الشعر في الامام الحسين – مقدمة ومدخل
كتابة الفاضلة رائدة
علينـــــا شرارها يتوالـــــــــى
|
فتكة الدهــر بالحسين إلى الحشر
|
إنهـــا العثرة التــي لـن تقــــالا
|
لك يـــا دهــــــــر مثلها لا وربـي
|
ذي لآليــه فـــي الثرى تتـــلالا
|
سيم فيها عقد الكمال إنفصامــــا
|
ليـت شعـري من ذا رآه حـلالا
|
سيم فيها دم النبي إنسفاكـــــــــا
|
السمـــا عزة وأعلــــــى جلالا
|
نفر من بنيه أكرم من تحــــــــت
|
أتبعتها النســـــاء وألأطفــــالا
|
ما إكتفت بالنفوس بذلا إلــى أن
|
أرسلوا نظرة وقامـــوا عجالا
|
ليتهم بعدمـــا الوغــــــى أكلتهم
|
زلزل الدهـــــــر عزها زلزالا
|
ليـــــروا بعدهم كرائــــــــــم عز
|
إسحبي اليــــــوم للسبا أذيالا
|
اصبحت والعدو اصبح يدعوهـا
|
فإنزعـي العز وإلبسي ألأذلالا
|
أنت مهتوكة على كل حــــــــال
|
وحزنـا خفافــــــه والثقـــــالا
|
لك بيت عالـي البنــــاء هدمناه
|
قــد أبدناهم جميعــــــــا قتـالا
|
صوتي باسم من أردت فإنـــــا
|
من ديوان الشيخ محسن أبو الحبّ (الكبير) ج1 ص123
من كلام مولانا وسيدنا ابي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام: لجعفر ابن عفان الطائي وهو من أصحابه حين دخل عليه فقربه وأدناه واستنشده شيئا من شعره في رثاء الحسين عليه السلام فأبكاه فقال الامام عليه السلام بعدما بكى وبكى من معه:
يا جعفر والله لقد شهدت ملائكة الله المقربون هاهنا يسمعون قولك في الحسين عليه السلام ولقد بكوا كما بكينا أو أكثر، ولقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنة بأسرها وغفر لك.
فقال: يا جعفر ألا أزيدك؟ قال: نعم يا سيدي، قال:
ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى وأبكى به الا أوجب الله له الجنة وغفر له.
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 47 - الصفحة 314
من هذا الحديث المبارك الذي يرويه ابن قولويه في كتاب كامل الزيارات بسنده إلى الامام الصادق عليه السلام ننطلق في الحديث عما يرتبط من الشعر في الحسين عليه السلام، وفيما بعد نتحدث عن بعض شعراء كربلاء الذين نظموا وانشأوا وانشدوا في الحسين عليه السلام.
" ابن قولويه من رواة وفقهاء الشيعة في القرن الرابع الهجري. وهو صاحب كتاب كامل الزيارات وقد دفن في حرم الكاظمين"
وبالرغم من أن هذا الموضوع من المواضيع المطولة جدا ، حتى لقد ألف فيه بعض العلماء والباحثين ما يصل الى عشر مجلدات ، كما هو في بعض طبعات شعراء الطف أو أدب الطف ، وأيضا ما جاء في شعراء الحسين عليه السلام في العصور المختلفة في الأجزاء التي افردها صاحب كتاب دائرة المعارف الحسينية وهي مجلدات كثيرة ، ولايزال أيضا يتابع ، وبالتالي لا يمكن أن يتحدث الانسان عن هؤلاء الشعراء كلهم ولا عن قصائدهم كلها إلا مع وقت قصير جدا لكن تحت قاعدة " ما لا يدرك كله لا يترك جله " ، سوف نتعرض في هذه الأحاديث إلى بعض شعراء الحسين عليه السلام وبعض قصائدهم وما احتوت عليه مما يتكرر ذكرها وذكره في المنابر والمآتم وتتلى على أسماع الناس .
