ولاية أئمة أهل البيت عليهم السلام 11
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 13/9/1443 هـ
تعريف:

11/ ولاية أهل البيت عليهم السلام. 

كتابة الفاضل أبي حسن البراهيم

 روي عن سيدنا ومولانا أبا الحسن موسى بن جعفر الكاظم  عليه السلام: أنه قال: ((ما أعطي داوود و آلِ داوود شيئاً إلا أعطي محمد وآل محمد أكثر)) صدق سيدنا ومولانا أبو الحسن موسى بن جعفر صلوات الله وسلامه عليه. 

حديثنا بإذن الله تعالى، يتناول موضوع " ولاية أهل البيت عليهم السلام" وهي ثالثة الميزات التي ذكرنا في وقتٍ سابقٍ أنه سيكون الحديث عنها فقد تحدثنا في ليالٍ مضت عن علمِ أهل البيت عليهم السلام، وعن مساحتهِ، وعن مصادره. كما تحدثنا عن موضوع العصمة في أكثر من جانب من الجوانب سواء في موضوع التلقي أو التبليغ، وفي موضوع الذنب كبيره أو صغيرهِ، وفي موضوع التطبيقات الخارجية. 

وحديثنا في هذه الليلة يتناول موضوع ولاية أهل البيت عليهم السلام.

الولاية أصلها شيءٌ واحد، ولكن لها عدة اصطلاحات في المعنى، فقد تأتي بمعنى المحبة، والانتماء، والانجذاب. نقول مثلًا: شيعة أهل البيت لهم ولاية لأئمتهم، يعني محبة، انتماء، قرب. وقد استعمل هذا التعبير في القرآن الكريم في مثلِ قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ) لكل منهم ولاية تجاه الآخر بمعنى: ينتمي إليه، يحبه، ينجذب إليه، وهكذا. هذا معنى من المعاني، أما المعنى الآخر والذي هو سيكون محور حديثنا هذه الليلة: تأتي الولاية بعنوان السلطة على التصرف، امتلاك الأهلية لإدارة الشيء المولى عليه، مثل أن تقول: فُلان والي البلد، يعني له سلطة التصرف في هذا البلد. وقد ورد في ضمن هذا المعنى ما عن نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. 

في قوله: ( ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى. قال: فمن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه) يعني أنا رسول الله لي ولاية على المؤمنين هذه الولاية بمعنى قدرة التصرف وسلطنة القرار تفوق قدرتهم في التصرف في أنفسهم، واتخاذهم قراراتهم لأنفسهم، أنا رسول الله لي هذه الولاية، لي هذه السلطنة، لي هذه القدرة على أن أتصرف في مصائر المؤمنين، في أنفسهم، قي قرارتهم أكثر من قدرتهم هم على أنفسهم، فإذن المعنى الثاني للولاية: هي قدرة التصرف، السلطنة على التحرك في مجال الولاية هذا. بهذا المعنى الثاني يتحدث العلماء عن نحوين من الولاية بحسب الاصطلاحات الخاصة الموجودة في علم الكلام والعقائد. أول عنوان: الولاية التشريعية والعنوان الثاني: الولاية التكوينية. 

- الولاية التشريعية: دائرتها دائرة متعددة الجوانب، منها: هل المعصوم له سلطة على أن يشرِّع حكماً أو لا؟ هذا الموضوع ذكرناه في سلسلة سابقة بعنوان: قصة تشريع العبادات. وذكرنا حينها، أن النبي المصطفى صلى الله عليه واله وسلم له هذه القدرة، بل مارسها في موارد كثيرةٍ، وأما بالنسبة لسائر المعصومين فأنه وإن كان لهم قدرة ذلك، إلا إنه لم يثبت عمليا. ومن الناحية الخارجية بأنهم مارسوا هذه القدرة التشريعية، هذا معنى للولاية التشريعية. 

