المحسن الامين : الموسوعي المصلح
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 6/9/1434 هـ
تعريف:

السيد محسن الأمين الموسوعي المصلح[1]

تصحيح الأخ الفاضل إيثار نصير / العراق

قال تعالى : (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[2].

           حديثنا يتناول شخصية من الشخصـيات العلمية التي كان لها بما كتبت و بما عمـــلت دورٌ مهمٌ في تاريخ الطائفة الشيعية ، تلك الشــخصية هي شخصـــية آية الله السيد محســن الأمين العاملي "رضوان الله عليه"

النشأة والتتلمذ : أصوله من جبل عـــامل من جــنوب لبنان وكـانت دراسته في تلك المنطقة في أول الأمر ثم هاجر لغرض الدراسة الدينية الى النجف الأشرف حـيث حضر على كبار علمائها كالآخوند الخراساني والفقيه أغا رضا الهمداني والفقيه السيد كاظم اليزدي ونُظراء هؤلاء العلماء حتى بلغ درجة الاجتهاد العليا والتخصص في العلوم الاســلامية وبعدها رجــع إلى جبل عامل ، ثم انتقل بسبب ظروف معينة إلى سوريا ، حيث اسـتقر في دمشق في الــحي الذي عُرف فيما بعد باسمه (حي الآمين) .

         ان حياة هذا العالم الجليل وما فيها من جوانب متشعبة لايمكن الحديث عنها بمثل هذا المختصر ، لذلك ســوف نترك جانب من حياته مع أهميتها كالجانب الســياسي و دوره في مــقاومة الانتداب الفرنســي وما يرتــبط بهذا النشاط .

ويكون الحديث في الباقي ضمن عناوين مختصرة :

أولاً: التأليف الموسوعي والغزير والمتنوع.

ثانياً: البناء التربوي الاجتماعي.

ثالثاً: دخول على الملفات الساخنة.

رابعاً: بعض مظاهر الشخصية وصفاتها.

الجانب الاول : التأليف الموسوعي والغزير والمتنوع :

         الناظر إلى كتابات المجتهد الأكبر كما سماه الشيخ محمد جواد مغنية يلحظ انها تنـوعت من حيث المواضيع ، فقد كتب في التراجم ، والتاريخ ، وسيرة أهل البيت ، والاصول، والعقائد ، والفقه ، والمسائل الخلافية ، والنحو ، والبلاغة، والصرف ..... كتب في ثمــــانين عنواناً من هذه الكتب (أعيان الشيعة) يصل بحسب احدى الطبعات لخمـسين مجلداً، ولو اكتــفي إنسان بهذا المقدار من التأليــف يمكن القول أنه استـوعب حيـاته ، كتابة ثمــانين عنوان بعض العناوين من ستة مجلداتٍ ، وبعضها من خمسةٍ ، وبعضــها من ثـــــلاثةٍ أو أكــثر أو أقل.

         ولو تتبعت كتاب (اعيان الشيعة) المؤلف من خمسين مــجلداً ، تجده نموذج يعرب عن موسـوعية واحاطة لدى هذا العالم الجلــيل ، وتتبــــع فيه فكرةً كانــت لديه فــهو يعتـــــقد أن أعـــيان المــسلمين وشخصــياتهم المهمة كانوا من أتباع أهل البيــــت عليهم السلام في المــــقابل كان هناك من يقول أن شيعة أهل البيت فئة صغيرة لا أثر لها ولا وجـــود لها ولا شخصيات عـــندها وليـــس لها تأريخ مــــهم والسيد محسن الامين جاء بهذه الفـكرة ، ان أهم شخصيات المـــسلمين من صـــحابة رســـول الله والفئــــة الأبرز ، والأكثر تضـــحية والأكثر جهاداً ، والأســرع سبــق إلى الإســـلام، إلى تابعي الصــحابة (الطـــبقة الثاينة) إلى تابعي التابعين ، ومن جاء بعدهم من الشعراء والأدباء والمؤلفين والوجـــهاء والزعمـاء في المـــجتمع ، في رايه أن أعيان المسلمين والشــخصيات الــبازة في تــاريخ الأمــة كان لها تشــيع لأهل البــيت"عليهم السلام" وان الشـــيعة ليســوا فرقةً أو فئةً ليــس لها تأريخ أو انــها مقطوعةٌ مـن شـجرةٍ ، لا وإنمـــــــا أعيان المسلمين وشخصياتهم البارزة وكتَّابهم ، وشــعرائهم ، وأدبائهم هم مــمن تشيع لأهل البيــت "عليهم السلام" .

         وتتبع (رضوان الله عليه) وذهب وراء هذه الفكرة في المكتبات القريبةِ والبعيدةِ يبحث عن الأسماء ورتَّبها وحقق في تواريخها ، وللإنصاف ان هذا الجهد الذي بذله في هذا الكتاب       ( أعيان الشيعة) هو جهدٌ عظيمٌ جداً، منذ عشرين عاماً وأنا أراجع في هذا الكـــتاب وأشعر فيه بالفائدة الكبيرة والقدرة العالية لمؤلفه في مختلف المجالات.

         كان يريــــد أن يقول أن أهم شخصيات الإســلام هم أنفسهم شخصيات الشيعة ، حتى ان أحدهم قال له ممازحاً : إنك جعلت كل هؤلاء الشخصـيات من الشـــيعة حتى أنك جعلت النبي الأكرم (ص) مـن الشيعة ، لماذا لم تجعل الله عز وجـل من الشــــيعة أيضاً ؟ فأجابــه بجواب لا يـخلو من الطرافة ، ان هذه الفكرة ليست غائبة عني ولكن هذا الكـــتاب يترجم للأمــوات ولولا أن الله حي لجــعلته ايضــاً في هذا الكتاب . فالشــــاهد أنه كان يعتقد أن أهم شخصيات الإسلام هي نفســها شخصيات شــيعية لأهل البيت "عليهم السلام".

           هذا الجهد الكبير الذي بذله في التألـــيف تنوع ، فبما يرتبط بالقضية الحسيـنية له كتب كثيرة منها الشـــعر ومنــها في توجيه المآتم والمنبر وماهي الأدلة على مــشروعية المــآتم وماهية رد الشبهات في ذلك وأسم هذا الكتاب (إقناع اللائم على إقامة المآتم).

           كذلك لديه مـــؤلفات في الرثاء و مصــائب أهل البيت "عليهم السلام" ومناقبهم فعنده (المجالس السنية في مصــائب ومناقب العترة النبوية) يقع في ســـتة أجزاء ، وعـنده كتاب (لواعج الأشجان) في رثاء أهل البيت أيضــاً .

         وألف في سائر الفــنون في الفقـه و الأصول و غيرها من الأمــور، ففي جــانب التــأليف كان لديه غزارة و موسوعية و تنوع في الأبواب و في العلوم إلى حد كبير.

الجانب الثاني : البناء التربوي الاجتماعي :

         الســيد الأمين رحمه الله ، بدأ في العمل البنائي التربوي والأجتماعي، في الغالب ان قسم من العلماء يعتقدون أنه يكفي ان يكون هناك وعظ وإرشاد وكل شيء يصـبح حسن فيما بعد ، بينما الصحيح أن الوعظ والإرشاد مفيد وحسن ولكن لابد من القـــيام بمؤسسات في المجتمع ولا بد من تحريك المـــجتمع باتجاه التنمية حتى ينمو هذا المـــجتمع ، وهذا ما سلكه الــــسيد الأمين (رحمه الله ).

قدِم إلى سوريا (دمشق) ضـــمن ظروف معينة و سكن في حـي كان أسمه (حي الخراب) بالفعل كان أسم على مــسمى ، حي خرب وقذر وغير منظم وليــس فيه بُنية تحتــية ، سكَّـانه من مخــتلف الأديان والمذاهب ( اليهود والمسيحيون والمسلمون سنة وشيعة ) لكنه كان مهملٌ ، فالمجتمع الذي كان يعيش فيه غير مهتم بهذا الحي ، والجــهات الرسمــية أيضاً لم تكن تعيره اهتماماً.

         جاء السيد محسن الأمين (رحمه الله) وبدأ بهذا الحي بأن يحرك المجتمع نحو الأهتــمام بمنطقتهم بأن ينظفوها ، ويرتبوها ويحرصون عليها فهي مكان سكنهم ومعيـشتهم وحياتهم وإن لم تهــتم بها الجهات الرسمية ينبغي أن تهتموا أنتم بها.

           فبدأ يحرك هذا الوضع الاجتماعي بأتجاه أن يتحملوا مسؤوليتهم اتجاه منطـــقتهم، وبالفعل الناس تحركوا خاصة عندما وجدوا أن السيد نفسه يتحرك في هذا الاتجاه ويعمل معهم و يعينهم وبدأت المنطقة تبدو بشكل أفضل وفيها شيء من الترتيب والنــظافة ، ثم أخذ يـخاطب الجهات الرسمية ويحثها على العناية بالمنطقة ، فأصــبح المكان فيه شيء من النمو ، هذا من ناحية الشـكل الخارجي.

           رأى (رحمه الله) أن هذه المنطقة التي يعيش فيها اليهود والمسيحيون والـسنة والشــيعة وكل فرقة تتوجس من الاخرى وليس بيــنهم علاقة ، فبدأ يتحــرك في تجسير العلاقة بــين هذه الفئات وأنه لابد من التعايش وان نكون نموذج لما ينـبغي أن يكون في البـلد الإســلامي من العلاقة الحسنة بين أتباع الديانات السماوية وفي داخل الديانة الواحدة ، فليس لدينا مشكلة مع اليـهود كدين أو أتبــاع دين وليس لدينا مشكلة مع المسيحين أو مع السنة أو الشيعة فلا بد أن يكون هناك تـعايش اجتـماعي وسلام أهلي ما دام البلد مختلط لابد أن يحترم كل فريق الفريق الآخر.

           فبدأت العلاقات تــترطب وصــــارت هناك مناســـبات مشتركة وتبادل الزيارات ، حل شــيء مـــن الأطمئنان والعلاقة الحســـنة مكان التوجس والــخوف من الآخر، فصــنع جو اجتمــاعي مناسب فسمي ذلك الحي رسمياً وبأقتراح من النـاس (حي الأمــــين) و إلى الآن لايزال هذا الـــحي يعرف بأسم (حي الأمين) نسبة إلى هذا العالم الكبير السيد محسن الأمين.

الجانب الثالث : دخول على الملفات الساخنة:

         وهو الأساس للتــنمية هي التــــنمية البـــشرية وليس بناء البنايات والعمارات هو البداية ، وإنما البداية بناء الإنسان من التـعليم و التربية والتــنمية البشــرية هي أول نقــطة، فبـــدأ يطرح فكرة تأسيس مؤسسات تربوية تعليمية فالمدارس رسمية ولكن لها توجيه ديني مناسب ، هناك مدارس للأولاد ومدارس أخرى للفتيات ، هذا الكلام قبل سبعين أو ثمانين ســنة وكانت كبيرة من الكبائر أن يرسل الناس أولادهم للدراسة في المدارس الرسمية فكيف ببناتهم وحتى في منــــاطقنا تعليم البنات في المدارس الرسمية كان أمراً مرفوضـــاً في العوائل الدينيـــة ، اعترض كثيرٌ من الـناس على السيد، وأن هذا الأمر تغريب لكنه مضى ولم يهــتم بما يقولون وأقام المدارس فتــكاثرت هذه المدارس و أصبح هناك عـدة مدارس نــحو( المــدرســة المحــسنية) و (المــدرسة اليوسفـــية) و (مدرسة الامين) ، وبدأت هذه المدارس تخرَّج دفعات من الأدباء والأديبات فالتحقوا بالجامـــعات وكان تأسيسهم تأسيساً أخلاقياً جيداً ، ووجد الناس ثمرة تلك التوجيهات.

           كذلك قام ببناء مؤســسات توجيهية تربوية و بذلك أصلح وضــع طائفة شيعة أهــل البيت (عليهم السلام) علــماً أن هذه المؤسســات لم تكن مقتصرة على الشيعة فقط بل كانت مفتوحة ، لكن بأعتــبار أن منطقته منطقة شــيعية وفي ذلك الوقت حسب ما يُنقل أن الشيعة في دمـشق كان عددهم حوالي أربعة عــشر ألفاً   من مــجموع مائة وعشرون ألفاً ، أي أكثر من 10% من سكان دمشق.

