الإمامة والامام في كلام عالم آل محمد 12
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/9/1443 هـ
تعريف:

 

12/ الإمامة و الإمام في كلام عالم آل محمد

تحرير: السيد عبد الحميد الحسني

 قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة : 24]

موقع الإمامة و منزلة الإمام كما يراها عالم آل محمد الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله و سلامه عليه، سوف نتناول -باذن الله تعالى- الحديث المشهورين الإمام الرضا عليه السلام و المفصل الطويل الذي تحدث فيه عن صفات الإمام و موقع الإمامة، هذا الحديث فيه ميزات، إحدى هذه الميزات لجهة القائل، فهو إمام معصوم عارف بموقع الإمامة، ربما اذا كان الكلام و الحديث من غير معصوم فقد يكون فيه زيادة أو نقيصة؛ و لكن حيث أنه من معصوم من المعصومين فإن هذا الحديث سيكون دقيقا و ناشئا عن خبير.. الإمام الرضا عليه السلام بتوصيف أبيه الكاظم و جده الصادق عليهما السلام، عرف بعنوان عالم آل محمد، و قد ذكرنا في كتاب لنا بهذا الإسم " في عالم محمد: علي بن موسى الرضا" وجه هذه التسمية و هذا اللقب وأن ذلك منطبق تماما على ما قام به الامام الرضا عليه السلام، سواء في كمية ما نقل عنه من كمية العلم، أو في مضامين ذلك المنقول و في عمقه..  

1-     لجهة انه القائل الإمام الرضا عليه السلام ينبغي العناية الكافية بمثل هذا الحديث و الرواية..

2-     أن هذه الرواية و الحديث قد تم نقله في كتابين من الكتب المهمة عند الإمامية من مؤلفين خبيرين و محدثين بارعين، هما الشيخ الصدوق – رضوان الله تعالى عليه- (متوفى سنة 381ه) و الشيخ الكليني صاحب الكافي- رضوان الله تعالى عليه- في الكافي رواه مرسلا لكنه في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) رواه الصدوق مسندا، و كتاب عيون الأخبار من الكتب المهمة الاي لا يستغنى عنها عند الحديث في العقائد و في سيرة المعصومين عليهم السلام..

إضافة إلى  ذلك فهو من الأحاديث المشهورة و المعروفة و الاي يدل على صدورها من معصوم، مضمونها و متنها.. هناك مسلك عند قسم من علمائنا يقول أن أحد الأدلة التي يستند إليها في أن هذه الرواية صحيحة و معتبرة أو لا، بالإضافة إلى السند الصحيح و ذكرها في الكتب الرئيسية، لاسيما الكتب الأربعة و عمل العلماء بها، يقولون بالإضافة إلى ذلك كله، أنه أحد الطرق هو مضمون هذا الحديث أوهذه الرواية، فكلما كان ذا معان عالية وفخمة و لغته لغة بليغة، فإن  ذلك يعد أحد القرائن على صدور هذا الحديث أو الرواية   من إمام معصوم، لما يأتي شخص مثلا و يقرأ دعاء الصباح، يقال دعاء الصباح متنه هو سنده،  لأنه من الذي يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام العميق معنى البليغ لفظا الموجز كلاما و الذي فيه كل هذه المعارف الدينية، غير إمام معصوم بحجم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، كذلك عندما نأتي إلى هذه الرواية في مبحث الإمامة، يمكن أن نقول نفس الكلام، هذا الأداء المتميز في تعريف الإمامة و منزلة الإمام لا يتيسر إلا لإمام معصوم، لذلك آثرنا أن نمر على هذا الحديث و والرواية، و إن كانت طويلة بعض الشيء إلا أنها خير ما يشرح قضية الإمامة، يعني بين أن تسمع كلام الخطيب أو أن تسمع  كلاما من الإمام عليه السلام، لا ريب أن ذلك هو أولى و أعمق و أفضل، سوف نحاول نقرأ فقرات من هذه الرواية و الخبر، و نشير إلى ما يرتبط بها من المعنى..

3-     هناك جهة إضافية ايضا لهذه الرواية و هي أنها كانت في جو، تقريبا كان مفتوحا من الناحية الفكرية و الثقافية ، في ما قبل زمان الإمام الرضا عليه السلام أيام  هارون و أيام المنصور العباسي كان الحديث عن الإمامة و الأئمة صعبا، و كان قد يستوجب العقوبة، لما صار زمان الإمام الرضا عليه السلام اولا لجهة أن المأمون بالقياس إلى آبائه و من خلفه كان رجلا مثقفا، بل أكثر من هذا بل يرى بعضهم أنه كان معجبا بالإمام  أمير المؤمنين عليه السلام، ليس من الضرورة أن يكون منتمي إليه أو يكون من شيعته،  لكن يعجب بهذا الأداء و هذا العلم، على سبيل المثال أنت الآن  تشجع فلان لاعب في فريق كذا، مع أنه لست من أهل الرياضة و لا تلعب مثلا في فريق و لا غير ذلك، و لا أيضا يعود عليك بالفائدة في شيء، تقول غلب فريقنا و فزنا عليهم، و اللاعب الذي يعجبك في ذلك الفريق الأجنبي ماذا فعل و ماذا عمل؟ مع أنه أنت لا تنتمي لهذا الفريق و لا يدخل في كيسك شيء و لكن يعجبك أداؤه، المأمون العباسي عندما يقايس أمير المؤمنين عليه السلام بكل من كان في زمان رسول الله صلى الله عليه و آله، لا يجد فيهم بل لا يجد مجموعهم يوازن عليا عليه السلام، هذا الجو الذي كان، مع التأكيد أن المأمون الحجة عليه أكثر، أنه  مع معرفته بالإمام عليه السلام، إلا أنه ارتكب في اولاده ما ارتكب، فالحجة عليه و اللوم عليه و العقوبة عليه أكبر من غيره، لكن إلا أنه تعقد حوارات و نقاشات و مؤتمرات دولية و مناظرات في العقائد كثيرة جدا، و كان بإمكان الواحد أن يقول آراءه و افكاره بغير خوف كما كان بالازمنة  السابقة التي ذكرناها، فهذا أيضا يضيف جهة من جهات أهمية هذه الرواية، أن حالة التقية فيها قليلة أو غير موجودة..

الآن لنطلع على مضمون الرواية، و التي يرويها الشيخ الصدوق في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام، مسندة إلى عبد العزيز ابن مسلم و هو أحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، يقول كنا في أيام علي بن موسى الرضا عليه السلام بمرو – رواية بمرو يعني بعد سنة 201ه- سنتين قبل شهادة الإمام الرضا عليه السلام، فاجتمعنا في مسجد جامعها، في يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فإذا الناس يتناقشون في أمر الإمامة – طبعا  تعلمون و قد ذكرنا هذا من قبل  أن الإمامة بمقاييس مدرسة الخلفاء تختلف عن الإمامة  بمقاييس مذهب أهل البيت عليهم السلام و ذكروا كثرة إختلاف الناس فيها، طبيعي نظريتان مختلفتان، أصلا بعض الفرق المسلمة ينقل عنهم و إن كانوا هم ينكرون ذلك لشناعة الرأي،ينقلون عنهم أنه في قضية الإمامة، لايجب لاعقلا و لانقلا و لا على الله و على الناس نصب الإمام ما يحتاج اصلا بحسب رأيهم، ماذا يصنع الناس؟ كل واحد -حسب تعبيرهم- يتناصف الناس فيما بينهم، كل واحد يعرف حقه و يلزم حده ومكانه فما يحتاج إلى إمام!!

