أبو طالب بن عبدالمطلب المؤمن المحامي
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 7/9/1434 هـ
تعريف:

أبو طالب المؤمن المحامي

 

 

تفريغ نصي : الأخت الفاضلة فاطمة الخويلدي

إعادة صياغة : الأخت الفاضلة أم رضا.

 

تمهيد :

روي عن سيدنا ومولانا أبي عبدالله جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليه ؛ أن

قال : نزل جبرائيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله , فقال: (يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صُلبٍ  أنزلك  , و بطنٍ حملك , و حجرٍ كفلك . فالصلب صلب أبيك عبدالله , والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ,وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب)[1]

  تحدثنا سابقًا عن بعض العلماء المعاصرين الذين كان لهم فضلٌ كبير ؛ بجهادهم وجهودهم في الإسلام , ودور عظيم في نشر مذهب أهل البيت عليهم السلام , و شرح أهداف وثقافة الدين الأصيلة . لكن لا ينبغي أن ننسى أيضًا جيل  المؤسسين السابقين الذين حموا هذه الرسالة , واحتضنوها , وبذلوا ما في وسعهم من أجلها , حتى استوت على سوقها شجرة وارفة ,غنَّاء . ومن هؤلاء  الأبطال : أبو  طالب عم رسول صلى  الله  عليه وآله ( مؤمن قريش ) عليه السلام , الذي ورد مدحه والثناء عليه في عددٍ كبيرٍ من روايات أهل البيت صلوات  الله وسلامه عليهم .

 

      

   عندما نتناول هذه الشخصية العظيمة بالحديث , نستحضر عدة نقاط أساسية : النقطة  الأولى :أن فعل الإنسان للخير, وقيامه بالعمل الصالح , لا يمكن أن يبقى خفيًا للأبد , فالله عزوجل قد تكفل بنشر العمل الصالح ورفعه إليه - في رواية بالمعنى : (يا ابن آدم عملك الصالح  أنت تخفيه وعليَّ إظهاره) , لا تتصور أبدًا أنك عندما تقوم بعمل خيرٍ , أو بفعلٍ حسن أن هذا  العمل لا أثر له , لا نتيجة منه أو كما يقول بعض الناس اعمل الخير وارمه بالبحر , لا  بل اعمل الخير لأنه لن يذهب  إلى البحر , وإنما هو بذرٌ وزرعٌ , وإذا لم يثمر اليوم أمام عينيك أثمر في جيل أبنائك , وفي جيل أحفادك  وفي أجيالٍ أخرى , هذه طبيعة العمل الصالح ؛ أنه يرتفع , فالعمل الصالح يرفعه الله , العمل الصالح مثل البالون إذا امتلأ بالهواء , طبيعته أن يصعد إلى الفضاء , لا يمكن أن يبقى بالأسفل , العمل الصالح  طبيعته  الإثمار: 

         "ألم تر كيف ضرب الله كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها  في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " [2]        

         عمل أبي طالب , إيمانه , جهاده , حمايته للنبي صلى الله عليه واله , دفاعه عن الدعوة , كتمانه للإيمان ؛هذه كلها وإن كانت في وقتٍ من الأوقات خفيةً  إلا إنها  لا تلبث أن تظهر , ولا تلبث أن  تنتشر .

النقطة الثانية :  أن أمثال هذه الشخصيات التي تعمد خط الانحراف الأموي  في الأمة أن يغيّب وجودها , وأن يشوه صورتها , من المفروض على الإنسان المؤمن أن يقلب  المسألة , وأن يحاول أن يجلي هذه الصورة وأن يظهرها  للناس .