- من الطبيعي ان نشير في البداية إلى:
- ما هو الشِعْر؟
- ولماذا هذا الاهتمام به؟
- وكيف تبوأ هذه المنزلة؟
- وما هو الموقف الديني من:
- الشِعْر خاصة - ومن الشِعْر عامة؟
- ومن الشِعْر في الامام الحسين عليه السلام وفي رثائه خاصة؟
- عندما يبحثون عن الشِعْر يقولون انه من الناحية اللغوية يرجع إلى ما يرتبط بالشعور
- هذه المادة الشين والعين والراء لها مصدر واحد يرتبط بالشعور وهو الإدراك العميق كما قال بعضهم، وعموماً الشعور معروف لدى كل إنسان باعتبار أنه يمارسه، الشِعْر جاء من هذه الجهة.
- ووجه المناسبة من هذه التسمية انهم قالوا ان الشاعر كأنه يدرك إدراكا استثنائيا لبعض القضايا ويحولها الى نظم موزون مققاً عن قصد وهو ما يطلق عليه بالشٍعْر.
- تعريف الشعر لغة إنّ الشين والعين والراء أصلان معروفان يدلّ أحدهما على ثبات والآخر على عِلْم، فإذا قيل إنّ أحداً شَعَرَ بشيء أي أنّه علمه وفطنه، ولذلك سمّي الشاعر شاعراً لأنه يفطن ما لم يفطن له غيره، فلفظ الشعر يحمل عدة دلالات لغوية؛ وهي العلم، والمعرفة، والفطنة، والدراية.
- وللشعر اصطلاحاً عدة تعاريف مختلفة، فعرّفه قدامة ابن جعفر: بأنّه كلامٌ موزونٌ مقفّى يدل على معنى.
- عرّفه ابن خلدون بأنه كلام بليغ موزون، مبني على الأوصاف والاستعارة، مُقسّم لمقاطع مستقلة موزونة، كل قسم منها له غرضه ومقصده، الجاري على أساليب العرب المخصوصة به.
- وعُرّف أيضاً بأنّه قَول منظوم بنظمٍ محدد ومعلوم، ويختلف عن النثر الذي يستعمله الناس في مخاطباتهم، وهو من الفنون الأدبية التي تعكس حياة الشاعر وأحاسيسه، ويعتمد على الإيقاع والعاطفة والخيال.
- وعُرِّفَ الشاعر بأنه شاعرًا؛ لفطنته ولأنه يشعر بما لا يشعر به غيره، ما يؤدي به إلى كتابة الشعر لوصف عاطفته وأفكاره وتخيلاته.
- تعريف الشعر في: معجم المعاني الجامع وقاموس المعجم الوسيط:
- شَعُرَ شِعْرًا: اكتسب ملكة الشعر فأَجَادَهُ. شٍعْر: اسم - الجمع: أشعار، وشُعور
- الشِّعْرُ لغة: بكسر فسكون، كلام موزون مُقفَّى قصدًا.
- الشِّعرُ في اصَطلاح المنطقيين: قول مؤلَّف من أمور تخييليه، يقصد به الترغيب أو التنفير، كقولهم: الخمر ياقُوتة سيالة، والعَسَل قيء النحْل.
- والشِّعرُ المنثور: كلام بليغ مَسْجوع يجرى على منهج الشعر في التخييل والتأثير دون الوَزْن.
ويقال: ليت شِعرى ما صنع فلان: ليتني أعلم ما صنع. والجمع: أشعار.
- ويقال شَعَر الرجل أي قال شِعرًا، وهو كل كلام له وزن وقافية، وهو فن يرتكز على إيقاع ويصور فيه الشاعر مخيلته ومشاعره.
- وللشعر مكانة عظيمة وميزة عند الشعوب منذ الأزل خاصةً عند العرب، فهو من أهم أنواع الأدب التي استخدموها في كتابة تاريخهم ومنجزاتهم وتجارب حياتهم، وهو الوسيلة للإفصاح عمّا يسكن في أنفسهم من خواطر وأفكار وأحاسيس، والشعر منظومة عريقة لها أصولها وخصائصها التي تميز بينه وبين أي نوع آخر من الفنون الكلامية.
كلنا عندما نمر على حادثة أو قصة أو على منظرٍ ما فإننا نمر عليه مروراً عادياً، ولكن قد يأتي عليه شاعر مجيد فيكتشف بعض المناسبات والتشبيهات وبعض القضايا الخفية علينا من النظرة الأولية.
