سيرة الإمام الصادق عليه السلام
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
تعريف:

سيرة الإمام الصادق عليه السلام
كتابة الاخت الفاضلة تراتيل السماء
بسم الله الرحمن الرحيم
انت يا جعفر فوق ال مدحٍ  والمدحُ عناء
انما الاشراف ارض ولهم  انــت  سماء

جاز حد المدح من قد ولدتــــه   الانبيـاء


هذه كلمات لاحد الشعراء نطقت بحقيقة علو شأن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام الذي يعد المؤسس الثالث بعد الرسول الاكرم وامير المؤمنين عليهما الصلاة والسلام فهو الناشر لعلم ابائة الطيبين الطاهرين ولذلك ينسب المذهب للأمام الصادق نظرا للدور الأساسي الذي قام به لإحياء المذهب بل احياء الدين ونحن نعتقد ان مذهب اهل البيت  عليهم السلام هو الصيغة المثلى لدين جدهم رسول الله صلى الله عليه و آله
ولادته وعمره الشريف
الامام الصادق عاش بين عام ثلاثة وثمانين الى عام  مائة و ثمانية وأربعين هجرية واستشهد وعمره الشريف خمسه وستون سنه منها خمسه وثلاثون سنه كانت مدة امامته وهي تعتبر من أطول مُدد الامامة في حياة اهل البيت
الامام الهادي عليه السلام كانت امامته اكثر من هذا المقدار اما الباقين فان امامتهم اقل من هذه المدة .
نشر الامام الصادق لعلوم ابائة الاطهار
الامام الصادق استفاد من الظروف التي كان يعيشها فنشر علوم ابائه الطاهرين اكثر من باقي الائمة  ممن سبقه ومن لحقه لا لنقص او عجز في الائمة الباقين فنحن نعتقد بانهم جميعهم سلام الله عليهم عندهم من العلم ومن العقائد والأصول والفروع الشيء الكثير ولكن حدثت ظروف اجتماعية وسياسية لبعضهم دون بعضهم  اعاقت  البعض عن نشر العلوم المحمدية,  فالأئمة عليهم السلام يتعاملون مع الواقع الخارجي ولا يتعاملون مع المعجزات.
وهكذا فان الامام الصادق تيسرت له الظروف بشكل اكثر مما توفرت لجده الامام السجاد و ابنه الكاظم وهكذا فقد فقام الامام الصادق بدوره بشكل جيد
حياة الائمة بطبيعة الحال حافله متزاحمة فيها صور المناقب والفضائل والمعارف والخطط والتدبيرات لذلك لا يمكن تقديم بحث متكامل ومفصل عن الائمه ومن أراد فليراجع الكتب الخاصة كـكتاب
- الامام الصادق والمذاهب الاربعة ( أربعة مجلدات ) وهو كتاب مهم جدا
- موسوعة الامام الصادق التي الفها باقر شريف القرشي
 - كتاب اعلام الهداية 
 و غيرهم من الكتب والموسوعات
الأوضاع السياسية في عصره
الامام الصادق عليه السلام عاش في زمن اتسم في كلا فترتيه الاموية والعباسية -التي جاءت في عام 132 هجري وعاصر فيها الامام حوالي سته عشر سنه -  باضطرابات سياسي حيث كانت هناك عدة ثورات
ثورة الشهيد زيد بن علي بن الحسين عليه السلام
 هذه الثورة كانت مؤيده من أئمة اهل البيت وغير اهل البيت  أي غير الشيعة , وقد دعم وايد حركة الشهيد زيد من أمثال ابي حنيفة .
عن الامام الكاظم يروى عن الامام الصادق انه قال :" رحم الله عمي زيد فانه لو ظفر لوفى ولقد دعا الناس الى الرضا من ال محمد "
أي ان منهجه العام هو انه يدعوا الى الشخص المرضي الاكفء من قبل اهل البيت وقد قُضِي على هذه الثورة بوحشية فصلب زيد على جدع نخلة مدة 3 سنوات ثم انزل واحرق
ثورة محمد بن عبدالله النفس الزكية
 ثورة حفيد الامام الحسن , محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن المجتبى وهو المعروف بمحمد بن عبدالله النفس الزكية الذي ثار ضد العباسيين فلقد بايعوه هو بالخلافة ثم استأثروا عليها و أرادوا سجنه فقامت ثورة وقضوا العباسيين عليها
كان هناك تعاطف من خط اهل البيت لثورة حفيد الحسن المجتبى ذو النفس الزكية ولكن ليست كمثل تعاطفهم مع ثورة زيد بن السجاد
و هاتان الثورتان تدلان على وجود خلل سياسي واضطراب في الامة
المشكلة الثقافية و الازمة العقائدية
 هناك مشكلة أخرى في الامة وهي المشكلة الثقافية والازمة العقائدية فالمسلمون لا يمتلكون تراثا نبويا حيث أنه صدر منع بعد وفاة النبي من خط الخلافة الرسمي , فقد منعوا تدوين وتداول احاديث النبي بل بعض الخلفاء قاموا بإحراق احاديث الرسول بمبررات غير صحيحه  و استمر المنع من وفاة النبي عام عشرة هجري  الى عام تسعه وتسعون هجرية أيام عمر بن عبدالعزيز أي حوالي ثمان وثمانين سنه تقريبا . وهكذا فان الصحابة والتابعين لقوا ربهم وبقت الامة بدون ان يكون في يدها تراث للنبي صلى الله عليه و آله

