من صفات أئمة أهل البيت العصمة 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 9/9/1443 هـ
تعريف:

8/ من صفات أئمة أهل البيت: العصمة

كتابة الفاضلة أمجاد حسن

قال الله العظيم في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين). آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم. 

حديثنا بإذن الله تعالى بعنوان: من صفات الإمام في مذهب أهل البيت: العصمة. سبق في ليالي مضت أن ذكرنا أن صفات الإمام في مذهب أهل البيت صفات كثيرة، تناولها الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا (ع) في حديثه المفصل، الذي ذكر فيه صفات الإمام المعصوم، ولكننا قلنا أننا سنتحدث عن ثلاث صفات من مجموع تلك الصفات، تحدثنا منها عن صفة العلم، وبينا بعض جوانب علم أئمة أهل البيت (ع)، وبعض المصادر التي يستقى منها علمهم. وهذا حديث قد مضى في ليال سابقة.بقي لدينا موضوعان في صفات الإمام: أحد الموضعين: العصمة، والموضوع الآخر: الولاية، وسيأتي الحديث فيها لاحقا إن شاء الله. لكن حديثنا هذه الليلة هو في موضوع: عصمة الإمامة. 

أولا: في تعريف المصطلح،العصمة في اللغة جاءت من كلمة: عصم، يعصم، عاصم، معصوم. وهي تدل على منع شيء لشيء. والإمتناع بشيء عن أشياء. في القرآن الكريم، يقول ابن نوح لأبيه: (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء. قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم). هو يقول أنا أريد شيئا يمنع الماء عني، يمنعني عن الماء، يحجز الماء عني. نوح يقول له: لا يوجد هناك ما يمنع أمر الله عز وجل إلا رحمة الله سبحانه وتعالى. هذا في الاستخدام اللغوي، في الأشياء التي تمنع، تحجز، هي عاصمة. والمتمسك بها: معتصم. (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). امتنعوا باللجوء إلى حبل الله عن التفرق، احجزوا التفرق عنكم بالاعتصام بحبل الله، وهكذا. والاسم المفعول منه: معصوم. اسم الفاعل: عاصم. ومعتصم، واسم المفعول: معصوم، هذا من حيث اللغة. 

من حيث الاصطلاح، تعددت التعابير فيها، ولكن يجمعها شيء واحد، وهي: أن العصمة ملكة بلطف إلهي تجعل صاحبها في منأى عن الذنوب، صغيرها وكبيرها، بل عن الخطأ حتى في التطبيق على رأي الإمامية، فهذا في الاصطلاح وذاك في اللغة. فيها جانب إلهي، فيها عناية ربانية، ليست مجرد أمر اكتسابي فقط. بل هي شيء من هذا وشيء من ذاك. هذا بالنسبة إلى التعريف.

ما هي مساحة هذه العصمة، ودوائر المعصومين. محل اختلاف بين المسلمين. يعني: أي أشخاص يكونون معصومين في الخلق. مدرسة الخلفاء قصرت المعصومين على الأنبياء والمرسلين. النبي والرسول معصوم، في الجملة في ماذا؟ سيأتي فيما بعد، حدود هذه العصمة، مساحة هذه العصمة، ستأتي فيما بعد. ولكن دائرة المعصومين عندهم، هي: الأنبياء والمرسلون، غيرهم ليسوا معصومين. من كان نبيا، من كان رسول، فهو معصوم. من لم يكن كذلك ليس بمعصوم. الإمامية بالإضافة إلى الأنبياء والمرسلين، زادوا وجعلوا الأوصياء الإلهيين المنصوبين من الله عز وجل أيضا معصومين. يعني: كما أن النبي والرسول معصوم، كذلك الوصي المنصوب من الله عز وجل، مو أي وصي، قد يكون وصي على عقار، قد يكون وصي على ميراث، وهذا عند الأنبياء، عند المعصومين، أشخاص هالشكل يوصي، مثلا، برعاية أولاده. لا، الكلام في الأوصياء، هم الأوصياء المنصوبون إلهيا، يعني عندنا الإمامية: الأئمة الإثنا عشر، بالإضافة إلى الصديقة الزهراء فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، هؤلاء أيضا تثبت لهم العصمة. فإذا دائرة المعصومين في مدرسة الخلفاء دائرة محدودة بالأنبياء والمرسلين، دائرة العصمة في رؤية مذهب أهل البيت تشمل الأنبياء والمرسلين والأوصياء بالإضافة إلى فاطمة الزهراء سلام الله عليها.