الآن  حكومات موجودة و محاكم والمحاماة و السجون و العقوبات، مع ذلك هذه القضايا و النزاعات تزداد يوما بعد يوم، هل معقول نترك كل هذا ويتناصف الناس فيما بينهم، هذا مجتمع ملائكة و ليس مجتمع بشر!! 

و قسم آخر يقول لا يجب على الله نصب الإمام، و إنما يجب الأمر على الناس لتنظيم أمور حياتهم و قضاياهم، يجب ينتخبوا واحد إما بالشورى و إما بالانتخابات إما بأهل الحل أو العقد إما بالغلبة و السلطة- تعرضنا إلى هذا الموضوع فيما سبق- ..

و الإمامية يقولون الله أوجب على نفسه الرحمة و اللطف بالعباد، فاقتضى ذلك أن ينصب لهم نبيا و وصيت و إماما حتى يرشدهم الى الطريق السليم و هذا مر الكلام فيه و في أدلته..

فيقول الراوي انه صار نقاش في قضية الإمامة، و خرسان إلى ذلك الوقت لم تصبح شيعية و إمامية و إنما فيها خليط من الناس و غير الشيعة فيها أكثر من شيعة أهل البيت-عليهم السلام-يقول فدخلت على سيدي و مولاي الرضا عليه السلام، فأعلمته ما خاض الناس فيه، ناقشوا في الإمامة و الإمام كيف يجب أن يكون..فتبسم عليه السلام و قال: يا عبد العزيز، جهل القوم و خدعوا عن أديانهم- هذه حالة من الجهل عند الناس أن يتصوروا أن الله سبحانه و تعالى لم يجعل إماما، بإعتبار هذه نظرية مدرسة الخلفاء الرسمية، لماذا جهلوا؟ لماذا خدعوا عن أديانهم؟ قال عليه السلام: إن الله تبارك و تعالى لم يقبض نبيه – صلى الله عليه و آله- حتى أكمل له الدين و أنزل عليه القرآن فيه تفصيل كل شيء، بين فيه الحلال و الحرام و الحدود و الأحكام و جميع ما يحتاج إليه فقال عز وجل:{..مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ..} [الأنعام : 38] ..لماذا ضل هؤولاء و لماذا جهلوا و خدعوا عن دين الحق؟؟ الله انزل على نبيه صلى الله عليه و آله الكتاب و لم يقبض صلى الله عليه و آله حتى نزل في هذا الكتاب ما يحتاج إليه الناس من الحلال والحرام و الحدود و الأحكام و العقائد،و قد الله تبارك و تعالى في الكتاب: :{..مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ..} [الأنعام : 38] ما نسينا شيئا و تركنا أو اغفلنا شيئا في هذا الكتاب، إذا  كانت الأحكام و القضايا و الحدود و المسائل الفقهية قد بينت في الكتاب، حتى على مستوى كفارة حنث اليمين، واحد قسم بقسم مشروع طبعا( إحداهن تسأل اليوم، أنا جبت القرآن و توجهت إلى القبلة و أقسمت ما أطبخ لأهلي!!فماذا أفعل بعد هذا القسم؟ لازم أكفر أو لا؟ قلت لها هذا القسم لا يسوى فلسا واحدا، اطلعي لأهلك و عيالك و اولادك من غير خوف ولا وجل ولا يحتاج كفارة ولا هم يحزنون، حملتي القرآن أو الإنجيل لا فرق لان اليمين لابد أن تتعلق بأمر راجح من الناحية الشرعية أو الناحية الدنيوية، فيه رجحان شرعي أما لو أن أقسمت على أن أضرب أخي، لا ينعقد هذا!! لماذا؟ لأن هذا فعل غير جائز مرجوح، لو أقسمت ما اصلي نوافل- هناك قسم من الناس لما يأتي شهر رمضان يهونوا عن النوافل!!! يا جماعة رمضان شهر الطاعة، أنت كنت بسائر الأيام ما تتركوا نوافل صلاة المغرب، الآن وقت موسم الجزاء و العطاء بلا حدود تضيعه !! لذلك أولا المصلون يقولوا لماذا؟  و إمام الجماعة يقول يستعجلون للإفطار، كيف تصلون صلاة  مقشرة لا لون و لا طعم و لا رائحة ولا نافلة ولا  هم يحزنون، هذا غير سوي، رمضان فرصة تهتبل(٢٤:٥٨) لأجل الطاعة، أنا  الذي كنت في ستين درجة في شعبان، في رمضان أكون بدرجة ثلاثين!! هذا غير راجح شرعا أن تحلف يمين بترك النوافل، ليس عليك كفارة و لا شيء آخر و لست مأثوما في ذلك، كفارة اليمين وردت في القرآن الكريم: {...فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ..} [المائدة : 89] هذه المسألة الشرعية التفصيلية جاءت في القرآن الكريم، تتصور أن مسألة الإمامة و ما يرتبط بها لم تأت بالقرآن الكريم، في ذاك الوقت يكون قد فرطنا في الكتاب في قضية من أهم القضايا لو لم تكن أهم القضايا بعد التوحيد و النبوة والمعاد، أهم العقائد هو قضية الإمامة بعد هذه القضايا، هل يمكن تصور عدم حديث القرآن عنها ؟! غير معقول هذا، مسائل شرعية بسيطة يتحدث عنها القرآن وقصص من قصص الماضين لا يفرط فيها من شيء و يفرط في قضية مثل قضية الإمامة التي سوف تؤثر ليس في زمن النبي صلى الله عليه و آله فقط و إنما إلى ألفين و ثلاث آلاف و عشرة آلاف سنة.. الآن ما هو موجود من مدارس مختلفة في العقائد و الفقه و الانتماء الاجتماعي من أين مصدره؟ مبدأه من الإمامة، فريق من المسلمين يرى إمامة الخلفاء و يأخذ منهم الفقه و العقائد، فريق آخر من المسلمين يقول أن أئمة أهل البيت عليهم السلام هو أئمة الحق الذين ينبغي أن يؤخذ منهم العقائد و الفقه، إلى  اليوم هذا الكلام موجود من سنة 11هجرية و إلى يومنا هذا و إلى أن يبقى هذا الدين، ليست قضية بسيطة إنها تؤثر منذ ذلك الزمان إلى زماننا هذا و في كل جيل، كيف يتركها القرآن الكريم!! 

