العهد القديم ماذا حرف منه وماذا سلم
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 9/9/1437 هـ
تعريف:

9- العهدُ القَدِيم ماذا حُرِّفَ وماذا سَلِم؟

كتابة الأخ الفاضل علي جعفر الجمريّ

 

"فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ"[1]

حديثنا -بإذن الله تعالى- يكون حول موضوع: ما سلم من التَّحريف في العهد القديم وما حُرِّفَ بالفعل. وَنُقَدِّمُ لذلك بعض المقدِّمات:

المقدمة الأولى: إنَّ الذي يقوم بتحريف شيء، أو يغش فيه، لا يفسده بالكامل؛ لأنَّه لو فعل ذلك لما أخذه منه أحد، لاحظ مثلاً: في البيع لو أراد أحدٌ أن يغش فإنَّه لا يجعل البضاعة كلها تالفة، وإلاَّ لم يشترِ منه أحد، وإنما يخلط فاسدًا بصحيح، وآنئذ يسوق هذه البصاعة. التَّحريف أيضًا، فلا يأتي أحد ويغيِّر كل شيء، ولكن يبقي شيئًا ويُفسِدُ شيئًا ويختلط الأمر على القارئ فيأخذ كل شيء، والتفسير في الكتب السَّماوية هو من هذا النوع، خلط الباطل مع الحق، وكتابة البشر مع أصل الوحي الإلهي ما صح من الأحكام والعقائد مع ما انتحله واصطنعه الكتبة الكاذبون، وهذه هي المقدمة الأولى.

المقدمة الثانية: إنَّنَا نحتاج لمعرفة الأشياء بمقياس الآن في معرفة الأطوال، لا بد بمعرفة القياس إمَّا بالسنتيمترات أو الكيلومترات أو ما شابه ذلك، فلا بد لك من مقياس ثابت تعرف هذا أكبر وهذا أصغر، كذلك لكي نعرف ما حصل من التحريف في بعض الكتب السماوية لابد لنا من مقياس ثابت أشبه بالمسطرة نضعها على هذا المكان فتقيس لنا المسافة بالضبط، نحتاج لمقياس ثابت صحيح كالقرآن الكريم الذي حفظ من التغيير والتبديل حتى على مستوى الحرف الواحد؛ لكي نقيس عليه ما جاء في الكتب السماوية الأخرى، فهذا القرآن أشبه بالمسطرة يعين الصحيح من الفاسد، لذلك لابد أن نرجع للقرآن الكريم والأصول الإسلامية حتى نقيس ما جاء في التوراة والإنجيل وأمثالها من الكتب على ما جاء في القرآن الكريم، وهذه مقدمة ثانية.

المقدمة الثالثة: هي أننا في هذا المقام لابد أن نقدر جهود كل الذين عملوا من المسلمين عملاً مُهِمًّا، صَغُرَ أو كبر، وكان يؤدِّي إلى حفظ القرآن الكريم بنوعٍ من أنواع الحفظ، الخطاط الذي يكتب القرآن الكريم هذا يساهم بدرجة من الدرجات بحفظ القرآن الكريم؛ لأنه ينقله من كونه في الصدور فقط إلى كونه محفوظًا على الورق، هذا يُقَدَّرُ عملُه وشغله، والذي يهتم بعلوم القرآن -مختلف هذه العلوم- التي تنتهي إلى حفظ بعض شؤون القرآن الكريم يُقدَّر هذا الجهد فيه، علم القراءات، علم التجويد، علم الإعراب، علم التفسير، الأوجه البلاغية، وكل فرع من هذه الفروع بدرجة من الدرجات ساهمت في حفظ القرآن الكريم.