إدراكه هذا لتلك الجهات الخفية والمناسبات الخاصة هو شعور استثنائي تم تحويله إلى كلام منظوم موزون مقفى عن قصد أيضاَ، هذا التحول يطلق عليه عند العرب بالشِعْر.
ومن الواضح أن الشعر في حياة العرب كان له دوراَ كبيراَ جداَ، حتى لم تعرف أمة من الأمم بشيءٍ كما عُرفت العرب بالشِعْر.
فهو تأريخ لأيامهم وقضاياهم وآدابهم وهو السجل الحافل لما كان يدور بينهم وهو محور ثقافتهم. وإذا كانت ثقافة الناس الآن محفوظة في الكتب والأجهزة الحديثة والتسجيلات الاستثنائية والمجلدات الضخمة، فإن ثقافة العرب أياً تكن تلك الثقافة في تلك الأزمنة كان يحفظها الشعر، وكان الشعر بمثابة الحافظ لكل تلك الأحداث والثقافات.
هذا الشعر كما ذكرنا هو ملاحظة الشاعر جهة أو جهات خفية على عامة الناس ثم تحويلها والتعبير عنها بصورة خاصة وهو ما نلاحظه في القصائد وفي الأبيات الشعرية.
مثلاً عندما يمر علينا فيما يرتبط بالإمام الحسين عليه السلام كقول الشاعر الشيخ صالح الكواز:
وإن رأسَـــــك روحُ اللهِ مُذْ رُفعـــــــا
|
كأن جسمَكَ موسى مذ هوى صَعِقا
|
جاء بتشبيهين بليغين فقد شبه الحسين بنبيين من اولي العزم في بيت واحد فقال ان جسد الحسين سقط كما ذكر القران الكريم في قصة نبينا موسى عليه السلام حين ذهب لمقابلة رب العزة وخر مصعوقاً وفي المقابل عيسى ابن مريم رفعه الله إليه، فاستعار الشاعر هاتين الحادثتين والمناسبتين وعقد بينهما وبين حدثي رأس وجسد الحسين وقصته فانتج هذه الأبيات في تلك القصيدة وهو كما يقول الباحثون انها من أجمل الأبيات التي جمعت قضيت نبيين مع قضية الحسين عليه السلام.
- الشيخ صالح بن مهدي بن حمزة الشّمري الشهير بـالكواز لأنه زاول مهنة أبيه، بيع الأواني الخزفية – الكِوازة.
- هو شاعر عراقي من أهل القرن التاسع عشر الميلادي. ولد وتوفي في الحلة ودفن في النجف. له ديوان شعر من جزأين - والشيخ صالح هو الشاعر الوحيد الذي يكثر من التصريح والتلميح إلى الحوادث التاريخية في شعره حيث كان على جانب عظيم من الفضل والتضلع في التاريخ والأدب
او الشاعر الآخر الذي يلاحظ حركة السيوف عندما تنثني وتطال جسم الحسين عليه السلام فيشبهها بقضية الصلاة والمحراب وما يرتبط بذلك عندما يقول الشاعر السيد رضا الهندي:
فغــدا لساجدة الظُبا محرابـــــــا
|
صلت على جسم الحسين سيوفهم
|
جعل جسد الحسين محرابا وجعل السيوف والظُبا والقواضب حركة انسان ساجد واستعار معنى الصلاة لكي يشبه هذه العملية بهذا النحو ثم يقدمها لنا بهذه الصورة البديعة التي قد لا يتبادر للإنسان العادي هذا المعنى ولا يتصور لنا هذه العلاقة لذلك قيل في الشعر انه نحو إدراك خفي لبعض المناسبات او في المنظر الطبيعي او في التوصيف أو ما شابه ذلك.
- السيد رضا بن محمد الهندي هو رجل دين وشاعر وأديب عراقي نجفي، وأصل أسرته يعود إلى مدينة لكهنو الهندية، ويمتد نسبّه إلى الامام علي الهادي - ووالده الحجّة الكبير السيّد محمّد كان من فقهاء الشيعة المعروفين، وكان ضليعا في علم الرجال وله كتاب (اللآل في علم الرجال) بثلاثة عشر مجلدا كما كانت له اليد الطولى في العلوم الغريبة: الجفر والرمل والاوفاق والاوراد وغير ذلك، وقد جدّ السيّد الرضا في الاشتغال بمعرفتها عنده حتى تضلّع بها وأجازه والده.