 

 

متى طرحت قضية عدم إيمان أبي طالب؟

تعلمون أن هذه القضية لم تكن مطروحة في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله , ولا في أيام الخلفاء الأوائل  بعده , بل ولا في أيام بني أمية , لا في زمان معاوية , ولا مروان بن الحكم , ولا عبدالملك بن مروان , ولا في زمان هشام , لم تكن هذه القضية مطروحة , إنما بدأت تُطرح  في أواخر العهد الأموي , وتأكدت وتركزت في أيام العباسيين بشكل أكبر, ثم سار من خَلَفَهم على هذا المنهاج . 

 

 

تحويل قضية إيمان أبي طالب إلى قضية مشتركة :

  لما استلم الاتجاه الأموي الحديث  والرجال  من بعد  العباسيين أصبح هناك خط أموي شديد العداء لأهل البيت عليهم السلام , وعدم  قبول  لمن يتصل بهم , وانعكس هذا الاتجاه على كثير من كتب الأحاديث , وكتب العقائد في المدارس الأخرى ,غير مدرسة أهل البيت عليهم السلام , وهناك بدأ الحديث  عن كفر أبو طالب وعدم إيمانه,

    في الفترات المتأخرة , نشاهد الآن بعض هذه المظاهر التي تحوَّل عدم إيمان أبي طالب - وما يزعمون من كفره- إلى شيء يستدل به في كل مجال , وليس  قضية تاريخية , أصل أن فلان أسلم أو لم يسلم قضية تاريخية ربما تتصل بجانب عقدي ولكن هي في الأصل قضية تاريخية , فلان أدرك النبي  أو لم يدركه , فلان دخل الإسلام أم لم يدخل , فلان قاتل في بدر أم لم يقاتل قضية تاريخية.. 

   الخط الأموي حول كفر أبي طالب إلى قضية عقائدية , وإذا كانت قضية عقائدية يلزم الطرف الثاني أن يصبح هذا الأمر جزء من إيمانه ؛ فكما يؤمن  بالله و باليوم الآخر وبنبوة النبي صلوات الله عليه واله , ويؤمن بالملائكة , عليه أيضًا أن يؤمن بكفر أبي طالب.

تسرب من ذلك عدد من القضايا منها : قضية إيمان المدرسة الأخرى بعدالة الصحابة وأنهم كلهم عدول , مع  أن هذه القضية في الأصل قضية رجالية ,  يختص بها بحث علم الرجال , هل علينا أن نقبل من كل الأصحاب ما نقلوه عن رسول الله ؟ أم لا ؟ لكن تحولت هذه ضمن توجه معين إلى قضية من صلب العقيدة , كفر أبي طالب أصبح جزء من القضايا العقدية غير القابلة للنقاش في المدرسة الأخرى .

   ولذلك يستدل به  في كل مكان , إذا أتيت لبحث الشفاعة يقول لك : ولا تنفع شفاعة النبي من كان كافرًا والدليل على ذلك أن الشفاعة لم تنفع أبا طالب ؛ لأنه مات كافرًا , تأتي إلى بحث آخر: هل النسب يؤثر ؟ أم لا ؟ ينفع ؟ أم لا؟ جوابهم : ولا  ينفع نسب الإنسان شيئاً في يوم القيامة , لأن أبا طالب  مات كافرًا مع أنه عم رسول الله  صلى الله عليه وآله ,تأتي إلى بحث الأخلاق : لأن أبا طالب , مات كافرًا , تأتي في الفقه : لأن أبا طالب مات كافرًا ... ما هذه المسألة التي أصبحت دليل يستدل بها في كل مجال ! وكيف أصبح الأمر بهذه الصورة !

     هناك خط أموي ذهب خلف هذه الفكرة و دعمها بقوة , بالرغم من أننا  نعتقد أن أن النبي صلى الله عليه وآله و أهل البيت عليهم السلام كانوا يؤكدون  على هذه الجهة بما هو مقتضى إثبات شيء لأحد .

