عترة الأنبياء في الأمم السابقة 2
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 4/9/1443 هـ
تعريف:

         2- عترة الأنبياء في الأمم السابقة

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

قال الله العظيم في كتابه الكريم :( وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقيةٌ مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين )

    حديثنا بإذن الله تعالى في سلسلة الحديث عن عترة النبي المعصومين عليهم السلام يتناول عترة الأنبياء في الأمم السابقة وقضية الوصاية والأوصياء في هذه الأمم . ونفتتح ذلك بالآية المباركة من سورة البقرة التي تتحدث عن أن أحد أنبياء بني إسرائيل بعضهم قال إن اسمه شموئيل وبعضهم قال أن اسمه شمعون على أثر بقاء يني إسرائيل في حالةٍ من الذل والاضطهاد من قبل أعدائهم فترةً من الزمن انبعث قسم منهم ليطلبوا من نبيهم هذا أن يهيأ لهم قائدًا ملكًا سلطانًا يقودهم باتجاه رفض الذل والاضطهاد الذي كانوا فيه ( إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكًا نقاتل )

    على أثر ذلك انتخب هذا النبي طالوت وكان طالوت رجلًا من الناحية الجسمية طويل القامة عريض المنكبين له قوةٌ بدنيةٌ استثنائية ولكن باقي الميزات والتي هي عند الناس مقاييس للتقدم غير موجودة لديه ، كأن يكون له وجاهةٌ في المجتمع أو أن يكون من أسرةٍ متميزةٍ كنسل النبي يوسف أو أن يكون له حضوره الاجتماعي أو صاحب ثروة طائلة وهذه هي المقاييس عند قسم من الناس وحتى الآن لو أن شخصًا أراد أن يتصدر الواجهة الاجتماعية عادةً قسمًا من الناس ينظرون إلى هذه المقاييس .

     فهؤلاء رفضوا تولية هذا النبي لطالوت ، فقال لهم النبي ( إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطةً في العلم والجسم ) 

     فأولًا هذا محل اصطفاء إلهي وانتخاب رباني فلا ينبغي أن يكون هناك إرادةٌ مخالفةٌ له بالإضافة إلى ذلك فالصفات المؤثرة في القيادة المطلوبة وهي الناحية العلمية وحيث أنه سيقود حربًا عسكريةً فعنده كفاءة بدنية فلا يحق لكم أن ترفضوا هذا الأمر . والنتيجة كانت أن طالوت الذي كان شابًا ليس معروفًا في ذلك الوقت في مجتمع هذا النبي ولم يكن له نسب متميز ولم يكن صاحب ثروة لكنه كان انتخابًا إلهيًا واصطفاءً ربانيًا وبطبيعة الحال فالانتخاب الإلهي ليس عبثيًا وإنما مبنيٌ على أنه زاده بسطةً في العلم والجسم . وفعلًا قاد طالوت الحرب وكان تحت إمرته داوود والقضية مفصلة في سورة البقرة . وانتهت النتيجة بانتصار هؤلاء ( كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله )

     هذه الآية المباركة وأمثالها من الآيات هي مما يرد في تراث الإمامية للاستشهاد على أن قضية النبوة والإمامة والوصاية وما يتصل بهما هي من الأمور التي تتوقف على اختيار الله عز وجل وإن كانت على رغم اختيار البشر ولا تتفق مع ما يراه البشر لإنه لو أتيح الأمر للبشر وما يريدون لاختلت الموازين . ألم يقولوا بالنسبة إلى سيد الأنبياء المصطفى محمد ( ص ) رافضين لنبوته ( لولا أنزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم ) فمحمد قليل المال ويتيم وليس لديه جاه ولا جيش ... فيرد عليهم القرآن ( أهم يقسمون رحمة ربك ؟! نحن قسمنا بينهم معيشتهم ) 

     أنت عبد لا حق لك أن تقرر ما يقرره الله تعالى فأنت عليك الالتزام والطاعة فلا حق لك أن تقول مثلًا أن علي بن أبي طالب صغير فلا يصلح للخلافة ، حتى أن بعضهم صرح بذلك فقال له ابن عباس : لم يستصغره رسول الله عندما بعثه بسورة براءة إلى المشركين واستصغرتموه أنتم ( لا يؤدي عنك إلا أنت أو أحدٌ منك ) فانتخبه رسول الله ولم يستصغره . فمقاييس البشر تأتي بهذا النحو .