       أنتج انتاجاً جيداً وطيباً فكان هؤلاء الخريجون من هذه المـــدارس يحــملون أخــلاقاً عالية ، فــمن أين تخرجوا ؟ من مدارس الأمين.

           عندهن عفاف و حجاب من أي مدرســـــة تخرجــن ؟ من مدرسة الأمين وهكذا، فبدأ بهذا البنــاء التربوي والاجتماعي الهادف الهادي التدريجي على مخــتلف المستويات مــنطلقاً من ذلك الـــحي الذي كان يعيش فيه.

           رأى في جهة أخرى أن هناك اشكاليات حقيقية موجودة في الثقـــافة الدينيـــة عند الشيعة وعند غيرهم ولكن وحيث أنه كان يخاطب الشيعة وكان مؤثر فيهم ، نظر إلى هذه القــضايا ، فبدأ منظِّراً لموضوع الوحدة الإسلامية ، والوحدة ليـــست وحدة المذاهب ولا يمــــكن أن يكون هناك وحدة للمذاهب وإنما الوحدة المطلوبة هي وحـــــدة جمهور المســـلمين لاسيما في المواقف العامة والقضايا المشتركة وأن يصبحوا يداً واحدة فلا يحتربوا ولا يــخالف بعضهم بعضاً وتكون قوتهم فيما بينهم وبأسهم على بعضهم ، وفعلاً هو طبَّق هذا الكلام عندما تحركت سوريا نحو الاستقلال عن الانتداب الفرنسي أُرسل إلى السيد محسن الأمين مندوب من قبل الحكومة يقول له أنت زعيم الطائفة الشيعية ونحن نريد أن يكون لك منصب بهذا العـنوان مثـــل ما يكون هناك زعيم للطائفة السنية وللدروز زعيم للطائفة الدروزية وللعلويين زعيم للطــائفة العلوية ، أنت أيضاً زعيم الطائفة الشيعية ، فقال لهم: لا نحن المسلمون جميعاً طائفة واحدة ولا يوجد لدينا سنة وشيعة وعلويون ودروز وغير ذلك ، وأنا لا أريد مـــنصباً وأي شــخص تعينونه يُصبح ممثلاً للجميع ويتكلم بأسم جميع المسلمين أنا أقبله.

       وهذا الموقف يدل على ذكاء السيد وانه كان ينظر إلى أبعاد المسألة:

أولاً: إذا أصبح لكل طائفة ممثلاً (خاصة في ذلك الوقت) بدلاً من أن يتعاونون معاً سوف يتنافسون فيما بينهم ويأخذون من بعضهم البعض ، فمثلاً إذا الدولة خصصت مبلغ من المال لبناء المساجد ، كل واحد يريد أن يأخذ النصيب الأكبر فتكون المشاكل بين هذه الطوائف.

ثانياً: أن الفرنسيين لا يزال لديــــهم نفوذ وكانوا يريدون أن يــكون المســيحيون كــــتلة واحدة فيكونون الأكثرية في مقابل كل طائــــفة من هذه الطوائف ، فعــندما يكون المسيحيون كتلة واحدة مقابل الشيعة يكونون أكثرية وفي مقابل السنة يكونون أكــثرية وفي مـــقابل العلويين يـكونون أكثرية وفي مقابل الدروز يكونون أكثرية ، أذن أكثر الصلاحيات وأكثر الوظائف سوف تكون لهم بأعتبار أنهم الأكثرية ، أما إذا صار كل هؤلاء فئة واحدة وهم كذلك لان قبلتنا واحدة ونبيــنا واحد وموقفنا السياسي موقف واحد وعندما نكون كتلة واحدة قوية وكبيرة سنكون الأكثرية وبدلاً من أن يكون هناك صراع فيما بيننا ، يكون هنالك تعاون فيما بيـــننا، وبالفعل رفض أن يكون زعيماً لجماعة في مقابل الجماعات الإسلامية الآخرى ، وصار يتحرك في الاتجاه الوحدوي .

       كذلك كتبه التي كتبها وردوده (هي عبارة عن رسائل أو كتيبات صغيرة) التي رد بها على هؤلاء الذين يكتبون مثل (رشيد رضا) صاحب (المنار) الذي كان يحمل نفســـاً طائفياً حيث نادى بالويل والثبور وقال أن السلطان عبد الحميد ترك يد الشيعة في العراق يعمـــلون وهذه القبائل والعشائر تغيرت وتبدلت و تشيَّعت وتركت تسننها وكان من الأمور الحســـــنة لدى السلطان عبد الحميد العثماني أنه كان يحمل شعار الوحدة الإسلامية وهو بــــحاجة لذلك لأنه يريد أن يكون خليفة لكل المسلمين ، فلا بد أن يرفع هذا الشعار، ســـــواء آمن به أو لم يؤمن به ، لكن في الممارسة لم يكن لدية أي توجه طائفي ظاهر وواضــــــح ولإنه لم يكن يضيَّق أو يضغط على الــشيعة لم يعجب هؤلاء الطائفيين ، فأصبحوا يكتبون والسيد محسن الأمين يرد عليـــهم ويفرِّق بين دعوته إلى الوحدة و دفاعه عن التشيع وكل من يريد الوحدة هو أيضاً يدافع عن التشيع ولذلك ينبغي أن ننبه إلى أن هذه الفكرة الباطلة التي يشيعها البــــعض أن هذا الذي يدعو إلى الوحدة هو يفرط في ثوابت المذهب ويبيع التشيع ، هذا الكلام بائـس ولا أصــل له ، ومــن خلال دراسة التأريخ نجد أن أكثر الذين كتبوا حول القضايا الشيعية وأنتجوا فيها بشكل رائع هم أنفسهم من دعوا إلى الوحدة الإسلامية مثل السيد محــسن الأمين والســـيد عبد الحــسين شرف الدين والشيخ مــحمد حسين كاشف الغطاء وغيرهم آخرون.

             في الوقت الذي كتـبوا فيه أفضــل الكتب و أجـمل الكتــب وأوسـع الـكتب في الدفاع عن المــذهب هم أيضاً كانوا يدعون إلى الوحــدة بين المـــسلمين ليس هناك تنـــاقض أبداً، لمــاذا؟ لان الغرض ليس توحيد المذاهــب وإنمــا الغرض هو توحــــيد الجمــهور في الــمواقف وأن لا تــكون هناك حروب طائفية ، فالــسيد محسن الأمــين كان داعية إلى الوحــدة وفي نفس الوقت هو من أفضل وأغزر من كتب في الأمر الشيعي.

ومن الملفات الساخنة ايضا الذي كان السيد محسن الأمين ينظر إليه ودخل فيـــــه بقوة أيضاً حيــث دخل في المـوضوع الحسيني عندما لاحظ أن المنبر الحسيني مع أهميته وقداسته يعاني من نقاط ضعف كثيرة.

اولاً: طبقة الخطباء التي كانت في زمنه لم تكن طبقة دينية علمائية وإنما كان هناك مـجموعة من الراثين (الملا) يقرأ الرثاء بصوت جمـــيل ويكون حافظا لقصــائد الــــرثاء ، وهؤلاء بدأوا ينقلون أحاديثاً وقصصاً واحداثاً ليس لها أصلٌ ، يقول الــــــسيد أنه بحث وهو كثير التـتبـع وعلى كثرة قرآءته إلا أنه لم يجد ما يذكر هؤلاء الخطباء من أخبار وليس موجوداً في مصــدر من المصادر لا في السيرة ولا في التأريخ ولا أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) فمن أين جاءوا بهذا الكلام وهــــذه الأخبار.

         فبدأ ينظر بعين النقد لمثل هذه الأمور ،هو نفسه صعد المنبر في بدايات شبابه بعدما أمره أستاذه الشيخ (موسى) في هذا الأتجاه ثم بدأ يفكر في إعداد جيل من الخطباء بحيث يكونون خطباء مؤهلين لديهم المعرفة الدينية والقدرة التحليلية ويفهمون الثقافة الاسلامية ودارســـين دراسة دينية ولديهم المقدرة على الرثاء والإبكاء ، وبذلك صنع جيل رباهم وجعلهم يصعدون المنابر.