أما مساحة العصمة، امتدادات العصمة، أيضا هي محل اختلاف بين المدرستين. أكو ثلاث مراحل في قضية العصمة، المرحلة الأولى: العصمة في تلقي الوحي وفي تبليغه. هاي مرحلة أولى. المرحلة الثانية: العصمة عن الذنب، صغير أو كبير، سيأتي الحديث عن كبائر الذنوب، أو صغائرها. العصمة عن الذنوب، هاي دائرة ثانية، الدائرة الثالثة: العصمة عن الأخطاء والاشتباهات التدبيرية، والخارجية، والإدارية، والشخصية، والفردية الخارجية، في كل مرحلة من هذه المراحل أكو كلام. 

المرحلة الأولى، وهي: العصمة في تلقي الوحي وفي تبليغه. يجمع المسلمون بمختلف مذاهبهم، من يعرف منهم على أن الأنبياء في تلقي الوحي من السماء معصومون، وفي أدائه إلى أهل الأرض معصومون. يعني: عندما يأتي الوحي إليك، لا يشتبه في الاستماع، لا يفهم خطأ، لا ينسى، وكذلك عندما يبلغه إلى الناس. يصير هذا، لو لم يكن معصوما. أنا الآن أتحدث معاك، من الممكن أنت للحظة من الزمان، تغفل، يروح ذهنك مكان، بدل ما الجملة منفية، تصير عندك شنو؟ مثبتة. بدل لا يذهب، أنت هذه (لا)، ما تلقيتها زين، كنت شارد الفكر، فتستمع استماع غير دقيق، تلقيك، يكون تلقي غير سليم. استقبالك ليس معصوما. وهذا تصير أحيانا، أنت تلاحظ، يقول لك: احنا كلنا كنا قاعدين، وكلنا سمعنا كلامه، ما قال هذا الحشي إلا أنت تقوله، معنى ذلك ماذا؟ أنه هو تلقى، تلقيا غير سليم. قلة فهم، قلة استيعاب، ذهول وشرود، تعمد. النبي عندما يتلقى الوحي يكون معصوما، لا يخطئ عمدا في التلقي، ولا يخطئ سهوا، ولا يغفل، (سنقرئك فلا تنسى)، وهذا عليه إجما المسلمين. مدرسة الخلفاء يقولون به، ومذهب أهل البيت (ع) أيضا يقولون بذلك. هاي المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية: العصمة عن الذنب. الذنوب كما تعلمون فيها صغائر وكبائر. هسه تعريف الكبائر ما هي، والصغائر ما هي، تحدثنا عنه، هذا الموضوع، في سلسلة: كبائر الذنوب، في هذا المسجد المبارك، لعله قبل ما أدري 15، أكثر أقل. لكن التقسيم إلى الكبائر معروف، مدرسة الخلفاء تختلف عن مدرسة أهل البيت في أنها تقول: أن النبي، طبعا الإمام عندهم: برا قوس، حسب التعبير، من البداية، لأنهم لا يرون له عصمة أصلا. الأوصياء عندهم غير معصومين في أي مرحلة من هذه المراحل. مدرسة الخلفاء بالنسبة إلى الأنبياء، تقول: النبي لا يرتكب الكبيرة، معصوم عن ارتكاب الكبائر.  الزنا -نعوذ بالله- لا يمكن أن يرتكبه النبي والرسول. شرب الخمر كذلك، القتل كذلك، ما يمكن أن يرتكبه. لكن يمكن أن يرتكب من الذنوب صغيرها فينبهه الله على ذلك. يقول: ممكن أن يرتكب النبي ذنبا من الذنوب الصغيرة، يغتاب واحد ممكن، يسهو عن الصلاة ممكن، أي ذنب من الذنوب الصغيرة لا يمتنع أن يرتبكه النبي لكن الله ينبهه على ذلك. يقول له: ترى سويت فلان شي، استغفر ربك، تراجع، مثلا. 

الإمامية يقولون: الأنبياء بل الأوصياء لا يرتبكون ذنبا لا كبيرا ولا صغيرا، لا عمدا ولا سهوا. على الطرف المقابل تماما، لا عمدا يرتكب، لا سهوا يرتكب، لا ذنب كبير، لا ذنب صغير، هذا مو قضية النبي، النبي فارغين منه، حتى الوصي. لذلك تعبير المعصوم عندهم يشمل الأنبياء والأوصياء. هذي المرحلة الثانية والخلاف فيها: هالمقدار. 

