أكل الحرام وأثره في النفس والدين والذرية
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 28/9/1433 هـ
تعريف:

أكل الحرام..أثره في النفس والدين والذرية 

كتابة الاخت الفاضلة انتصار الرشيد

تصحيح الأخ الفاضل أبي محمد

(  إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )

    تتناول الآية الشريفة موضوع أكل أموال اليتامى ظلماً، هؤلاء في الواقع يأكلون النار من خلال تجسم الأعمال، وإن كان بظاهره يأكل الطعام، وفي يوم القيامة يتبين هذا وسُتكشف الحجب.
   أكل مال اليتيم يقصد بالأكل الدائرة الضيقة وهي الابتلاع عبر الفم، هذا إذا كان مال اليتيم عبارة عن طعام أو شراب، وقد يكون المراد بالأكل الاستهلاك سواء كان المال طعام أو شراب أو لباس أو نقود أو بيت أو غير ذلك، فإذا استهلك الإنسان مال اليتيم بشتى الأوجه وسلبه اياه، فيُعد عرفاً أكل مال اليتيم لأنه أكل الأموال أي استهلكها وتصرف فيها بغير وجه حق.

هل دخول النار خاص فقط بمن يأكل مال اليتيم؟

   بالتأكيد لا، فلو كان الحكم فقط خاص بأكل مال اليتيم فهذا معناه أن لا يترتب الحكم على إنسان آخر أكل مال غير اليتيم، كل أكل مال حرام يؤدي إلى جهنم وهو الصحيح.
لكن لماذا ركز القرآن الكريم على مال اليتيم وتوعده بالنار؟
   نجد في روايات كثيرة تشير إلى أن أكل المال الحرام موجب لدخول النار كما في الحديث عن رسول الله صل الله عليه واله: ( لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به ) .
   ركز القرآن الكريم على اليتيم لأنه نقطة ضعف ويحتاج لعناية ورعاية خاصة وحماية إضافية لأنه يتيم، فقد أصدر الشارع المقدس مجموعة من الأحكام لكي يضع له نوع من الحصانة والحماية لضعفهم، فمثلاً لو أن شخصاً توفى وترك أبناء، فإن كان الأبن كبيراً سوف يأخذ حقه، لكن لو كان صغيراً وعين له الأب وصي، فمن الممكن هذا الوصي يسرق أموال اليتيم ولا يستطيع أحد أن ينازعه، لأنه وصي من قبل الأب فيضيع حق اليتيم، قال الله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ )  سورة الأنعام.
    إن أكل المال الحرام موجب لدخول النار وكبيرة من الكبائر بأي ناحية من الأنحاء فمن ولها مصاديق، فمن مصاديقها:

مال الرُشوة:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش –أي الساعي بينهما ).
وكما يبين الإمام علي عليه السلام معنى قوله تعالى: ( أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )  هو الرجل يقضي لأخيه الحاجة ثم يقبل هديته.
وقد ورد عن  الإمام الصادق عليه السلام: (من أكل السحت، الرشوة في الحكم)
   فمثلا لو أن شخصاً يملك أرض هي حقه لكن ليس لديه صك أو حجة عليها، ولكي يستخرج لها صكاً أو حجة، فيشترط عليه القاضي مبلغاً من المال لاستخراج الصك، فهذا المال الذي يستلمه القاضي مال سحت وحرام لأنه ليس برضاه.
   وإذا شخص ادعى أن أرضاً له وهي ليست حقه وساعده القاضي على استخراج أوراق ملكية من غير وجه حق، فهذا أيضاً مال حرام والصك لا يحلل الحرام ولا يملك الغير مملوك إذا كان على أساس غير صحيح.

