاعتبار واضح أن يكون أول أشهر الحرم. 

 هذا الشهر الكريم الذي كان يعظم حتى في الجاهلية وهذا واحد من الأسباب اللي دعت الحنابلة إلى أن يقولو احنا ما لازم نصوم شهر رجب بكامله حتى لا يصير مشابهة لأهل الجاهلية؛ وجواب ذلك أنه لم يُعلم انهم كانوا يصومون طيلة شهر كامل هذا إلا أن يكونوا جدا من عباد الله المخلصين اللي يدوروا العبادة دوارة ! ولم يكن هذا حال أهل الجاهلية ولا قريش كانوا وراء الشهوات ووراء الأهواء. بس اصل تعظيم هذا الشهر يُعتقد أنه من بقايا توجيهات نبي الله إبراهيم على نبينا و آله وعليه افضل الصلاة والسلام باعتبار أن في قريش بقيت وفي العرب بقيت سنن كثيرة من أيام نبي الله إبراهيم وتم التعامل فيها والعمل بها ربما بعضهم لم يكونون يعلمون لماذا وهذا بحث يحتاج إلى إفراد بحث خاص. فكان العرب يعظمون هذا الشهر جاء الإسلام وأمضى هذا التعظيم و بالفعل قرر أنه من الأشهر الحرم وجعل العبادة فيه مضاعفة وهذا شيء جديد ما كان العرب يعرفونه ولذلك ينبغي كما ورد في روايات المعصومين عليهم السلام ينبغي الاهتمام الكثير في إقامة العبادة فيه من الصلاة والأذكار وتجدونها. أصلا بعض علماءنا ألف كتابا بعنوان فضائل الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان ما ورد في فضائلها والعبادات : من أذكار يومية، من زيارات، من صيام، من عمرة في شهر رجب و أمثال هذه الأمور وكيف أنها تتضاعف ثوابا في مثل هذا الشهر. 

 اقرأ عليكم بعض هذه الروايات حتى نتشجع فيها يمكن إلى الآن بعض الإخوة إلى الآن ما أكل شيء من الصباح، ما شرب شيء من الصباح ما يريد يفوته مثل هذا اليوم الذي هو يوم فضيل أول رجب، فإذا لا سمح الله فاته هذا اليوم فلا يفوتنه الأيام القادمة.

 هذه الروايات الأولى روايات متفق عليها يعني واردة في مصادر مدرسة الخلفاء وواردة في مصادر الإمامية. 

في الرواية عن نبينا محمد - اللهم صل وسلم على محمد وال محمد - :( إنّ في الجنة نهرا يقال له رجب أشد بياضا من اللبن) اللبن هنا بمعنى الحليب في النصوص عادة اللبن يعني الحليب، نصوص الإسلامية مو  اللبن هذا عيران ومادري قليل الدسم وكذا وإنما بمعنى الحليب. 

( أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل من صام من رجب يوما سقاه الله من ذلك النهر) سقاكم الله وإيانا ومن يسمع من أنهار الجنة إن شاء الله . هذا موجود في مصادر المدرستين. 

رواية أخرى ينقلها الطبراني وهو من محدثي مدرسة الخلفاء عن أمير المؤمنين عليه السلام عن رسول الله - وهو موجود في مصادرنا - :( من صام يوما من رجب كان كصيام سنة) يعني واحد في ثلاثمائة وستين يصير، هذا مو الحسنة بعشر أمثالها وإنما هذا بمثل والله يضاعف لمن يشاء. 

 ( كان كصيام سنة) 

بس لا واحد يصوم إلى نص النهار ويقول يكفيني ستة أشهر كما قال بعضهم قال صام من الصباح إلى الظهر بعدين قال روي أنه من صام يوما فكأنما صام سنة فأنا يكفيني ستة أشهر أصوم من الصباح إلى الظهر نصف نهار يعني نص سنة.  لا !

 ( ومن صام سبعة أيام أغلقت عنه أبواب جهنم ) ( ومن صام ثمانية فتحت له أبواب الجنة ) . يعني إلى يوم سابع أبواب النيران تغلق فإذا صام يوما إضافيا ذيك مغلقة مغلقة وأيضا شنو؟   هناك فتح لأبواب الجنة له.( ومن صام عشرة أيام لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه) فد معاملة جدا معاملة عظيمة. 