المرحلة الثالثة: الخطأ والاشتباه في الأمور الدنيوية والخارجية، تدبيرات، تخطيطات، آراء، في مدرسة الخلفاء، يقول: لا، هذا بعد النبي، يخطئ، وعادي جدا، وحصل هذا أيضا. حصل مرار، بل أن الله – كما يقولون – خطَّأ النبي في بعض تدبيراته وصوَّب بعض الصحابة. صارت عند المسلمون -كما يقولون- حالات النبي أخطأ فيها، ورطهم حسب التعبير، ومنها ما يذكرونه في قضية: تأبير النخل. أن النبي لما جاء إلى المدينة، في الموسم، قبيل الموسم، رأى أن الفلاحين أن يؤبرون النخل، يلقحونه، عندنا هنانا يسمونه شنو؟ تنبيت. يجيب هذي اللقاح، الطلع، من فحل النخل الذكر، ويرشون طحينه على الأنثى أو يربطونه بهاي الطلع مالها، فبعدين يجي الرطب ناضج قوي ريان. فلما شافهم النبي يفعلون هكذا، قلهم: شتسوون؟ قالوا: نؤبر النخل. قال: ماذا عليكم لو تركتموه؟ شيصير يعني؟ فهذولا بعد، نبي وقايل، نزلوا من مكانهم، مرت شهرين، ثلاث شهر، الموسم راح عليهم، كله طلع شيصة، بدل الإخلاص الكبير الجيد كذا، وإذا به يطلع حبه صغير ومخوضر وفج. راح الموسم عليهم. يا رسول الله هالشكل صار! شسويلكم أنتوا سويتوا هالشكل، أنا ما أمرتكم يعني أمر شرعي. خطأ هذا، عند مدرسة الخلفاء، هذا ممكن. ممكن أيضا أن يتخذ النبي تدبيرا في الحرب يعفوا عن أسرى، يكون هذا غلط، يقترح عليه واحد من أصحابه، أنه لا، لازم تقتلهم، حتى يكونوا عبرة لغيرهم. فالقرآن يجي يصوِّب كلام صاحب رسول الله، هذا يصير، وصاير مرار، في هالمورد، وفي غير هالمورد، فالأنبياء غير معصومين فيما يرتبط بالتدبيرات وبالتالي، أنتم أعلم بشؤون دنياكم. أنا ممكن أقول لكم في الاقتصاد شي يطلع غلط، في العسكرية يطلع غل، في الزراعة شي يطلع غلط، في الحكم شي يطلع غلط. هذا عند مدرسة الخلفاء.

عند الإمامية، هذا الكلام من أساسه غير سليم، لا النبي يخطئ في هذا، ولا الإمام يخطئ في هذا، وإنما يطابق قولهم الواقع، وما ينبغي أن يكون، ويردون ما ورد من روايات المدرسة الأخرى في هذا الجانب. فإذن: صار عندنا دائرة المعصومين بين المدرستين: مدرسة الخلفاء، ومدرسة أهل البيت، مختلفة. هؤلاء يقصرون العصمة على الأنبياء والرسل، وأهل البيت يقولون بالإضافة إلى الأنبياء والرسل، الأوصياء الربانيون المنصوبون إلهيا، في مساحة العصمة، في امتدادات العصمة، أيضا هناك اختلاف. بعد الاتفاق على أن هناك عصمة تامة في الاستلام في الوحي، وتبلغيه عند المدرستين، هذا متفق عليه، في ما عدا ذلك، يختلف أتباع المدرستين، في أن الإمامية يقولون بأن كبار الذنوب وصغائرها عمدا وسهوا وخطأ لا تصدر من الأنبياء ولا تصدر من الأوصياء، بل لا الخطأ في القضايا الخارجية، والتطبيقية، والإداريات والترتيبات، هاي في دائرة المساحة في العصمة والمعصومين. 

لو أردنا نقرب معنى العصمة، لأن قسم من الناس، يستنكر كيف يعني 12 واحد، بالإضافة إلى الأنبياء، بل بالإضافة إلى أوصياء الأنبياء، يصيروا آلاف، كيف هذولا، ما يعصون، ما يذنبون، ما يرتكبون خطأ! لماذا؟ يراها كثيرة وكبيرة. نحن نريد تبسيط مأخذها. 