     وهنا لا بد من الإشارة لنقطةٍ مهمة وهي أن هناك خلطًا لم يعر منه حتى بعض المثقفين الإسلاميين بل حتى بعض العلماء وهو أنهم تصوروا أن أي مشابهةٍ لليهود في أمورهم هي مشابهةٌ مذمومة . لماذا ؟ فلو قلت لأحدهم أنت مثل اليهود هل يعتبرها مدح أو ذم ؟ بل يعتبرها مسبة . لماذا ؟ لأن اليهود بعد نبي الله موسى وعيسى أساؤوا العمل ( فبما نقضهم ميثاقهم جعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم ) وفي مكان آخر يقول ( وقتلهم الأنبياء ) وفي مكان آخر ( وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ) 

      فمثل هذه الأحوال التي صارإليها اليهود جعلت صورتهم عند المؤمنين صورةً قبيحة وبالفعل هي هكذا وعندما جاء رسول الله بالرسالة وقد كانوا يجدون وصفه عندهم عارضوه وأنكروه وجحدوه بل وتآمروا مع المشركين عليه . وزاد على هذا الأمر في الذهنية العربية والإسلامية ما حصل قبل أقل من قرن من الزمان عندما احتل الصهاينة فلسطين ومارسوا من العنت والاضطهاد والإيذاء والقتل وسائر الممارسات ما تقشعر له القلوب والجلود وهذا مازاد الأمر سوءً . وكل هذا صحيح لكن هل أن المشابهة مع الخريطة الإلهية لبني إسرائيل هي شيء طبيعي أو غير طبيعي ، لا بد أن نفرق بين أمرين بين ممارسات اليهود الخاطئة من الجحود والإنكار والروح المادية والأخلاق السيئة وقد ذكرها القرآن وأرخها بالإضافة إلى الواقع المعاصر الذي نراه . هذا أمر وأمر آخر ما هي خريطة الله عز وجل إن صح التعبير في بني إسرائيل ؟ هذه الخريطة هي تمامًا نفس الخريطة التي كانت في أمة النبي محمد . لأن الله سبحانه وتعالى في إدارته للكون وفي إصلاحه للنفوس هي طريقة واحدة تبدأ ببعثة الأنبياء ثم إنزال الكتب عليهم ثم تولية الأوصياء ثم أمر الناس بأن يتبعوا هؤلاء الأوصياء وهذه الطريقة كما هي موجودة في أمة بني إسرائيل هي موجودةٌ أيضًا في أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وسوف نتعرض لبعض وجوه المشابهة لكنا لا نزال في محاولة التفكيك بين الفكرتين فنحن نجد حتى بعض العلماء لا سيما ممن يخالفوا الشيعة كابن تيمية مثلًا يقول : أن الرافضة يقولون إن الملك والإمامة لا تصلح إلا في آل علي كما قال اليهود إنها لا تصلح إلا في آل موسى وآل داوود فإذن هذا منكر من المنكرات والشيعة يشابهون اليهود في هذا الأمر فاليهود كممارسات سيئون ولكن الخريطة الإلهية لو كانت قد طبقت كما أنزلها الله عز وجل حتى بني إسرائيل حين طبقوها خاطبهم الله عز وجل ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ) وهذه تنتمي إلى طريقة إدارة الله لعباده فخريطة الله عز وجل في النبوة والإمامة تجعل هذا المجتمع الإسرائيلي والذي تمت عليه نعمة الله وقد فضل على جميع العالمين ممن سبقه هذا في حالة أنه اتبع البرنامج الإلهي . فأن يتشابه هذا البرنامج الإلهي بين المسلمين واليهود هو الأمر الطبيعي ولو اختلف يكون الأمر غير طبيعيًا . وإذا تشابه الملك والحكم في آل موسى وفي آل هارون وفي آل داوود وقال الشيعة أيضًا أن النبوة في رسول الله وأن الإمامة في آل رسول الله فهو على القاعدة تمامًا ولا يستوحش الإنسان منه . لكن صار هذا الخلط بسبب الصورة الوحشية الموجودة عن اليهود في ذاكرة المسلمين ومتأخرًا بالذات في ذاكرة العرب أريد تشبيه الشيعة بها حتى ينفر الناس من هذين الاثنين وإلا فالقضية قضية واحدة فكما اصطفى الله أشخاصًا من بني إسرائيل واصطفى أسرة ( إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) وفي هذا السياق أيضًا اصطفى محمدًا للنبوة واصطفى آل محمدًا للإمامة . ( ذريةٌ بعضها من بعضٍ والله سميعٌ عليم ) والآية المباركة تشير إلى هذا المعنى . فالنبي قال لبني إسرائيل سيأتيكم شخص ستكونون في شكٍ منه لكن الله تعالى سيزوده بأمورٌ تصنع لكم الطمأنينة فأولًا سيكون معه التابوت الذي فيه بقيةٌ مما ترك آل موسى وآل هارون والتي نعبر عنها في تراثنا الإمامي مواريث النبوة والإمامة وبقايا مما ترك الأنبياء السابقون والأوصياء وهي حجة من الحجج لا يمتلكها إلا الأنبياء والأوصياء ومن كان لهم اتصال من هذا القبيل بالله عز وجل . فإذا جاء هذا التابوت ستصبح عندكم سكينة في قلوبكم وهذا بالفعل ما حدث بالرغم من أن طالوت لم يكن على المقاييس التي فرضتموها لكنه اصطفاه الله وزاده بسطةً في العلم وفي الجسم كما كان أمير المؤمنين علي عليه السلام باعتبار أن دوره لنصرة رسول الله ( ص) أيضًا كان يقتضي أن يكون له قوة في الجسم وهذا ما أقره له كل من عاصره بل حتى أعداؤه أقروا بها .