لم تسلّط الأضواء على الجوانب العلميّة للسيّد رضا الهندي، حيث طغى عليه الجانب الأدبي حيث زاول الأدب زمناً طويلاً، فأبدع فيه، وحمل راية الأدب في النجف زماناً طويلاً يزيد على أربعين سنة.
- هذا في أصل قضية الشعر وتعريفه وما يرتبط به من الناحية اللغوية والاصطلاحية.
طبعا الشعر موجود عند العرب بل عند غيرهم أيضاً، لكن حديثنا ضمن الفئات العربية.
- تتعد تقسيمات الشعر ومناحيه واغراضه ومن بينها:
- الهجاء: يقوم على ذكر مساوئ الخصم من أجل إلحاق العار به.
- الاعتذار: هو استعطاف، رغبةً من القائل في العفو، يبيِّن فيه الندم على تصرفاته للشخص المقصود ويظلُّ دائمًا مقرونًا بالمدح.
- الحكمة: تنطوي على ذكر أفكار صحيحة هادفة بأسلوب سلس وسهل وجميل، وتحاول تحقيق الخير والصواب ونبذ الخطأ والشر، وتنتج عن تجربة طويلة وخبرة كبيرة في مجريات الأمور والأحداث.
- الوصف: يصف كل ما تقع عينه عليه وكل ما يشعر به.
- الحماسة والاثارة: تستخدم في الحروب والقتال وما شابه ذلك.
- المدح: قد يكون لشخص او لقوم او لفئة ما، يذكر فيها خصال الممدوح ومزاياه وصفاته الحسنة، بالإضافة إلى مواصفاته الخلقية بأبهى صورة.
- الفخر: هو إظهار البطولات والشجاعة والصدق والكرم والعفة والافتخار وغيرها من الصفات الحميدة.
- الغزل: بنوعيه الصريح والعفيف.
- الرثاء وهو محور حديثنا:
هو أحد أنواع شعر المديح يتعلق بذكر خصال وصفات الشخص الميت مصحوبًا بالأسى والحزن والتفجُّع، وقد كان منتشرًا وما يزال بسبب كثرة الحروب والقتل الذي لم يخلُ منه أي عصرٍ من العصور.
- وله عدَّة أنواع:
- الندب وهو البكاء على الميت ساعة الاحتضار ووقوع الفاجعة
- التأبين ويكتفي فيه بذكر خصال ومزايا الميت والثناء عليه.
- العزاء مرتبة عقلية تنتقل إلى ما وراء الفاجعة وتتأمل في الحياة والموت
- النعي هو الإخبار عن حادثة الموت ونشرها بين الناس.
- في الرثاء ينظر إلى الشخص المتوفى ويتوجع على إثر فقدانه ويبين صفاته ويجلي بعض الجهات التي ربما تكون خافية فيه، وينعاه لإثارة الشجن والأسى والدمعة على ذلك الشخص المفقود، بالرغم من أن أصل هذه الكلمات ربما لا تدل في أصل وضعها على هذا الجانب، لكنها تحولت لكثرة استخدامها لهذا المعنى، وقد يكون بعضها دالا على مطلق النداء كما هو الحال في النعي، ولكن على إثر كثرة استخدام هذه الكلمة فيما يرتبط في موضوع المتوفى واثارة الاشجان والاحزان عليه وذكر فضائله، صارت تنصرف ويتبادر منها هذا المعنى.
- أما ما يرتبط بحديثنا حول الحسين عليه السلام هو: شعر الرثاء في الحسين، وإلا أيضاَ يوجد فيه شعر الحماسة وشعر التوصيف.
ولكن حديثنا سيكون ناظرا لهذا الجانب، جانب الرثاء والنعي والندبة وما شابه ذلك.
- هل هناك موقف تجاه موضوع الشعر يشكل عام، مؤيد او مخالف وثم بعد ذلك ما هو الموقف الديني تجاه شعر الرثاء في الحسين عليه السلام.؟
- يستفاد من النصوص الدينية بشكل اولي ذم الشعر، وذلك إنه في سورة الشعراء التي سميت بهذه التسمية لكي تشير لهذا المعنى ويتبادر اليها في ذهن قارئ القرآن بأنه قد وصف الشعراء بأنهم يتبعهم الغاوون.
