البسملة وبعض تطبيقاتها الفقهية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/9/1431 هـ
تعريف:


البسملة وتطبيقاتها الفقهية

تفريغ نصي الفاضلة فاطمة الخويلدي

تصحيح الأخ الفاضل كمال الدوخي

قال الله العظيم في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87] آمنا بالله صدق الله العلي العظيم

 حديثنا يتناول الآية الكريمة البسملة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في بعض أبعادها الفقهية. وقد تعددت آراء الفقهاء الشيعة حول اعتبار البسملة جزءا من السورة أم لا، لكنهم اتفقوا على أنها جزء من الفاتحة، وأن قراءتها في الصلاة واجبة في الفاتحة وفي السورة التي بعدها.

هذا الاختلاف في اعتبار البسملة جزءا من السورة يترتب عليه أثر عملي؛ فلو بنينا على القول بأن البسملة جزء من السورة يمكن الاكتفاء بقراءة سورة التوحيد في الركعة الواحدة من صلاة الآيات، لأن عدد آيات سورة التوحيد تصبح خمسا لو أضفنا إليها البسملة باعتبارها جزءا من السورة. فنقرأ آية قبل كل ركوع من الركوعات الخمسة.

أما إذا بنينا على القول بأن البسملة ليست جزءا من السورة فإننا سنحتاج إلى قراءة سورة أخرى في صلاة الآيات تكون عدد آياتها خمس من غير احتساب البسملة، مثل سورة القدر.

*آراء المذاهب الإسلامية:*

اختلف رأي بقية المذاهب الإسلامية في كون البسملة جزءا في السورة.  فذهب إمام المذهب المالكي إلى أن البسملة ليست جزءا من الفاتحة ولا من سائر السور الأخرى، بل ليست من القرآن أصلا، ولذلك لا ينبغي قراءة البسملة في الفرائض عند المالكية.

أما أبو حنيفة فهناك من نقل عنه قوله بأنها جزء، وهناك من نقل عكس ذلك وأنه يقول بأنها ليست جزءا. ورأي الشافعي يكاد يتطابق مع رأي الأمامية، بفارق واحد وهو أن البسملة عنده تقرأ إخفاتا في الصلاة الإخفاتية وتقرأ جهرا في الصلاة الجهرية. في حين أن الإمامية يجهرون بالبسملة حتى في الصلاة الإخفاتية -استحبابا-.ومع أن المنقول عن أحمد بن حنبل أن البسملة جزء من الفاتحة، لكن الملاحظ على بعض أتباعه عدم قراءة البسملة -أو الإخفات بها ربما-.

**أدلة جمهور المسلمين على عدم جزئية البسملة:*

واستدلوا على عدم جزئية البسملة للسورة بعدة أدلة، عمدتها رواية عن عبد الله بن مغفل، يقول: صليت مع النبي (ص) ومع أبي بكر ومع عمر ومع عثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها.

واستدلوا ثانيا بالحديث القدسي "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي". فهو سبحانه له نصف الحمد والثناء والتمجيد، والعبد له نصف الدعاء والطلب والمسألة، والبسملة تقع في النصف الأول.

واستدلوا ثالثا بأن البسملة إنما وضعت بمثابة الخط الفاصل بين السور، حتى لا تختلط ببعضها.

وسيتبين وجه الخلل في أدلتهم أثناء عرضنا الموجز لأدلة الشيعة الإمامية.

*أدلة فقهاء الإمامية على جزئية البسملة*

_الدليل الأول/روائي:   _  ما ورد عن ابن عباس أن النبي (ص) إذا جاءه جبريل فقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} علم أنها سورة. (يعني أنه قد انقضت سورة ونزلت أخرى).

ونقلوا رواية أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان غافياً فاستيقظ وهو مبتسم، فقيل له: مم تبسمك يا رسول الله، فقال: من سورة نزلت علي، وقرأ (ص): بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ إلى آخر السورة، والشاهد أنه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله افتتح السورة بالبسملة.

_الدليل الثاني/ تفسيري:_ تفسير أمير المؤمنين (ع) لآية {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} فقد سئل عليه السلام ما هي السبع المثاني؟ فقال الفاتحة. فقال له السائل يا أبا الحسن إنما هي ست آيات، فقال سلام الله عليه {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آية. أي أنها تمام السبع.

وهذا التفسير لأمير المؤمنين عليه السلام ينقض دعوى فقهاء المالكية القائلين بأن البسملة ليست جزءا من الفاتحة. لأن عدد آياتها إذا لم تحتسب البسملة تصبح ست آيات، بينما القرآن الكريم يشهد وبتفسير أمير المؤمنين عليه السلام أن الفاتحة سبع آيات.

_الدليل الثالث/ تاريخي:_ توجد حادثة تاريخية ينقلها الشافعي في كتابه الأم، والبيهقي في السنن، والحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين، وغيرها من الكتب. تروي الحادثة أن معاوية صلى بالناس في المدينة صلاة جهر فيها بالقراءة فلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، فلما فرغ ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية نقصت الصلاة، أين بسم الله الرحمن الرحيم؟ فكان إذا صلى بهم بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم.

وهذه الحادثة التاريخية الواردة في كتب معتبرة لدى الجمهور تنقض دليلهم الأول المعتمد على رواية عبد الله بن مغفل ودعواه بأنه صلى وراء النبي والخليفة الأول والثاني والثالث فلم يسمعهم يذكرون البسملة. فلو كان كلامه صحيحا لما اعترض أهل المدينة على معاوية حين لم يقرأ البسملة. فهذا يدل على أن قراءة البسملة في الصلاة كانت مرتكزة في أذهانهم.

_الدليل الرابع/ الإجماع:_الإجماع دليل من الأدلة التي يستند إليها الفقيه سواء عندنا أو عند مدرسة الجمهور، وإن كان يوجد اختلاف في حدود هذا الإجماع وفي تعريفه. وإجماع العلماء في زمان واحد أو أزمنة مختلفة على كلمة واحدة مع اختلاف مسالكهم، يعتبر دليلا، حتى مع عدموجود دليل من الكتاب أو السنة. ويقسم الإجماع إلى: لفظي وعملي.

ويمكن الادعاء بأن اعتبار البسملة جزءا من الفاتحة بل من مجمل سور القرآن مما أجمع عليه فقهاء الأمة على نحو عملي.

**الرسم القرآني:*

ويؤيد ذلك أن كتاب المسلمين القرآن الكريم بجميع نسخه في كل العصور حتى تلك المخطوطة في المتاحف تبدأ سوره بالبسملة. وهذا يشهد على أن أهل العلم في كل عصر اعتبروها آية من القرآن الكريم. خصوصا مع علمنا بمقدار الاحتياط الذي تعامل به الخطاطين مع الرسم القرآني، وحرصهم على الإبقاء على نفس الخط والإملاء منذ الزمن الأول إلى زمننا الحاضر. 

وحتى عندما أرادوا تنقيطه لرفع الاشتباه بين الكلمات -مثل يأتوا ويأبوا- توقفوا عند ذلك طويلا وأشبعوا الموضوع نقاشا واستفتاء. ومع كل هذا التشدد والتحرز يصبح مستبعدا أن تكون البسملة قد أضيفت إلى القرآن دون اعتراض من أحد. أما دعوى أن البسملة كانت بمثابة خط فاصل بين السور لمنع اختلاطها فيدفعه أن الفاتحة لم تسبقها سورة فلماذا ابتدأت بالبسملة؟

**البسملة أدب إسلامي:*

وحتى لو افترضنا جدلا بأنه لا توجد لدينا أدلة توجب أن تفتتح كل سورة بذكر البسملة في الصلاة، فإنه سيتعين علينا الالتزام بها. لأن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: " كل أمر ذي بال لا يبدأ باسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر" يعني مقطوع وبلا بركة. والقرآن قطعا أمر ذو بال فينبغي أن يقرأ عليه اسم الله سبحانه وتعالى.

إن المسلم لا يستحل أكل الذبيحة ما لم يذكر اسم الله عليها { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ..} وحتى في الصيد ينبغي أن يذكر الصياد اسم الله قبل أن يطلق سهما أو رصاصة أو كلب صيد لتتحقق التذكية.

مرات العرض: 3426
المدة: 00:50:22
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2568) حجم الملف: 17.2 MB
تشغيل:

أبو طالب : حماية الرسالة وستر الإيمان
أسماء الله وتجلياتها في التشريع