 

كيف نعرف أبا طالب؟

   الآن أنت إذا أردت  أن تعرف شخصًا ما , كيف تعرفه ؟ أتاك شخص يخطب ابنتك   وتريد أن تعرف هل هذا إنسان مسلم أم لا ؟ ديّن أم لا ؟ مستقيم أم لا ؟ كيف تعرفه ؟     

     تعرفه من عدة طرق , الطريق الأول:  من كلامه ؛ إن رأيته كلام كفر وجحود, تقول هذا ليس لديه إيمان , وإن كان كلام طيب ومعقول, تقول هذا يشير إلى إيمانه , ولا تكتفي بهذا بل تتجه إلى الطريق الثاني :   تذهب خلف معرفة أهله وبيئته , ماذا يقول عنه أهل بيته , أسرته , ماذا يُنقل عنه , هل هو شخص مستقيم متدين لديه أخلاق أم لا ؟ والطريق الثالث : تذهب إلى نقطة أبعد, تنظر إلى آثاره , أعماله في المجتمع , هل يذهب إلى المسجد أم يذهب للمرقص ؟ يصلي أم يسكر ؟ من خلال أعماله وآثاره  يتبين لك  هذا الإنسان مؤمن أم فاسق , متدين أم منحرف ,  فأنت أولًا تذهب خلف كلامه وأقواله , وما يصرح وينطق به , لأن  جزء من شخصية الإنسان  يُعرف من خلال كلامه:

( تكلموا تُعرفوا فإن المرء مخبوءٌ تحت طي لِسانه ) [3] لا تحت طيلسانه[4] ليس تحت  ثيابه , وإنما تحت طي اللسان أفكاره ,آرائه , رأينا أفكاره وآرائه وكلامه  وشعره ونثره طيب , ورأينا الكلام عنه في بيئته طيب , ثم رأينا أفعاله وآثاره ومواقفه طيبة ؛ لا يتردد العقلاء في الحكم على هذا  الإنسان بأنه إنسانٌ مؤمنٌ ومتدين .

  تعالوا نطبق هذا على  قضية أبي طالب , له شعر كثير في ذكر الإسلام , وفي ذكر نبوة النبي محمد صلى الله عليه وآله , كثير مما تحققت نسبته إلى أبي طالب من الشعر فيه تصريح بنبوة رسول الله وبإيمانه به :

  ودعوتني  وعلمت أنك ناصح             ولقد صدقتَ وكنت ثمَ أمينا 

ولقد علمت بأن دين محمد                من خير أديان البرية دينا [5]

وغيرها من القصائد التي نقلت وعرفت عنه, تذهب إلى أهله , أبنائه , أحفاده, بيئته تجد هؤلاء يتكلمون عنه باعتباره كان مؤمنًا , تذهب  إلى أفعاله وآثاره ومواقفه وتاريخ حياته , تراها كلها مناصرة للرسالة  بنحوٍ يصعب على الإنسان إذا لم يكن معتقدًا حقيقة بالرسالة أن يقف نفس هذه المواقف .

 

 

حصار بني هاشم في شِعْب أبي طالب :

     من ذلك ما ينقل من قصة الحصار الاقتصادي والمقاطعة الاجتماعية , في شِعْب[6] أبي طالب : عندما قرر زعماء قريش أن يقاطعوا أبا طالب وبني هاشم ومحمدًا وأصحابه , مقاطعة اقتصادية واجتماعية للضغط على رسول الله وثنيه عن الدعوة للإسلام , وكتبوا عهدًا بذلك وعلقوه في جوف الكعبة[7].

     قالوا أي شخص يبيع أو يشتري أو يتعامل مع بني هاشم وأحلافهم لا نتعامل معه أبدًا , لا بيع لا شراء ولا يتزوجون منهم ولا يزوجوهم -  تصور الآن إذا اصدرت الدولة مرسومًا عامًا : أن البلدة الفلانية  لا يجوز لها أن تشتري من أحد ولا أحد يبيعها على الإطلاق  , هذه بعد مدة من الزمان تستنفذ مخزونها ثم تجوع وتستسلم .

