مواقف الصحابة من نهضة الحسين
التاريخ: 2/1/1431 هـ
تعريف:

مواقف الصحابة من النهضة الحسينية


تفريغ نصي الفاضلة أم سيد رضا

في بداية الموضوع لابد أن نشير إلى أن قضية صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي محل خلاف بين المدرستين (مدرسة الجمهور أو مدرسة الخلفاء وبين مدرسة أهل البيت عليهم السلام).
ومواضع الخلاف تكون في: ماهي حدود الصحبة؟ هل يترتب أثر على كون الشخص صحابياً أو لا؟
فهذه من الأمور التي تكون مثار نقاش وينبغي للشباب والشابات أن يقرؤوا كتاب (معالم المدرستين للمرحوم العلامة السيد مرتضى العسكري أعلى الله مقامه).
رأي مدرسة الجمهور أو مدرسة الخلفاء في موضوع الصحابة : يقولون أن الصحابة من الصحبة، فالصحابي هو من لقي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام سواء طالت مدة اللقاء او قصرت، روى عن النبي أو لم يروي، غزا معه أو لم يغزو، رآه بالفعل كالإنسان المبصر او لم يره لمانع كالإنسان كفيف البصر.
ويترتب على ذلك عند أتباع هذه المدرسة عدة أمور:
1 – أن جميع أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هم عدول لا يتطرق إليهم قدح ولا ذم ولا يجوز الكلام عنهم إلا بالحسن.
2 – أن رأي الصحابي وفعله هو من الحجج الشرعية ومن الأدلة التي يستند إليها اتباع مدرسة الخلفاء في الإستنباط.
3 – أنهم لو رأوا صحابياً عمل بشيء لم يقله القرآن فمن الممكن أن يخصص الصحابي بفعله عموم القرآن الكريم. مثلاً: لو رأوا صحابياً يقوم بعمل ما والقرآن الكريم يشير إلى خلافه فإنهم يقولون أن القرآن الكريم حجة إلا في ذلك المورد أو العمل الذي قام به الصحابي.
فقد تحولت قضية عدالة الصحابة من أنها قضية فرعية من القضايا التي تبحث في أحد فروع العلم وهو علم الرجال، ففي علم الرجال: عندما يتعرض إلى شخص بكونه ثقة أو غير ثقة، يقولون أن الصحابة جميعهم عدول بمعنى أنهم لا يصدر منهم كبيرة أبداً ولا يصرون على صغيرة أبداً فقد تحولت هذه القضية إلى قضية أساسية في العقيدة أي تحولت من الفروع إلى الأصول وهذا خطر لأنه عند نقل هذه المسائل من فروع العلم إلى العقائد كاعتقادنا بان الله واحد، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم الأنبياء، والقرآن الكريم لا زيادة فيه ولا نقصان، وان يوم الحشر موجود، فإن تحولت إلى ذلك فيصبح أيضاً ان الصحابة جميعهم عدول ويترتب عليها أيضاً قضية الإيمان والكفر ويأتي من هو غير متحرج وغير متقي في الدين ويقيم الحد على هذا الأساس.
كما حصل للمولى ظهير الدين الأردبيلي وهو من غير الشيعة، فقد كان في مصر ولم يقبل أن يفتي بوجوب الثناء على الصحابة فأقاموا عليه الدليل بهذا الامر ثم صلب بعد ان قطع رأسه. فهذا هو رأي مدرسة الجمهور في قضية الصحابة.
رأي مدرسة أهل البيت عليهم السلام أو المدرسة الإمامية في تعريف الصحابي وفي الآثار المترتبة عليه:
1 – يقولون  بأن كلمة صاحب وصحابة ليست شيئاً جديداً جاء به الإسلام وإنما هي لفظة من الالفاظ الموجودة في اللغة العربية جاءت في القرآن الكريم وأنها لو رجعت إلى معناها في القواميس والمعاجم اللغوية فإنها تفيد معنى اقتران شخص بشخص آخر حتى يقال عنه صاحب، فو رآه مره واحدة فقط أو جلس معه شهر من خمسين سنة ولم يكثر لقاءه به ولم تكن بينهما علاقة وثيقة فغنه لا يقال عنه صاحب.
إذاً لا بد من الالتزام بالشخص إما لعلاقة عمل او علاقة عقيدة أو تجارة او استئناس به ويصبح كل منهما عارف بالآخر فعندها يقال ان فلان صاحب فلان.
فلو كانت الصحبة على أساس معدل رؤية النبي فإن من حضر يوم الغدير بما يقارب سبعون ألف وإن كانوا أقل فإنهم جميعهم أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن هذا غير صحيح. ويقال أيضاً أنه ما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا وأسلمت مكة والمدينة والطائف وأكثر القبائل في تلك المنطقة وأن أكثرهم رأوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولو لبرهم من الوقت. فهل يمكن القول أن جميع هؤلاء هم أصحاب النبي؟ لا يمكن القول بذلك لان كلمة الصحبة و الصحابة ليست استعمالاً شرعياً وإنما هي لفظ لغوي.