تبسيط مأخذها بنقاط، النقطة الأولى: أننا نعتقد أن كل إنسان في الوجود، معصوم بدرجة من الدرجات. أعيد الكلام: كل إنسان في الوجود معصوم بدرجة من الدرجات. المجنون، أيضا بدرجة، شفت مجنون، اللي ممكن أن ينزع ملابسه قدام الناس عادي، ولكن ما يروح يوقف قدام السيارة المسرعة متعمدا. شايف هالشكل إلى الآن مجنون؟ نادرا. ليش؟ لأن عنده عصمة من إلقاء نفسه إلى الموت. عنده قصية الحفاظ على حياته، كل مجنون فيه إلا في هذي، أكو مجنون آخر في كل شي تقدر تلعب عليه، لكن في الفلوس مثلا ما تقدر تلعب عليه، ذكي هذا، طيب، وأمثال ذلك. فهذا على الأقل في جانب واحد من التقصيرات ما يسويه، وهو أنه يلقي بنفسه أمام السيارة المسرعة، ذاك المنتحر خو هذاك مجنون ونص، احنا كلامنا في المجنون بس وحده، طيب. المنحرف، حتى المنحرف، تجده في بعض الأمور قد عصم منها. من الممكن أن يكون سارق، من الممكن أن يكون شارب خمر، من الممكن أن كذا، بس إذا قالوا له فلان مكان موبوء بالكورونا ما يطب فيه، يحرم على نفسه الذهاب إلى ذلك المكان، يعصم نفسه بهذا المقدار. أما المؤمنون أمثالكم وأمثال من يسمع والمؤمنات فمعصومون عن كثير من الذنوب. هل يمكن مثلا أنت الإنسان المؤمن المتدين التقي، تروح قدام الناس تشرب خمر؟! ما يصير هذا. موجود هذا. المسكر موجود، أنت هم قدرة على ذلك، ولكن هناك أمور تجعلك لا تفعلها، ممكن تروح ترتكب ذنب آخر -لا سمح الله – من الصغائر، وبالخفية، لكن شرب الخمر أمام الناس في مجتمعك ما تسويه، فأنت معصوم عن هذا. صحيح ولا لأ. هذا الإنسان الثري، صاحب الشخصية الاجتماعية الثرية حتى لو ما كان متدين مستحيل أن يأتي وهو عاقل عاري اللباس في وسط اللباس، مستحيل هذا. ليش؟ هذا معصوم عن مثل هذا القبيح. لماذا؟ بعد شوي رح نقول. فإذن: كل إنسان في الواقع هو بدرجة من الدرجات معصوم عن فعل قبيح أو أكثر، بدرجة من الدرجات، هاي الدرجات، لما تتراكم، واحد معصوم بدرجة، واحد معصوم بخمس درجات، واحد بعشرين، واحد بثلاثين ، واحد بأربعين، لما توصل إلى أقصى درجة ممكنة في البشر، ذاك يصير هو المعصوم. وهذا بإرادته مو مجبور عليه. هذا المؤمن إلي ما يشرب الخمر أمام الناس، ما أحد أجبره على ذلك، هو بفعله واختياره. نفس الأمر بالنسبة للمعصوم الكلي بنحو مطلق، هذا لا يرتكب أي ذنب من الذنوب، وليس ذلك على خلاف اختياره وإرادته. هذي نقطة أولى.

