الحج مناسك ومقاصد(1)
تفريغ نصي الأخت الفاضلة فاطمة قال الله العظيم في كتابه الكريم "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير" آمنا بالله صدق الله العلي العظيم الحج إلى بيت الله الحرام عبادة من أعظم العبادات يتحقق فيها أهداف كثيرة بالنسبة للإنسان في جهة العبادة فقد ذكر العلماء إن هذه العبادة تشتمل على جملة العبادات البدنية والعبادات المالية إننا نلاحظ أن بعض العبادات منظورا فيها إلى الإنفاق المالي كالزكاة مثلا أو الخمس وبعضها الأخر منظورا فيه إلى الحالة البدنية كالصوم والاعتكاف والصلاة وقد جمع في الحج جملة تلك العبادات ففي الحج أنفاق للمال يشترك مع سائر العبادات المالية وفي الحج حركة بدن يشترك فيها مع العبادات البدنية فهو يشترك مع الاعتكاف بنحو ومع الصيام بنحو آخر ومع الصلاة أيضا إذ فيه صلاة هي صلاة الطواف بالإضافة إلى ذلك لو نظرنا إلى المناسك التي يقوم بها الإنسان في هذه الرحلة الإلهية لوجدنا أن هذه المناسك ليس مجرد أفعالا خارجية وإنما هي بعد ذلك يقصد منها إلى تكريس وتحقيق معاني دينية تجلي صورة العبودية في نفس الإنسان تجاه خالقه المنان فأول ما يلج الإنسان في الحج يكون عبر الإحرام والإحرام كما ذكر العلماء هو إدخال الإنسان نفسه في حرمة الله عز وجل وهو حرمانه لنفسه من كثيرا من المباحات التي تجوز في غير صورة الإحرام استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى ولذلك ضمن هذا المعنى يتجرد الإنسان من كل العلائق ومن كل المظاهر ومن كل العناوين ليغدوا عبدا في رحاب الله عز وجل ليس له إلا ما يستر بدنه من قطعتي قماش لا تنتميان إلى عالم المظاهر ولا عالم العناوين ولا عالم المستويات الطبقية أو الاجتماعية هنا أنت ترى أن الجميع يتساوى في كونه عبدا لله يمشي بقطعتين ويتجرد من كل شي إلا من عنوان كونه عبدا مطيعا لله عز وجل قد جاء من فجا عميق لكي يقول لناس أيها الناس أنا عبدا مطيعا لله عز وجل لا فرق بينه في هذه الحالة وبين ملكا أو أميرا أو رئيسا أو كبيرا أو عالما أو طبيب وإنما الجميع هم على هذا الصعيد سوء فإذا تلبس بالإحرام ونادي بنداء التلبية لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك أن الحمدا والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك كأنه يقول لنفسه أنا مستجيب لخط الأنبياء أنا مستجيب لخط الرسالات فإذا كان نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام قد نادي في سحيق الأزمنة أن هلم الحج أي أغدوا إلى الحج تعالوا إلى الحج فيأتي هذا الإنسان بعد آلاف السنين من ذلك النداء لكي يقول لبيك يا الهي لبيت لك دعوتك التي دعاء بها نبيك إبراهيم عليه السلام وأكدها رسول الله صل الله عليه وآله يدخل ضمن حالة الاستجابة والتلبية ولا ريب أن استجابة الإنسان لنداء بعيد زمانا ومكانا هو أعظم في أبراز الطاعة من استجابة لنداء حاضرا فعليا قبل آلاف السنين نبي من أنبياء الله نادى وبعد آلاف السنين أنت أيها الحاج تلبي ذلك النداء وتلك الدعوة فتدخل في حرمة الله حارما نفسك من كل شيء من تروك الإحرام التي قررت وهي لولا الإحرام كانت مباحة لك ها أنت تغدو أشعث أغبر لا تنظر إلى نفسك في المرآة وإنما ينبغي أن تنظر إلى ربك وإلى تنظر إلى بيته الحرام فالنظر إلى بيت الله عبادة وها أنت تأتي متجرد عن النظر إلى الذات والتمحور حولها هذا البدن الذي كنت تسهر عليه ويضغط عليك ويكلفك بكل شيء من أجل صيانة ورعياتة وتدهينه