- معنى آخر، والذي هو بالاتفاق عندنا بالإمامية حاصل للمعصومين، وهو أن قول المعصوم حجة لازمة، ودليل شرعيٌّ تماماً كما هو الحال في رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وتمامًا كما هو الحال في كتاب الله وآياته. يعني مثلما نحن نتلقى الأحكام الشرعية، والتشريعات الخاصة بالمسائل المختلفة سواء في العبادات، أو في المعاملات من القرآن الكريم، نتلقاها بنفس المقدار عند رسول الله، ونتلقاها بنفس المقدار عند الأئمة الأثني عشر صلوات الله عليهم. عندنا مثلًا عندما يأتي الخبر المعتبر في قضية الشكوك في الصلاة، عندنا الإمامية إذا شككت في ركعات الصلاة مثلًا شككت بين الثلاث والاربع، أو بعد الثنتين، أو في الثنتين والثلاث، بعد الانتهاء من السجدتين، تبني هنا على الأكثر، لماذا؟ لأنه ورد الخبر المعتبر بل الأخبر على أنه من شك يبني على الأكثر في ركعات الصلاة، مع أنه لولا هذا الخبر كان من الطبيعي أن نبني على الأقل، كما يفعل على الأقل مثلاً اتباع مدرسة الخلفاء، لكن وجود الروايات المعتبرة في أنه في شكوك الصلاة هذه ينبى على الأكثر، ثم يؤتى بركعة إذا كان الشك بين الثلاث، والاربع، او الثنتين، والثلاث. هذا اخذناه باعتبار ان للمعصومين عليهم السلام ولاية تشريعية بهذا المعنى التي تثبت الأحكام كما يثبتها قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وكما يثبتها القرآن الكريم، ومثل ذلك مثلًا التضليل في أثناء قطع المسافة في النهار عندما يحرم الانسان لعمرةٍ أو حج، تذهب إلى جدة مثلًا وتحرم بالنذر على رأي من يقول بجواز الإحرام بالنذر، هنا لا يجوز لك في النهار أن تركب شيئًا مسقفًا، يضلل عليك. في عند الأكثر لا مانع، ولكن في النهار لا يجوز، لماذا؟ لورود الأخبار عن أئمة الهدى عليهم السلام بالمنع عن التضليل أثناء قطع المسافة في النهار بعد الإحرام للحج والعمرة، مما جاءنا ونحن نعتقد بما قام لنا من الأدلة أن قول المعصوم في هذا حجة شرعية تامةٌ تنجز علينا الحكم. هذا بالنسبة إلى الولاية التشريعية كما يعبر عنها. 

- بعد الولاية التشريعية، هل للمعصومين ولاية تكوينية أم لا؟ بمعنى هل للمعصوم القدرة، والسلطنة على التصرف في الكون؟ هل أذن الله تعالى للمعصومين في ذلك؟ بحيث يتصرفون في الكون ضمن إطار الحكمة وبعد إذن الله وتفويضه، أم ليس لهم هذه الولاية والقدرة؟ 

- هنا يوجد عند الإمامية توجهان: 

قبل أن نبدأ في هذا الموضوع، كأن هناك اتفاقاً على أنه سواءًا آمن الإنسان بوجود ولاية تكوينية للمعصوم وقدرة تامة على التصرف في الكون بعد إذن الله عز وجل وتفويضه، سوءًا اقتنع بذلك أم لم يقتنع بهذا المقدار، لا يخرجه من كونه إماميًّا، يعني لا نتصور أن ذاك الذي مثلًا يقول لك أنا ما قدرت أن أفهم هذا الموضوع، أو مع عرض لي الأدلة لكن ما قدرت أن أؤمن بذلك، بهذا المقدار لا يخرجه من كونه إماميًّا. غيره من العقائد، لا يجعله إماميًّا، لو أن هناك إنسان قال لا أؤمن بوجود الإمام الحجة، وهذا لا يكون إماماً أثني عشريًّا، وإنما يكون إماماً أحدى عشريًّا، أو يقول أنا لا أؤمن أن الأئمة أثني عشر، وإنما عشرة، أو تسعة، أو ثمانية، أو لا أؤمن بعصمتهم، هذا يجعله غير إماميًّا أثني عشريًّا. لكن تفاصيل العقائد مثل امتلاك المعصوم الولاية التكوينية، لا يجعل غير المؤمن بها يخرج من حريم التشيع الإمامي، هذه نقطة مهمة قبل أن ندخل في أصل البحث. 

