سيرة السيدة زينب بنت أمير المؤمنين ح 1
تحرير الأخ الفاضل عبد الأمير الصالحي / العراق
روي عن سيدنا ومولانا علي بن الحسين ( عليه السلام) أنه قال مخاطبا عمته زينب(عليها السلام): وأنت بحمد الله عالمة غير معلمة ، فهمة غير مفهمة ، إن البكاء والحنين لا يردان من قد أباده الدهر([1]) .
من هذا الحديث ننطلق لسيرة الصديقة الصغرى زينب الكبرى ( عليه السلام )
وردت هذه الكلمات في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي [2](أعلى الله مقامه) ، وهو كتاب من اسمه واضح أنه جعل للمناظرات ، نقل فيه مناظرات الأنبياء ومناظرات المعصومين عليهم السلام وبعض مناظرات العلماء .
والغرض منه تعليم المناظِر طرق الاحتجاج وتثبيت الحق .
ولأجل هذا لغرض فإنه لم يهتم بأسانيد هذه المناظرات ،لأنه في المناظرة والاحتجاج المدار ليس على السند وإنما على قوة الحجة ، فإذا عندك برهان قوي ودليل ومعتبر ، ولاسيما إذا كان عقليا ، لا يحتاج ان تسنده الى أحد لأنك تخاطب بذلك العقول .
ولنفرض أن النبي لم يقل هذا الكلام ، ولكنه لدى أهل العقل مقبول ، ولنفترض أن الإمام لم يقل هذا الكلام ، ولكنه بنظر العقل مبرهن ، هذا يكفي .
مثلا ، القران الكريم ينقل (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا )[3] ، فهذا البرهان – فهنا حتى لو لم تأتي آية مباركة ، ولكن نفس هذا البرهان أي وجود الإلهين بنفس الفاعلية ينتهي الى التعارض والتضارب وبالتالي ينتهي الى تدمير الكون وفساده – وهذا برهان واضح سواء جاءت آية بذلك أو حديث بهذا المعنى أو لم تأتي بذلك ، فأي إنسان تعرض عليه مثل هذا الأمر : لو كان هناك مسؤولان في شركة وكل منهما يتصرف بتمام اختياره ويتخذ القرارات من دون انتظار أحد ينتهي هذا وفساده ،فهذا يريد أن يستثمر في شركته بالنفط وذاك يريد أن يستثمر في الذهب ، هذا يريد أن يزيد في الموظفين وذاك يريد عكسه ، فتفسد الشركة .
نفس الكلام في إدارة الكون بشكل أوضح ، ففي مجالات الاحتجاج والمناظرة المدار على قوة البرهان والدليل لا على قوة السند .
ولهذا لم يجد الشيخ الطبرسي في كتابه ( الاحتجاج ) حاجة الى ذكر أسانيد المناظرات والكلمات التي ذكرها ، واكتفى فقط بذكر المقدمة وقال : ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما لوجود الإجماع عليه أو موافقته لما دلت العقول إليه أو لاشتهاره في السير والكتب بين المخالف والمؤالف [4]، وهذا يكفي .
مع ذلك اننا خسرنا بعض الكلمات التي لا ترتبط بالمناظرة سندا ، مثلا هذا الموضوع (أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ) ، فهذا ليس فيه براهين عقلية ، وإنما بيان لبعض صفات العقيلة زينب عليها السلام ، ولو كان لنا سند لهذا الحديث المنقول في كتاب ( الاحتجاج ) لكان أقوى وابلغ في التأثير .
ونحن نحتمل – احتمالا كبيرا- ان للشيخ الطبرسي أسانيد - وقد قال هو ذلك -[5] لكننا لم نعثر عليها الآن ، وكم من الكتب تلفت وكم من الموسوعات ضاعت ولم تصل إلينا .
علي أي حال هي كلمات عظيمة المعنى كبيرة المفهوم قالها الإمام السجاد(عليه السلام) بناء على هذا النقل في حق عمته زينب .
فليكن هذا الكلام الذي فيه مدح وثناء لعقيلة الطالبيين منطلقا للحديث عن شيء من حياتها بما يتسع فيه الوقت .
ولادتها
ولدت السيدة زينب على المعروف في السنة الخامسة للهجرة ، حيث أن الصديقة الزهراء ( عليها السلام) تزوجت أمير المؤمنين بعد العاشرة من العمر حيث كان زواجها مبكرا ، وهذا السن في تلك الأزمنة كان متعارفا في الزواج وكل زمن له عادته وطرقه الخاصة ، وما كان في زمن عاديا يكون في زمن آخر مستغربا ، ولكن كل يقاس بحسب زمنه ومكانه .