وتمشيطه وتنظيفه وكذا هاأنت لفترة من الزمان تتخلى عن هذا البدن وتحاول أن لا تلتفت إلى هذا النداء بمزيد من الرفاهية وإنما تهمل هذا النداء فتغدوا في تلك الرحاب أشعث أغبر ليس عليك ما يواريك إلا هذا إلباس المعهود في الإحرام فإذا أنهيت عمل الإحرام توجهت إلى مكة المكرمة لتبدأ أول أعمال عمرة التمتع وهو الطواف ببيت الله عز وجل لكي تقول أن مركز حياتك هو بيت الله هو أمر الله هو ما يقرره الله وهو المركز في الدائرة وأنت تطوف حولها كما يطوف كل الكون طاعة لله عز وجل تستجيب لله في هذا الطواف كما تصنع الأفلاك الدائرة والمجرات الكبرى والمدارات العظيمة وبنفس الحركة التي تدور فيها أصغر الأشياء كما هو الحال في الذرة كما يذكرون إلى أعظم الأشياء وهي المجرات الكبرى حيث الكل يدور باتجاه اليسار حول مركزا من المراكز أنت أيضا في تلك اللحظة تصور تلك اللحظة أن العالم كله يدور في حركة دائرية إلى جهة اليسار بعضها تكوينا كما هو في الذرة والمجرة وبعضها اختياريا تشريعا كما هو الحال في حاج بيت الله الحرام لكي يقول أنا أنسجم مع هذا الكون إذا قال الله لسماء والأرض أتيا طوعا أو كرها فأتت السموات وأتت الأرض طائعة فأنت أيضا تقول أنا أتي بنفس الحركة وفي نفس الاتجاه لكي أطوف حول بيت الله الحرام سبعة أشواط حتى يكرس الإنسان في نفسه حالة العبودية لله وأن حياته تدور حول محور ومركزا هو الله سبحانه وتعالى وحيث لا يمكن تجسيد الله عز وجل كان هذا البيت الشريف رمزا لدوران حول منهج الله سبحانه وتعالى وسنة الله ودين الله تنتهي من ذلك وتصلي ركعتي الطواف إذا كانت الطواف تحية الكعبة وتحية البيت الحرام وهو حركة بهذا الاتجاه فأن الصلاة لما كانت عمود الدين وفيها يتجسد الخضوع ركوعا وسجودا في هذه الحركات كان لابد أن تتمم هذا بمثل هذا الأمر بعدها تتوجه إلى السعي إلى بيت الله السعي بين الصفا و المروة والذي أصبح الآن في داخل البيت على اثر التوسعات وان لم يلحقه الحكم الشرعي المسعى لا يلحقه الحكم الشرعي المعهود من عدم جواز دخول الجنب والحائض إلى بيت الله الحرام هذا لا يشمل منطقة المسعى فيمكن للمرأة التي هي غير طاهرة مثلا أن تسعى بين الصفا والمروة لأنها ليست داخل البيت وذلك في بعض الصور التي يذكرها الفقهاء هاهو الإنسان يسعى بين الصفا والمروة لكي يجسد في نفسه قيمة السعي في الحياة قيمة الحركة في الحياة لأنه دين الله لا يصاب إلا بالحركة وبالسعي ولأنه الدنيا والتقدم وأعمار الأرض أيضا لا ينال إلا بالسعي والحركة ولأنه الرزق لا يمكن الحصول عليه إلا بالحركة والسعي بل جعلت هذه الأرض ذ لو لا مهيأة ممهدتا لهذا الإنسان لكي يمشي في مناكبها ويسعى في أطرافها حتى يأكل من رزق الله عز وجل السعي بين الصفا والمروة يعلم الإنسان قيمة السعي وينبغي أن يعلم الأمة أنه لا شيء يحصل بالتمنيات ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب وإنما القضية أن من يسعى من يتحرك من يعمل من ينشط هو الذي يحوز على رزق الله على درجات الجنة في الدنيا والآخرة لا شيء يتحقق إلا بسعي هذا الإنسان هذا ما ينبغي إن يعلمنا إياه السعي بين الصفا والمروة الحج مناسك ومقاصد أفعالا ومعاني لابد أن يتوجه إليها الإنسان وإلا إذا عمل تلك المناسك يثاب على هذا الأمر لكنه لو لم يفهم حكمتها وإبعادها لم يحقق في نفسه كل أثار الحج وللحديث عن بقية مناسك الحج تمتمة حديث يأتي أن شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين |