تفريغ نصي الفاضلة زهراء محمد إن السفر هو من المواضع التي يُمتحن فيها بناء الإنسان الأخلاقي فإن السفر بما يحتوي من أوضاع مختلفة وقضايا متعددة وظروف متغيرة تجعل الإنسان أمام امتحان في أخلاقياته وقدراته، وسفرة الحج هي من تلك الرحلات خصوصاً مع احتوائها على عدد متنوع من الأعمال والمناسك والأفعال، ولأن الإنسان في هذه الرحلة يكون شريكاً مع الآخرين يستطيع من خلالها أن يكتشف نفسه اكتشاف تام وأن يتعرف على مواطن الضعف ومواطن القوة في شخصيته. *بعض النصائح لرحلة وسفر نافع ومُنتج في المجالين الديني والدنيوي... 1/ أبدأ سفرك بالصدقة سواء أردت الخروج في يوم من الأيام المستحبة أو في يوم من غير الأيام المستحبة ففي هذا ورد توجيه من أهل بيت العصمة عليهم السلام وهو حاكم على بقية الأحاديث حاصله: (تصدق واخرج أي يوم شأت) وبالرغم من وجود كراهة للسفر في بعض الأيام وذلك بحسب ما ذهب إليه بعض العلماء مُستفيدين من عدد من الروايات إلا أن الإنسان لو تصدق فإن هذه الصدقة تدفع ما يمكن أن يترتب على الأيام المكروه من آثار. إذاً فليبدأ الإنسان سفرة بالصدقة وبتسليم أمره لله والدعاء بأن يكون الله هو صاحبه في السفر وأن يكون خليفته في أهله مثلما كان يدعوا رسول الله صلى الله عليه وآلة كما ورد ذلك في سيرته أنه كان يقول:( اللهم أنت الصاحب في السفر وأنت الخليفة في الأهل) وقد أكلمها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (ولا يجمعهما غيرك فإن الخليفة لا يكون مُصاحباً والصاحب لا يكون خليفة) أي من يكون رفيقاً في السفر لا يمكن أن يكون خليفة على الأهل وباقي معهم ومن يكون خليفة على الأهل وراعي لهم لا يمكن أن يكون صاحب ورفيق في السفر إلا بالنسبة لله عزّ وجل فهو صاحب في السفر للمسافر وهو راعي وخليفة على الأهل في أماكنهم ولا يجتمع هذان الوصفان في أحد غير الله عزّ وجل. 2/لتكن لديك مروءة في السفر حيث أن تعبير المروءة يُطلق على حزمة من الصفات والمروءة كما ورد في الروايات مروءتان مروءة في الحضر ومروءة في السفر وعلى الحاج المسافر والحاجة المسافرة أن يتوجهوا لمروءة السفر التي يوضح معناها رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم بقوله: (بذل الزاد وحُسن الخُلق والمزاح في غير المعاصي) أي أن الانسان في سفره يكون على أخلاق عالية كما يكون صاحب مُزاح لا بالكذب ولا بإهانة غيرة ففي بعض الشخصيات تجد من يُسيء خُلقه ويغضب لأقل الأسباب ويُستفز وينفعل لمجرد نقص بعض الأشياء البسيطة ويُعلل ذلك بتعب السفر ويُعتبر هذا الفعل مُخالف للمروءة وعلى العكس من هذه الشخصية تجد من يُشيع البهجة والضحكة ويُبدد الشعور بالتعب والغضب عبر الممازحة والنكتة ومن المروءة أيضاً بذل الزاد أي لا يكون الإنسان بخيلاً وقابضاً ليده لاسيما في سفرات السنين الماضية حيث أن المسافر يذهب وزاده بيده وكان البعض يحجب ذلك الزاد عن الآخرين والبعض يبذله لهم ففي الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ( بذل الزاد وقلة الخلاف على من صحبك وكثرة ذكر الله عزّ وجل في كل مصعد ومهبط) فليكن الإنسان صاحب خُلق رفيع ولا يكن مُثيراً للمشكلة ولا يكن سلبيا ومُتشائماً ولاسيما في مثل سفر الحج حيث أن هذا السفر سفر إلهي ديني بل روي عن رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم أنه كان في سفر حج فنادى من كان سيئ الخلق فلا يصحبنا، لأن سيء الخلق يمتد تأثيره على غيره فيُثير جو من التشنج وسوء الأخلاق على من صحبه ومن كان معه. 3/ أصحب نُظرائك... يتفاوت الناس فيما بينهم من الناحية المادية ومن الناحية الفكرية ومن ناحية التوجهات أيضاً فينبغي على الإنسان بقدر الإمكان أن يصحب نُظراءه حتى يحصل على منافع من خلال ذلك وألا يكون هذا السفر مناسبة للاحتكاكات والجدليات والمشاكل، فلا ينبغي للإنسان ان يتكلف ويقترض لكي يتمكن من الذهاب في رحلة عالية المستوى ووضعه المادي متواضع بل عليه أن يتماشى مع وضعه ونظيره فقد ورد في الرواية عن الإمام عليه السلام أن رجلاً يُقال له شهاب ابن عبد ربه قال: (قلت لأبي عبدالله قد عرفت حالي وسعة يدي وتوسعي على أخواني فأصحب النفر منهم في طريق مكة وأتوسع عليهم فقال: لا تفعل يا شهاب إنك أن بسط يدك وبسطوا أجحفت بهم وإن هم أمسكوا أذللتهم.) أي عندما تقوم بالصرف الكثير فهم لا يستطيعون ذلك فإما أنهم سيضطرون إلى الصرف وبالتالي ستتأثر ميزانيتهم وإما ألا يصرفوا فتكون حالة ذله فيهم فيظهرون بمنزلة أقل منك. يوجه الإمام في هذه الرواية بصحبة النظراء وأصحاب التوجه الواحد من جميع النواحي العامة سواء كانت المادية أو غيرها. 4/ التعاون مع المسافرين معك فهذا يُعتبر مظهر من مظاهر حُسن الخُلق في السفر فلا ينبغي الاعتماد على الخدمات التي تُقدمها الحملة للمسافرين حتى في أبسط الأمور كرفع طبق من مكانه أو ارجاع علبة محارم ورقية إلى مكانها. 5/أحفظ شأن من معك إذا رجعت من سفرك فأنت قد أطلعت خلال هذه المدة من الزمان على بعض خصائصهم وأخلاقياتهم وعرفت منهم مالا يعرفه غيرك فلا تكن مُذيعاً عليهم ومُخبراً بصفاتهم كقول هذا عصبي وذاك مقلد لفلان وذاك فعل كذا وكذا، فلا ينبغي أن يُنشر ذلك على مسمع من أحد لأن فيه عدم حفظ لشأن الآخرين يقول الإمام الصادق عليه السلام: (ليس من المروءة أن يحدث الرجل بما يلقى في السفر من خير أو شر).