(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)
[الشعراء:224-226]
واضح ان لحن هذه الآية وتوجهها ليس في توجه المدح أو التقدير انما جاء للذم فإن من يتبعه الغواة والضالون لابد أن يكون ضالا بملاحظة هذه الصفة وانه لا يوجههم التوجيه الحسن، وفي هذا ذم واضح.
او ما ورد في ان النبي صلى الله عليه واله نُفي عنه الشعر وانه لا ينبغي له، وحسب أصحاب هذا الرأي لو كان الشعر شيئاً حسناً لما نُفيت مناسبته للنبي صلى الله عليه وآله، إنما ينفى عنه الأمور السيئة، بل ينقل لاسيما في مصادر مدرسة الخلفاء عن النبي صلى الله عليه وآله ما ورد في الصحيحين وفي الطبراني وغيرها من المصادر ان النبي قال بناء على هذا:
لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ له مِن أنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا. صحيح البخاري ص 6154
وهنا رواية مروية عن الصادق عليه السلام أشار فيها الى حديث النبي عليه الصلاة والسلام، ولسنى هنا في موضع تصحيح هذه الرواية او تلك، ولكن هناك توجه يوجد في روايات القران الكريم فيه ذم لموضوع ذم الشعراء، وانه غير مستحسن، وإذا كان كذلك فإن أصحاب هذا الراي يقولون انه مذموم وبتبعيته ينبغي ان يكون الشاعر يمارس امر مذموم وغير مستحسن، وفي المقابل هناك روايات عن المعصومين عليهم السلام تشير الى ان الشعر ممدوح، ففي رواية قال النبي (صلى الله عليه وآله):
(إن من الشعر لحكما، وإن من البيان لسحرا ( بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٨ - الصفحة ٤١٥
عن عبد الله ابن زهير قال: وفد العلا بن الحضرمي على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا رسول الله إن لي أهل بيت أحسن إليهم فيسيؤون، وأصلهم فيقطعون. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فقال العلا بن الحضرمي: إني قلت شعرا هو أحسن من هذا قال: وما قلت؟ فأنشده: وحي ذوي الأضغان تسب قلوبهم تحيتك العظمى فقد يرفـــــع النغل
فان أظهروا خيــــــرا فجاز بمثله وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل
فان الذي يؤذيك منــك سماعــــه وإن الذي قالـــوا وراءك لم يقـــل
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): إن من الشعر لحكما، وإن من البيان لسحرا، وإن شعرك لحسن، وإن كتاب الله أحسن.
سورة فصلت الآيتان (34 - 35).. - أمالي الصدوق 368. - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٨ - الصفحة ٤١٥
روي ذلك عن رسول الله وبخصوص ما يرتبط بقول الشعر في رثاء اهل البيت عليهم السلام توجد روايات كثيرة منها ما ذكرناه في اول حديثنا عن الامام الصادق عليه السلام حين انشد جعفر ابن عفان الطائي بعض القصائد له فاستحسنها بل وابلغه عن الاجر والثواب الذي يجنيه مقابلها على مثل الانشاء والنظم في الحسين عليه السلام.
ثم قال له ما من أحد قال شعرا في الحسين عليه السلام فبكى وأبكى الا كتب له الله الجنة وغفر الله له، اذن الكلام للعموم من الشعراء الذين يرثون اهل البيت عليهم السلام.
- سيكون عندنا حديث ان شاء الله عن مناسبة ماهي هذه الجزائات التي وعد بها الشاعر والناظم في اهل البيت عليهم السلام ولماذا بعضها يختلف في جزاء والثواب المترتب على ذلك؟!
فإذن مثل هذه الروايات تشير الى ان الشعر والانشاء في الشعر والنظم في الحسين وفي عموم المعصومين عليه الصلاة والسلام كما هو في مفادات روايات اخر، انه ليس مذموما وليس مقدوحاً بل فيه ثواب وثواب كبير جدا.