وبعد زواج الصديقة بثلاث سنين أنجبت الحسنين ( عليهما السلام )ثم أنجبت بعد ذلك العقيلة (عليها السلام ) في السنة الخامسة للهجرة .
ومن الطبيعي وبعد أول مولودة أنثى تحل على البيت ان يعمّ البيت حالة من البهجة والسرور والاستبشار .
معنى كلمة (زينب )
على اختلاف المعنى قيل انه مركب من (زين أب ) أي زينة أبيها ، وهي كان موجودا قبل تسمية زينب ، او باعتبار أن (زينب) يدل على نبات طيب الرائحة جميل المنظر .
نشأت في بيت أمير المؤمنين(عليه السلام) ، وأدركت شيئا من حياة جدها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، حيث توفي رسول الله في السنة 11 هجرية وهي ولدت في السنة الخامسة فيكون بحدود 5 أو 6 سنوات تزيد او تقصر قليلا قد أدركت من حياة الرسول .
ويظهر أنها كانت تتمتع بذاكرة استثنائية او بذكاء متميز ، نعرف ذلك من خلال روايتها لخطبة أمها الزهراء في المسجد ذلك الوقت بعد وفاة رسول الله سنة 11 هـ ، وزينب بنت 5 او 6 سنين .
والخطبة فيها معاني عميقة جدا ومن حيث الطول ليست قصيرة ومتنوعة المواضيع عقائدية وتشريعية ،وأخبار عما كان عليه العرب قبل الإسلام ودور النبي في ذلك ، وأخبار القرشيين مع أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيها أحاديث عن طريق الاستدلال بالقران الكريم في مواضيع الميراث ، ومواضيع متنوعة ومتعددة غاية البلاغة .
فيأتي احد ويحفظها اما معتمد على حافظة قوية كقسم من الناس الذي تراهم في عمر 5او 6 سنوات يحفظ قسم من القران التي ، قد لا يفهم معانيه، ولكنه يعتمد على ذاكرته ، او معتمد على فهم ما فيها من معان وذاكرته ذاكرة طبيعية وعادية ، ولكن يستعين بفهمه على الحفظ والنقل .
أحد الأسانيد التي ينقلها ابن عباس ينتهي الى العقيلة زينب التي هي نقلت خطبة الزهراء ، وقد ذكر ذلك أيضا صاحب (بلاغات النساء)[6] .
فيتبين ان السيدة زينب اما ان تكون صاحبة ذاكرة قوية او حافظة استثنائية او ذاكرة متميزة أو هما معا .
ونحن نفترض انها في وقت مبكر تحملت مسؤولية أبيها إلى حين تزوجه ، وهناك كلام هل هي وحيدة عند أمير المؤمنين ؟ او لا كان معها أخريات من فاطمة الزهراء ، هناك خلاف بين المؤرخين والنسابة .
احد علمائنا المؤرخين المحققين وهو السيد عبد الحسين المقرم وهو متخصص بما يرتبط في كربلاء وفقيه وعالم ، وله عدة كتب نافعة في هذا الباب ، ينتهي كما يظهر في كتابه ( مقتل الحسين ) [7] الى انه لم تكن هناك الا امرأة واحدة وهي زينب وتلقب (أم كلثوم) ، فإذا سمعنا خطبت أم كلثوم وقالت أم كلثوم ، فهي نفسها زينب الكبرى بناء على هذا الرأي غاية الأمر أحيانا يتحدث عنها باسمها وهو ( زينب ) وأحيانا بكنيتها (ام كلثوم ).
أما الرأي السائد فهوان هناك زينبان ( زينب الكبرى ) وزينب الصغرى ) وكلاهما يكنى بــ( ام كلثوم ) وتارة يتحدث عنها باسمها وزينب الصغرى عادة يتحدث عنها بكنيتها ، ولذلك عند دخول الكوفة يقال خطبت زينب ثم قامت ام كلثوم فخطبت ، مما يفيد هذا شيء من التعدد.
العقيلة زينب في بيت أبيها
تربت في بيت والدها أمير المؤمنين وعاشت مع نساء أبيها في حالة من الانسجام حيث لا نعثر على ما يوجد أحيانا بما يحدث بين النساء وبين بنات أزواجهن ، مثلا بعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله) كانت تبدي ضيقا من وجود السيدة الزهراء ، فكانت ترى أنها تأخذ اهتمام النبي وعنايته ورعايته فكان هذا يضايق بعض نسائه ، واحيانا بالعكس فتاة ابوها تزوج فهي لا تقبل ان تأتي امراة تأخذ مكان أمها فتبدأ بالمضايقة والمناكفة لها .
