خطب الحسين : توثيق النهضة
التاريخ: 3/1/1431 هـ
تعريف:


خُطَبُ الحُسين توثيقٌ للنهضةِ

تفريغ نصي الفاضلة أم أحمد
قال سيدنا أبو عبد الله الحسين عليه السلام : ( خُطَّ الموتُ على وُلدِ آدم مَخَطَّ القِلادَةِ على جِيدِ الفتاة ، وما أولَهَني إلى أسْلافي اشتياقَ يعقوبَ إلى يوسُف ، وخِيرَ لي مصْرَعٌ أنا لاقِيه ، كأنِّي بأوصالي هذه تُقَطِّعها عُسْلانُ الفلَوات بينَ النَّوَاويسِ وكربلاء ، فيمْلَأْنَ مِني أكْراشاً جُوفَاوأجْرِبَةً سُغْبا ، لا مَحِيصَ عن يومٍ خُطَّ بالقلم ، رضا الله رِضانا أهلِ البيت ،نَصبِرُ على بلائهِ فيُوَفِّينا أُجورَ الصابرين ، لن تَشُذَّ عن رسول الله لُحمَتُه ، بلْ هي مجموعَةٌ لهُ في حظيرَةِ القُدْس تَقِرُّ بهِم عَيْنُه ، ويُنجَزُ بهِم وعْدُه ، ألا ومَنْ كان باذِلاً فينا مُهْجَتَه ،مُوَطِّناً على لِقاءِ اللهِ نفْسَه ، فلْيَرْحَلْ معَنا فإني راحِلٌ مُصبِحاً ، إن شاء الله ) صدق سيدُنا ومولانا الحسين عليه السلام ..

حدثُنا بعنوان : خُطبُ الحسين عليه السلام توثيقٌ للنهضَةِ الحُسَينِية
على مدى 160 يوماً هي الفترة من خروج الإمام الحُسين عليه السلام يوم27 من شهرِ رجب سنة 60 للهجرة ، إلى يوم العاشر من شهر محرم سنة 61 للهجرة ، خطب الإمام الحسين عليه السلام خطاباتٍ مُتعدِّدة ، ووَجَّه رسائل لِفِئاتٍ مُختَلِفة ، واوصى بِوصِيَّةٍ معروفةٍ لِمحمد بنِ الحنفية ... نحنُ لا نعتقِد أنَّ ما جاء بهِ التاريخ هو كلُّ ما قالهُ الإمام الحُسين عليه السلام وذلك لأن التاريخ _ مثلاً _ لم ينقُل عن الحسين في فترَةِ بقائهِ في مكة المكرمة ، وهي فترة شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وشيء من ذي الحجة .. لم تنقُل الكتب عنه عليه السلام إلا خُطبَتَين ، خُطبة هي التي ذكرنا جانِباً منها وهي خطبةٍ قالها عليه السلام يوم الثامن أو ليلة الثامن من شهر ذي الحجة من خلال التأمل في قوله عليه السلام ( فإني راحِلٌ مُصْبِحاً 9 يعني يُفتَرض أن يكون في الصباح ، وان يكون قد خطب هذه الخطبة في وقتٍ قبل ذلك ، ويُفترض أن تكون في ليلة الثامن من ذي الحجة .. وخطبة أخلاقية أخرى مُختَصرة جداً  .. مع أننا نطمئن من أن الحسين عليه السلام في فترة بقائه لهذه الأشهر الأربعة لابد أن يكون قد خطب في أصحابه ، درَّسهُم علَّمَهُم وجَّههُم ، أو جاءهُ أناس وخطب فيهم أو تكلّم معهم ، أخبَر عن أهدافِهِ وعن ثورته ونهضتِه ، ولكننا لا نجِدُ أثراً واضحاً لمثل هذا في الكتب التأريخية ، ما بقي في هذه الفترة 7  رسائل أرسلها الإمام الحسين عليه السلام: إلى أهل الكوفة رسالة  ، إلى أشرافِ أهلِ البصرة رسالة أخرى ، إلى محمد بن الحنفية رسالة ، إلى محمد ومَنْ حولَهُ من بني هاشم فكُلُّ مَن لحِق بنا استُشْهِد ومَن لم يلحَق بنا لم يُدرِك الفتح ) ، ورسالة إلى والي المدينة الجديد عَمرو بن سعيد الأشدق الأموي ، فهذه الرسائل وأمثالها كانت في فترة بقائه في مكة وهاتان الخطبتان كما ذكرنا ..
سوف نعرِضُ للخُطبِ الرئيسية بشكلٍ سريع ، ثم نتأملُ في دلالاتها ، وأثرُها في حِفظِ شخصيةِ صاحبِ النهضة ، والتعريف بأعدائهِ ، والتعريف بأهدافِهِ ، والرد على الإشكالات المُثارة أمام نضهةِ الإمام الحسين عليه السلام ..هذا المقدار القليل له مضامين عظيمة  ...

منها خطبته أمام الوليد ابن عُتبة : ( يا أمير أنا أهل بيت النُّبُوَّة وموضِعُ الرسالة ، بنا فتح الله وبنا يختِم ، ويزيد فاسِقٌ فاجر شاربٌ للخمور ... ، ومِثلي لا يُبايِعُ مِثلَه  ) هذه في المدينة ...

ومنها وصيتُه لأخيه محمد بن الحنفية أنه يشهدُ أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن الجنة حقٌ والنار حقٌّ وأن الله يبعثُ مَن في القُبور ، وأني لم أخرُد أشِراً ولا بَطِراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً ، وإنما خرَجتُ لِطلَبِ الإصلاح في أمةِ جدي، أُريدُ أن آمُرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدِّي وأبي ، فمَن قبِلَني بقبولِ الحقِّ فالله أولى بالحق ومَنْ رَدَّ عليَّ أصبِر حتى يحكُمَ الله ، وهو خيرُ الحاكمين ) .
في مكة المكرمة ذكرنا هذه الخطبة التي افتتحنا بها حديثَنا ... في الطريق إلى كربلاء يلتقي بِجيشِ الحَرِّ الرِّياحي ، فيَخطُبُ فيهم ويقول  : ( سمِعتُ رسول الله يقول : ( مَن رأى منكم سُلطاناً جائراً مُستَحِلاًّ لحرامِ الله ، ناكِثاً لِعَهدِ الله ، مُخالِفاً لِسُنَّة رسولِ الله ، فلَم يُغَيِّر عليهِ بفِعلٍ ولا قول ، كان حقاً على الله أن يُدخِلَهُ مدخَلَه ، ألا وإن هؤلاءِ قد لَزِموا طاعةَ الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن وعطَّلوا الحدود وأظهَروا الفساد واستأثَروا بالفَيء وأنا أحَقُّمَن غَيَّر ) .. ثت تعرَّضّ إلى بعض القضايا التي فيها أنه وردَتْ عليهِ كُتُبٌ من أهل الكوفة ..
لما وصلَ عليه السلام  إلى كربلاء أولاً خطبَ في أصحابِه فقال : أيها الناس ، الناسُ عَبيدُ الدنيا والدينُ لَعْقٌ على ألْسِنَتِهِم ، يحوطونَهُ ما درَّتْ معايِشُهُم ، فإذا مُحِّصوا بالبلاء قَلَّ الدَّيَّانون ، أيها الناس إنهُ قد نزَلَ بنا من الأمر ما قد ترَوْن ، وإن الدنيا قد تغيَّرت وتنكَّرَتوأدبرَ معروفُها ، ولم يبقَ منها إلا صُبابة كصُبابةِ الإناء ، وخسيسُ عَيْشٍ كالمرعى الوبيل ، ألا ترَوْن إلى الحقِّ لا يُعمَلُ به ؟ وإلى الباطِل لا يُتَناهى عنه ؟ ليَرْغَبِ المؤمن في لقاءِ اللهِ مُحِقّا ، فإني لا أرى الموتَ إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا بَرَما ) ... ومع العدو خطبَ خُطبتين : الخطبة الأولى فيها تعريف بنفسِه ( ألَسْتُ أنا ابن بنت نبِيِّكُم ؟ وابنَ وصيِّه ؟ أوَليسَ حمزةَ سيِّدُ الشهداءِ عمَّ أبي ؟ أوَليسَ جعفرالطيارُ عمي ؟ أوَ لم يبُغْكُم قول رسولُ اللهِ فييَّ وفي أخي الحسن هذان سيِّدا شبابِ أهلِ الجنة ؟ فإن صدَّقْتُموني فيما أقولُ وهو الحق ، واللهِ ما تعمَّدتُ الكذِبَ مُذْ علِمْتُ أنَّ اللهَ يمْقَتُ أهلَه ، ويُعاقِبُ مَن ارتكبه ....  ) ..
 آخر خُطبةٍ له عليه السلام عندما قال للقوم : ( تبّاً لكم أيتها الجماعة وتَرَحا .. أحينَ استصْرَخْتُمونا والِهين فأصْرَخْناكُم مُوجِفين سلَلْتُم علينا سيفاً لنا في أيمانِكُم وحَشَشْتُم علينا ناراً اقتَدَحْناها على عدُوِّنا وعدُوِّكُم بِغيرِعَدلٍ أفشَوْهُ  فيكُم ، ولا أملَ أصبَحَ لكُم فيهِم فَهَلاَّ لكُم الويلات ، ترَكْتُمونا والسيفُ مَشِيمٍ ، والجاشُ طامٍ ؟!!!! .........  ) . هذا إجمال للخُطَب والوصايا الواصِلَة إلينا من الحسين عليه السلام . هناك رسائل ايضاً يطولُ المقامُ لو ذكرناها ... الدورُ الأساسي الذي قامتْ بهِ هذهِ الخُطَب ، وهذهِ الكلمات ، كان توثيق النهضَة الحُسينية تحويلها في شخصِها وشخصِ عدُوِّها ، وأهدافها وأغراضها إلى وثيقة تأريخية غير قابلة للتزوير ، غير قابلة للتحريف ، حتى لا يأتي أحدٌ آخر ويصنع هوِيَّة مُزَوَّرة لصاحبِ النهضة ، لا يصنع هوية مُزوّرة للقَتَلَة ، لا تُقيَّد القضية من القتلة والجريمة ضد مجهول ، وإنما مُحدَّد هذا القاتل ، والعدو مُحدَّد على مستوى الأمراء وعلى مستوى الأتباع ، لا يأتي شخص لِيقولَ : إن هذه النهضة جاءت لِغايات سياسية مُجرَّدة ، أو مادية مصلحية وإنما كان لها أغراض نصَّ عليها الحسين عليه السلام .. الامام الحسين سلام الله عليه توجَّه إلى إمكانية إثارة إشكالات فأجاب عليها كما سيتبيَّن بعد قليل .
*البناء الفني والبلاغي لهذه الخُطَب : بشكلٍ مُبَسَّط ، أول ما نُلاحِظُهُ على كلمات الإمام الحُسين عليه السلام ، احتوائها على كَمٍّ كبيرٍ من الأفكارفي كلِماتٍ قليلة ، وألفاظ معدودة وهذه هي البلاغة ؛ لذا تحوَّلت كلِماته إلى شعارات _ قوة الكلمة ، عُمق المضمون ، قِلَّة الألفاظ _  وهذه هي البلاغة ... يقولون أن المأمون العباسي خطب ذاتَ يومٍ خُطبة وكان أحد الأعراب من البادية موجود في مكان الخِطاب ، فأطال المأمون ، بعدما انتهى المأمون سأل الأعرابي : ما تجِدون البلاغةَ عندكم ؟ فقال : إيصال المعنى بأقل ما يُمكِن من الألفاظ . قال : فما العَيُّ عندكم والفهاهَة ؟ _ العَي يعني عدم القدرة على توصيل الأفكار  _ قال الأعرابي  : ما كُنّا فيهِ منذُ ساعة .. كيف تتحوَّل بعضُ الكلمات إلى حِكَم ؟ أنا وأنت نستخدِم نفس الكلمات التي استخدمها القرآن الكريم ، ونأتي بنفس الحروف التي تكلَّمَ بها رسول الله صلى الله عليه وآله ، ونعتمِد على نفس الألفاظ التي قالها أمير المؤمنين عليه السلام ، لكننا نرى الكلمة عندما تأتي من القرآن أو النبي أو الوصي تأتي حِكمَة بالِغة جامعة ، ونحن نتكلم كثيراً بدون معاني جامعة . عندما يقول القرآن الكريم : ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) ، العرب كان عندهم كلِمة أخرى : القتلُ أنفى للقتْل ، يعني : إذا يُقتَل القاتِل ، هذا يُؤدي أن لا يشِيعَ القتلُ في المُجتمع .. لكن المضامين في اللفظِالقرآني أعمق وأيضاً اللفظ ففي قول العرب تتكرَّر لفظةُ ( القتل ) مرتين ، ولفظة ( أنفى ) لا تُناسب نغمة المِثال ، والقرآن لا يستخدم كلمة ( الموت ) ولا ( القتل ) ، وإنما يستخدم كلمة ( الحياة ) ، ولا يقول تقتل القاتل ، وإنما يقول ( تقْتَص ) ، والقِصاصُ يكونُ رادِعاً ، كل هذه المعاني في ثلاث كلمات .. كلمات النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلّم : ( لا ضَرَرَ ولاضِرَارَ في الإسلام ) هذه ثلاث كلمات لكن العلماء في الأصول يُصنِّفون مُجلَّدات في المعاني المحتملة لهذه الكلمات .. أمير المؤمنين عليه السلام وكلماته : ( الناسُ أعداءُ ما جَهِلُوا ) قصيرة ولكن فيها معاني كثيرة  . ( قِيمَةُ كُلِّ امْرِيءٍ ما يُحْسِن ) ، ليست قيمته في شكله ، ولا في ثوبِه ، ولا في زينَتِهِ ، ولا في مالِه ، وإنما في كفاءاته وما يُحسِنُه . إذن الحكمة لابد أن تكون مختصرة من حيث اللفظ ، وعميقة من حيث المعنى . وهذا مما يُميِّزُ خُطَبُ الإمام الحسين عليه السلام .. مثلاً : كلمته ( هيهاتَ مِنا الذِّلَّة ) ثلاث كلمات تحوي الكثير من المعاني .. وكلمة ( إني لا أرى الموتَ إلا سعادة ، والحياةَ مع الظالِمينَ إلا بَرَما ) ..
** الارتجال في هذه الخُطب ... فخُطَبُه عليه السلام هذه أكثرُها مُرتجلة دون تحضير ومطالعة وبحثٍ مُسبَق ، كما هو على طريقة الخطيب في شهر المحرم  ، وهذه حالة جيدة _ البحث والمُطالعة في الكتُب والتحضير المُسبَق _ نحنُ نوصي بها ونعتقد أنها من أسباب تطَوُّر المنبر الحسيني أن الخطيب إذا أراد أن يصعَد المنبر  يعتقد أن أمامه كل شخصٍ من الناس يُعطيهِ ساعة من عُمُرِهِ  ، فكم أعدَّ لهذه الساعات من الجُهْد ، بمقدارِ كم ساعة حضَّرَ لها ؟ هذه القضية تستحق إذن . لكن هذا بالنسبة إلى عامَّة الناس الذين يحتاجون إلى إعادةتفكير وبحث وأخذ من الآخرين ، أما بالنسبةِ إلى الامام عليه السلام والنبي فهو يأخذُ من بِئْرٍ عَميقٍ موجودٍ عندَه .. ولذلك هذه الخُطب إن كانت أمام الخليفة أو الوالي على مستوى ، وإذا كانت أمام المقاتلين المعادين أيضاً بنفسِ المستوى الراقي ، في حالةِ الاسترخاء الإمام يُعْطِي بِنفسِ الأداء في المعنى وفي الأسلوب ، وإن كانت في وسط المعركة بين صهيل الخيل نفس الشيء .. نمط واحد ونسيج واحد ..
*** المحتوى والمضمون ، أي نهضة وأي حركة من الحركات مهم بالنسبةِ لها أن تُعرِّف بِنَفسها كما هي ؛ لأنه إذا لم تُعَرِّف بنفسها كما هي عرَّفَها عدُوُّها تعريفاً زائفاً كما يشاء وبما يخدم أغراضه ، فالشهيدُ يُصبِحُ مُرْتَدّاً ، والفاجر يُصبحُ أطيب الطيبين على أثرِ ذلك .. مثلاً في تاريخ المسلمين ، مالك بن نُوَيْرَة رجل من المُخلِصين  قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : ( مَنْ أرادَ أن ينظُر إلى رجُلٍ من أهل الجنة فلْيَنْظُر إلى هذا الطَّالِع من هذا الفَجْ ) فخرج عليهم مالكُ بنُ نُوَيْرَة التميمي مع قومِه جاءوا لِتَجديدِ عهدِهِم برسول الله صلى الله عليهِ وآلهِ وسلّم بعدما أسْلموا وأوصاهُ النبي بوصايا وعرَّفهُ القيادة الحقيقية المطلوبة وهكذا ، ذهب مالك وبعدما حدثَ ما حدث ولم يَسَلِّمْ بالأمرِ لغيرِ علي بنِ أبي طالبٍ عليه السلام ، يعني تردَّدَ في القضية ، قال : أنا مُوَصَّى بأن أُسلِّم الزكاة إلى خليفة رسول الله الذي أعرِفُه ، جاء غيرُه أنا لا أستطيع تسليمه ، هذه أمانات الناس أعيدُها إليهم وهم يُعطُها لِمَن يشاؤون ، لكنه عندما جُرِّدَت عليهِ الحَمْلة قُتِل ، واآن يُعرَف في تاريخ المسلِمين على أنه انسان مُرتَد ؛ لأن الذي عرَّف شخصيتَهُ ليسَ هو بِنَفسِه ، وإنما عرَّفَهُ مُخالِفوه ، الامام الحسين عليه السلام هو الذي تولَّ التعريف بكلِّ الأمور ( أوَليسَ حمزةَ سيِّدُ الشهداءِ عمَّ أبي ؟ أوَليسَ جعفرٌ الطيارُ عمي ؟ أوَ لم يبُغْكُم قول رسولُ اللهِ فييَّ وفي أخي الحسن هذان سيِّدا شبابِ أهلِ الجنة ) هذا في مقام التعريف بالذات .. في مقامٍ آخرَ يقول : ( فواللهِ ما بين المشرِقِ والمغرِب ابن بنت نبيٍّ غيري فيكُم ولا في غيرِكُم ) .. أيضاً التعريف بالخصم ، مَنْ هُوَ ذلك الطرَف الذي يُقاتِلُني ؟ . هل كم يزعُمُ بعضُهُم أن الحسينَ عليه السلام دعاهُ شيعتُهُ أهلُ الكوفة  ثم قتلوه ؟ الحسنُ عليه السلام هنا دقيق يُحَدِّد طرفين : القادة والأتباع .. أعداءُ الحسين من القادة هم : ( مَنْ رأى منكُم سُلطاناً جائراً .....  ألا وإن هؤلاءِ _ الحاكمين _ قد تركوا طاعة الرحمن ولزِموا طاعةَ الشيطان ، واسْتَأثَروا بالفَيْء ، وأظهَروا الفساد وعَطَّلوا الحدود )  ..
( ألا وإنَّ الدَّعِيَّ ابن الدَّعِي قد ركَزَ بين اثنتَين ، بين السِّلَّةِ والذِّلَّة ، وهيهات منَّا الذِّلَّة ) .. ومَنْ هم الذين قاتلوك على مستوى الأتباع ؟ يقول : ( يا شيعةَ آلِ أبي سُفيان ، إن لمْ يكُن لكُم دينٌ ، وكُنتُم لا تخافونَ المَعاد ، فكونوا أحراراً في دُنياكم ) .. ( فسُحْقاً لكُم يا عبِيدَ الأمَّة ، وشُذَّاذَ الأحزابِ ، ونَبَذَةَ الكِتاب ،ومُطْفِئِي الكَلِمْ ، وعُصْبَةَ الإثْم ،و َيْحَكُم أهؤلاءِ تَعْضُدُون ؟ وعنَّ تتخَاذَلُون ؟ أجل والله ، غدْرٌ فيكُم قديم ، وَشَجَتْ عليهِ اُصُولُكُم ، وتآزَرَتْ فروعُكُم ) أنتم لستم أحراراً بل عبيد تُباعُونَ وتُشْتَرَوْن في سوقِ النَّخَّاسَةِ السياسية  ...  فهذا التحديد الدقيق للقتلة حتى لا يأتي شخصٌ لِيقول إنَّ الذي قتل الحسينَ عليه السلام هم شيعَتُه ، وهم الآن يُعَزُّون تكفيراً عما ارتكبوه ..
*** سبب خروج الإمام الحين عليه السلام : ( لأن الحقَّ لا يُعمَلُ بِهِ ، والباطِلَ لا يُتَناهَى عنهُ ) وبهذأ لا تكون للجياةِ قيمة .. الحياة هذه ليست إلا بَرَمَا ..
#إشكال / لو أن الحين عليه السلام رتَّبَ الأمر ، لو ذهبَ إلى اليمن ، أو إلى جبالِ طَيْ ، أو يذهب إلى ثغرٍ من الثغور ، أو يبقى في المدينة يستريحُ على نفسِهِ ويَنجو ولا تحدُث هذه المشكِلة .. لماذا لم يُحافِظْ على نفسِه ؟ يقول الإمام الحسين عليه السلام : ( واللهِ إنهم لن يترُكوني حتى يستخرِجوا هذه العلَقَةَ من جوفي ) إشارة إلى قلبِه ... هؤلاء لا يمكِن أن ينسجِموا معي  في أي مكان سأكونُ فيهِ ستكونُ المُواجَهةُ قادِمة ، فإذا كان كذلك فأنا سأختارُ الزمان والمكان ، وظروف المعركة التي ينبغي أن تكون بيني وبينهُم ..
هل أنك مقتولٌ يا أبا عبد الله لأن أهل الكوفة دعَوْكَ ، ثم توَرَّطت ؟ يقول عليه السلام : ( خُطَّ الموتُ على وُلدِ آدم مَخَطَّ القِلادَةِ على جِيدِ الفتاة ) قال هذا الكلام وهو ما يزال في مكة فيستطيع أن يبقى في مكة أو يذهب إلى المدينة أو إلى أيِّ مكانٍ آخَر  ، ولكن القضية : ( وخِيرَ لي مَصْؤرَعٌ أنا لاقِيهِ ، كأنِّي بأوصالي هذه تُقَطِّعها عُسْلانُ الفلَوات بينَ النَّوَاويسِ وكربلاء ، فيمْلَأْنَ مِني أكْراشاً جُوفَا وأجْرِبَةً سُغْبا ، لا مَحِيصَ عن يومٍ خُطَّ بالقلم ، رضا الله رِضانا أهلِ البيت ،نَصبِرُ على بلائهِ فيُوَفِّينا أُجورَ الصابرين ، لن تَشُذَّ عن رسول الله لُحمَتُه ، بلْ هي مجموعَةٌ لهُ في حظيرَةِ القُدْس تَقِرُّ بهِم عَيْنُه ، ويُنجَزُ بهِم وعْدُه ، ألا ومَنْ كان باذِلاً فينا مُهْجَتَه ،مُوَطِّناً على لِقاءِ اللهِ نفْسَه ، فلْيَرْحَلْ معَنا فإني راحِلٌ مُصبِحاً ، إن شاء الله )
عُسلان في اللغةِ العربية : جمع أعْسَل وعاسل والعاسل الشيء المُهْتَز ولها معنيان  الذئب ؛ لأن مشيته متذَبْذِبَة ،  أو الرمح ؛ لأنه يهتز ويتلوى في الهواء  ، عُسلان الفلوات قد تكون بمعنى ذئاب الصحراء ، أو تلك الرماح ..ما هو الرابط ؟ لَعَلَّهُ سلام اللهِ عليهِ يُريد أن يُشَبِّه هؤلاء الجنود بالذئاب المفترسة للتشنيعِ على قتلتِه ، إلا أن الذئاب أشرف من هؤلاء فهم لا يفتَرِسون إلا عن جوع .. النواويس هي قبور النصارى ومنطِقة نينوى هي منطقة للمسيحيين تقع شمال كربلاء ، ورد ذِكرُها في قضية رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم مع النصراني عَدَاس في رحلتِهِ إلى الطائف قال : أنا من نينوى ، فالنبي عرَّفَهُ أن ذلك البلد هو بلد أخي يونُس بن مَتَّى .. يحدد الإمام الحسين وهو في مكة حتى المنطِقة التي سيُقتَل فيها ؛ حتى لا يقول أحد أن الحسين عليه السلام فُوجِيءَ ولم يرى نفسَهُ إلا مُحاطاً بالجنود وانقتل في ذلك المكان  ، لا باختيارِهِ وهو الذي أراد لِنفسِهِ هذا المصير ، يموتُ ؛ لِكَي يَحْيَى الدين ..

مرات العرض: 3422
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2581) حجم الملف: 21636.42 KB
تشغيل:

التشيع في التسنن
مواقف الصحابة من نهضة الحسين