- فكيف نجمع بين ما جاء في القران الكريم من ان (الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) وبين انه لا ينبغي لرسول الله الشعر وبين (لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ له مِن أنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا) من جهة، ومن جهة أخرى هذه المواعيد بالثواب، وبين من انشد شعراً فبكى وأبكى غفر له ووجبت له الجنة وما شابه ذلك، كيف يمكن التوفيق بين هذين النحوين من الخطابات في كلام الدين ونصوصه؟
- هناك طريقان للجمع:
- الطريق الأول: هو التخصيص:
- بمعنى ان يقال كل الشعر سيئ ولا خير فيه وليس محبوبا الا ما كان هادفا لقضية دينية وكان في حق المعصوم عليه السلام او حسب الرواية الأخرى ان من الشعر لحكمة، ما كان فيه الحكمة والتعليم الديني، وهذا مستثنى، وكم من أمثلة انه جاء نهي عن شيء ويستثنى منه قسم من ذلك الشيء، فجاء عن اهل البيت نهى وقسم يثتنى منه النهي عن ذلك الشيء.
فيقال الشعر بشكل عام مذموم، ولكن هناك شعر ممدوح مستثنى من هذا الشعر المذموم فيكون نتيجته انه تم تخصيص تلك النصوص العامة بتلك النصوص الخاصة، الشعر كله ليس فيه خير الا الشعر الذي يدعو الى الحكمة والعصمة والشعر الذي يرثي الحسين عليه السلام هذه نقطة.
والنقطة الأخرى انه من الأساس نحن نقول هناك تخصص ونقله نوعيه كما قالت الآيات المباركة (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)
- نقول هنا ان هذا التعليل او ما هو في حكمه ، هذا كله بمثابة التحديد من البداية ، انه يقول ان الشعر المذموم ذلك الذي يسبب الغواية ، الشعر الخيالي الذي لا عمل ورائه ولا مصداقية له ، انما كما يقال فيه اعذبه اكذبه وما كان اكثره كذبا وبعدا عن الحقائق هو الشعر مذموم ، هذا الشعر الذي ينتهي بمن يستمع اليه الى الغواية والعيش في الأوهام والخيالات ، الشعر الذي يبعد الانسان من البداية عن هدايات الدين هو الشعر المذموم، إذن أي شعر لا يحمل صفات : الاشعار التعليمية ،الحكمية ، التربوية والتاريخية والدينية ، الاشعار التي فيها المعارف و الدعوة الى الفضائل والتقوى والهداية التي فيها مدح بالقدوات الدينية وفيها رثاء لأهل البيت عليهم السلام ، هذا من البداية غير داخل في هذا الشعر ، لأن ذلك الشعر اصبح خاص ومحدود لشيء معين وهذا خارج عنه ولذلك لا نحتاج للتخصيص.
- قد يؤيد الفكرة الأولى ما جاء في القران الكريم من انه استثنى الا الذين امنوا، فهذا معناه انه استثنى الشعراء المؤمنين وقد يؤيد الثاني انه مقتضى التوصيف للشعر والشعراء الذين يتبعهم الغاون بصفات معينة انه من البداية هذه ليست دائرته دائرة كبيرة ولا شاملة لكل أنواع الشعر.
وسواء قلنا ان النسبة بين ما قلنا ان الشعر مذموم وبين ما دل على ان الشعر في الحكميات وفي امور الدين و في رثاء المعصومين او قلنا ان النسبة نسبة تخصص موضوعي وانه ما يرتبط بأشعار الحكمة والدين والدعوة الى الفضيلة وتوثيق الحقائق التاريخية و المنظومات العلمية ورثاء المعصومين عليهم السلام هذه أصلا من البداية لا ينطبق عليها يتبعهم الغاوون وفي كل واد يهيمون ، هؤلاء يرشدون للطريق الصحيحة فلا يهيمون في كل واد ، وبناء على ذلك سواء في هذا التقريب او ذاك تكون النتيجة أن الرثاء في الحسين او اهل البيت عليهم السلام بل الشعر في القضايا الحكمية والعلمية وغيرها مما هو مفيد ولا ينطبق عليه عنوان أن الناس الغاوين يتبعون هذا الشعر بل من ينظم شعرا في الحكمة وفي الاخلاق والدين والاحكام والحسين واهل البيت عليهم السلام انما يتبعهم المهتدون ويتقصدهم الهادفون وانما يذهب ورائه المؤمنون فهو أساسا غير مرتبط بتلك الآيات المباركات.