واللهُ (سبحانه وتعالى) تعهَّد بحفظه: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"[2]، لكن هناك أسباب طبيعية وآليات ساعدت على هذا الحفظ، ولذلك كل من شارك بدرجة من الدرجات في حفظ القرآن الكريم فهذا له فضل من الله (سبحانه وتعالى)، والحفظ الأكبر حفظ المعاني والدفاع عن القرآن، والذي نعتقد أن أوَّل من قام بذلك هو سيدنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وذريته (عليهم السَّلام)، هذا في الدرجة الأولى وكل من ساهم منهم لهم جميعا فضل من الله (سبحانه وتعالى)، هذا على صعيد المقدمات.

 أما حديثنا الأصلي فهو حول العهد القديم وما سلم من التحريف منه وما تم تحريفه في التوراة.

الناظر إلى العهد القديم يلاحظ أنَّ بعض الأحكام الدِّينية بقيت ثابتةً لم تتغير إلى يومنا، وهذا على مستوى تدوينها في هذه الكتب، مثل: حرمة الزنا، فهو موجود في ذلك الكتاب كما هو موجود في القرآن الكريم، وحرمة السرقة أيضًا موجود عندهم كما عندنا، ولكن عندهم أن لا تسرق من أخيك اليهودي، أما إذا كان غيره فله حكم آخر، وحرمة الربا على اليهود أيضًا على اليهود موجودة، وحرمة اللواط والشذوذ الجنسي أيضًا موجودة عندهم وعندنا في القرآن الكريم؛ أي من الأحكام المتفق عليها.

في قضايا الزواج والحياة الزوجية عدد من الأحكام متَّفق عليها، ويتبين أنَّ أصلها واحد، وما جاء في القرآن الكريم: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ"[3]، هذا الزواج من المحارم أيضا موجود عندهم بحرمة ذلك على الإنسان كما هو موجود في الدين الإسلامي، ويضيفون إلى ذلك أيضا حرمة الزواج من زوجة الأخ وزوجة العم، أمَّا نحن فزوجة الأخ بعد وفاته أو طلاقها منه يجوز الزواج منها، وزوجة العم كذلك، وفي موضوع تعدد الزوجات عند اليهود موجود بلا عدد؛ أي ما دامت عندك قدرة اقتصادية فالمجال عندك مفتوح، وعندنا في الشرع الإسلامي محدودة في الدائم بأربع من النساء دون الزواج المنقطع.

أمَّا في الطلاق فعلى خلاف المسيحية لا سِيَّما الكاثوليك فالطلاق عندهم غير جائز، والعقد الذي حدث في السماء لا يمكن خلعه في الأرض، وعندهم العقد أمرٌ سماوي، وهذه من المشاكل الموجودة في المجتمعات المسيحية، أمَّا عندنا وعند اليهود فيجوز الطلاق لا سِيَّما إذا تعسر استمرار الحياة الزوجية، فهذه من الأمور المشتركة بيننا وبين اليهود. وأمَّا ما يرتبط بالأمور العامَّة؛ مثلاً: الساحر عندنا نحن المسلمين يُقْتَل ولا يجوز الذَّهاب إليه ومثل هذا الحكم موجود عند اليهود، فهذه الأحكام مشتركة بيننا المسلمين وبين اليهود. في المأكولات: في الأسماك عندهم يحل أكل الأسماك التي لها فلس، وهذا يتفق مع المذهب الإمامي في موضوع تذكية الأسماك، وليس كل سمك عند الإمامية يجوز أكله وإنما خصوص ما كان له فلس -القشر الذي يكون على السمك- وأن يخرج من الماء، وهذا يتفق المسلمين -خصوصًا الإمامية- مع اليهود في ذلك، سائر المذاهب الأخرى عندها يجوز أكل كل سمك يصطاد من البحر.