فمثلا هناك على اقل تقدير الف خطبة للنبي خطبها في أيام الجمع بالإضافة الى الخطب التي يخطبها في الغزوات والأيام المعتادة والعيدين وباقي المناسبات وغيرهم كانت موجوده في الصدور لكن منع تدوينها والان نحن لا نجد هذه الخطب .

و بعد موت الصحابة والتابعين و حصول توسع للفتوح الإسلامية جاء اناس لديهم قضايا فكرية و أسئلة  ثقافة و المسلمين لم يكونوا يعلمون شيء فاحاديث رسول الله غير موجوده تحت أيديهم كما ان هذه العلوم لا يعرفها الا الراسخون في العلم . لذا الامه واجهت مشاكل صعبة في ذلك الزمان تبدا بما تتعلق بالله وعقيدة التوحيد مثل هل الله  موجود؟ هل هو محدود ؟ ل هو عادل؟ و كيف شكله ؟وهل الناس مجبورون مسيرون ام مخيرون؟
 وقد واجه المجتمع الزندقة و الغلاة في رسول الله والائمة من بعده حيث يرفعونهم الى منازل الالوهية , وهذا تحدي ثقافي وعقدي مهم وخطير جدا
موقف الامام إزاء الإشكالات
الامام الصادق قام بعدد من الأمور إزاء هذه الإشكالات
أولا : التفت الى كيان شيعة اهل البيت وحرص على ان يكون لهذا الكيان منهج صحيح وان يكونوا أقوياء بداخلهم ولذلك بذل الامام الصادق الكثير من الجهد لإشاعة التودد والتأخي و التكافل فيما بينهم ليقضي على النزاعات الداخلية الموجودة في هذه الطائفة , فاحد الاستراتيجيات التي اتبعها الامام هو انه اعتبر اهانه أي شخص من عامة الناس هو اهانه لشخصه الكريم حيث قال لاحدهم : ( صاحبك فلان كنت معه في الجحفة و كان يطلب منك معونه فلم تسمع له ويستنجد لك فلم تستجب له فاذا استخففت به فقد استخففت بنا )
ثانيا : وايضا سعى الامام في حل المشاكل ما بين الناس , يقول المفضل بن عمر الجعفي :"خرجت ذات يوم فوجدت شخصين من اصحابنا  يتنازعان في أمور مالية فعلت اصواتهما فسالهم ما قضيتكم , قال احدهم :" انا معه مع شركاء في ميراث وهو يحجبني عنه " فقال له : كم لك ؟ فاخبره , فقال له : لو اعطيتك خمسمائة دينار هل تنتهي المشكلة ؟, قال : نعم , فانصرف و جاء ومعه المبلغ المتفق عليه وقال له هذا المبلغ من مولاي الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فهو امرني بذلك."
وهكذا الامام أراد ان يجعل الكيان التابع لآل محمد كيان متكاتف و ان يكون كيان غير مشغول بالمشاكل الداخلية
قضية خلق القران
هناك طرفان من غير مذهب اهل البيت اختلفوا فدخلوا في حرب سياسية و اعتداءات ومشاكل زهقت على اثرها أرواح حيث ان احد هذان الطرفان يقول بخلق القران و الطرف الأخر يقول بقِدم القران فاشعلوا فتيل الفتنه في ذلك الزمان .
 وحتى زماننا هذا ونحن نجد ان بعض المذاهب عملها ان تشعل فتيل الازمات و يحرقون ما هو موجود
رسالة سلام
الامام الصادق التفت منذ ذلك الزمان الى هذا الامر فأعطي رسالة سلام لشيعة اهل البيت فالتزم بها المعاصرين والتزم بها اكثر الشيعة في اكثر الازمه  حتى يومنا هذا فعلى الرغم من الاضطهادات التي تصيبهم فهم دعاة سلام فلا يسعون الى الحرب و اشعال الازمات فنحن نؤمن بان مذهب اهل البيت  يمتد اكثر ويتعرف الناس عليه بشكل افضل في فترة الهدوء والمسالمة وهذا ما يخافه الاخرين من مذهب التشيع . و الائمة عليهم السلام كانوا يريدون من شيعتهم ان يتحلوا بكمال الاخلاق والعلم والدين  و ان يكونوا زين لهم لا شينا عليهم
وقد دعا الامام الصادق الى التقية التي هي رسالة سلام وخطة سلام في مجتمع المسلمين ليتقبل الناس بعضهم البعض ولا يحصل اصطدام وهذه الخطة هي بعكس خطط الاخرين الذين لديهم خطط غير سلمية فيفكرون بعدم الانسجام والتفجير .
الامام الصادق كان يحث شيعته لينسجموا مع الاخرين من المذاهب الأخرى فمثلا يحثهم على ان  يقيموا الصلاة مع باقي المسلمين و ان يعوذوا مرضاهم و يشيّعوا امواتهم وغير ذلك
مدرسة الامام الصادق
قام الامام بفتح باب دَرْسِه لجميع علماء الامه من أي مذهب كان فدرسه متاح لمن يريد ان يغترف من علومه وينهل , فهناك  رواة من غير الشيعة درسوا على يديه  ورووا و رواياتهم يعمل بها , وينقل ان أبا حنيفة النعمان استفاد من علوم الامام الصادق واحاطته وسبب توجه هذه الجماعات للاغتراف من معين ال البيت الصافي هوانهم يُقَدِّرون الامام وعلمه تقديرا عاليا
بركات الامام في الكوفه
الامام الصادق عاش جل حياته في المدينة المنورة ولكن قضى سنتين منها في الكوفة وحينما وصل الكوفة  ظهرت بركاته فلقد قام بالتدريس فيها لهذا يقول الحسن بن علي الوشاء: (سمعت في هذا المسجد  سبعمائة شيخ كل واحد منهم يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق ) فهؤلاء لم يذهبوا للمدينة المنورة بل تلقوا هذه العلوم على يد الامام الصادق بالكوفة خلال هاتين السنتين و يشير قول أبا حنيفة النعمان الى هذه السنتين ( لولا السنتان لهلك النعمان ) . وقد حضر أبو حنيفة دروس الامام الصادق في الكوفة والمدينة وكذلك حضر المناظرات منها ما تناول موضوع القياس و الرد على أبي حنيفة في مسلكه
فترات بث علوم ال محمد
اذن الامام الصادق بث علم كثير من علوم ابائه وفتح للجميع الباب ليأخذوا منه , لذلك يُرى ان هناك 3 فترات حصل بها بث العلم على منهج اهل البيت بشكل كبير
1- فترة الامام علي عليه السلام
2- فترة الباقرين (الباقر والصادق عليهما السلام) فقد اوصى الامام الباقر عليه السلام ابنه الصادق قائلا : " اوصيك بأصحابي خير