فإذن ما يرتبط بشعر الرثاء الحسيني ممدوح ومطلوب وفيه الثواب الكثير.
نعم ربما يشير بعضهم ونشير له اشاره عابره وقد يكون لنا فيه تفصيل في الأحاديث اللاحقة.
ربما يشير بعضهم الى موضوع ان الرثاء والنياحة على الميت هي ممنوعة شرعا سواء كانت بالنثر او النظم والشعر، فآنذاك يكون شعر الرثاء غير مطلوب لا لجهة مذمومية الشعر وانما لجهة مذمومية النياحة كما يذهب الى ذلك غالبا اتباع المدرسة السلفية من المسلمين.
ربما بخلاف أكثرية المسلمين من انباع المدرستين: مدرسة الخلفاء ومدرسة اهل البيت عليهم السلام، ربما ينفرد اتباع المدرسة السلفية من مدرسة الخلفاء انهم يمنعون قضية النياحة ومن النياحة الرثاء ونظم الشعر في حق المتوفى بهذا المعنى.
بعضهم لا يفرق بين ان تكون النياحة على الميت بالشعر او بالنثر، ولا فرق عندهم أيضا بين ان يكون النياحة على مسلم او نبي مرسل، مقتضى هذا الامر ان النياحة عندهم غير جائزة وعلى هذا فتاوى صريحة من بعضهم، ولاسيما إذا ترافق مع رفع الصوت كما يقولون، والجواب على ذلك يأتي تفصيلا ان شاء الله.
ولكن باختصار يقال ان ما ورد عندهم من روايات ان النياحة ممنوعة لا تلزم غيرهم لان غيرهم لا يرى صحة هذه الروايات، الامامية لا يرون تصحيح هذه الروايات التي اعتمدوا عليها في المنع عن النياحة على المتوفى لاسيما ان كان من أئمة اهل الدين، بالإضافة لذلك هي محمولة في قسم من الروايات دلالة عليها.
ذلك ان كانت نياحة على المتوفى وتعداد محاسنه مترافقة مع الكذب في تعداد تلك المحاسن وذلك راجع لقول العلماء ان قضية الكذب غير جائزة سواء كان ذلك في رثاء ميت او مدح حي، او مقترنه بالبكاء او غيره، الكذب ممنوع سواء كان بالنثر او الشعر اما إذا خلت منها فلا معنى لتحريمها.
وهناك الكثير من الشواهد على ذلك، منها ما روي عن سيدتنا فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، وقد روي من طريقهم أيضاَ لاسيما في رثائها لوالدها رسول الله صلى الله علية وآله وسلم عندما كانت تنشد هذا الشعر:
أن لا يشمّ مدى الزّمان غواليا
|
ما ذا على من شمّ تربة أحمد
|
صبّت على الأيّام صرن لياليا
|
صبّت عليّ مصائب لو أنهــا
|
وقد نقله الكثير من المحدثين بما لا سبيل الى انكاره ومنهم احمد ابن حنبل صاحب المسند وغيره من المحدثين، وفاطمة الزهراء عليها السلام عندنا نحن الإمامية معصومة وهي سيدة النساء، وعند غيرنا هي في ادني الأحوال صحابية من صحابيات رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يستدلون بفعل صحابة رسول الله ويعتبرون فعلهم وقولهم حجة من الحجج ومثل ذلك ما صنع امير المؤمنين عليه السلام في رثائه للسيدة الزهراء عليها السلام عنما انشد على قبرها:
وكل الذي دون الفراق قليل
|
كل اجتماع من خليلين فرقــة
|
دليل على ان لا يدوم خليل
|
وان افتقادي فاطماً بعد أحمد
|
وغير ذلك مما ورد ونتعرض اليه في وقت لاحق ان شاء الله ، على ان الأصل في كل شيء الاباحة وبعد الطعن في كل تلك الروايات التي رووها وعدم قبولها من الناحية السندية بالإضافة الى إمكانية حملها على الكذب ومقارناتها وحوادثها و مناسباتها ، ولمن أراد التفصيل في ذلك بإمكانه الرجوع الى كتاب العلمين من فقهاء الإماميه : الامام السيد شرف الدين الموسوي رضوان الله تعالى عليه صاحب المراجعات في كتابه المجالس الفاخرة في مصائب ومناقب العترة الطاهرة او كتاب المجالس السنية للإمام السيد محسن الأمين العاملي رضوان الله تعالى عليهما والى غير هذين الكتابين اللذين الفهما الإمامية في هذا المجال ففيها تفصيل كثير.