ونحن لا نعثر في حياة أمير المؤمنين مع تعدد زوجاته ، فقد تزوج أمامه على المشهور بنت العاص بن أبي الربيع الذي كان زوجا لزينب بنت رسول الله أخت فاطمة الزهراء بناء على وصية فاطمة ، وتزوج أسماء بنت عميس ، وخولة الحنفية وأم البنين الكلابية ، وأمراة من بني مسعود الثقفي . فلا نجد حالة من المناكفة وسوء العلاقة بين هذه الزوجات وبنات أمير المؤمنين ( عليه السلام).
وهذا ينبغي ان يكون درسا لمن تحب العقيلة زينب وتتوسل بها وهي تخالف سيرتها في هذا الجانب .
أما بالنسبة الى قضية زواجها – وقلنا في العادة يتم التبكير في تزويج النساء في ذلك الزمان ،وقد خطبت زينب من كبار الرجال بما فيهم من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وهؤلاء كانوا ينتظرون باعتبارها بنت فاطمة وبنت أمير المؤمنين فنعم الصلة به ، وتربيتها في بيئة نظيفة وعالية (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ)[8] ولكن أمير المؤمنين لم يقبل بذلك وزوجها ابن أخيه وزوجته فيما بعد ، وهو عبد الله بن جعفر الطيار بن أبي طالب ، وجعفر كان زوجا لأسماء بنت عميس وأسماء كانت خفعمية ، وقد وردت روايات في مصادر مدرسة الخلفاء ورد ثناء على الاخوات الخثعميات السبعة وأسماء أهداهن ومنهن زوجة حمزة وقد أُثني على أخلاقهن وحسن تبعلهن من قبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) [9].
تزوجها جعفر وكانت من النساء المسلمات المبكرات في الإسلام قيل إنها أسلمت في الخامسة من البعثة ، ثم لما أراد الهجرة الى الحبشة أخذها معه فترة طويلة تقريبا من سبع سنوات قبل الهجرة وسبعة بعدها أي خمسة عشر عاما ،وكان أول مولود ولد في الإسلام هو عبد الله بن جعفر في السنة الأولى من الهجرة ، وعلى هذا يكون عبد الله بن جعفر أكبر من الحسنين بثلاث سنوات أو يزيد على ذلك .
وبعد مجيئ جعفر إلى المدينة الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) كان مشغولا في حرب الخندق ضد اليهود ، أول مافعله جعفر عند وصوله أنزل أهله وذهب الى خيبر مباشرة ، النبي لما وصل إليه جعفر احتضنه وجعفر قبّل بيّن عيني النبي الكريم فقال(صلى الله عليه وآله) مقولته المشهورة (ما أدري بأيهما أنا أسر : بفتح خيبر . أم بقدوم جعفر ؟ )[10] .
ثم أقبل عليه وعلمه صلاة جعفر المعروفة وفيها من الفضل العظيم ،وبعد سنة ذهب إلى (معركة مؤته )[11] واستشهد هناك .
وهذا معنى الذي يقوله أمير المؤمنين " نحن أهل البيت إذا استعر القتال قدم رسول الله أهل بيته وبني عمومته حتى قتلوا في المعارك فمنا حمزة ومنا جعفر الخ وغيرنا - كما تقول الزهراء في خطبتها ( وتتوكفون الأخبار، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال) . [12].
المهم ، لما استشهد جعفر كان لأسماء عبد الله بن جعفر وهو بعمر ثمان سنوات ، وبعدها بفترة قصيرة خطبها الخليفة الأول أبو بكر وبقى معها قريب من خمس سنوات وأنجبت له محمد بن أبي بكر ، الذي أصبح من خلص الإمام أمير المؤمنين( عليه السلام) أنجبته له وهي في طريقها للحج ،وهذا يبّن كيف أنها امرأة ذات عزم وقابلية وقد رفضت العودة وأكملت طريقها مع نفاسها وأبنها ( محمد ) ، فهذا يدلل قوة عزيمتها وإصرارها على تأدية فريضة العبادة (الحج).
بعد هذه الفترة توفي عنها أبو بكر وعندها محمد وعبد الله بن جعفر ولديها أيضا بنت .
وبعد فترة تزوجها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقد ولدت له ولدا توفي وهو صغير واسمه يحيى وتوفي صغيرا .
وهذا يعلم نسائنا على ممارسة المرأة لحياتها الطبيعية بعد وفاة زوجها وقد تزوجت أسماء ثلاث رجال خلال ثمان سنوات وأنجبت ثلاثة أولاد ( محمد، عبد الله ، يحيى )، فزواج المرأة بعد وفاة زوجها او تطليقها أمر مرحب به في الشرع ، وان تعيش ضمن الحالة الطبيعية ولا ينافي هذا الوفاء لزوجها السابق .
وعبد الله هو زوج زينب (عليها السلام) أصبح تحت رعاية أمير المؤمنين(عليه السلام) مثله مثل محمد ابن أبي بكر الذي قال فيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :( محمد ابني من صلب أبى بكر)[13] ، فمن حيث الصلب هو ابن ابي بكر ولكن من حيث التربية والوفاء هو ابن علي ، وقد ولاه فيما بعد على مصر وله أدوار ومواقف وفي معركة الجمل وقف بوجه أخته ، وأرسله مع أخته في طريق عودتها الى المدينة ، حفاظا على حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )..
تربى عبد الله مع الحسنين وصار لصيق معهما بحكم تقارب السن ( الفارق لجعفر سنة او سنتين ) وكثير من الروايات في كرم الحسن والحسين مصدرها أو متضمنة في قصصها عبد الله بن جعفر ، وخروجهم في الحج ، ودخولهم في مواجهة الخط الأموي ، فكان ضمن هذا الإطار وإطار تربية أمير المؤمنين( عليه السلام) ، لذلك لا يمكن الركون الى رواية أن أمير المؤمنين اشترط على عبد الله بن جعفر انه أذا زوجه زينب اشترط عدم الممانعة في خروجها مع الحسين(عليه السلام) ، فلا لا داعي له لان جعفر تربية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفي بيته نشأ ومن علمه تربى ، ولا نعتقد ان هناك حاجة لهذا الأمر ، فعبد الله يعرف حق الحسنين تمام المعرفة ، وكان في كثير من الموارد بالرغم من سعي الأمويين لإبراز شخصيته على الحسنين ، فكان يقول بعد استشهاد أمير المؤمنين ( عليه السلام )( سيد بني هاشم الحسن ) وبعد استشهاد الحسن كان يقول ( سيد بني هاشم الحسين ) .
معاوية كان يتحدث معه فيقول له : ماكان أبوك بأدنى من أبيهما ولا أنت أدني منهما . فقال كلا هما ولدا رسول الله وأنا خاضع لهما ومطيع .
وكان مشهورا في العمل التجاري كان ناجحا .
وذكر ذلك بعض المؤرخين ان ذلك من دعاء الرسول ( صلى الله عليه وآله ) عندما مرّ النبي بعبد الله بن جعفر وهو صغيرا يصنع شيئا من طين ، فقال: فقال له الرسول ما تصنع بهذا؟ قال: أبيعه، قال ما تصنع بثمنه؟ قال: أشتري به شاة ، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): " اللهم بارك له في صفقة يمينه)[14] فكان يجد التوفيق بدعاء النبي وكان ثرّيا ولديه العقلية التجارية .
زواج عبد الله بن جعفر من العقيلة زينب
تزوج زينب وعاشوا في المدينة حتى تولى الإمام علي الخلافة الظاهرية فالتحق به عبد الله بن جعفر كما الحسنين ، كمساعد ويمين لأمير المؤمنين ( عليه السلام) حتى قيل في أيام خلافة أمير المؤمنين، كان هناك أحد كبار الدهاقين [15] لديه قضية ما عند الإمام أمير المؤمنين ، فسأل من هو القريب من علي ؟ فقيل له أبناؤه وعبد الله بن جعفر فجاء الى عبد الله ، وقال له قضيتي كيت وكيت ، فأنجز له ما أراد وتحدث في أمره مع أمير المؤمنين(عليه السلام) فأقر وأجاز له الإمام .
فأراد هذا الدهقان إكرام عبد الله بن جعفر بمبلغ ( 40 ) ألف درهم ، فرفض عبد الله بن جعفر، وقال : إنا إذا عملنا الخير والمعروف لا نأخذ عليه أجرا ، فهذه مساعدة وخير من مسلم لمسلم ورفض قبول المبلغ .
وكان يلقب ببحر الجود وبحر الكرم ، قال له أحد أصحاب رسول الله سينفذ مالك ، فرد قائلا : ( الله عودني عادة وأنا عودت نفسي عادة فان منعت عن عادتي أخشى ان الله يمنع عادته )، يريد بذلك الله عودني على ان يعطيني وأنا أعطي الناس .
في حرب الجمل وخروج أمير المؤمنين( عليه السلام) لمقاتلة المتمردين ، وهو راجع بدل ان يذهب الى المدينة قرر اتخاذ الكوفة عاصمة له[16] . ولم يكن قد اتخذ ذلك وهو في المدينة ، ولكنه قرر ذلك بعد القضاء على التمرد في البصرة ، فنزل في الكوفة ومعه أهل بيته وبنو هاشم .