نقطة ثانية: التقوى معروفة عند المؤمنين. جعلكم الله وإيانا من أهل التقوى في أعلى درجاتها. التقوى هي قدرة عند الإنسان المتقي، تمنعه من اقتحام القبائح والمنكرات، رغبة فيما عند الله وخوفا من عقابه. وهذي أيضا درجات متعددة. لماذا يترك الإنسان المتقي القبائح والمنكرات؟ لو تروح إلى عمق هذا الأمر، لماذا؟ عادة، أولا: هذا المتقي يرى قبح الذنب على حقيقته ولا يرى صورته الخارجية المزيفة. يشوف الذهاب لممارسة الزنا مع امرأة لا تحل له، ما يشوفها كشتة وفرفشة وسفرة لطيفة، وبتنا في الفندق الفلاني، وناسة، ما يشوف هذا أبدا، هاي اغلفة خارجية مزيفة، يرى أنه يرتكب تحديا لله عز وجل وأنه تحت نظر الله عز وجل مباشرة. يشوف الأمر على حقيقته، ما يشوف بأغشيته وأغطيته. شوف القرآن الكريم لما يتكلم عن بعض الذين يأكلون أموال اليتامى، يقول: (إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا). هذا ما قاعد يأخذ 500 ريال، ما قاعد يصفن في شقة مالة يتيم حقيقة، إنما هو قاعد يدخل نار في داخل بطنه، زين يقول لك: أنا ما قاعد أشوف النار، ما قاعد أحس فيها. نعم هذا الغلاف الخارجي مغطي عليك. المتقي فضلا عن المعصوم، يرى الذنوب على حقيقتها. يرى العقارب فيها، يرى الحيات فيها، يرى السموم فيها، يرى غضب الله فيها، يرى النار المشتعلة فيها. فلما يشوف قدامه هكذا، ما يسويه. أنت تعال جيب إلى إنسان، أكلة يحبها، بس خلي تحت الطبقة الأولى حشرات ميتة، وقذارات وأشياء سامة، بمجرد أن يشيل هذي الطبقة الأولى، يشوف هذا، يرجع إلى الخلف بسرعة، ما يلمسها أبدا. المتقي وأعلى منه المعصوم هذا الحجاب الخارجي يشيلوه عن الذنب، يرونه على حقيقته، يعلمون به، فيمتنعون عنه. أنا وأنت أيضا، لو أمام كل ذنب شلنا بس هذا الغلاف الخارجي، لوجدناه على حقيقته، ولفررنا منه. وبمقدار ما يصفو قلب الإنسان، وتزكو نفسه، يقدر يكتشف في الذنوب حقائقها، ويراها على ما هي عليه، فيتركها، وفي المقابل يرى "فهم والجنة كمن قد رآها. فهم فيها منعمون. وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون". فأولا: يرى الذنب على حقيقته ويرى عواقبه أيضا. ما يشوف اللذة الحاضرة، والله كيَّفنا، انترسنا وناسة، لا، يرى أن هذه القعدة قعدة اختلاط، مفاكهة نساء لا تحل، هي ضحكات، وهو ضحكات، ترى هذه تعقب ظلمة في القلب، وتعقب نقصا في الإيمان، وتعقب عقوبة إلهية. بعض الروايات عندنا: "من فاكه امرأة لا تحل له حبسه الله يوم القيامة كذا ألف عام". يعني: لما يشوف النتيجة قدام عيونه، ما يسوي هذا. فهذا المتقي. 