 أما في خصوص ما يرتبط بأحاديث الإمامية اقرأها على نحو الإسراع.  عن النبي صلى الله عليه واله:( من صام اول يوم من رجب وجبت له الجنة) إن شاء الله أكثر الحاضرين صائمون حتى يكون قد وجبت لهم الجنة. وفي إقبال الأعمال :( من صام من رجب ثلاثة أيام وقام لياليها في أوسطه) يعني ليلة ثلاثة عشر ، أربعة عشر، خمسة عشر. هسة هاليوم بالنسبة للبعض راح لكن أيام البيض بعدهي قدامنا صيام نهارها وقيام ليلها. ( لا يخرج من الدنيا إلا على التوبة النصوح) وفي أمالي الصدوق أن رجلا من أصحاب الإمام الصادق اسمه سالم دخل على الإمام في شهر رجب فقال :( يا سالم هل صمت من هذا الشهر شيئا؟ ) قال: لا قال - أي الإمام عليه الصادق عليه السلام- :( قال لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله) . شهر كامل ولا يوم ! فد ثواب عظيم هذا مثل إنسان يقولوا له مثلا في فلان مكان أكو كنز وماحد يمه بس انت تروح تشيله هو يتساهل ويتماهل ويترك . طيب هذا كنز لكن كنز الهي. فقال سالم -وقد شعر بالخسارة- فإن صمت شيئا مما بقي هل أنال بعض ثواب الصائمين؟  قال - الامام عليه السلام- : ( نعم من صام يوما من آخر هذا الشهر ) بس لا تأخره إلى آخر يوم ليش؟ لان ما تدري تبقى إلى ذاك اليوم لو ما تبقى، ما تدري بعد ما بقيت تقدر لو تكون مريض في ذلك اليوم ! ما تدري في ذلك اليوم مو مريض وباقي ولكن مرة وحدة تقوم الصبح وتاكل وتشرب واذا بعدين كان مفروض انا اليوم أصوم. يصير هكذا عنده فلا تأخر. ( من صام يوما من اخر هذا الشهر كان له أمانا من شدة سكرات الموت وأمانا من هول المضطلع وعذاب القبر) هذا اذا كان يوم ( ومن صام يومين من آخر الشهر كان له بذلك جوازا على الصراط) يومين ( ومن صام ثلاثة أيام من آخره أمن يوم الفزع الأكبر من أهواله وشدائده وأعطي براءة من النار ) .

 آخر حديث أقرأه وهو ما يروى عن سيدنا ومولانا الإمام الصادق عليه السلام:( اذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش أين الرجبيون؟) كأنما هذولا جماعة و خاصين مو كل واحد رجبيون، يمر شهر رجب على كل الناس ولكن اللي يترك عليه بصمة أشخاص معينون ( فيقوم أناس يضيء وجهوهه لأهل الجمع على رؤوسهم تيجان المُلك) حديث طويل خلاصته( فيأتيهم النداء من عند الله عز وجل : وعزتي وجلالي لأكرمنّ مثواكم ولأجزلنّ عطاياكم) هذا اذا رئيس أو ملك أو كذا يقول راح أكرمك انت تتوقع كرامته بحجمه فإذا الله سبحانه وتعالى مالك كل شيء مالك الجنة والنار قال لأكرمن مثواك ولأجزلنّ عطاياك ( ولآتينكم- أو أوتينكم-  من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين). زين هذا لازم الواحد يصوم كل سنة كل شهر رجب بكامله؟ قال لا ثم قال جعفر بن محمد - عليه السلام-  ( هذا لمن صام من رجب شيئا ولو يوما واحدا في أوله أو وسطه أو آخره ) . اذا إنسان ما يوقف ذاك الموقف يوم القيامة حقيقة هذا أعجز العاجزين ! يوم واحد من شهر أوله، آخره، وسطه. وهذا الثواب وهذه العظمة من المثوى والمأوى عند الله عز وجل فإذا إنسان خسر هذا لأنه مُصر لا إلا لازم ما أصوم ولا يوم من الأيام! حقيقة خسارة عظيمة جداً!.

 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الرجبيين المخاطبين بهذا النداء في يوم القيامة إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

مرات العرض: 3401
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2575) حجم الملف: 29946.19 KB
تشغيل:

السجع في الدعاء بلاغة وتميز 3
إني أرغب إليك وأشهد بالربوبية لك 4