شرح دعاء الافتتاح 14
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 29/10/1435 هـ
تعريف:

شرح دعاء الافتتاح 14 

تحرير الفاضلة سلمى آل حمود 

بسم الله الرحمن الرحيم والصَلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرينْ 

جاء في دُعاء الافتتاح هذه الفقرات: (الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَعِزَّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ العُظَماءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مايَشاءُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي، وَبَهْجَةٍ مونِقَةٍ قَدْ أَرانِي، فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ، وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَضَعُ المُسْتَكْبِرِينَ)(1). 

هذه الفقرات تأتي بعد الفقراتْ التي تستعرض شيئاً من عظمة الله سبحانه وتعالى وصفاته الحسنى، وتعطف على ذلك بما يرتبط بالإنسان فتبدأ: (الحمد لله على حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ)، هذا فعل الله مع بني الإنسان، فعل الله مع عباده بأنّه يعلم ويتجاوز مع علمه بتمرد هذا العبد ومع عصيانه، فيحلم عنا حتى كأنّه لا ذنب لنا، يحلم عنا مع أنّه قادرٌ على العقوبة و لا يمنعه أيّ مانع، ولا يقف أمام قدرته أيّ أنّه قادر ومع ذلك يحلم و يتجاوز، ويتغاضى فلهذا يتوجه الإنسان المؤمن إلى ربه بحَمده على مثل هذا التجاوزْ، ولو أراد الله أن يؤاخذ الإنسان بكل ما صنع لهلك و لتردى هذا الإنسان، لكن الله سبحانه وتعالى يحلم، ويتجاوز، و يعفو، و يغفر مع علمه بتفاصيل عمل الإنسان السيء، مع علمه بتفاصيل خطاياه، و يعلم وليس فقط بما تفعله الجوارح وإنمَا بحرَكات القلوبْ وذات الصُّدور.

حقدُ الإنسانْ يعلمه الله، حَسد الإنسانْ يَعلمه الله، نَواياه السيئة يَعلمها الله بينمَا لا يطّلع عليها منْ الخلائقْ إلا الباري سُبحانه وتعالى. و علمُ الله سُبحانه من جهَة ومع قدرته على المعاقبة منْ جهَة أخرى، ومع ذلك فإنّه يحلم و يعفو، والعفو مع العلم ومع القدرة على المُعاقبة هو أعلى أنواع العفو.

 إن طَاقة الإنسانْ في التفكر لتعجزْ عنْ هذا المُستوى والمُرتقى و هو أنّ الله سبُحانه وتعالى ينظر إلى عباده فيجدْ بعضهم منهمكين في المعصية و منشغلين بها، و متكالبين عليها، ومُعرضينْ عن ذكره ومع ذلك إذا تابوا تاب الله عليهم، ومع ذلك إذا أنابوا سَتر عليهم فأيّ خالقٍ عظيم هو هذا الخالق، أيّ بارئٍ رَحيم هو هذا الخالقْ، أيُّ رؤوف ودود هذا الخالق.

(الحمد لله على حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ) لقد ذُكرَ في حديث أنّ الله سُبحانه وتعالى عندما عرَضَ على نبي من أنبياءه العظام، على شيخ الأنبياء إبراهيم أن يريّه ملكوتْ السماوات و الأرض، فأصبحَ نبي الله إبراهيم مما خوّله الله أنْ يكون مُطّلعاً على عوالم الملكوت، على الدنيا و ما بعدها وما خفيَ عنها، فإذا به يرى جانباً فيه اثنان على معصيّة، وعلى ذلك الجانب فيه رجل وامرأة على خطيئة، وفي ذلك الجانب أشخاص يعصون الله فتحرّكت غيرة النبي الدينية والإيمانية و أراد أن يدعو عليهم، فجاءه النداء بما معناه (خلّي بيني وبين عبادي) أيّ أنت لم تستطيع أن تنظر إلى عبدً يعصي الله في معصية واحدة، وهذا الخلق كله تحت نظر الله سبحانه وتعالى، وتحت رقابة الله سبحانه وتعالى  وهو يراهم ويرى الكثير منهم على معاصيه  ويعرف عنهم كل ما يفعلونه ولو تخفوا عن بني جنسهم، حتى إذا رجعوا و أدركتهم الفطرة، وحركهم العقل، وراحت عنهم سكرة معصيتهم وتاب بعضهم و أناب إلى الله تعالى فيعفو عنهم مع علمه بسيئاتهم، وترك عقوبتهم مع قدرته على معاقبتهم ولا يعترض عليه أحدٌ وهو موافقٌ لقانونه الذي جعله في أنّ العاصي يستحق العقوبة لكن الله سبحانه وتعالى هو الذي له طول الأناة أيّ طويل الأناة ولا يتعجّل و إنّما يعجل من يخاف الفوت. يمهل الله سبحانه هذا الإنسان لكن لا يغفله إلى الأخير، ولا يمهله إلى الأخير ولا يتراجع.

(وَالحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ) مع أنّ الله سبحانه وتعالى يغضب عندما يرى الذي واصل عليه نعمه يعصيه ويتحدّاه، فيغضب لأنّه سبحانه جعلَ لكل شيءِ حداً وجعل لمن تعدى الحد حداً، فيغضب لحرماته ويغضب لحدوده، يغضب لأوامره التي تُعصى، ولنواهيه التي تُقتحَم، ولكنّه طويل الأناة و صبورٌ لعطفه ويعطي هذا الإنسان مجالاً واسعاً لي يتراجع ولا يُغلق عليه طريق العودة أبداً، إنّما على هذا الإنسان أنْ لا يتعدى الحليم و أنْ لا يذهب طويلاً عن الرجعة. 

(الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ) أيّ من يستطيع أن يُعارض إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يُعاقب؟ فلو أراد الله أنْ ينتقم من يستطيع أنْ يُعارض الله تعالى، أو يناقشه. ففي القرآن الكريم مثلاً أنّه لو أراد الله أن يُهلك المسيح ابن مريم و أمه فمن ذا الذي يستطيع أنْ يقف أمام ربه سبحانه وتعالى. 

(الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلا ظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَعِزَّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ العُظَماءُ) العظيم الحقيقي هو الذي يعرف مقداره. العزيز الواعي هو الذي يعرف مقدار عزته و أنّها من عزة الله، فذلك الكبير، والعظيم،  والغني يعرف أنّ عزته  وعظمته وغناه هو منْ عند الله سبحانه وتعالى فيتواضع لعظمته، فإذا  تواضع لعظمة الله رفعه.

(فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مايَشاءُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي، وَبَهْجَةٍ مونِقَةٍ قَدْ أَرانِي، فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتفضّل علينا بواسع نعمه، و أنْ يجعلنا في عبيده، و أنْ يوجهنا إلى مقدار عظمته و أن يكفينا ما أهمنا من أمر دنيانا و آخرتنا إنّه على كل شيءٍ قدير و بالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين أفضل الصلاة والتسليم.

الهوامش:

(1)    مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القميْ.


مرات العرض: 3396
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2585) حجم الملف: 13938.03 KB
تشغيل:

شرح دعاء الافتتاح 12
شرح دعاء الافتتاح 16