إذا زادت معرفة الإنسان بحقيقة الذنب، وزادت خبرته بعواقب الذنب، وعنده إرادة هو أي ضا، عنده قوة على عدم ارتكاب الذنب، خلاص، لم يتحقق الذنب. مثلي وأمثالي، نترك ذنب، ونرتكب ذنب آخر. لذلك ما نصير معصومين. المعصوم لا، خلاص، لا يتركب ذنبا. بس هذا مو كله، بس هذا الجانب، لا، هناك لطف إلهي معه نظرا للدور الذي ينتظر من المعصوم القيام به. أنا لو ارتكبت ذنب، ما رح يصير شيء مهم غير أنه أنا رح أعذب. لكن المعصوم لو ارتكب ذنبا تسقط الثقة بالدين تماما. شوفوا إذا عالم كبير – لا سمح الله – ارتكب ذنب، تزداد الثقة بالدين لو تقل؟ تقل بلا شك. فكيف إذا معصوم – لا سمح الله – يرتكب الذنب. لذلك من لطف الله عز وجل أن يجعل العصمة في أنبيائه وفي أوصيائه، من غير فرق بين الذنب الكبير والذنب الصغير، بل من غير فرق بين الذنب وبين التطبيقات الخارجية، لأنه حتى في التطبيقات الخارجية، إذا كثرت أخطاء المعصوم، جينا للنبي (ص)، لذكره صلوا عليه. اللهم صل على محمد وآل محمد، وصلنا المدينة، شفنا أول يوم خرب علينا الزرع مالنا، يوم ثاني رحنا إلى حرب – على قولة إخوانا المصريين "بوَّزها"- يعني أفسدها، رحنا في مكان ثالث، قضية اقتصاد، إدارة اجتماعية، حل مشاكل، هم خربط فيها، ثلاث أربع تجارب، كل وحدة أسوأ من الثانية في الخطأ. المرة الخامسة أروح إله أقول له تعال سوي لي هالشكل، لو أقول: هذا، يظهر احنا أحسن منه نحل مشاكلنا، احنا أخبر منه في الزراعة، وأخبر منه في الري، وأخبر منه في الاقتصاد، وأخبر منه في حل المشاكل الاجتماعية، وأخبر منه الإدارة السياسية، على ويش نروح إله. فتقل الثقة ثقة الناس بالنبي وبالإمام إذا قلت ثقتهم به، نفروا منه وتركوا هديه. الله إنما لطف بنا حتى احنا نقدر ناخذ من النبي باستمرار. (وما آتاكم الرسول فخذوه)، مو أنه اتركوه وما عليكم منه، هذا اليوم يخطئ وباشر يخطئ، وما رح يوصلكم إلى ما تريدون من السعادة. فلذلك نحن نعتقد أن النبي والوصي لا يمكن أن يرتكب ذنبا صغيرا فضلا عن الكبير، بل ولا حتى يخطئ في التطبيقات والتدبيرات، لأن مآل ذلك، مآل ذلك إلى نفرة الناس عن المعصوم، عن النبي، عن الوصي، وتركهم إياه، وهذا ما لا يريده الله عز وجل. الله يريد الناس أن تكثر ثقتهم بأنبيائه وأوصيائه، وأن يستلموا منه التوجيهات من دون توقف. الآية المباركة، أيضا مما استشهد به واستدل به على لزوم العصمة في الأنبياء وأئمتنا استشهدوا بها على لزوم العصمة في الأوصياء. الآية هكذا: (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات)، إبراهيم بعثه الله بالنبوة، بعد ذلك عمل له عدة امتحانات، أراه ملكوت السماوات والأرض، امتحنه في ذبح ولده، غير ذلك من الأمور، فاجتازها كلها واحدة بعد الأخرى، (فأتمهن) بعد ذلك: (قال إني جاعلك للناس إماما) هذا فد بحث طويل، قضية الإمامة الإبراهيمية التي جاءت بعد النبوة، ما هي وما هي حدودها؟ يحتاج إلى بحث خاص. (قال إني جاعلك للناس إماما) إبراهيم باعتبار أنه وعد في السابق، بأنه سيكون له أوصياء. بشره الله بإسماعيل، وبشره بإسحاق، طيب، بل ومن وراء إسحاق يعقوب أيضا، فالآن قال له: (قال إني جاعلك للناس إماما)، النبي إبراهيم طموح: (قال ومن ذريتي) هو بس أنا؟ (ومن ذريتي) (قال لا ينال عهدي الظالمين)، عهدي أنا، عهد الله عز وجل، ولاية الله، دين الله، تشريع الله، لا يصل إلى الظالمين، من لم يكن ظالما، كما بالفعل حصل بالنسبة إلى إسماعيل وإسحاق وهكذا. 