- أما أصل البحث: هناك توجهان عند علماء الإمامية: 

- التوجه الأول: إنّنا لا نرا مبرراً واضحاً للاعتقاد بالولاية التشريعية، بمعنى أن الإمام عنده قدرة الآن حاضرة على أن يتصرف في الكون، طبعاً كله تحت إطار الحكمة والأمر الإلهي، لا نرى مبررًا واضحًا لأن يكون لدى الإمام قدرة حاضرة على أن يتصرف في الكون، لماذا لا نراه مبررًا؟ أولاً هذه الفكرة، والنظرية جديدة في تاريخ التشيّع، يعني قبل ٢٠٠ سنة ما كان هذا التعبير موجود في الكتب الكلامية، وعند علماء الإمامية. أضف إلى ذلك قد يجرُّ مع الإيمان به إلى الغلو، تصير مغالاة  في أن الإمام، عنده هذه القدرات الاستثنائية على تغيير في الكون، ونظام في الكون، هذا نوعٌ من الغلو. لا سيما مع وجود آيات، وروايات تشير إلى أنه لسان الحال: ( قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ)، وفي الأدعية أوضح من هذا: ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً..، أو في آيات: ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ). وأمثال ذلك، فإنّا إذا آمنا بهذه الفكرة جرَّ ذلك إلى الغلو، هذا أولاً. وحداثة الفكرة، والمصطلح ثانيًا. وأمر ثالث يقول: ما الحاجة إلى افتراض هذا الأمر؟ الله سبحانه وتعالى قادرٌ على كل شيء، إذا كان المكان مكان معجزة لنبيٍّ، أو كرامة لوصيٍّ يفعلها سبحانه وتعالى بعد طلب من النبي أو الوصي، فما الداعي لأن يكون نفس المعصوم، أو نبيٍّ، أو وصيٍّ هو المتصرف في الكون؟ بمجرد أن يطلب من الله عز وجل، الله سبحانه وتعالى يستجيب فيغير الأمور، يبدل الأمور، يصنع المعجزة، يفعل الكرامة. فما الداعي لهذا الأمر كما يقول أصحاب هذه الفكرة. أضف إلى ذلك، يقولون: ما دامت ليست من ضرورات المذهب، ولم يكن هناك بحثٌ فيها مستوعب، فلا يلزم أن نؤمن بها، الأئمة، والانبياء لديهم كرامات، ومعاجز وهذه كلها حاصلة من غير حاجة إلى افتراض، أن للمعصوم قدرة على التصرف في الكون يتصرف فيه كما يشاء بإذن الله عزّ وجل، هذا رأي الفريق الأول. 

- رأي الفريق الثاني، يقول: أنه لما قامت الأدلة على هذا الأمر سواءًا كانت القضية مبحوثة من مئات السنين، أو إذا كانت مبحوثة من مئة سنة، ما الفرق في ذلك؟ المهم عليها دليل، أم ليس عليها دليل؟. قسم من الأشياء قديمة تبيّن أنها ليست صحيحة بالأدلة والبراهين، فمجرد كونها قديمة، أو جديدة لا يعني أنها هي الحق والصحيح، لنفترض كما تقولون أن هذه الفكرة فكرة حديثة وجديدة، عليها دليل نقبل بها سواءًا قديمة أو جديدة، ليس عليها دليل لا نقبل بها سواءًا قديمة أو جديدة هذا أولاً. 

الثاني: يقول أصحاب هذه الفكرة: أن لا أحد يدّعي أن هذه الولاية من تلقاء أنفسهم، ولا لأجلِ ذواتهم، وإنما هي بإذن الله، وأمر الله، وتفويض الله عز وجل. هذه القدرة إلى مجموعة من أولياءه من الأنبياء، والأوصياء كما حصل مع الأنبياء، حصل مع الأوصياء هذا ليس بالشيء الجديد، الجديد هو أن تقول: هذا ثابت لأهل البيت، أو ليس بثابت. أما أمثالهم وما هم دونهم ثبت لهم قرآنيًّا، أما ثبوته فيقول لك: أولاً هذا ثبت للملائكة، ثابت للملائكة أن الله سبحانه وتعالى فوّض إليهم قدرةً على التصرف في الكون، في جهة أو أكثر من جهة. فوّض إلى ملك الموت، وملائكة الموت لإماتة الخلق، فوّض إلى اسرافيل النفختين نفخة الإماتة، ونفخة الإحياء، عزرائيل فوّض الله إليه هذا الأمر، فوّض إلى الملائكة تدبير الأمور (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)، فإذا كان كذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أشرف من كل الملائكة، أئمة أهل البيت عليهم السلام أشرف من الملائكة، فلماذا يستغرب هذا هنا ويستنكر وبينما هو يستغرب هناك ولا يستنكر. هذه الملائكة تأتي في مرحلة أخرى. والأنبياء فوّض الله إليهم أن يتصرفوا في الكون بدرجة أو أكثر، فقال نبينا إبراهيم: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ) فقال له: (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم) 

هنا ليس الله قال لهم تشكلوا بهذا الشكل، وإنما قال لإبراهيم أنت ادعهن. 

وهذا هو الفرق بين أصحاب النظرية الأولى وأصحاب النظرية الثانية. 

النظرية الأولى تقول: هذه معجزة من المعاجز، فليس إبراهيم(ع) هو من فعلها، وإنما طلبها من ربه وصار. 

النظرية الثانية تقول: القرآن يقول: ( ادْعُهُنَّ) إذا دعيتهن يأتينك سعياً، نعم القدرة الأصلية هي من الله، حوّلها إلى إبراهيم، فوّض إبراهيم في هذا الموقع ليقوم بها. غير إبراهيم، نبيّ الله موسى الصخر الأصم ( فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ)، حجر صلب موات، لكن انت اضرب، لا تقول يارب اخرج لي الماء من هذا الصخر، أنت اضرب لقومك طريقاً خاصاً يبسًا، بحر، وأمواج اضرب فينفلق قال تعالى: ( فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ ۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)، فيصير في الوسط طريق معبد. هذا أنت تضرب وليس دعاء حسب أصحاب هذه الفكرة. أوضح من ذلك ماجاء في عيسى ابن مريم، ورسولاً إلى بني إسرائيل ( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۖ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ)، أنا أخلق، أنا أنفخ لكن ليس بقوتي الذاتية، وليس من إمكانياتي الخاصة، وإنما بإذن الله، ( وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ) وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بفعلي، ولكن بإذن الله. 

فأصحاب هذه النظرية يقولون: فرق بين الكرامة والمعجزة الذي صاحب المعجزة، والكرامة يطلب من الله عز وجل برهاناً على صدقه، فالله سبحانه وتعالى يستجيب حتى يتبين للناس أن هذا حبله موصولٌ بحبل الله، وأنه مرتبطٌ بالله فيستجيب الله له، فتصير المعجزة. هذا وحد. أما القسم الآخر يقول: لا، أنا أحيي الموتى، صحيح ليس من عندي ( قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ) ، ولكن إذا الله أعطاني إذناً، وأمراً، وفوّض إلي أصبح لدرجة أحيي الموتى. 