            بالاضافة إلى ذلك ألَّف مجـــموعةً من الكتبِ للخــطباء والمنــبريين مثل (اقناع اللائم على اقامة المآتم) و (لواعج الأشجان ) و (الدر النضيد) و (المــجالس السنية) كل هذه الكــتب تــتحدث عن قضية كربلاء وتلامس الحادثة التأريخية ، فمــن يريد أن يعرف عن مصائب أهل البيت من النبي (ص) إلى الإمام العسكري (ع) يجـــده في كتــابه ( المجالس السنية) يقع في ســتة أجزاء ، ومن يريد قصائد متنوعة من أفضل المراثي موجودة في كتابه (الدر النضيد) ومن يريد أن يبرهن على مشروعية المآتم موجود في كتاب (اقناع اللائم على إقامة المآتم).

ومن الملفات الساخنة والذي تصدى فيه إلى قضية من القضايا التي تثير التشـنج قديماً وحديثاً وهي قضية الإدماء والتشبيه وما يرتيط بهما ، مســــألة الإدماء ( التطبير ) من القديم حتى قبل السـيد محسن الأـمين كان هناك كلام في الموضوع بــين مخالف ومؤيد ، لكن الــسيد محسن الأمين كتب كتاب في هذا الموضوع ونشره وكان من الداعين إلى تحريم هذا الأمر ، فالإدماء حرام برأيه وجاء ببراهين وبلسان قوي وانتشر الكتاب ، طبـعا هناك رأي أخر يــعارض هذه الفــكرة ، بأن التــطبير والإدماء جائز بل في رأي بعضهم مستحب أيضاً وعنده أدلة لذلك.

             السيد محســن الأميــن من الأشداء في تــحريم هذا الأمر ، أثارت عليــه هذه القــضية عاصفة من الاحــتجاج ، فهناك من كــتب ضده وهو أيضاً رد عليهم وقال من يوجد لديه دليل يأتــي فأنا أيضاً عندي أدلتي ، فنزلت إلى المــستوى العامي الشعبي، بحيث يأتي أي شخص حتى الذين لا يمتلكون أسس النقاش يسألون ومن ثم يــبدأ هذا يشتم وهذا يرد عليه بالشتم حتــى أصــبحت هنــاك حالة غريبة واصبــحت هنــاك فرقتين بحيث ســمي الذين يوؤيدون التــطبير بالعلوييــن والذين يخــالفون التطبير بالامويين، وهذا النزول بالحالة الإجتماعية غير صحيح.

             فهذه نظرية تُناقش بين العلماء وكل إنسان يلتــزم بفتوى مرجعه ، فالــسيد محسن الأمين تعرض إلى ملفات حساسة ضمن الوضع الــشيعي لامسها ودخل فيها وواجه وقاوم وواجهوه وقاوموه لكنه استمر على ما يعتقده، ولولا أن الســــيد (حسن الاصفهاني) رضوان الله عليه مرجع الطائفة الأعلى في زمانه ، لم جاء الســيد محسن الأمـين إلى النجف احتظنه وأنزله عنده وأكرمه ووقره فأسكت هذا النزاع وكان ذلك من حكمة السيد أبو الحسن الأصفهاني (رحمه الله).

الجانب الرابع : بعض مظاهر الشخصية وصفاتها:

             كان بمقدار ما يرتقــي في العلم ينخفض في نفسه لذلك كان كل شيء له اعتيادي لا زعامة ولا حاشية ولا ناس أمامـه ولاخلفه ولاأعلام تخفـق ولاغير ذلك ، كان يذهب إلى السوق يشتري أغراضه بنفسـه هذا وكان عمره ثمــانين سنة وعالم كبير وزعيم سياسي مهم ومؤلف من أهم مؤلفي الشيــعة ، الشيخ (محمد جواد مغنية) كــان يقول: أنـه في يوم من الأيام كنت نازلاً من بيتي ذاهب إلى بعض شأني في منــطقة ( الشياح ) لان السيد في الأخير رجع إلى بلده بيروت ، يقول مررت على دكان القصــــاب والوقت كان شتاء فرأيت الـسيد محسن الأمين جالس يتدفأ ، جئت وقلت سبحان الله سيد محسن الأمين زعيم المـسلمين جالس في دكان أحد القصابين ، فقال لي: تعال واجلس وقل : محسن الأمين جالس في دكان أحد أخوانه ، جالس ينتظر يشتري لحم ، عاتبته وقلت له : لايصح وغير مناسب أنت شخص كذا و كذا.....فقال : أنا طبيعتي هكذا ولا أجد عند ذهابي إلى الخضار أو القصاب أن هذا ينتـقص من شخصيتي شيء والسيد يقتدي بأستاذه آغا (رضا الهمداني) وهومن مفاخر التـشيع وأستاذ أساتذة مراجعنا وصل إلى درجة من العلم عالـــية جداً ، وكان في حلــقة ، عـــالمٌ جلــيلٌ ، وعندما ينــتهي يذهــب إلى السوق ويشتري أغراضه بنفسه.

             وهكذا كان السيد محسن الأمين كلما زاد تواضعاً كلما رفــعه الله عز وجل (اللهم ولا ترفعني في الناس درجة إلا وحطتني عند نفسي مثلها) وكان جاداً في جملة أموره و في دراسته خاصة في البدايات حيث ينقلون في بعض أحواله أن زملائه في الدراسة يرتبون لأنفسهم جلسة ترفيهية في نهاية الأسبوع لمدة ســاعة ونــصف إلى ساعتــين ، على أن تكون هذه الجلسـة في بيت أحدهم بالتناوب فيما بيــنهم ، فتكون كل مرة في منزل أحدهم فيقوم بترتيب الضيافة لزملائه وهكذا إلى أن جاء دور السيد محــسن الأمين على أن تكون الجــلسة في منزله ، فقــام ورتب الضــيافة من الشاي والســكر وغيره وأخرجـــه لزمــلائه وقال لهم تفضــلوا خذوا هذه ضيــافتــكم واذهــبوا وابحثوا لكم عن مكان آخر فأنا أريد أن أتفرغ للدراسة والبحث.

       لذلك اســـــتطاع أن يؤلف هذا الكم من الكــتب، فالـسيد كان يكتــب ويؤلف ويحقق ويراجع وأنا قرأت في كتابه ( أعيان الشيعة ) حيــث جعل المــجلد الخمــسين للتـرجمة لنفسه وتحدث فيه عن نفسه وكيف عاش حياته حيث يقول أنا الآن عمري ستة وثمانون عاماً وأكتـب مستعجلاً حتى لا يداهمني الـــموت وأنا لم أنه كل ما خــطــــــطت له من أمــور، وفعلاً توفي (رحمــه الله) في الســنة التالية وعمره سبعة وثمانون عاماً.

         نعم أمثال هؤلاء يعــطون الهمة والعزيمة للانتاج وللعمل ولخدمة الدين ، كان رحمــه الله) إلى أخر عمره يعــمل بنفسه في جمــيع أموره عندمـــا يؤلف كتاباً يذهب به إلى المطبعة ثم يأخذه يراجع ما جاء فيه ثم يعـــيده للمطبعة ، فالسيد حجة على الشباب الذين لا يعملون شيء ، و أمثال السيد الأمين هم قدوتنا في الحياة .         والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد واله الطاهرين

 

([1]) ولد محسن الامين في لبنان –جبل عامل – عام 1284? – 1865م في قرية شقراء احدى قرى قضاء بنت جبيل –جنوب لبنان حالياً – قام بالعديد من الاصلاحات ونهض فكرياً بالشيعة من خلال كتاباته المتنوعة لاسيما سِفره (اعيان الشيعة) كان له دور ومشاركة في الثورة السورية الكبرى توفي في بيروت سنة 1371? – 1952م ، ودُفن في ريف دمشق في المدخل الرئيسي لحرم السيدة زينب "عليها السلام"

([2]) سورة فاطر :28.

مرات العرض: 3473
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2580) حجم الملف: 18012.26 KB
تشغيل:

المدرسة التفكيكية وميرزا مهدي الاصفهاني
أبو طالب بن عبدالمطلب المؤمن المحامي