     هذه الآية المباركة تشير إلى هذا المعنى أن مقاييسكم أيها البشر سواء كنتم في زمان بني إسرائيل أو كنتم في زمان الأمة الإسلامية ليست بالضرورة هي المقاييس التي يريدها الله عز وجل وإنما ربنا سبحانه وتعالى ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لكم الخيرة ) لا على هواهم ولا تبعًا لإرادتهم وإنما ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) فلا تعترض لأن الله سبحانه هو الذي انتخب وهو الذي عين وهو الذي اصطفى ونصب وبالتالي كل عمله سبحانه وتعالى لا يكون إلا موافقًا للحكمة ولمصلحة الناس . لذلك وجدنا أولًا أن الصفات والبرنامج الموجود في سيرة بني إسرائيل الأصلية وفي خريطة الله لإنقاذهم هو نفس البرنامج الذي أعد لإدارة هذه الأمة وخريطة لإنقاذها ويبدأ ذلك بأن الله سبحانه وتعالى ينتخب نبيه وينتخب بعد ذلك أوصياءه وعترته . 

      وهنا نشير إلى أن معنى العترة بكسر العين ، لها أصلان : أصل غير مرتبط ببحثنا وأصل مرتبط به . الأصل غير المرتبط كما يقول ابن فارس في كتاب (مقاييس اللغة )، أصل يدل على التفرق ويقال عترة المسك وعتيرته والمسك يتفرق قبل أن يصبح عطرًا سائلًا هو في الأصل أشبه بالجامد مثل التراب أو الطين وفيما بعد تجرى له عمليات فيتحول إلى هذا العطر السائل فيقال عترة المسك أي ما تناثر وتفرق منه وهذا غير مرتبط ببحثنا .