يقول سلام الله عليه: و انزل في حجة الوداع و في آخر عمره:{..الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا..} [المائدة : 3] و أمر الإمامة من تمام الدين- تمام الدين بقرينة ما صنعه رسول الله صلى الله عليه و آله في تلك المناسبة و بمناسبة هذه الآية المباركة- و لم يمض رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بين لأمته معالم دينهم و أوضح لهم سبيلهم و تركهم على قصد الحق-ماذا صنع بعد ذلك- و أقام لهم عليا عليه السلام علما و إماما- ثبتنا الله و إياكم على ولايته ورزقنا شفاعته و مرافقته في الجنان- و ما ترك شيئا تحتاجه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله – هذا عن الذي يقول أن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله مضى و لم يوص بشيء و لم يعين احدا و لم ينصب إماما و ترك الامر شورى بين الناس و اوكل القضية إلى عامة المسلمين، مع أن القيادة للمجتمع المسلم و إمامة الناس أقل شيء مثل المسائل الفقهية، على انها مسألة عقائدية و سياسية ة إجتماعية فلا ريب أنها أهم بكثير، لنفترض انها مسألة فقهية عادية، النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ما ترك امرا فقهيا و لا امرا فيه حدود و احكام و غير ذلك الا و بينه، لما وصلت إلى هذه القضية التي هي قضية في العقائد ثم قضية في إدارة المجتمع كله و قضية لا تؤثر فقط في سنة 11و 12 هجرية و إنما سوف تؤثر إلى استمرار مجتمع المسلمين، الذي يزعم ان التبي صلى الله عليه و آله لم يفعل شيئا في هذا، فهذا يعتبر أن الكتاب قد فرط فيه في بعض الأشياء، و أن النبي لم يكمل مسؤوليته و لم يتمم رسالته ببلاغها إلى  الأخير، و هذا اذا واحد مع إلتفاته إلى هذا، يكون لديه مشكل في عقيدته، من يعتقد ان القران ناقص، ليس ذلك الذي يأتي يقول أن الشيعة يقولون القرآن فيه تحريف و كذا وهي فرية و كذبة اختلقها بعضهم ثم هذا البعض صدقها، نفس الذي اختلقها و صنعها هو صدقها مع كلام علماء الإمامية على طول تاريخهم و استدلالاتهم على خطأ ذلك، لكن ليس من يقول القرآن فيه نقص و إنما من يقول قضية كقضية الإمامة بأهميتها في المجتمع المسلم و بمركزيتها في منظومة العقائد و بآثارها المنتدى إلى مئات السنين، مع ذلك فرط فيها في الكتاب فلم تذكر و اغفلها الرسول صلى الله عليه و آله فلم يعين إماما، هذا الذي يقول بهذا لازم يناقش عقائده، أنت تقول بنقص القرآن و تقول بوقوع التفريط بالقرآن و يزعم ذلك يكون على حد الكفر كما يقول إمامنا الرضا عليه السلام – و من رد كتاب الله فهو كافر، هل يعرفون قدر الإمامة و محلها من الأمة- هؤولاء الذين يتكلمون هل يعرفون الإمامة ماهي أو يتصوروا الإمامة الثوب الذي لبسه معاوية بن أبي سفيان أو الذي لبسه يزيد ابن معاوية أو الثوب الذي لبسه الوليد و يزيد بن الوليد و المنصور العباسي و أمثال هؤولاء، هذه هي الإمامة التي يتصورونها، لا الإمامة شيء آخر، لذلك نقول كما قال الإمام  عليه السلام جهل القوم وخدعوا عن دينهم، هل يعرفون قدر الإمامة فيجوز فيها إختيار، ما يعرفون الإمامة كيف يثيرون هم الذين يعينوها و ينصبوها- إن الإمامة أجل قدرا و أعظم شأنا و أعلى مكانا وأمنع جانبا و أبعد غورا  من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماما بإختيارهم- الإمامة ليست شيء بسيط التي الناس يقيموها و ينتخبون و ينصبون، هم لا يعرفون أي إمامة نتحدث عنها فكيف يعينون الإمام؟! طيب، يا مولانا يا أباالحسن ماهي الإمامة التي هي أبعد غورا و أعلى مقامات ارفع شأنا و أعظم منزلة، و التي هؤولاء لا يفهمونها فكيف يعينون الإمام على أساسها؟؟- إن الإمامة خص بها الله إبراهيم الخليل بعد النبوة و الخلة مرتبة ثالثة- إبراهيم شيخ الأنبياء، سيد الأنبياء في ذريته استمرت و كانت هذه الكلمة الباقية و لم يكن في ذريته إلا  نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه و آله و سلم لكفى بذلك شرفا، يقول الإمام الرضا عليه السلام نبي الله ابراهيم أول شيء أعطاه له النبوة ارتقى صار خليل الله، ارتقى صار رسول إلى  الناس، ارتقى فوق ذلك ابتلاه الله بكلمات فأتمهن، اختبره في امتحان مع أهله{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ..}[ابراهيم : 37] اطلع عن اهلك و أتركهم في مكان لا زرع فيه و لا ضرع فيه و لا أمن فيه هذا أمر الله، كيف يا ربي؟ ليس هناك كيف في أمر الله ، خرج من هذا مرفوع الرأس، بعدما أنجب المولود و كبر{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ..} [ابراهيم : 39] هنا تعال اذبحه، يا رب كيف الواحد يذبح ابنه بعدما رزقته اياه بعد سنين من الانتظار للولد، لا تذبحه أمر إلهي، {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات : 103]هناك {وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ*قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات : 105-104] اجتاز مرحلة بعد مرحلة {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة : 124]