2 – يقول اتباع مدرسة الإمامية أن الصحبة بهذا المعنى لا توجب شيئاً إلا مسؤولية إضافية لأن الصحبة ليست أكثر من علاقة الزوجية، فالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم تزوج عدداً من النساء وأن عشرته معهم كانت عشرة طويلة ولكن ذلك لم يمنع ان يأتي القرآن الكريم ويقول ((من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين))، ولم يمنع أيضاً ان يشير إلى بعض نساء النبي بقوله (( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين)).
فالصحبة ليست أكثر من العشرة الزوجية ومع ذلك لم تمنع تلك العشرة بأن تقوم بعض نساء النبي بما يأتي القرآن موبخاً ومعاتباً ومقرعاً.
3 – أن ما يقول اصحاب مدرسة الخلافة بأن الصحابة كلهم عدول فهذا الكلام لم يعمل به القرآن، فالقرآن يقول ((وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق))، وأن القرآن أنزل سورة كاملة عن المنافقون وأيضاً سورة التوبة فإن جزء كبير منها يشير إلى ذلك.
فالقرآن الكريم لا يقبل بقول ان الصحابة كلهم عادلون فالصحابة لم يكونوا يتعاملون على أساس عدالتهم، لذلك كان بعض الصحابة يعرفون بوجد منافقين منهم، فحذيفة بن اليمان العنسي وهو من خلص اولياء امير المؤمنين عليه السلام وقد كان عليماً بأسماء المنافقين، فهؤلاء المنافقون كانوا من نفس الصحابة، وبعض الصحابة أيضاً قد خون من قبل صحابة آخرون. فعندما جاء الخليفة الثاني استقصى عدداً من ولاته والعاملين وقد جاء بوالي البحرين وسأله عن الاموال التي يحتويها ومن أين له، فأجابه والي البحرين بانها إبل تناتجت وأموال تتابعت، فسلبها وأخذها منه ولم يستطع أحد أن يحتج عليه.
ومن بعض المنافقين: قدامة بن مظعون قد حد في الخمر، ابو جندل حد في الخمر ايضاً، المغيرة بن شعبة شهد عليه ثلاثة بممارسة العمل القبيح لكن الشهادة دفعت بتأخر الرابع وتردده عندما قال الخليفة: إني أرى رجلاً لم يقبح الله على يديه رجلاً من المهاجرين، فتردد ذلك الرجل.
وأن الصحابة أيضاً تلاعنوا فيما بينهم، تضاربوا، تقاتلوا وذبح بعضهم بعضاً، فحرب صفين وحرب الجمل كانت بين الصحابة، وقد قنت بعضهم على بعض في الصلاة ( اللهم العن فلان وفلان). فالصحابة أنفسهم لم يكونوا يعتقدون بعدالتهم وآثار ذلك واضحة على البعض في تعطيل عقولهم كأن يقولون: هذا قبر سيدنا حجر رضى الله عنه الذي قتله سيدنا معاوية رضي الله عنه لأنه كان يوالي سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه. فهذا الكلام كان صحيحاً في زمن من الأزمنة عندما يأتي شخص كأبي زرعة ويقول: إذا رأيت الرجل يتنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعلم بانه زنديق.
فهذا الكلام من المفترض أن ينطبق على من سن سنة شتم علي بن أبي طالب عليه السلام وأنه صحابي، فبعضهم كان يلعنه بقرار رسمي إلى درجة انه عندما نسي أحد الخطباء شتم علياً في خطبة الجمعة وانصرف الناس قال أحدهم للخطيب: إنك نسيت سنة شتم علي بن أبي طالب، فبنوا هنالك مسجداً وأسموه مسجد الذكر، فعلي بن أبي طالب عليه السلام هو صحابي وماذا يفترض ان يقال عمن يشتمه؟.
إذاً صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو شرف يستتبع مسؤولية إضافية لكنه ليس محلولاً كيميائياً يغير الإنسان ويصنع فيه العدالة بعدما كان فاسقاً أو يجعله شجاعاً بعدما كان جباناً او متقياً بعدما كان عاصياً.
يوجد أيضاً في كتاب من كتب مدرسة الجمهور كلام بردة الصحابة ( إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، ليذاذن رجال عن الحوض) وهذا الكلام موجود في صحيح البخاري وقريب منه في صحيح مسلم، فإنه لا القرآن ولا السنة يقبلون بقول أن الصحابة جميعهم عادلون، ولا الصحابة انفسهم يتعاملون على ان نظرائهم عدول بلا نقاش.
فعندما يأتي شخص ويقول بأن الحسين بن علي عليهما السلام نصحه بعص صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ألا يخرج من المدينة فلم يستمع لنصحهم. وكأنما يضع العتب على الإمام الحسين عليه السلام، فيكون الرد عليه بأنه يجب على هؤلاء الصحابة الناصحين أن يتبعوا الحسين عليه السلام وأن مسؤوليتهم تكون اتباع الإمام الحسين وأنهم مأمومون بالنسبة لإمامهم الحسين عليه السلام، والصحابي إن لم يكن لديه عذر شرعي فيكون مسؤول بأنه لماذا لم يخرج مع الحسين عليه السلام، كما في حديث له عليه السلام ( فإنه لا سمع أحد واعيتنا ثم لا ينصرنا إلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم ).