وبالعكس نخن ارتئينا ان أئمة الهدى عليهم السلام وهم الوارثون لعلوم جدهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ، كانوا يطلبون من الشعراء ان ينشدوا وان ينشؤا وان ينظموا شعرا، بل كان هناك فئات من الناس متخصصة في الانشاد حتى لو لم يكن لديه شعر قوي كان يقرأ قصائد قوية لشعراء اخرين ويقرئها أيضا بالطريقة التي تستجلب الحزن والدمعة كما روى في كامل الزيارات ابن قولويه بسنده الى ابي هارون المكفوف وهو أحد الخطباء والمنشدين الذين كانوا ينشدون شعر الرثاء في مجالس ومآتم ومجتمعات شيعية قال: دخلت على أبي عبد الله الامام الصادق عليه السلام فقال لي: أنشدني، فأنشدته فقال: لا، بل كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره فأنشدته القصيدة المعروفة للسيد الحميري:
امرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكية
فبكى قال: فلما بكى أمسكت أنا، فقال: مر، فمررت
يا أعظماً لا زالت من وطفــــاء ساكبة رويه
وإذا مررت بقبــــره فأطل به وقف المطيـــه
وابك المطهر للمـــطهر والمطهرة الزكيـــــه كبكاء معــولة غــدت يومـاً بواحدها المنــيه
قال: ثم قال زدني قال: فأنشدته:
يا فرو قومي واندبي مولاك وعلى الحسين فأسعدي ببكاك
قال: فبكى وتهايج النساء، قال: فلما أن سكتن قال لي: يا أبا هارون:
من أنشد في الحسين عليه السلام، فأبكى عشرة فله الجنة، ثم جعل ينتقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال: من أنشد في الحسين عليه السلام فأبكى واحداً فله الجنة، ثم قال: من ذكره فبكى فله الجنة.
[كامل الزيارات]
هذا الراوي كان يصف وصفاً ومع ذلك لم يتحمل الامام الصادق ومن معه من النساء ذلك وشرعوا بالبكاء فكيف بحال تلك النساء، وخاصة النساء من بني أسد اللاتي رأين جنائز أهل البيت وجثامين القداسة من أصحابه واهل بيته في يوم الثالث عشر عندما توجهن جهة كربلاء، كأني بهن كما صورهن الشاعر ملا عطية الجمري:
وشفنا جسد مرضوض واتْرَكنا حياره
|
رحنا گصدنـــا المشرعــــــــه وجينا المعاره
|
مگطوع حتى خنصره من چفّ اليمين
|
أوصالـــه كلهـــا امگطّعه وتسطع انــــواره
|
وگلب العدو من شوفته ينْفَت ويذوب
|
بالشّمس مرمي اعْلَه الثرى عريان مسلوب
|
يمّه رضيعه ونظن هذي جثّة حسين
|
مطعون بضلاعه وگلبه ابسهم مصيـــــــوب
|
وكثر الطّعن والضّرب ما غيّر جماله
|
ويمّــــه ولد مثل البـدر جسمه ايتــــــــــلاله
|
الله يســـــــاعد گلبها الفگدت هلثنين
|
ما تنحصى اجروحه امگنطر على شمالــــه
|
مصروع لكن ذبحتـــــــه والله فجيعه
|
وفتّت مرايـــــــرنا بطـل يـم الشّريعـــــــــــه
|
صاحب علَــــم چنّه وسلالة هاشميّه
|
حتّى من الزّنديـــــــــــن چفّينه گطيعـــــــــه
|
ليكمل الصورة الشاعر الشيخ أحمد النحوي :
ملقىً ثلاثــــــــاً في ربى وَوِهادِ
|
ما إن بقيت من الهوان على الثرى
|
زمر الملائك فوق سبع شداد
|
إلا لكـي تقضي عليــــــــك صلاتها
|
|