المراحل هذه كلها قضاها بالكمال و التمام،( قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) هذه الإمامة التي يتكلم عنها الإمام الرضا عليه السلام و التي جاءت مرتبة ثالثة و مرحلة ثالثة بعد النبوة و الخلة و الابتلاءات المتعددة و فضيلة شرفه بها جل ذكره فقَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا، فقال الخليل عليه السلام سرورا بها (وَمِن ذُرِّيَّتِي) قال الله عز وجل ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) لاحظوا لا يقول: لا يزال الظالمون عهدي !! العهد هو الذي ينال المؤهل، النبوة تأتي إلى النبي و ليس العكس، التنصيب يأتي من أعلى و يبحث عن صاحبه ، الإمامة ليس الإمام يقول لربه اجعلني إماما، و يتجه وراء الإمامة..لا ليس كذلك..و إنما الإمامة عهد الله يأتي من الأعلى، و هذا العهد لا ينال ظالما، مالك حيث  في الليلة التي تحدثنا حول هذه الآية المباركة، من ارتكب ذنبا في أول عمره أو آخر عمره فهو ظالم، ظلم نفسه أولا، و ظلم حق ربه في طاعته فهذا ظالم، هذا العهد الإلهي  لا يتجه نحو ذلك الذي ارتكب ذنبا، لذلك إلتزمنا الإمامية بأنه النبي و الإمام لا يذنب لا قبل النبوة و الإمامة و لا بعدهما، لا اول العمر و لا آخره، لا سهوا و لا عمدا، لماذا؟ لأنه في كل ذلك سيكون بذنب ظالما، و لا ينال عهد الله إنسانا ظالما، يقول الإمام الرضا عليه السلام: فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، أي واحد يعنون بعنوان الظلم هذه الإمامة التي اسمها عهد الله لَا يَنَالُ عَهْدِي) إمامة صلاة الجمعة، إمام جماعة اول عمره مذنب بعدين تاب صار إمام جماعة ما يخالف، إمامة بمعنى ولاية على بلد أو منطقة أذنب اول عمره ثم تاب انتهى خلص يتولى، لكن هذه الإمامة التي نتحدث عنها و هي أعظم شأنا و ارفع منزلة و أبعد غورا و هي ثالثة الخلة و النبوة في قضية إبراهيم عليه السلام هذه الإمامة لها مقياس خاص لا ينالها شخص قد ارتكب ذنب ما في حياته..

(و صارت في الصفوة ثم أكرمه الله بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة و الطهارة فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ*وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء : 72-73] أنبياء و رسل لكن هم أيضا أئمة يهدون بأمر الله عزوجل، حيث عندنا هداية عادية انت تتحدث مع ضال تهديه، لكن ليس هداية بأمرن، الهداية بأمرنا شأن آخر، ماهو أمرك يارب {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس : 82] و هذه فيها إشارة إلى ( يهدون بأمرنا) و هذا له بحث طويل {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} [الأنبياء :73]  و لا يزالون يرثها بعض عن بعض قرنا فقرن حتى ورثها النبي المصطفى صلى صلى الله عليه و آله فقال الله عزوجل: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران : 68] فكانت له خاصة فقلدها عليا بأمر الله عزوجل على رسم ما فرضها الله عز وجل فصارت في ذريته الأصفياء..

(إني تارك فيكم ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله و عترتي أهل بيتي اما أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) -و مر في ليال مضت- أن جابر بن عبد الله الأنصاري سأل فمن يا رسول الله عترتك و أهل بيتك؟ فقال: أولهم علي بن أبي طالب و بعده الحسن و بعده الحسين ثم تسعة من ذرية الحسين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين) هذه هي الإمامة التي يتحدث عنها، الإمامة هي هذه التي تسلسلت حتى وصلت إلى ابراهيم و في ابراهيم الذي في ذريته جعلت حتى وصلت إلى نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه و آله و النبي امتدادهم حتى في عتره و ذريته و أهل بيته و هم الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام ثبتنا الله و إياكم على ولايتهم ونفعنا بشفاعتهم إنه على كل شيء قدير، و كان المناسب لهذه الأمة أن تأخذ هدايات رسول الله صلى الله عليه و آله حتى لو بالمقاييس العادية، دع عنك التنصيب الإلهي والتعيين الرباني و ماذكرنا في مقامات أهل البيت عليهم السلام من الارتباط الغيبي و الاتصال الإلهي..

لا شك ولا ريب هم كانوا أعلم من كانوا في زمانهم و هذا لا ينكر في زمان علي عليه السلام انتبه منه خلفاء الوقت معترفين بتفوقه و تميزه، حتى هناك رواية تنقل في مدرسة الخلفاء أعرابيا جاء أيام الخليفة الثاني فسأله عن مسألة فجاء مع الأعرابي إلى حلقة فيها علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله تلك المسألة فأجابه علي عليه السلام و نقلها الخليفة إلى ذلك الأعرابي، هذا الأعرابي استغرب قال: يا فلان انا جئتك و انت خليفة رسول الله في مسألة فقمت  أخذتني إلى حلقة فيها رجل لا أعرف من هو و أخذت الجواب من عنده، لماذا فعلت ذلك؟ فقال للاعرابي: اتعرف من هذا؟ قال الأعرابي: لا، فأجابه الخليفة الثاني: هذا علي بن أبي طالب أعلم الناس بما جاء به رسول الله صلى الله عليه و آله..  

ومن هذا كثير، و يكفيك شهاداتهم (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) و أمثال ذلك، على الأقل هذا، دع عنك الجوانب الغيبية و المراتب العالية من الإمامة لكن بدلا من ذلك رأينا كيف تنكرت الأمة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه و آله، ليس فقط ازالتهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها، و إنما عتت عليهم بالقتل و الاضطهاد و النفي و الإيذاء و السجن و غير ذلك، هذا موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه  الإمام العظيم الذي ورث علوم آبائه و أجداده و إذا بهارون العباسي يأتي من سنة ١٧٩ هجرية يأخذه إلى سجون متعددة سجنا بعد سجن و ما خرج خروجه النهائي من هذه السجون إلا جثة على جسر بغداد...هذا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله ، هذا ينفعكم في أمور دينكم و دنياكم لكن وجدت انهم أوردوا عليه ألوان من العذاب و الأذى و الشدائد ما نقل عن الإمام عليه السلام  أنه و هو الصبور و هو المتحمل و هو المتجلد، لكثرة الأذى و العذاب، رفع يديه إلى السماء: يا مخلص الشجر من بين ماء و طين و مخلص الجنين من بين مشيمة و رحم و مخلص اللبن من بين فرث و دم، خلصني من سجن هارون..

ماذا فعلوا بالإمام الذي وصل و هو صابر كاظم الغيظ مع ذلك وصل إلى هذه المرتبة، لقد كان مقيدا بأرطال الحديد بداخل السجن و هو في ذلك العمر تجاوز الخمسين من السنين، رجل بهذه السنوات و بهذا العمر لا يرجى منه هرب أو غير ذلك، لكن مع ذلك قيد وهو في داخل السجون، لذلك انت لما تقرأ في زيارته: السلام على المعذب في قعر السجون و ظلم المطامير..              


مرات العرض: 3408
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 56750.16 KB
تشغيل:

ولاية أئمة أهل البيت عليهم السلام 11
الحديث الجامع في صفات الأئمة 13