أما عندما تأتي إلى موضوع ما طرأ عليه التَّحريف فهو موضوع خطرٌ جِدًّا؛ لا سِيَّما وأنَّ بعضَه وَجَدَ طريقًا إلى عقائد المسلمين، والمشكلة التي وجدت هذه هي؛ لو كان فقط الأمر لديهم، أي عندما يأتي يهودي ويعتقد بالتجسيم فلا إشكال في ذلك؛ لأنَّ الدِّيَانَةَ انتهت صلاحيتُها وأنا المسلم لا حاجة لي فيه، لكن هذه العقيدة إذا تسلَّلت وتسرَّبت إلى بعض كتب الحديث، لا سِيَّما التي لا تحقيق فيها في ذلك الوقت، فهي تؤثر في عامة الناس وفي عقائدهم، دعنا نورد أمثلة في ذلك:

أهم معرفة هي معرفة الله (عزَّ وجلَّ)، وفي الخطبة عن أمير المؤمنين علي (عليه السَّلام) في نهج البلاغة بعد أن حمد الله وأثنى عليه وذكر النبيَّ محمدًا (صلَّى الله عليه وآله) وصلَّى عليه قال: "أول الدين معرفته"[4]. وانظر كيف تعرِّفُ التوراةُ اللهَ (عزَّ وجلَّ)، وانظر تعريف الدين الإسلامي، ستجد هناك فرقًا بين السماء والأرض، بين الرؤية الإسلامية وبين الديانة اليهودية، جاء ذلك في التوراة يقول :"إن الله كان يتمشى في الجنة، فسمع آدم صوت خطاه، فاختبأ منه، فناداه الله: أين أنت أيها الأنسان، فقال آدم: كنت عريانا فسمعت صوت خطاك فاختبأت"، إذا أتيت إلى هذا الكلام ومن المفترض أن التوراة كلام الله (عزَّ وجلَّ) تجد فيها هدى ونور، فأي هدى ونور في هذا الكلام!! "فإن الله كان يتمشى في الجنة" تعني أن الجنة أكبر من الله فاحتوت الجنةُ اللهَ (عزَّ وجلَّ)! هل هذا يُعقل؟ هل يحتوي شيءٌ ربَّنا (سبحانه وتعالى) ويصبح أكبر وأعظم منه؟ وهذا يتسرَّب منه موضوع التَّجسيم في "تحريك خطاه" على زعم قولهم، فهذا ينتهي بنا إلى أنَّ اللهَ (سبحانه وتعالى) جسمٌ يتمشَّى يتحرَّك وعلى هذا المعدل. بعد ذلك، فهذا علاَّمُ الغيوب له مقاليد السماوات والأرض، كيف لا يعلم أن آدم مختبئ وراء الشجرة؟!، هذه ليست الصورة التي جاء بها الأنبياء عن الله (سبحانه وتعالى) الذي ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، والله الذي لا يشبه أحدًا من خلقه ولا يشبهه أحدٌ من خلقه، وهذا الذي ذكرناه موجود في التوراة!.

موجودٌ في التوراة أنَّ الله خلقَ آدم على صورته، وهذا بنفس هذا النَّصِّ موجود في بعض كتب المسلمين مبتور في باب العقائد، يعني أنَّ صورةَ آدمَ تشابه صورة الله (سبحانه وتعالى)!، آدم له أنف فيتبيَّن أنَّ الله له أنف، آدم له عين فيتبين أن الله له عين، آدم له يد فيتبين أن الله له يد، حتَّى زعم بعض الحشويةِ مُنْكَرًا من القول وزورًا فقالوا: "سلوني عن كل شيء لله؛ عينه، رجله، يده، ولكن ما تحت السرة لا تسألوني عنها"، نعوذ بالله، سبحانك هذا بهتان عظيم!.

"إن الله خلق آدم على صورته"[5] هذه مبتورة يفسِّرها كلام الإمام الصادق (عليه السَّلام): "قالوا له ما هذا الحديث؟ قال: إنَّ رجلاً استبَّ مع رجلٍ آخر -يعني سبَّه أو لعنه-، ومر عليهما رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وقال أحدهم للثاني: لعنك الله ولعن من أنت على صورته، فقال: لا تلعن هكذا فإن الله خلق آدم على صورته".

كل الأنبياء على صورة هذا فأنت عندما تلعن من على صورته، فأنت تلعن آدم، وتلعن الأنبياء، وتلعن الصالحين، فلا تقل هذا الكلام.

في موضع آخر من التوراة يذكر: "قال الله لآدم وحواء: إن أكلتما من هذه الشجرة تموتان"، لكن الشيطان -حسب ما هو موجود في تلك التوراة- تَلَبَّسَ في شكل حية وأتى وقال لهم: بالعكس، عندما تأكلون من هذه الشجرة تكونا عارفَين بالخير والشر وتصير قوتكما كقوة الله! فأطاعا الحية أو الشيطان". نعوذ بالله أن يقول الله لآدم وحواء إن أكلتما تموتان، إما أن لا يدري، أو يدري وأنه كذبَ اللهُ عليهم وخدعهم، نعوذ بالله من هذا الكلام!. هل أن الله يفعل هذا الفعل؟ هذا من المفترض لا يأتي في كتاب سماوي يُنسب إلى الله (عزَّ وجلَّ).

وأمثال ذلك ما جاء عندهم: أنَّ الله عندما خلق السماوات والأرض في ستة أيام تعب فعطَّل في اليوم السابع واستراح!، ولذلك عندهم من الإجبار التعطيل يوم السبت، ولكنَّ اللهَ (سبحانه وتعالى) ( لا تأخذه سِنَةٌ ولا نوم )، ( وما مسَّنا من لغوب) ( ولم يعيَ بخلقهن ) .

هذا بعض ما جاء عن الله (سبحانه وتعالى) في التوراة ممَّا لا يتفق مع الرُّؤية الصحيحة في معرفة أهم العقائد في الدين، وهي معرفة الله (عزَّ وجلَّ).

نذهب إلى العقيدة في الأنبياء نحن المسلمون، ونعتقد بالأنبياء "أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ"[6]، و"... كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ"[7]، نقول: "نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ"[8] وغيرها من الآيات، تعال وانظر إلى الصورة التي تُصَوِّرُها التوراةُ للأنبياء؛

صورة النبي لوط:

ولما كبر لوط قالت بنتاه إحداهما للأخرى إن أبانا كبر ولم يخلِّف أولادًا ونخشى أن ينقطع نسله فَلِمَ لا نضاجعه؟!، فسقت الأولى أباها خمرًا فضاجعته في الليلة الأولى وحملت منه، وسقته الصُّغرى خمرًا وضاجعته في الليلة الثانية، وقالتا الآن سيكون لأبينا نسل وذرية!. نسبة هذا الأمر لنبيٍّ من أنبياء الله أنه يشرب الخمر حتى يسكر -والعياذ بالله-، ثم يضاجع بنتيه زنا بالمحارم، وتحمل البنتان منه!، وإذا حملت الأولى يعني انتهى الأمر فلا يوجد بويضات حتى تحمل الثانية، فكيف يكون ذلك؟ لكن الكذب إذا صار من كل الجهات فهو باطل وخاطئ، أين هذا التصوير من الصورة التي يقدمها القرآن الكريم لأنبياء الله تعالى، هذا لوط تكلموا عنه بهذه الطريقة.

صورة النبي نوح:

أن نبي الله نوح غرس كَرْمًا -عنب- وصنع خمرًا، فسكر فاضجع وبدت عورته، فجاء ابناه سام ويافث وغطَّيَاه، ولكن ابنه حام والد كنعان لم يفعل ذلك، فحكم عليه بالطَّرد واللَّعنة الأبدية. ما هذا الكلام الذي ينسب للنبي نوح (عليه السلام) والعياذ بالله!.

صورة النبي داوود:

وأما عندما نأتي لنبي الله داوود يقول المرحوم الإمام البلاغي: "هذه القصة التي ينقلونها عن النبي داوود لا تليق بأشد المتهتِّكين دينيًّا، فكيف بنبي الله داوود الذي تحقق النصر علي يديه لهم أيضا؟ "وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ"[9]". يذكرون في الإصحاح الحادي عشر: أن داوود كان في سطح داره، فرأى امرأة أوريا الحثي وكانت امرأة جميلة، تغتسل، وكانت ليس عليها ثياب، ورآها جميلة جِدًّا، فلما رآها طلبها أن تأتي إليه. وأوريا أحد القادة المخلصين لنبي الله داوود، والآن هو خارج في معركة، فطلب -بزعمهم- داوودُ النبيُّ أن يؤتى إليه بهذه المرأة، فجاءوا -بزعمهم- لها إليه، وواقعها وهي ذات زوج في تلك الليلة، وحملت منه، بعد أيام رجع بعد ذلك أوريا زوجها، فأرسلت إلى داوود: إنها حامل، وسألته ماذا نفعل الآن، فقال لها: أنا أتدبر الأمر، فأمر أن يؤتى إليه بأوريا زوجها إليه، فجاء إليه وأعطاه داوود كتابًا أن ترجع فورًا إلى المعركة، وهذي رسالة مهمة للقائد العسكري، وهو يقال عنه رجل مؤمن مطيع فرجع إلى المعركة، في الرسالة تلك طلب داوود أن قدموا أوريا في مقدمة المعركة والقتال وإذا انتهيتم من المعركة أدخلوا به إلى معركة ثانية وثالثة والغرض من ذلك أن يُقتل!، وبالفعل هذا الذي حدث -كما يزعمون- استصفى داوود امرأته وحملت منه وولدت له، ويقول بعضُ الشُّرَّاح: أن ذلك الولد هو سليمان -والعياذ بالله-!. انظر إلى تلك الشناعة التي لا تتحمل، فالقرآن الكريم يقول :"وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ"[10]، أيهما نصدق هذا الهراء الباقي الموجود في التوراة أم هذا النور الذي في القرآن الكريم.

وسليمان أيضا لم ينجُ منهم، والعجب في ذلك أن يعتبروا داوود وسليمان من الأعاظم عندهم، لا سيَّما وأنَّ سليمان بنى لهم مملكة عظمى، قالوا :"إن سليمان كان ميَّالاً للنساء ويحب النساء كثيرا"، وأنا لا أستبعد أن ما هو موجود في بعض كتب المسلمين بأنَّ سليمان كان لديه أكثر من ألف امرأة وفي كل ليلة يطوف عليهم يشم منه... إلى آخره مما هو موجود في التوراة هو موضوعٌ من اليهود. يقولون -بزعمهم-: "إلى الحد الذي كان لحبه للنساء تزوَّج بالمشركات فأمَلْنَ قلبَه عن الله (عزَّ وجلَّ)!، وطلبن منه أن ينشئ لهم أصنامًا لآلهتهم، ففعل ذلك لهنَّ، أيضًا وعطَّل بعضَ الأحكام الدِّينية لأجلِهِنَّ!". هذه صورةٌ لنبيٍّ من الأنبياء الموصوف في القرآن بأنه "نِعْمَ الْعَبْدُ"!، الذي يخاطَب من الله (عزَّ وجلَّ): يا سليمان يا سليمان في سورة النمل، وإنها تحدَّثت عن تعظيمه وإكرامه، وكذلك في باقي السور، هذه صورة عن الأنبياء في التوراة الموجودة عندهم.

في ما يتعلَّق بيوم القيامة أشار العلاَّمة البلاغيَّ -وهو متتبع دقيق النظر- قائلاً: "لا نجد في التوراة ما يتحدث به عن يوم القيامة"، فهذه الدِّيانة السماوية تهتم بأمر الإنسان لمئة سنة -على سبيل المثال-، وإنَّ الآخرة لهي الحيوان، أي الحياة الحقيقة الخالدة المستمرة هناك، فكيف لا تذكرها؟!، لا جنة ولا نار ولا ميزان، أين ملف الآخرة في التوراة؟!، لاحظوا القرآن الكريم كم تحدث عن الآخرة؛ مشاهد الحشر ومشاهد النعيم ومشاهد العذاب، وإلى آخره من الحياة الآخرة، ثم لا نجد شيئا عنها في التوراة!.

تحريفات التلمود :

هذا بالنِّسبة للعقائد في العهد القديم والتوراة، وأمَّا إذا ذهبت للتِّلْمود؛ وهو من الكتب المتأخرة، وليس له نفس القَدَاسة التي توجد في التَّوراة، ولكنَّه يُدَرَّسُ في المدارس اليهودية، وهو جزءٌ من الثَّقافة الدينية، وهذا الكلام فيه أشبه بالطَّرائف من الثقافة الدينية، ومما ورد فيه: "أن الله ليس معصومًا، فقد يخطئ ويندم -مثل: الذي حصل في السَّبْي البابلي أن الله حزن وتندم!-، وأنَّ آدم من الطول بحيث إذا وقف رجله في الأرض ورأسه في السماء!، فلمَّا عصى نقص إلى أن رجع لإنسان طبيعي"، وأمثال ذلك أيضًا: "أنَّ الله مقسم يومه، والليل ليس عنده شغل، ولكن يراجع التلمود مع الملائكة، وأما في النهار مقسمة إلى 12 ساعة؛ ثلاث ساعات منها يطالع الكتب، وفي الثلاث الساعات الثانية يحكم بين الناس، وفي الثلاث الساعات الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاث الساعات الأخيرة يلاعب الحوت -نعود بالله من ذلك!-". هذا الهراء يبين كيف كانت جريمة الذين كتبوا الكتاب بأيديهم: "ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ"[11]، أخذوا ليشتروا به ثمنًا قليلاً، أخذوا بذلك أموالاً، وهذا يجعل الإنسان يحمد الله سبحانه على أن جعل ديانته محفوظة بقرآنٍ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ونقول بأعماق قلوبنا وملئ أفواهنا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، شكرًا لك يا ربِّ على أن تكفَّلتَ بحفظ القرآن الكريم، حتَّى أصبحنا اليومَ نقرأ في هذا القرآن الكريم بالنَّحو الذي نزل على سيِّدِ الأنبياء محمد (صلَّى الله عليه وآله)، حفظ في الصدور بالكتابة، وحفظ بالدفاع عنه، وحفظ بتطبيقه, وحفظ من الظالمين بألاَّ يتجاوزوا عليه وعلى شريعته وعلى أحكامه. وذلك بتضحية أئمة الهدى في مواجهتهم وها هو الحسين (عليه السَّلام) يقوم بقيامه على أن يحفظ القرآن، وفي لقطةٍ تعبيريَّة نادرةٍ ورأسه على ذلك الرمح وهو يتلو آيات القرآن الكريم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] البقرة: 79

[2] الحجر: 9

[3] النساء: 23

[4] من الخطبة الأولى في نهج البلاغة.

[5] والرِّواية كما في عيون أخبار الرِّضا: حدَّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا على بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن على معبد، عن الحسين بن خالد قال: قلت للرِّضا (عليه السلام): يا بن رسول الله (ص) إنَّ النَّاس يروون: إنَّ رسول الله (ص) قال: إنَّ الله (عز وجل) خلق آدم على صورته، فقال: قاتلهم الله لقد حذفوا اول الحديث، إنَّ رسول الله (ص) مر برجلين يتسابَّان فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال (ص) له: يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك؛ فإنَّ الله (عز وجل) خلق آدم على صورته.

[6] الأنعام: 90

[7] الأنعام: 85

[8] ص: 30

[9] البقرة: 251

[10] ص: 30

[11] البقرة: 97

[12] النور" 24

[13] فصلت: 21

مرات العرض: 3376
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2559) حجم الملف: 56095.96 KB
تشغيل:

صحف النبي ابراهيم وشريعته
الحاجة إلى الدين في عصر العلم