و داوود، يا جبال أوبي، والطير، وألنا له الحديد يعجن الحديد كما العجينة بيدي الخباز، فيصنع منه الدروع وما إلى ذلك، هذا تصرفه في هذا الحديد بهذا النحو بإذن الله، ولكنه هو الذي يلين له الحديد، فيضم إلى هذا الكلام ما ورد و ذكره في أول الحديث من الرواية عن الحسن موسى بن جعفر الكاظمي عليه السلام: أنه قال: ((ما أوتي داوود و آلِ داوود شيئاً إلا وأوتي محمد وآل محمد أكثر)) فضلهم الله على سائر الأنبياء، فضل نبيه، وأهل بيته. فإذا أعطى أولائك مثل هذه الأمور، والتصرفات، والولاية في الكون، والقدرة على التحرك فيه بهذا المعنى، وكل ذلك بأمر الله عز وجل، فمالمانع في أن يعطي لسيد الخلائق، وخاتم النبيين، ولأهل بيته صلوات الله عليهم. لا يمتنع ذلك أبدًا. 

وحصل ذلك، ما تسميه كرامات، ومعاجز هي تصرف تكويني، نبينا محمد المصطفى صلى الله عليه واله في قضية الخندق التي رواها الفريقان عندما صنع له جابر بن عبدالله الأنصاري جدي صغير ودعاه لكي يتغذا معه، فالنبي عزم كل من كان حاضراً في غزوة الخندق، مئات الأشخاص وكانوا منهكين من كثرة العمل في الحفر، فأمرهم النبي أن لا يبدأوا قبل أن يضع يده المباركة، فوضع يده المباركة وقال لهم: أدخلوا عشرة عشرة. فضلوا يدخلون هكذا حتى يمتلؤوا، والطعام لا يزال على حاله؛ ليكفي للذين بعدهم، وبعد بعدهم حتى شبعوا جميعاً. 

ما ورد من الأخبار في أنه أشار إلى القمر فانشق القمر قسمين ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ) هذا ليس بدعاء حسب رأي أصحاب هذه الفكرة، وإنما هو فعلٌ من رسول الله صلى الله عليه واله. وهكذا نبوع الماء من يديه صلوات الله وسلامه عليه، اليد العادية لا يخرج منها الماء ولكن هذا تصرف في التكوين، ليس بعيدًا عن الله، وإنما هو بإذن الله. لاحظوا في آية نبي الله عيسى في كل جملة يقول ( بإذن الله) حتى لا يتبادر في الأذهان بأنها قوة استثنائية، وقوله بإذن الله بعد كل جملة هو لقطع الطريق على الغلو، ومع ذلك لم يسلم عيسى ابن مريم. هذا أيضًا لا يخالف التوحيد في رأي هذه الفكرة بل العكس، أن يفوّض الله سبحانه وتعالى من قدرته، وعظمته، وقوته إلى من لا يملك شيئًا، فإذا بذلك الشخص الذي لا يملك طولاً، ولا حولاً، ولا قوةً، ولا موتاً، ولا حياةً، ولا نشوراً، نفسه هذا الشخص بتفويض الله عز وجل يصبح شيء آخر من القوة، والإمكانية. وهذا أظهر في التوحيد أنه أيها الناس، أنا الله سبحانه وتعالى بهذا القدر من العظمة، والقدرة، والقوة، ليس وحدي من أقوم بكل هذا في الكون بعض مخلوقاتي أحول لها جزء من قوتي، فتصبح قوةً عظيمة. 

( وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ) 

الله سبحانه وتعالى خلق الماء، وجعل فيه خاصية معينة تُحيي الأشياء، تمرُّ في بدن الإنسان، وتبعث فيه الحياة، وإن انقطع الماء عنه لفترة من الزمان انتهى هذا الإنسان. ويمرُّ على الشجرة الباسقة أيضًا مقدار من الماء مرَّ بها تعيش عشرات السنين، وتنتج، وتثمر وإلى آخره...، بل في هذا الماء القدرة الذي يسقي الشجرة التي ثمرها حامض، وهذه التي ثمرها حلو، إلى آخره…، وبهذا المعدل كلها تسقى بماء واحد مع التفاضل فيما بينها في الأكل، من أين أتى هذا؟ الله سبحانه وتعالى أعطى المادة المسماة بـالماء قُدرة الإحياء، ( وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) أرض قاحلة، جافة، تضج بالموت،واليباس، والجفاف، يرسل إليها الماء فإذا هي تتحول إلى حدائق ذات بهجة. ما هو الماء؟ هو مخلوق من المخلوقات أعطاه الله قدرة الأحياء. فالأمر بتفويض الله عز وجل للماء صنع هكذا. وكذلك صنع للنبي هكذا. وللجن أيضًا (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) الله سبحانه وتعالى أعطى للجن القدرة على الأتيان بالعرش جميعه بأقل وقت، وذلك الذي أعطاه علمٌ من الكتاب قدرة بحيث برمشة عين يأتي بعرش بلقيس من أقصى بلاد الدنيا. وهذا كله ضمن ( بإذن الله)، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله لكل أحد، لا حول، ولا قوة، ولا قدرة إلا بمقدار ما يعطيه الله سبحانه وتعالى. يعطي لي، ولك قدرك عادية لأمور معاشنا وحياتنا، ويعطي لذلك الملك قدرة إفناء الكائنات، ويعطي ذلك النبي أن يرد الشمس بعد أن أفلت إلى المغيب. أذكر هنا شعرًا للشيخ الأزري رضوان الله تعالى عليه، مرّ بي اليوم ورأيت من المناسب أن نثني به على رسول الله وما أعطاه الله، تقربًا إليه، وتوسلًا به، وبياناً لفضله. يقول الشيخ كاظم الأزري في مدح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: 

كم روى العسكر الذي ليس يحصى *** حيث حر الربى يذيب حصاها 

وأعاد الشمس المنيرة قسراً *** بعدما عاد ليلها يغشاها 

واخضرار العصا بيمنى يديه *** كاخضرار الآمال من يسراها 

وكلام الصخر الأصم لديه *** معجزٌ بالهدى الإلهي فاها 

الله سبحانه وتعالى يعطي أنبياءه بمثل هذه القدرات، وبما يحتاجون إليه، بما يناسب مقامهم، وهؤلاء لا يستخدمونه لأمورهم الشخصية، وهذا فيه رد على من يقول: إذا كان هؤلاء الأئمة لديهم هذه القدرات، ويتصرفون في الكون، فنرى منهم من انسجن، ومن انقتل، ومن تعذب، أين هذه القوة؟ لم نرى منها أثر؟ نرد عليهم بنفس الكلام، عيسى ابن مريم عندما أحيط به جنود الدولة الرومانية، بتآمر المنحرفين اليهود وأخذوا يجرجرونه، وعلى ظهره الصليب الذي سوف يصلب عليه من مكانه إلى ساحة الإعدام، أين قدرة أحيي الموتى بإذن الله، أين قدراته، وقوته الألهية؟ يحيي الميت، ولكنه الآن لا يستطيع أن يرفع الخشبة التي على ظهره، ويفرق الجماعة، والجنود من حوله؟ إلى أن وصل ونجّاه الله تعالى ورفعه إليه. رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عنده التأييد الإلهي، عنده القدرة، ما معنى عندما صار في قريش وصل إلى حال أنه قال: ما أوذي نبي مثلما أوذيت. فلماذا لم يصنع؟ الجواب على ذلك: 