     في ذلك الزمن أيضًا كانت قريش على كفرها بمثابة دولة , أي شخص من الخارج يأتي ليبيع يقولون له إذا أردت أن تبيع لهؤلاء لن يشتري منك أحدٌ مرة أخرى , بكم تريد بيعهم؟ بعشرة دنانير؟ نحن نشتري من عندك بخمسين على ألا تبيعهم وهكذا ..- ففرض عليهم الحصار , واستنفذت أموالهم , وأرزاقهم , وبقوا في الشعب فترة صعبة جدًا , حتى بان عليهم الهزال والضعف من الجوع  , بعض الروايات تقول أن بعضهم اضطر لمضغ ورق الأشجار . فلم يزالوا في الشِعب على ذلك إلى تمام ثلاث سنين , فبعث الله على صحيفتهم ( الارضة)[8] فأكلت ولحست ما في الصحيفة من ميثاق وعهد , ولم تترك الأرضة في الصحيفة إلا اسم الله عزوجل ( باسمك اللهم ), فذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه واله لعمه أبي طالب , فقال أبو طالب : والثواقب ما كذبتني , إن ربك الحق وأنا أشهد أنك صادق . ثم جمع أبو طالب رهطه , وانطلق بهم حتى دخل المسجد , والمشركون من قريش في ظل الكعبة , فلما أبصروه تباشروا وظنوا أن الحصر والبلاء قد أثر فيهم, وسوف يسلمون رسول الله إليهم ليقتلوه , فطلب أبو طالب منهم إحضار الصحيفة , ثم قال : صحيفتكم بيني وبينكم , فإن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني أن الله عزوجل قد بعث على صحيفتكم الأرضة , فلم تدع لله تعالى اسمًا إلا أكلته , وبقي فيها الظلم والقطيعة والبهتان- وفي رواية أخرى العكس , فلم تدع فيها إلا (باسمك اللهم)- فإن كان كاذبًا فلكم عليَّ أن أدفعه إليكم تقتلونه , وإن كان صادقًا فهل ذلك ناهيكم عن تظاهركم علينا ؟ -هذه مغامرة يصعب على غير المعتقد -المتيقن-أن يغامر فيها ,قد يقول أحدهم لعله مثلاً رأى رؤيا في المنام , لعله متوهم , لعله من أثر الضعف والجوع , لكن هذا يدل على إيمان قوي -  فقالوا: يا أبا طالب لعمر الله أتيت بالنصفه - لم يكونوا يشكون لحظة واحدة بأن هذا الخبر كاذب , الآن سوف يدفعه لهم ويقتلونه وتنتهي  المشكلة - ففتحوا هذه الوثيقة وإذا بها  تنزل هباء وتراب ما عدا هذه الكلمة  ( باسمك اللهم ) , فأصابهم الذهول من الأمر, بطبيعة الحال كان يوجد جماعة من قريش مخالفين لقضية الحصار, لكن كانوا تحت سيطرة كبار زعماء قريش المصرين على المقاطعة , وهؤلاء سكتوا فلما حصلت هذه الحادثة  ؛ تقوى جانبهم فقالوا: يا معشر قريش يكفيكم قطع الأرحام , وقد تبين لكم  إن ما قاله محمد وأبو طالب , صحيح , كفاكم ما فعلتم بهم . 

فخرج بني هاشم من  الشعب وانتهت قصة الحصار .