المعنى الآخر والمرتبط بحديثنا هو ما يدل على النصاب والإحكام ويقال عترة المسحاة وهذا له قسمان ما يحرث ويصلح به الفلاح الأرض القسم الأسفل ويكون من حديد ويرفع به الأشياء من طين وتراب وغيره والقسم الآخر هو الخشبة المتصلة وهذه تسمى العترة وفائدة المسحاة لا تكتمل إلا بوجود القطعة الخشبية التي ترتبط بها ويجعلك تستخدمها بسهولة لتنقل التراب من مكان لمكان آخر وتحرث الأرض وما شابه ذلك فهي كالنصاب الذي تنتصب عليه المسحاة فيزيدها إحكامًا واستحكامًا وكأن نبينا محمدً (ص) عندما قال وعترتي أهل بيتي في حديث الثقلين المعروف أشار إلى هذا المعنى وهو أن الرسالة لا تكتمل بتمامها إلا بوجود هذين القسمين دور الإمامة ودور النبوة .

    وفي هذا المعنى وجدنا شباهةً كثيرةً بين ما حصل في بني إسرائيل قبل التحريف وما حصل في هذه الأمة من أصل الانتخاب ،أن الله سبحانه وتعالى اصطفى من هنا كما اصطفى من هناك أشخاص أيضًا ما كان هؤلاء الناس العاديون يتصورون أنه سيتم اصطفاؤهم وانتخابهم واختيارهم بل لقد تم الاحتجاج عليهم وحصل ذلك لرسول الله فتعجبوا كيف ينتخب هذا وهو يتيم وليس له أموال ولا عزوة ونفس الكلام قيل في أمير المؤمنين عندما انتخبه رسول الله (ص) فتارةً استصغروه وتارةً قالوا فيه كذا وكذا حتى يزووها عنه ونحن نلاحظ مثلًا أن الأوصياء والنقباء في تاريخ بني إسرائيل هو نفس العدد الذي كان في تاريخ هذه الأمة على منهجها الحق ( وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا ) وهنا أيضًا اثني عشر إمامًا وصيًا وقائدًا بعد رسول الله (ص) وأكثر من هذا لو تتبعنا الأمر ففيه الكثير من أوجه التشابه بين المجتمع الإسرائيلي الذي تبرز فيه امرأةٌ رمزٌ للطهارة والنزاهة والاصطفاء والدفاع عن الحجة وهي مريم بنت عمران ( إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) وهنا نجد فاطمة بنت محمد وهي التي انتسل منها الأوصياء ودافعت عن حجة الله على عباده وعلى خلقه وهي التي صارت سيدة نساء العالمين والمصطفاة على كل نساء الدنيا بينما كانت مريم سيدة نساء عالمها . وأكثر من هذا يتحدثون في قضية المشابهة التي يؤكدها رسول الله بينه وبين علي وبين موسى وهارون فهنا تجد لفظ أخي مع أنه واقعًا عليٌ ليس أخًا لرسول الله من الناحية النسبية ولكن تأكيده لهذا المعنى أن هذا أخي وابن عمي وهذا التأكيد المستمر عليه كأنما يريد أن يستدعي صورة الأخوة بين موسى وهارون وأن يقول ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) بل بعض العلماء يقولون أكثر من هذا : أنه حتى أننا نستطيع أن نجد مشابهةً بين غيبة عيسى وغيبة قائم آل محمد . فعيسى بن مريم في بني إسرائيل ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ورفع إلى السماء عنهم وغاب عن الحضور معهم ولا يزال على قيد الحياة وسيعود أيضًا عندما يأتي الغائب الحاضر المنتظر عجل الله فرجه الشريف والذي حصلت له نفس هذه الظروف وقريبٌ منها فغاب عن الظهور العلني وهو حيٌ باقٍ ناظر وشاهدٌ ولم يمت وقد ولد وهو على قيد الحياة وهو بهذا في غيبته مشابهٌ لغيبة عيسى بن مريم .