وين وجه الاستدلال في هذا؟ العلامة الطباطبائي -رضوان الله عليه- في تفسير الميزان، يقول: "قال بعض الأساتذة"، أستاذته هو، هل هو الشيخ محمد جواد البلاغي رحمة الله عليه، أو غيره، لم يصرح بذلك. الشيخ محمد جواد البلاغي كان مفسرا من مفسري القرآن العظماء وهو أستاذ السيد الخوئي في تفسير القرآن الكريم. فهل هذا أو غيره، لم يصرح به في الميزان. ولكنه ينقله عنه، يقول: بعض أساتذتنا قرَّب الاستدلال بهذه الطريقة: كيف نستدل بهذه على لزوم العصمة في الأنبياء والأوصياء، قال: لأن الناس بحسب القسمة العقلية، أربعة أقسام، لا يمكن أن يخرجوا عن هذه الأربعة. إما واحد طول عمره، من أول عمره، إلى آخر عمره، كان عاصي، ظالم لنفسه، هذا بايع ومخلص حسب التعبير. عاص في أول عمره، عاص في آخر عمره، هل يعقل أن يسأل إبراهيم ربه أن يجعل هذا نبيا أو وصيا، معقول؟ كلا، ليش؟ لأنه رجل عاصي من الأول، وعاصي من الآخر، ليس معقولا أن يسأله أن يكون من ذريته، إذا أكو أحد هالشكل أن يجعله نبيا أو وصيا. إذن: هذا طلع. بقي عندنا ثلاثة أقسام. القسم الثاني: هو أن يكون شخص أول عمره صالحا، ولكن النصف الثاني فاسد، ظالم، زاني، طاغي، هل هذا معقول أن يصير نبي أو وصي، معقول، كلا. مثل فد واحد نفترض إلى أن صار عمره 30 سنة خوش آدمي، من عمره صار 30 إلى عمره 60 كله معاصي وذنوب وكبائر، تخليه هذا إمام جماعة، ما تخليه إمام جماعة، فكيف تخليه وصي أو نبي. من كان في أول عمره طائعا ولكن في القسم الأخير من عمره، كان عاصيا. أصلا هذا مو محل سؤال، فهذا أيضا شيله. بقي عندنا قسمان، قسم من كان في أول عمره طائعا وفي آخر عمره طائعا، طول هذه المدة لم يرتكب الذنوب، لا في أول العمر، ولا في آخر العمر، هذا قسم، والقسم الآخر، من كان في أول عمره قد ارتكب بعض الذنوب، ولكن في النصف الثاني من العمر، تاب وأصلح وأطاع وإلى غير ذلك. أما القسم الثالث وهو أن يكون طول عمره طائعا ولم يذنب، فهذا يثبت قضية العصمة، هذا اللي نريده احنا، القسم الرابع، هو اللي يسأل عنه وتجاوب عنه الآية المباركة، أنه لو فرضنا فد واحد كان، النصف الأول من عمره سيئا، كان يرتكب الذنوب، لكن النصف الأخير من عمره، أصبح من أحسن ما يكون. هذا يمكن يدخل الجنة، ولكن هذا لا يمكن أن يكون نبيا، لا يمكن أن يكون وصيا، لأنه ظالم لنفسه في فترة من عمره، ومرتكب للذنوب في مدة من عمره، وهذا يجعل الناس غير مؤهلين لاتباعه وطاعاته. ولك أنت خذ مثال، الآن أنت عندك إمامان للجماعة، فد إمام للجماعة من بلغ إلى أن صار كبير، آدمي، أخلاق عنده، طائع، ما أثر عنه كلام سيء ولا ذنب ولا غيره، وبجنبه واحد إلى أن كان عمره 30 سنة، مخربط، يذنب يعصي، يسب، ما أدري، يشرب. بس الله هداه بعدين، وصار طيب، وراح ودرس، أو حتى ما درس، يحتاج صلاة الجماعة فقط، يحتاج إلها عدالة وحسن قراءة، صار هكذا وإجا يصلي. أنت قدامك إماما جماعة، أيهما تختار. لا شك ذاك الذي كانت سيرته من أول عمره إلى آخر عمره سيرة طيبة، هذا مع أن صلاة الجماعة جدا شيء بسيط، لا يتحمل فيها الإمام إلا الفاتحة والسورة، وحتى لو تبين أن صلاة الإمام باطلة صلاتك ما تكون باطلة، تقبل فرادى. إذا أنت ما تدري عنه. يعني صلاة الجماعة أمرها أمر سهل، كيف احنا نجي واحد مدة من الزمان كان عاصيا مذنبا شاربا مشركا لفترة من الزمان، الآن صار خوش آدمي، هل تعطيه النبوة! هل تعطيه الإمامة! هل تعطيه عهد الله! كلا. وهذا مما ساتدل أئمة الهدى على أن إمامة آل محمد حصرا هم الذين ينالون عهد الله، لأنه لم يعرف فيهم ذنب لا في أول حياتهم ولا في آخر حياتهم. 

