شرح دعاء الافتتاح 15
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/10/1435 هـ
تعريف:

شرح دعاء الافتتاح (15)

تحرير الفاضلة  سلمى آل حمود

بسم الله الرحمن الرحيم والصَلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين أبيْ القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينْ جاءت في دُعاء الافتتاح هذه الفقرات: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي، وَبَهْجَةٍ مونِقَةٍ قَدْ أَرانِي، فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً.الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ، وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَضَعُ المُسْتَكْبِرِينَ، وَيُهْلِكُ مُلُوكا وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ .الحَمْدُ للهِ قاصِمِ الجَبَّارينَ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ، مُدْرِكِ الهارِبِينَ، نَكالِ الظَّالِمِينَ، صَرِيخِ المُسْتصرِخِينَ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ، مُعْتَمَدِ المُؤْمِنِينَ.)(1)،هذا هو ربنا سبحانه وتعالى.

يقترب  هذا الدعاء الكريم من تعداد النعم التي أنعم الله بها على الإنسان بشكلٍ مباشر، فإذا كانت نعم الله على الإنسان متعددة  وهي أيضاً تعود على الإنسان ويستطيع هذا الإنسان أن يسخرها لنفسه، فإن هناك من النعم م اهو مُباشر بالنسبة لك أنت، ولي أنا خطٌ واصلٌ مباشرٌ بين الله سبحانه وبينك أنت وبيني، فهذا ما يتحدّث عنه الدعاء (الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ). إننا نجد في هذه الدنيا، أنّه كثيراً من الرؤساء والملوك والعظماء، لا يستطيع الإنسان أن يُخاطبهم بشكلٍ مُباشر، ولا يصل إليهم، وإذا وصل إليهم لم يستجيبوا له بطريقةٍ مباشرة وإنما يضع هذا الرئيس وذاك الكبير حاجباً بينهم وبين الناس، وبعد الحجب حاجبٌ، و حاجب حاجبه مُحتجب، حتى إذا وصل هذا الإنسان بطريقةٍ من الطرق إلى هذا الطرف، فإنّ عليه أن ينتظر المجهول لكي يأتي أو لا يأتي جوابٌ، و إذا جاء الجواب فهل يأتي بالإيجاب أو بالسلب؟! هذا مع أنّ عظمة هذا الإنسان ومُلك هذا الإنسان، و كِبر هذا الإنسان ليس إلا شيئاً بسيطاً محدوداً من حيث الزمان والمكان والقدرات. لكن العظيم الذي لا عظيم كعظمته، ولا أحدٌ إلا هو دونه، هذا يعقد بينك وبينه صلة مباشرة فيقول لك: تعال إليّ، أسمعْني صوتك، بل لا حرك قلبك ولو لم يتحرك لسانك، اعقد الصلة المباشرة بين حركة قلبك وبين خضوع  ذاتك، وبين تصورك لذنبك وارسل ذلك في لحظة واحدة في طرفة عين إلى ربك، تجد الله تعالى مستمعاً لك بالذات متلقياً ندائك بالذات (الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ)، حتى إذا وصل صوتك إلى الله، حتى إذا لأرسلت خفقات قلبك إلى ربك جاءك الجواب، ألم يعد الله وهو صادق الوعد في قوله "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"(2) قريب ليس من حيث المسافة، هو أقرب إليك من حبل الوريد، هو مُحيطٌ بك و أنت لا تخلو عنه و أنت لا تغيب عن نظره، فلا توجد مسافة أصلاً وإنما لكي يُقرب لنا المعنى القرآن الكريم، فيقول: " أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ"، (الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ) فهذه نعمةٌ مباشرة.

إن من يكون في دائرةٍ يتكبر على كثير من الناس ألا يُقابلهم بشكلٍ مباشر، ولا يجيب على استفساراته بشكلٍ مباشر وربُ الأرباب و إله الكل يقول لك: أنا استقبل كلامك في أي وقت كنت ليلاً كنت أو نهاراً، سراً كان أو علانيةً، مع اللفظ كان أو بدون لفظ، أنا استقبله و أجيبك أيضاً إجابةً مباشرة. 

(وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ) تصور أخي المؤمن، تصوري أختي المؤمنة ، ولنتصور جميعاً لو أن بعض عوراتنا، بعض سيئاتنا، بعض خطايانا قد انكشفت للأقربين منا، فلو علمت أنت السامع بما أرتكبه أنا من ذنوب لأشحت بوجهك عني ولعاديتني و لاحتقرتني. و أنت أيضاً لو عرف أهلك ببعض ذنوبك، ببعض خطاياك، لما عاشرك الكثير ولما أقبل عليك الكثير ولكن نعمة الله التي أنعم بها على عباده (وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ) ليست العورة المعهودة و إنما المقصود هو النقائص والذنوب التي تعتبر عاراً و عورةً وعيبةً للإنسان ويسترها علينا مع أننا نعصيه. كان من الطبيعي لو أنّ الإنسان أطاع أن يُستر عليه لكن مع كونه يعصيه يستر عليه لكن فهذا تطوّل، وتفضّل، ومبالغةٌ في النعمة الإلهية فلك الحمد، ولك الحمد، ولك الحمد.

(وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي)، فهذه النعم وهذه المواهب والعطايا التي لا أستطيع حصرها ولا عدّ بعضها لكنّها تهنيء قلبي، وتجعل  حياتي هانئةً طيبةً أرغب فيها، أرغب من خلالها في الاستمرار في هذه الحياة (فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي) وحتى لا يضحك عليّ وعليك الشيطان ويقول لي لن تحصل على المنزلة الكبرى، لا بل أنا حصلت على عظيمٍ من المواهب، و أنت كذلك من المواهب الهنيئة التي أعطاني إياها.

(وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي) شدائد وبلايا تدخّل الله تعالى بشكلٍ مباشر فأبعدها عني و أبعدني عنها و حرسني منها وحفظني من الارتطام بها (وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي، وَبَهْجَةٍ مونِقَةٍ قَدْ أَرانِي)غاية ما أصنع أنني أقول الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على كل نعمة، الحمد لله بجميع محامده كلها و أقول ذلك ومن طرف لساني، أقول ذلك من أعماق نفسي، أؤمن بذلك (فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً) مما تخاف؟؟ الجأ إلى ربك. تخاف من عدوك؟؟ تخاف من الظالم؟؟ تخاف من الأزمات؟؟ تخاف من الأحقاد؟؟ لا تضعف أمامها و ألجأ إلى ذلك الذي لا يهتك حجابه ، الذي إذا أماط بينك وبين تلك الشدائد و المشاكل و الأعداء، إذا أماط بينك وبينهم حجاباً جعل لك كفاية كقوله تعالى "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"(3).

(الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ) إذا لجأت إلى كهف الله وجعلت بينك وبين عدوك حجاب الله، واعتصمت بقلعة الله  فإنّه لا أحد يستطيع أن يقتحم جانبك لأنّه عندئذٍ يحتاج إلى  اقتحام جانب الله، وإلى هتك حجاب الله و لا يُهتك حجاب الله سبحانه وتعالى. في قضاياك أطلب من ربك (وَلا يُغْلَقُ بابُهُ) فإلى متى تسعى و يسعى ونسعى وراء زيدٍ وعبيدٍ مستجدين حوائجنا و طالبين حاجاتنا، مريقين ماء وجوهنا بين أيديهم. لنقصد إلى الله سبحانه وتعالى الذي لا يغلق بابٌ ولا تنفذ عنده خزائنٌ، ولا يرد سائلٌ، فإذا كان أهل الأموال و أهل القدرات مرةً يُعطون و عشرةً يمنعون، و إذا كانوا مرةً يُفيضون و أخرى يحجبون فاذهب واطلب من ذلك الذي لا يرد سائلٌ و لا يُخيب له آمل.

(وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ)، تريد في هذه الدنيا، تريد الاطمئنان في هذه الدنيا، تريد النجاة والنجاح في هذه الدنيا، والفلاح الذي يؤمن؟ هو الله سبحانه وتعالى فهلم أنت و أنا  وجميع الخلائق لكي نذهب إلى ذلك الذي لا يرد أحداً و يؤمن من يقصده وينجي من يعبده فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتعطف علينا و أن و أن يتفضل علينا و أن ينجينا و أن يرزقنا الجنّة بفضله  بمحمد و آل محمد الأطهار إنّه على كل شيءٍ قدير و بالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين أفضل الصلاة والتسليم.

الهوامش:

(1)    مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القميْ.

(2)    سورة البقرة، آية (186).

(3)    سورة آل عمران، آية (173).


مرات العرض: 3400
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2579) حجم الملف: 15191.28 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 16
شرح دعاء الافتتاح 17