 فقال الامام الصادق : والله لأتركنهم لا يحتاجون احد في العلم "
3- فترة الامام الرضا الذي بث علم كثير
و ننتظر المرحلة الرابعة في زمان مهدي ال محمد عجل الله فرجه
تربيه المتخصصين
الامام الصادق ليس فقط بث علم ابائه بل ربى متخصصين  
جاء شخص من الشام ليناظر الامام الصادق عليه السلام , فقال له الامام : فيما تناظرني ؟ فقال : جئت لك لأناظرك في الإمامة
فألقى اليه الامام هشام ليناظره وهو ابن ثمانية عشر عاما , فاستنقص الشامي هشام , وقال : هذا ؟
قال له الامام الصادق عليه السلام : اذا غلبته غلبتني
فقال هشام : فيما يرجع الناس في خلافاتهم ؟
فقال الشامي: القران .
 فقال هشام : هل القران موجود ؟
 قال : نعم موجود
فقال هشام : هل هناك اختلاف بين الناس ام لا يوجد اختلاف ؟
قال الشامي : نعم يوجد اختلاف ( يقصد في العقائد و الأفكار و غيرها وهذا ما جعل الشامي يأتي للمناظرة )
قال الشامي: الان انا سأسالك : الى من يرجع الناس في خلافهم بعد النبي محمد( ص)؟
قال هشام : "الى ما قاله نبينا محمد , اوصيكم بما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي "
قال الشامي : العترة اين هم ؟
قال هشام : هذا الامام جعفر الصادق هو من نسل رسول الله صلى الله عليه واله , فلو رجع الناس الى الامام  لفسر لهم كتبهم فهم كما قالوا ( لو اثنيت لي الوسادة لا فتيت اهل التوراة بتوراتهم و الانجيل بإنجيلهم و اهل الزبور بزبورهم و اهل القران بقرانهم)
قال تعالى (فلو ردوه الى الله و الرسول لعلمه الذين يستنبطونه منه )
فانتبه الشامي الى ان هشام بن الحكم يمتلك قدرات فوق ما كان يتصور ,
 فاراد الشامي ان يناظر الامام الصادق في اللغة العربية فألقى اليه حمران الشيباني ودار نقاش بينهما حتى غلبه الشيباني.
وهذا يدل على ان الامام الصادق ربى مجموعة من المتخصصين الاكفاء منهم فقهاء قادرين على استنباط الاحكام وليس ناقلين للأحكام او للاحاديث فقط. فالأمام بث علوم تقليديه وعلوم غير تقليديه
وهناك علماء غربيون اعترفوا بفضل الأمام الصادق فمنهم من الف كتاب اسمه ( جعفر الصادق ملهم الكيمياء ).
زكي محمود يقول : اذا كان هذا الذي نقل عن جابر بن حيان الكوفي فالأمام الصادق سبق زمانه بالألف السنين
 وفعلا جابر هو ليس الا ناقل لقطره من بحر علوم محمد و آل محمد
الامام الصادق عليه السلام كباقي الائمه بحر عميق لا يمكن الإحاطة به
نسال الله ان يوفقنا للاهتداء بهديه والاقتداء به و ان نحشر معه

مرات العرض: 3538
المدة: 01:07:24
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2585) حجم الملف: 23.1 MB
تشغيل:

عن إمامة المهدي وحياته الشخصية
سيرة الصديقة الزهراء عليها السلام