أهل البيت صلوات الله عليهم نزلت فيهم الآيات، مثل: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، إذا صار فرصة نتحدث عن هذه وقد ذكرنا في بعض الأوقات، (يُذهب) يعني قبل ما يوصل الرجس، مدفوع عنكم، (يُذهب) يعني يدفع عنكم الرجس، ما يوصل إلكم بعدين يطهركم منه. ما يخلي الذنب يوصل إليكم، وإنما هي عملية إذهاب، حجز، منع، عصمة، إن شاء الله إذا صار وقت نتحدث عنها. هؤلاء أهل البيت هم الذين يستحقون هذا الموضوع، وهذه المنزلة وهذه الكرامة، وليست هذه هي الآية الوحيدة التي نزلت فيهم بل كثير من الآيات. ربما نشير إليها في أوقات لاحقة. ولقد عرف الناس أن عنوان أهل البيت، عنوان مقدس، لذلك أعداؤهم ما الذي صنعوه؟ ما قالوا أهل البيت مو زينين، ما قالوا أهل البيت أهل ذنوب، لا يستطعون ذلك. وإنما ما الذي صنعوه؟ صنعوا أمرين: إما أعطوا بدائل خطأ، بدل ما يكون علي وفاطمة والحسنان وأبناء الحسين، صار فلان وفلان وهكذا، هذولا أهل البيت، بعضهم قال: كل الأمة، بعضهم قال: زوجات رسول الله، بعضهم قال: العباس بن عبدالمطلب، بعضهم قال... وهكذا. فأعطوا مصداق بديل، هذا واحد اللي سووه، وواحد آخر، إذا ما قدروا يعطون مصداق بديل، على الأقل حجزوا الناس عن أن يعرفوا أن عنوان أهل البيت هم هؤلاء. خليهم في جهل. خلي الأحاديث لا توصل إلهم. 

ذكرنا في سنة مضت عن سنة النبي (ص)، أنه تم منع الحديث مدة حوالي 90 سنة، من وفاة رسول الله، إلى زمان عمر بن عبدالعزيز، هذا المنع ليس منعا بريئا. وحتى المبررات التي قدمت، ذكرنا أنها مبررات بائسة. وغير صحيحة، لكنها أثرت أثرها، فعلت فعلها، بحيث أولا قسم كبير من المسلمين، ما ربطوا بين أهل البيت، قسم خو أساسا حجبت عنهم الأحاديث في المناقب والفضائل، اللي وصل من الأحاديث والمناقب والفضائل لأنها كثيرة جدا، فحتى لو حجزت نصفها، ثلاثة أرباعها، يبقى أيضا فرد مقدار كافي، حجزوا عنهم المصداق. آل البيت مو هذولا، أي واحد تخليه، ذاك ما يخالف خليه عليه، ولكن ليسوا هؤلاء، ولذلك قسم من الأمة، ذهبوا حتى إلى حد قتال أهل البيت، هم يقرؤون صباحا: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت)، وظهرا يسلون سيوفهم في وجه أمير المؤمنين والحسن والحسين، هاي مو مفارقة. صباحا يقرؤون: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وفي اليوم التالي يحاربون هؤلاء، هذا معناه: أنه تم التعمية على المصداق. 

وفي قضية الشام لما وصل ركب الإمام الحسين، السبايا، مشاهد كثيرة من هذا المعنى. لما دخلوا إلى الشام، أحد المشايخ هناك، ورأى الإمام زين العابدين مقيدا على تلك الناقة، فقال: الحمد لله الذي قتلكم وأمكن أمير المؤمنين منكم. فأقبل عليه الإمام زين العابدين، رأى رجل شيبة، قال: يا شيخ، أقرأت القرآن. قال: بلى. قرأت القرآن، قال: قرأت قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، بلى قرأتها، أقرأت قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى)، قال: بلى. قرأت الآية الخمس، بلى، فنحن القربى يا شيخ، نحن قربى آل محمد، نحن أهل بيت رسول الله، فأقبل عليه وقد وجد من كلامه الصدق، أقبل ذلك الشيخ على إمامنا، قال: بالله عليكم أنتم هم؟ قال: إيه وحق جدنا رسول الله. إنا أهل بيت محمد. فجاء ذلك الشيخ مستغفرا تائبا معتذرا إلى إمامنا، هذا واحد من الناس، وإلا أكثر الناس خرجوا للتفرج على هؤلاء الخوارج في زعمهم، البغاة في زعمهم، لا سيما وأن الأمويين أدخلوا – كما في الروايات التاريخية- أدخلوا الركب الحسيني، ركب السبايا بعد صلاة الناس جمعة. باعتبار أن الناس وصلوا أولا قبل الظهر، فأبقوهم خارج أسوار دمشق، وإلى أن يصير خروج الناس من صلاة الجمعة، والناس كلها مجتمعة، فيدخل هذا الركب المسبي لكي يتفرج عليه الناس ويتشمتون عليه. 


مرات العرض: 3398
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 56229.54 KB
تشغيل:

أبو طالب والد الأئمة الاثني عشر 7
السيدة خديجة وتقديس الحياة الزوجية 10