وأعلن إن الكوفة عاصمته وبقي معه أهل بيته وأصحابه المقربون ، ومنهم زينب وزوجها وكان لها دور علمي في الكوفة وتعليمي وتربوي ذكروا منه جانب القران ، ففتحت درسا في تعليم القرآن .
زينب المعلمة
وكان في ذلك الزمان يقتضي ان يحضى معلم القران ان يكون محيطا بجميع العلوم وليس كما هو الآن كيفية القراءة فقط وأحكام التجويد والمقامات .
لكن في تلك الفترة أوسع من ذلك فلابد أن يكون محيطا بالعقائد والعلوم والتاريخ والأخلاق ومضامين الآيات والقصص القرآني ، فهي ( سلام الله عليها كانت محيطة بهذا كله ، وهو أحد معالم الحديث ( أنت عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة ) .
يقولون في الأخبار سألها أمير المؤمنين( عليه السلام ) ماذا تدرسون واين توصلتم ؟ فقالت : الى سورة مريم ( كهيعص ) - وهذا بحث الحروف المقطعة بحث طويل وله حديث - ، فقال أمير المؤمنين : أتعلمين تأويل ذلك .
فقالت ماهو يا أمير المؤمنين "ولدينا هنا تفسير وتأويل فالتفسير معرفة المعنى الظاهري للآية ، أما التأويل فيدخل في بطون القران والقضايا الخارجية " فاخذ يحدثها ان من بطون هذه الكلمات المباركات قضية كربلاء ، وهي تنقل الى مثل هذا الى من يتعلم منها القران الكريم .
كانت محل احترام وحفاوة فهي بنت خليفة المسلمين ، ومن جهة وبنت فاطمة الزهراء ، وفوق ذلك هي معلمة للقران وعارفة بأحكامه ومدرسة لما يرتبط به .
لذلك كانت محط العناية والاحترام الحفاوة من قبل نساء الكوفة وجمع من النساء .
فهذا دخول لها وبقاء لها في الكوفة مكرم معززة ، ولكن لها يوم آخر تأتي به الى الكوفة ذليلة أسيرة في ذلك الركب بعد أن قتل أهلها وولدها وأخوتها وهي إلى ذلك غير مستورة وغير مجللة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٣١ .
[2] . أبو منصور، أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، من علماء الإمامية، فقيه ومحدث وثقة. توفي نحو(560 ) للهجرة. له أقوال وفتاوى نقلها الفقهاء في كتبهم. عاصر الخواجة نصير الدين الطوسي، والفضل بن الحسن الطبرسي.
[3] . الأنبياء -22- .
[4] . المقدمة ج1، ص 4 .
[5] . المقدمة .
[6] . كتاب «بلاغات النساء» لأبي الفضل أحمد بن أبي طاهر الملقب بابن طيفور (توفي ت 280 ه) ، وقد جمع فيه مؤلفه مآثر من (بلاغات النساء وطرائف كلامهن وملح نوادرهن وأخبار ذوات الرأي منهن وأشعارهن في الجاهلية وصدر الإسلام)، وهو أقدم كتاب أدبي مختص في بلاغة النساء .
[7] . مقتل الحسين عليه السلام ، السيد عبد الرزاق المقرّم ، ج 1 ص 310 .
[8] . سورة النور - 36-
[9] . انظر في تفاصيل ذلك ، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني: ج 4، ص ٢٣4 .
[10] . راجع السيرة النبوية لابن هشام ،ص 359.
[11] . أول معركة التقى فيها جيش المسلمين بجيش الروم ، وذلك في السنة الثامنة للهجرة ، وكانت بسبب مقتل رسول رسول الله الحارث بن عُمير الأزدي من قبل عامل قيصر الروم على أرض الشام شرحبيل بن عمرو الغساني.
[12] . الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) - السيد جعفر مرتضى - ج ٦ - الصفحة ١١٨، وراجع في خطبتها ( عليها السلام ) اللمعة البيضاء - التبريزي الأنصاري - ص ٦٢٢ .
[13] . شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، ج ٦ ،ص ٥٣ .
[14] . بحار الأنوار - العلامة المجلسي ، ج ١٨ ،ص ١٧.
[15] . الدهقان ، هو الذي يمتلك الأراضي الزراعية الواسعة .
[16] . كان ذلك في اليوم الثاني عشر من رجب سنة ست وثلاثين من الهجرة . |