لو صنعوا هذا لما أعطاهم الله هذه القدرات، ولو صنعوا هذا لأصبحوا أمثالنا، لأجل هذا الله لا يعطي أمثالنا مثل هذه القوات والقوى، وإنما يعطي من لا يعملها إلا بإذن الله، وإلا لنصر الله فهم لا ينتصرون لأنفسهم، دعه يتعذب ويعاني ويقاسي، في سبيل الله عز وجل، فلا يدفع الأذى عن نفسه ولو فعل ذلك لما اختارهم، ولا اجتباهم، ولا اصطفاهم. في الحديث المروي عن نبينا وحبيبنا المصطفى محمد صلى الله عليه واله وسلم: قال: إن ربي عرض علي أن يصير بطحاء مكة ذهبًا. فقال: ياربّ أجوع يوماً فأسألك، وأشبع آخر فأشكرك هذا خيرٌ لي. هذا يعطي الكرامة، يعطي المعجزة يعطى الولاية. أما شخصٌ آخر تصير عنده هذه القوة يريد أن ينتصر إلى نفسه، ويجر إلى نفسه هذا لا يعطى. ورد أكثر من مورد أن أهل البيت كذلك كانوا يشيرون إلى التراب ويعطون المحتاج، أبو هاشم الجعفري يأتي ويسأله الحاجة، فيشير إلى التراب فيتحول إلى ذهب، ويعطيه ويقول له: اكتمها علي.  

إذا تقول عندنا جماعة من الغلاة، فيسمعون هذا، ويرون هذا، الضلالة تصبح أكثر.

حتى أنا وأنت نقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله، إذا صار عنده مشكلة على أساس ديني، انحجب زرقه لأنه من موالين أهل البيت، لا يضح بنفسه ويقول أنا أترك هذا المذهب، أو المنهج، فصار عنده أن الدين  يفرض عليه أمراً من الأمور الواجبة، فيقول لا تسوى هذه الديانة، بل تسوى لأن الرسول صلى الله عليه واله كان بإمكانه أن يتنعم بهذه المستويات ولم يفعل ذلك.  فيصير محل قدوة ( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) هذا يعطى مثل هذه الكرامة، والمعجزة، والولاية. 

إمامنا الحسين صلوات الله وسلامه عليه، ألم يكن بإمكانيه بما أعطاه الله من الكرامة سواءًا على المستوى الأول إذ نقول مجرد معاجز، ومناقب، وكرامات، ليست قضية ولاية تكوينية، او على المستوى الثاني أما كان بإمكانه أن يفني الجموع، ينجو بنفسه بحيث لا يقتل؟ لكن آخر الأمر أن يعيش سنوات إضافية   هنا لن يصير أن الله عوّض الحسين عليه السلام كما في الرواية عن شهادته، وجعل الشفاء في تربته، واستجابة الدعاء تحت قبته، وجعل الأئمة من ذريته. عندنا في روايتنا أنه في يوم عاشوراء، استأذن الملائكة من ربهم لينزلوا لنصرة الحسين عليه السلام، الحسين بن بنت رسول الله، فلذة كبد فاطمة الزهراء عليها السلام، يحتشد عليه هؤلاء الخلائق دعنا ننزل وننصره، فنزلوا مستأذنين في ذلك، فردهم الحسين عليه السلام. نعم أنا أقاتل، وأقتل في سبيل الله، وأعطش في سبيل الله، تقتل أولادي في سبيل الله. الله يستاهل، الدين يستحق من الحسين عليه السلام هذا العطاء، لا احتاج إلى ملائكة يصدون عني القتل، ويمنعون عني هذه الشهادة. فضحى بنفسه صلوات الله وسلامه عليه، وبأهل بيته، شابهم، وكبيرهم، وصغيرهم من أبنائه، وأبناء أخوته وكل من حضر معه، هذا هو القاسم ابن الحسن صلوات الله عليه، 

ما اختط شاربه، ما دبّ عارضه ***  لكن جرى القدر الجاري على القدر

مهذب الخلق والأخلاق ان تره *** تظنه ملكاً في صورة البشرِ 

 


مرات العرض: 3392
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 56788.33 KB
تشغيل:

السيدة خديجة وتقديس الحياة الزوجية 10
الإمامة والامام في كلام عالم آل محمد 12