 

 

وفاة أبوطالب :

بعدها بثمانية أشهر وأيام توفي أبو طالب سلام الله عليه , و نزل جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وقال له : ( إن الله يقرئك السلام , ويقول لك: أخرج من مكة فقد مات ناصرك )[9]  ذهب أبو طالب ,أنت الآن ليس عندك ناصر, تعلمون ما معنى هذا الكلام ؟  يعني أن علي بن أبي طالب - البطل الضرغام ,الذي كان موجودًا ذلك الوقت- وأن جعفر بن  أبي طالب -الذي كان أكبر من علي بعشر سنوات, شاب ممتلىء قوة ونشاط وحيوية – وأن حمزة بن عبد المطلب أخ أبي طالب - الملقب بصياد الأسُود[10]  لجرأته وقوة نفسه وفتكه – هؤلاء كلهم موجودون ذلك الوقت لكن يقول له الله , لا حمزة ينصرك ولا جعفر و لا علي ! !

هذا كلام عجيب جدًا ! طبعًا هذا لا يعني أن أبا طالب أفضل من الإمام علي بن أبي طالب  , لا , وإنما الدور الذي كان  يتيسر لأبي طالب القيام به , لم يكن يتيسر لأي أحد سواه , لأنه هذا الدور يقتضي أن يكون عنده شخصية عند القرشيين , وأمامهم هو ليس بمؤمن , أي يظهر أنه فقط يدافع عن ابن أخيه- النبي محمد صلى الله عليه وآله- بما يستطيع من الحماية الاجتماعية , هذا الدور لا يستطيع أن يمثله علي بن أبي طالب , ولا يستطيع أن يمثله حمزة ولا جعفر , فهم لا ينفعونك في هذا الدور سوف يكون هناك تصادم والغلبة لهؤلاء .

   توفي أبو طالب بعد أن انكسر حصار الشعب بثمانية أشهر ,هناك روايتان إحداهما تذكر أنه توفي في منتصف شوال , والأخرى تذكر أنه في السابع من شهر رمضان , وقد جرت العادة عند أهل المنابر أن يذكر هذا الرجل العظيم ولو مرة في السنة  تخليدًا لدوره وتقديرًا لشأنه , وما قام به من عمل . ينقل شيخنا  الصدوق  في الأمالي  عن جبرائيل عليه السلام , مخاطبًا النبي صلى الله عليه واله وسلم  : (يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول: إني قد حرمت النار على صُلبٍ  أنزلك  , و بطنٍ حملك , و حجرٍ كفلك . فالصلب صلب أبيك عبدالله , والبطن الذي حملك فآمنة بنت وهب ,وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب)[11]

 

 

استشهاد رسول الله وصحابته بشعر أبي طالب:

أبو طالب  جاء ذكره كثيرًا في التاريخ , حتى أن النبي صلى الله عليه وآله كان يستدعي  ذكر أبي طالب , في رواية وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله معروف أن السيدة الزهراء عليها السلام  لما دخلت على أبيها رسول الله وكان على فراش منيته  تمثلت بقول أبي طالب :

وأبيضٌ يُستسقى الغمام بوجهه          ثمال اليتامى عصمة للأرامل[12]

من قصيدة طويلة لأبي طالب عليه السلام يمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ,

نفس هذه القصيدة طلب النبي صلى الله عليه وآله من بعضهم أن يتمثل بها في غزوة بدر , لما برز فُتاك بني أمية : عتبة وشيبة أبناء ربيعة , ومعهم الوليد بن عتبة , وخرج لهم في المقابل حمزة بن عبد المطلب  وعلي ابن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب – ابن أخ أبي طالب - فكانت المعركة ثلاثة بثلاثة , علي قتل الوليد, و حمزة قتل عتبة وبقي شيبة وعبيدة , شيبة أموي وعبيدة  علوي هاشمي, كل واحد جرح الثاني جرح شديد  انقطعت ساق عبيدة بن الحارث ,هذا ينزف وذاك ينزف لم يستطع أحدهما أن يُجهز على الآخر, فأتى علي والحمزة عليهما السلام , وأجهزا على شيبة , وحملا عبيدة إلى خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله , فقال عبيدة بن الحارث لقد صدق أبو طالب  حينما قال مقالته . فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم :

مَنْ منكم يحفظ شعر أبي طالب ؟- نعتقد أن النبي كان يحفظ شعر عمه أبي طالب , ولكنه كان يحتاط بألا يقول شعرًا " وما علمناه الشعر وما ينبغي له"[13]  لا ينبغي له أي  لا يناسبه أن يتعاطى الشعر , لذلك أحيانًا إذا أضطر لقول الشعر كما ورد في التاريخ , يغير وزنه, ينقص كلمة ,يزود كلمة , يغير كلمة ..حتى لا يصير شعرًا بل يصير نثرًا - فقال أحدهم قال أنا يا رسول الله , فبدأ يقول :

كذبتم  وبيت الله نُبزى محمدا               ولما نطاعن دونه ونناضل

 ونسلمه حتى نصرَّع حـــوله            ونذهل عن أبنائنا والحلائل [14]

أبو طالب يقول أنتم متوهمون يا معشر قريش أنتم كاذبون , إذ تتصورون أننا سوف نسلِّم النبي صلى الله عليه واله وسلم هكذا من دون أن نقاتل دونه و ندافع عنه . 

فقال النبي صلى الله عليه واله وسلم : رحمك الله  يا أبا طالب .

النبي صلى الله عليه وآله ارتاح , لهذا الاستشهاد والتمثيل فأفضل موقع تمثل به هو:  أن بني عبدالمطلب هم الذين يدافعون عن رسول الله ,هذا حمزة بن عبدالمطلب , وهذا علي ابن أبي طالب و هذا عبيدة ابن عم علي ابن أبي طالب , كان النبي يستدعي هذا ليؤكد على أن حماية الدين , حماية الرسالة , كانت شرفًا تقدمت إليه  هذه الأسرة الطالبية , فهذا النهج سار عليه أبو طالب وهذا النهج سار عليه علي بن أبي طالب , وكان  للعباس بن علي ابن أبي طالب أيضًا القدح المعلى في نصرة رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , والدفاع عن الحسين عليه السلام:

بطل أطل على العراق مجليًا                 فاعصوصبت فرقًا تمور شآمها

أوما أتاك حديث وقعة كربلاء            أنى وقـد بـلـغ الـسـمـاء قـتامها

يوم أبو الفضل استجار به الهدى         والشمس من كدر العجاج لثامها..[15]

 

 

[1] كتاب الكافي ج 1 ص 446

[2] سورة إبراهيم آية 24-25

[3] ميزان الحكمة –الريشهري ج4 ص2776

[4] الطيلسان : كساء أخضر يضعه بعض العلماء والمشايخ على الكتف – معجم المعاني.

[5] إيمان أبي طالب – الشيخ الأميني ص8

[6] الشِعْب :ما انفرج بين جبلين. معجم المعاني.

[7] البداية والنهاية –ج3/ مناقب أبي طالب ج1ص65-67 / حلية الأبرار- السيد هاشم البحراني ج1 ص62-64

[8] الأرَضة: حشرة بيضاء مصفرة تشبه النمل تأكل الخشب ونحوه- معجم المعاني.

[9] بحار الأنوار- المجلسي – ج22 ص261

[10] كانت متعته أن يخرج إلى الصحراء ويصطاد الحيوانات المتوحشة

[11] كتاب الكافي ج 1 ص 446

[12] من القصيدة اللامية المشهورة ( خليلي ما أذني لأول عاذل) لسيدنا أبو طالب عليه السلام.

[13] سورة يس آية 69

[14] القصيدة السابقة- نُبزى: نبز أي عاب ونسب فعل القبيح. أي كذبتم فيما عبتم فيه محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم .

[15] قصيدة الشيخ محمد رضا الآزري – من أعلام القرن الثالث عشر الميلادي.

مرات العرض: 3537
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2569) حجم الملف: 14844.58 KB
تشغيل:

المحسن الامين : الموسوعي المصلح
الحسين كاشف الغطاء قامة قيادة وفقاهة