     وأمثال ذلك مما أدركه أهل المعرفة ، فلاحظوا مثلًا سلمان المحمدي الفارسي رضوان الله تعالى عليه له خصوصيات كثيرة جدًا من جملة مواصفاته ( أنه علم علم الأول والآخر ) في إشارة إلى إحاطته بمعارف الديانات المسيحية واليهودية بل حتى غير السماوية لأنه تنقل باتجاه الحقيقة مدةً طويلةً من الزمان فجاء عارفًا بكل هذه الثقافات والديانات والفلسفات وانتخب الإسلام عن وعيٍ كامل حتى أن الأئمة إذا أرادوا أ، يشبهوا عظيمًا من الفقهاء وعالمًا من العلماء بشيء كبير شبهوه بسلمان مثل قول الإمام الرضا عن يونس بن عبد الرحمن وهو أحد أعاظم أصحاب الإمام الرضا يقول ( يونس في زمانه كسلمان في زمانه ) وهذا يبين منزلة سلمان أن أعاظم فقهاء أهل البيت يشبهون به .

سلمان يختلف عن غيره في أنه يعرف أن لكل نبيٍ أوصياء فلا يوجد ما يسمى بحسبنا كتاب الله ولا أن النبي مضى ولم يستخلف فلا يوجد هذا الكلام في تاريخ النبوات فتراه كما ينقل في بعض مصادر مدرسة الخلفاء ومنهم الطبراني يقول : قال سلمان لرسول الله : لكل نبي وصيٌ فمن وصيك ؟ فسكت عني ( هل لأن المجال لا يحتمل أو غير مناسب للجماعة الحاضرة أن يسمعوا هذا الكلام ) فلما رآني بعد فقال ياسلمان تعال فقلت لبيك وأسرعت إليه قال : تعلم من وصي موسى ؟ قال نعم يوشع بن نون لأن هارون قد توفي قبل موسى . وقد ورد ذكره في القرآن باسم ( اليسع ) قال : رسول الله ولم ؟ قلت لأنه كان أعلمهم يومئذٍ . قال النبي : فإن وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي ينجز عداتي ويقضي ديني علي بن أبي طالب . وهكذا كثير عندنا من الأحاديث في قضية الوصاية . فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال : كان وصي آدم شيث بن هبة الله وكان وصي نوح سام وكان وصي إبراهيم إسماعيل وكان وصي موسى يوشع بن نون وكان وصي داوود سليمان وكان وصي عيسى شمعون وكان وصي محمد علي بن أبي طالب وهو خير الأوصياء وهذا في قضايا المشابهة . 

     ونأتي إلى نفس الحديث ، قال النبي : (وعترتي أهل بيتي ) هل كان ينبغي أن يبين النبي  أسماء هذه العترة أم لا  ؟ إذا ما بين النبي من هم يصير هذا نقض الغرض وإغراء بالجهل . كأن أقول لك ستراني في هذه البلدة واقفًا عند عمارة بيضاء !! هذه العمارة في أي شارع وهل هي في وسطه أو أوله أو آخره فأنت زدتني جهلًا . فإذا قال عترتي أهل بيتي فإن قسم من الناس سيقولون أن أهل بيته هم زوجاته أو أقاربه أو عشيرته إلخ 

فلو لم يعين رسول الله من هم عترته ومن هم أهل بيته لنقض الغرض ولزاد الجهل ولحصل بعد الضلال ضلال أكبر .

      فأبو لهب من عترة النبي بحسب المعنى اللغوي الذي قاله بعضهم وهو كافر ، والعباس بن عبد المطلب وهو من المسلمين ولا أحد يقول بفضيلته على حمزة ولا مثل جعفر فضلًا عن أفضليته على علي . فهل العباس ينطبق عليه ( لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ؟ وهل ينطبق عليه( ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا )

    بل حتى مثل جعفر وحمزة لا ينطبق عليهما لأن معنى ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا يعني أن المخاطب بهذا الخطاب معصوم عن الخطأ وعالمٌ بكل ما يحتاج إليه العباد وقطعا لم يكن جعفر ولا حمزة على جلالة شأنهما هكذا فضلًا عن باقي عترة النبي إذا أخذنا العترة بمعنى الأقارب عمومًا ، فكان يجب على النبي كي لا يُنقض غرض هذا الحديث أن يعين من هم عترته فقال أولًا أهل بيتي فضيق الدائرة ثم عين من أهل بيته في موارد كثيرة منها : البعض ينقل في نفس الخطبة قام له أحدهم فقال : يا رسول الله من هم عترتك وأهل بيتك ؟ فقال : (فاطمة وعليٌ والحسن والحسين وتسعةٌ من ولد الحسين )

   وكرر هذا المعنى في غير موضعٍ ، فقال في جماعةٍ : أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين وإن أوصيائي  بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم من آل محمد )

    لأن عنوان عترتي سيصبح حسب تعبير المعاصرين (كليشة ) وهذا العنوان إذا لم يكن جلي وواضح وبين سيغري أهل الجهل ويضل الناس فلا بد أن يكون بينًا واضحًا صريحًا وهذا الذي حصل أن النبي (ص) بينه ووضحه كما أوضحه الأنبياء السابقون في أمة بني إسرائيل بالنسبة إلى أقوامهم فآمنت طائفة وكفرت طائفة وهذا هو الذي يتحدث عنه النبي (ص) يعني أن الأعمال المخالفة التي قام بها بنو إسرائيل وهي المذمومة هي التي يحذر منها رسول الله وهذه عند الفريقين أن النبي مكررًا قال ( لتسلكن ما سلك بنو إسرائيل حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه ) وهذا في مقام الذم لهم كمجتمع عاصي ومتمرد وخالف وصايا رسوله . فأولًا نبي الله موسى عندما حضرته الوفاة وكان هارون قد توفي قبله عين عليهم يوشع بن نون وأمرهم بطاعته ، فرفض قسمٌ أن يسيروا خلفه وعصوا أمره بل حاربه بعضهم وبعض الروايات تشير أن من جملة الحروب التي خاضها مخالفوا يوشع له استفادوا وانتفعوا من إحدى زوجات نبي الله موسى في مواجهة يوشع بن نون فشتان ما كان التشابه بين الأمرين . فأبعدوا من كان ينبغي أن يقرب وقربوا من كان ينبغي أن يبعد وسلكوا نفس الطرق التي سلكتها هذه الأمة من عصيان رسولها وتقديم مقاييسها على مقاييس الله وصار الحكام عند اليهود لا يرتبطون بالأوصياء ولا الأنبياء مثل ما حصل في تاريخ هذه الأمة ، فمن هم الخلفاء والحاكمون في تاريخ الأمة ؟ لا تجد آل محمد فيهم ولا تجد آل علي فيهم مع كونهم الأعلم والأقرب إلى الله سبحانه وتعالى ( حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه ) 

     نعم ربما الموقف الذي لم نره في سائر الأمم ورأيناه في هذه الأمة هو أن هذه الأمة قد عدت على ابن بنت نبيها فقتلته عطشانًا غريبًا ، لذلك مصيبته عظمت في السموات على أهل السموات وعلى أهل الأرض وحتى ناحت غير البشر عليه قائلةً : ويلٌ لأمةٍ قتلت ابن بنت نبيها مظلومًا . وهو يخاطبهم أولست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وأول الخلق إيمانًا به أوليس حمزة سيد الشهداء عم أبي أوليس جعفر الطيار عمي أولم يبلغكم مقالة رسول الله في وفي أخي الحسن : (هذان سيدا شباب أهل الجنة ) ؟ فلم تقاتلوني ؟ وهو يخاطبهم لعل أحدٌ منهم يدرك عظمة هذا الموقف ويغمد سيفه احترامًا لابن بنت رسول الله لكن 

   صلت على جسم الحسين سيوفهم     فغدا لساجدة الضبا محرابا 


مرات العرض: 3421
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 50904.84 KB
تشغيل:

حاجة الأمة للعترة والأئمة 3
الإمام عند أهل البيت وفي مدرسة الخلفاء 4