قضية الصحابة بالنسبة إلى نهضة الحسين عليه السلام كأي قضية من القضايا بانه كان لهم مواقف متعددة فيها، كما في إمامة امير المؤمنين عليه السلام كان لهم مواقف متعددة فبعضهم خالف إمامة الإمام وبعضهم توقف فيها وبعضهم وهم النمط الأعلى فقد والوا واتبعوا وأطاعوا، كذلك في قضية الحسين عليه السلام فقسم من الصحابة جاهد وسعى والمعلوم من التتبع التاريخي المتفق عليه بأن هناك ثمانية أشخاص من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإضافة إلى الحسين فقد كانوا مع الحسين في كربلاء كمسلم بن عوسجة الأسدي، حبيب بن مظاهر الأسدي، أنس بن الحارث الكاهلي الذي سمع من النبي حديثاً عن الحسين، فعندما وصل إلى كربلاء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( يقتل ولدي الحسين في أرض يقال لها كربلاء فمن أدركه منكم فلينصره) وحاز بذلك الفوز وتلك الشهادة والسعادة، وكذلك عمار بن أبي سلمة الدالاني كان من أصحاب الرسول وبالرغم من كبر سنه فقد حاول قتل عبد الله بن زياد في الكوفة عندما كان يعرض الجيش فلم يستطع فذهب إلى كربلاء واستشهد فيها ، وأيضاً عبد الله بن يقطر الحميري فقد كان من اتراب الحسين عليه السلام وفي نفس عمره وقد أدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أرسله الحسين عليه السلام إلى الكوفة ليحمل رسالة إليهم فقبض عليه وامر ان يرمى من أعلى السطح فرمي واستشهد، وقد كان رجل من المجرمين الآثمين يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي وكان متخصصاً في الذبح فأنه ما سقط رجل ينزف في كربلاء إلا وذهب إليه وحز رأسه كما فعل أيضاً في عبد الله بن يقطر، فعبد الملك بن عمير كان يستشهد به أيضاً كراوي من الروات في الحديث الذي ينقلونه عن كفر أبي طالب عليه السلام.
إذاً ذكرنا بعض الأشخاص الذين حضوا بشرف صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتي اهلتهم بأن يلتزموا بهذا الموقف، وهناك خمسة أشخاص آخرون وهم في محل نقاش وتشكيك بأنهم هل أدركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لم يدركوه، وعلى أي تقدير فما داموا شهداء كربلاء فهم خير من مئات الصحابة الذين رأوا الرسول ولم يلتزموا بمنهجه وعترته.
يقول الإمام الحسن عليه السلام ( إني لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أوفى من أهل بيتي)، فموقف الإنسان هو الذي يحدد أين يكون موقعه، كجابر بن عبد الله الانصاري الذي كان قد ضعف بصره وعاقته العوائق لكنه قال : اللهم إنك تعلم ان نيتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحاب الحسين عليهم السلام، وزيد بن الأرقم عندما رأى اللعين يزيد ينكت ثنايا أبي عبد الله الحسين عليه السلام بعود الخيزران قام باكياً وقال: ارفع عصاك عن ثغر طالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبله. وهناك أشخاص لم يحالفهم التوفيق لأن يكونوا في ركاب الحسين عليه السلام عندما اراد الخروج من المدينة بعدما قابل الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فهذا الرجل مع انه من تلك الشجرة الفاسدة إلا انه كان أهون من غيره ولم يشأ أن يتورط بدم الحسين عليه السلام، ولذلك لما دعاه إلى البيعة قال: يا أمير أنت تعلم ان يزيد رجل فاسق فاجر شارب للخمر وقاتل للنفس المحترمة  ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة.
وخرج الإمام الحسين عليه السلام حتى يودع جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتنقل بعض الروايات بان الحسين خرج في ليلة الاحد في السابع والعشرون من شهر رجب عام إحدى وتسعون للهجرة ليودع جده وداعاً اخيراً، فسلام عليك سيدي ومولاي يا أبا عبد الله.

 

 

 

 

 

 

مرات العرض: 3395
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2590) حجم الملف: 20320.71 KB
تشغيل:

خطب الحسين : توثيق النهضة
ممهدات كارثة سنة 61 هـ