شرح دعاء الافتتاح 16
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/10/1435 هـ
تعريف:


شرح دعاء الافتتاح 16

السنن الكونية

تحرير الأخت الفاضلة أم سيد رضا

جاء في دعاء الإفتتاح: ( الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجي الصالحين ويرفع المستضعفين ويضع المستكبرين ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين، والحمد لله قاصم الجبارين مبير الظالمين مدرك الهاربين نكال الظالمين صريخ المستصرخين موضع حاجات الطالبين معتمد المؤمنين، الحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله )

تتابع هذه الفقرات بيان مظاهر القدرة الإلهية من خلال عرض فعل الله في المجتمعات، ذلك الفعل القائم على أساس السنن وعلى أساس التدخل أيضاً، كما أن لله تعالى مظاهر عظمة في الكون والطبيعة فهو مسخر الرياح وفالق الإصباح وخالق الخلق وباسط الرزق، وكذلك فإن لله تعالى مظاهر قدرةٍ تتجلى في المجتمع من خلال إرساء الله لسنن كونية تجري المجتمعات على أساسها ومن هذه السنن: سنن التداول في السيطرة والحكم والملوكية، فإنه على أساس هذه السنة  نجد أن التاريخ البشري يمر على مراحل متعددة ودول متعاقبة بينما تكون دولة على رأسها حاكم وتبقى لفترة من الزمان إلا أنها على أثر تخلي تلك الدولة عن سنن الثبات والإستقرار والإستمرار ومن أهمها العدالة الإجتماعية فإن هذه الدول لا تلبث أن تنتهي وأن هؤلاء الحكام لا يلبثون أن يندثروا.

الله سبحانه وتعالى بهذه السنن يصح أن يُنسب إليه بأنه يرفع المستضعفين إذا قاموا بمقدمات النصر، فإنهم إذا تملكوا الإيمان وقاموا بالعمل الصالح واستمروا على المنهج وصمدوا عليه وقبلوا بالتضحيات فإنهم بذلك طبقوا سنة الله في الإستخلاف ورفع الإستضعاف وفي الإنتصار فلا يلبثون أن يرتفعوا وينتصروا ويفوزون على أعدائهم، ولنا في تاريخ المسلمين خير عبرة فإن تلك الفئة المستضعفة التي كانت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت مجردة من عوامل القوة الظاهرية فإنها لما امتلكت الوعي والعلم الذي جاء به القرآن الكريم وتسلحت به ثم أضافت إليه أيضاً العمل الصالح واتبعت قياداتها الدينية ممثلة في رسول الله صلى الله عليه وآله واستمرت على ذلك وجاهدت في سبيله فإنهم لم يلبثوا أن جاء نصر الله والفتح إليهم كما قال تعالى: ( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً )، فلقد سيطروا ونُصِروا وهيمنوا واستطاعوا أن يقيموا دولة الإسلام عندما اتبعوا سنة الله في الإستخلاف والنصر.

الله سبحانه وتعالى كما يرفع المستضعفين فإنه يضع المستكبرين، لذلك لا يحسبن طاغية أو مستكبر أن الدنيا معقولة عليه وأن الأمور مبسوطة إليه، تماماً كما خاطبت عقيلة الطالبين زينب سلام الله عليها طاغية زمانها عندما قالت: أظننت يا يزيد حين رأيت الدنيا لك متسقة والأمور مستوسقة أن بك على الله كرامة وبنا عليه هوناً، كلا ليس الأمر كذلك فأنت في مسير تنتهي إلى الإنهيار وإلى الضعة لأن الظلم لا يبقى ولا يُبقِي وإن بقى بعد ذلك دمر الظالم، فيضع الله المستكبرين لأنهم خالفوا سنن التمكين وخالفوا سنة البقاء وتحدوا هذه السنة فما كان لهم إلا أن انهاروا وانتهوا، وفي التاريخ الحديث فلننظر كم مرّ على هذه الأمة من طغاة تجبروا وتفرعنوا وقتلوا وظلموا واستكبروا لكنهم لم يطل بهم الزمان حتى وُضِعوا وانهزموا.

( الحمد لله قاصم الجبارين مبير الظالمين )، أي يبيرهم وينهيهم وفي هذا تحذير من جهة للظالم والمستكبر سواءً كان على مستوى الأمة السياسي أو حتى على مستوى الأسرة والمجتمع، فإن من الظالمين من يكون ظالماً في أسرته ولمن تحت يده بينما كان مسؤولاً عنهم ولكنه تحول إلى ظالم مستبد ولذلك يوجد تحذير للظالم فيقصم الله الجبار سواء كان على مستوى الأمة أو على مستوى الأسرة وغير ذلك لأنه سار على خلاف السنة الإلهية.

( مدرك الهاربين نكال الظالمين صريخ المستصرخين )، هنا لا بد أن نشير إلى جهتين: 

الجهة الأولى أن هذه السنن الإلهية في المجتمعات وهي تقتضي برفعة المستضعفين ونجاة الصالحين وفوز الصادقين مما يحفز الإنسان لأن يكون على هذه السنن، وهذه السنن أيضاً تقتضي في المقابل إلى أن الظالمين ينتهون والمستكبرين يندحرون.

إضافة إلى ذلك هناك جهة أخرى وهي أن لله فعلاً مباشراً في الكون وليس أنه وضع القوانين وسنّ السنن كما قالت اليهود ( يد الله مغلولة غُلت أيديهم ولعنوا بما قالوا )،فالأمر ليس هكذا فالكون لا يجري فقط على وفق برنامج معين وإنما الكون مع وجود هذه السنن إلا أنها لا تمنع الله من التدخل بشكل مباشر فإنه يثبت ما يشاء ويمحوا ما يشاء ويبدل ما يشاء ويطيل ويقصر ويعز وينصر ويرفع ويخفض، فليست يد الله مغلولة بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وحيث يشاء ومتى يشاء، فبالإضافة إلى هذه السنن فإن لله سبحانه وتعالى إرادة مباشرة متصرفة في الكون وليست يده مغلولة وهذا ما تشير إليه الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في أن الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء وأنه عنده أم الكتاب، وهذا ما يُعرف في الإصطلاح الكلامي بمسألة البداء بناءً على هذا التفسير.

الله سبحانه وتعالى موضع للحاجات وصريخ لمن استصرخ ومغيث لمن استغاث به وبيده أزّمة الكون، فالذي يعرف حقيقة الله فسيخاف الله وحده ولا يخاف أحداً غيره، ولذلك على المؤمن أن لا يخاف غير الله لأن الله بيده الأمن، وأن لا يخشى إلا الله لأن الله أحق أن يخشاه الناس فهو منجي الصادقين ومؤمن الخائفين يفعل ما يشاء، فالحمد لله الذي من خشيته ترعد السماء وسكانها وترجف الأرض وعمارها وتموج البحار ومن يسبح في غمراتها ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لعبادته بعد معرفته إنه على كل شيء قدير.

 

مرات العرض: 3395
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2593) حجم الملف: 14708.28 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 14
شرح دعاء الافتتاح 15