أكل الأشياء المحرمة أو النجسة غير المذبوحة على الطريقة الشرعية:

من مصاديق أكل المال الحرام أيضاً هو أكل الأشياء المحرمة أو النجسة الغير مذبوحة على الطريقة الشرعية، فلها آثار في النفس والأخلاق والدين والذرية.
  النجاسات محرمة الأكل سواء شراباً أو طعاماً، حتى المتنجسات كماء مباح فاختلط به دم هنا يصبح الماء متنجس بالدم فشربه حرام وكذلك الميتة من الأكل الحرام .
  ومن أكل الحرام، أكل المال المغصوب فمثلاً إذا استأجر بيت وسكن فيه ولا ينوي دفع أجرة هذا البيت، يعتبر هذا السكن حرام إذا بقي فيه وكل لحظة يبقى فيه يرتكب حرام وصلاته فيه باطلة لأن المكان غير مباح ومغصوب.

منع الحق الشرعي:

  أكل الأموال من غير تخميسها وعدم إعطاء الحق الشرعي من مصاديق المال الحرام، إذا أمواله في زيادة وتجاوزت مؤونة سنته فهذا يبتلى بأكل الحرام ويؤثر على دينه ونسله.
   هذه الكبيرة التي توعد عليها القرآن بالنار لها آثار على نفسه وأخلاقه ودينه ونسله، فيصبح قاسي القلب وعينه جامدة عن الخشوع والبكاء وتزرع في نفسه شجرة القسوة بالتدريج، فقسوة القلب لا يشعر بها الإنسان نفسه لأنها حركة تدريجية مع كل أكلة حرام.
   يؤثر هذا أيضاً على دين الإنسان، ينقلون في الأدب قصة القاضي شريك أيام الدولة العباسية وبالتحديد أيام المهدي العباسي، فقد أورد السيوطي ضمن ترجمة الخليفة العباسي المهدي في تاريخ الخلفاء والإمام شمس الدين الذهبي ضمن ترجمة العلامة الحافظ القاضي أبي عبد الله شريك بن عبد الله النخعي في سير أعلام النبلاء، أن شريكاً أدخل على الخليفة المهدي، فقال المهدي: لا بد من إحدى ثلاث : إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة، ففكر ساعة، ثم قال: الأكلة أخف علي، فأمر المهدي الطباخ أن يصلح ألوانا من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل، فقال الطباخ: يا أمير المؤمنين ليس يفلح بعدها، قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم، وولي القضاء، ولقد كتب له برزقه على الصيرفي، فضايقه في النقد، فقال: إنك لم تبع به بزا، فقال شريك: والله بعت أكبر من البز، بعت به ديني.
قُلْتُ: تكملة للفائدة أنقل هنا شيئا مما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب عن شريك: ( شريك بن عبد الله النَّخعي صدوق يخطأ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع )
 أكل الحرام يؤثر ولو تدريجيا على الإنسان في أن تفقده دينه ويؤثر في نسله حيث أن الإنسان يتكون من نطفة والنطفة التي تتكون من الحرام تختلف عن النطفة التي تتكون من حلال فهذه النطفة تظهر فيها الموروثات الجينية للإنسان .

هل يؤثر الأكل الحرام على الإنسان إذا أكله وهو لا يعلم بذلك؟

هناك رأي عند بعض الفقهاء وهو مسلك عرفاني وأخلاقي يقول الحرام كالسم يؤثر على نفسية وأخلاق الإنسان سواء علم به أم لم يعلم.
وهناك رأي آخر عند فقهاء ومفسرين آخرين يقول بأن أكل الحرام يؤثر في نفس الإنسان وأخلاقه وذريته ونسله إذا كان يعلم إنه حرام وأما إذا لا يعلم بأنه محرم فلا يؤثر بالضرورة.
كل شيء من يد المسلم في يدك حلال حتى تعرف إنه حرام بعينه فتدعه من تلقاء نفسك وعلى الإنسان أن يحتاط ولا يتعمد أكل الحرام.
 نسأل الله تعالى أن يوفقنا للالتزام بالحلال واجتناب الحرام والغنى عن الشبهات، الكثير من الناس في هذا الزمان لا يتورعون عن اكل الحرام القليل أو الكثير منه بمختلف الطرق ويغفلون عن الآثار المترتبة عليه في الدنيا والآخرة، ومن آثاره كما ورد في الأحاديث:

آثار أكل الطعام الحرام:

أولاً:
أنه يسلب البركة من المال،  فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام ( من كسب مالاً من غير حله سلط عليه البناء والطين والماء ) أي يعيش دائماً هَمّ البناء فيصرف عمره وماله ولا ينفعه في الدنيا ولا في الاخرة وكأن هذه القطعة من الأرض أصبحت مأمورة بابتلاع ماله.

ثانياً:
أنه يمنع قبول العبادات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ( إذا وقعت لقمة حرام في جوف العبد لعنه كل ملك في السماوات والارض ) وقال صلى الله عليه وآله أيضاً ( العبادة مع اكل الحرام كالبناء على الرمل ).

ثالثاً:
أن آكل الحرام لا يستجاب دعائه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( من اكل لقمة حرام لم تقبل له صلاة اربعين ليلة، ولم تستجب له دعوة اربعين صباحاً، وكل لحم ينبته الحرام فالنار اولى به، وان اللقمة الواحدة تنبت اللحم ) وقال تعالى لعيسى بن مريم عليه السلام ( قل لظلمة بني اسرائيل لا تدعوني والسحت تحت اقدامكم)

رابعاً:
أن أكل الحرام يقسي القلب ويحيطه بالظلمة وبعدها لا يعود قادراً على تقبل الحق ولا يتأثر بأي تحذير أو وعظ ولا يتورع عن ارتكاب الجناية، وكما قال سيد الشهداء عليه السلام ضمن خطبته لجيش بن سعد : ( فقد مُلئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون ألا تسمعون).

   للأسف الشديد صار طلب اللقمة الحلال والطعام غير المشوب بالحرام من الأمور الصعبة في هذا الزمان، فتارة يكون الطعام محرم في نفسه كالميتة والدم ولحم الخنزير والمسكرات وغيرها، وتارة أخرى يكون الطعام محرماً بالعارض، كالمتنجس والمغصوب ونحوهما، وكلا النوعين منتشران بكثرة في أوساطنا، فمن الصعوبة على المؤمن التحرز عنهما واجتنابهما، وهذا يحتاج الى مقدار من الصبر والمجاهدة لأجل التوقف عند الشبهات ومقاومة المغريات فضلاً عن اجتناب المحرمات.
ولكن في المقابل فان اللقمة الحلال لها الأثر الايجابي العميق على نفسية الإنسان وتصرفاته وتوجيه ميولاته وأفكاره، وصياغة شخصيته والمساهمة في اتزانه.
   لذا نرى الشارع المقدس قد أولى هذا الأمر اهتماماً بالغاً، وأعطاه مساحة كبيرة في ساحة الأحكام والتشريعات، قال تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ ) ، وقال تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) .

لقمة الحرام تقود لسوء العاقبة:
 
  وفي السنة المطهرة هناك كم كبير من الأحاديث والروايات التي تحرّم الطرق غير المشروعة وغير السليمة في كسب الأموال، اضافة الى الروايات التي تشدد النهي عن الأطعمة المحرمة، وقسم من الروايات التي تشير إلى اجتناب بعض الأمور سواء كانت أطعمة أو ألبسة أو عادات ونحوها والتي من شأنها التأثير على سلوك الانسان وتصرفاته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من أكل الحلال قام على رأسه ملك يستغفر له حتى يفرغ من أكله )
فالإنسان يعمل في حياته لتحقيق السعادة في الدنيا والآخرة بطرق مختلفة، وإذا بلقمة الحرام تهدم كل ما سعى لتحقيقه.
فهل سألنا انفسنا مثلاً لو أن الله تعالى وبسبب لقمة حرام لم يقبل منا صلاتنا وهي عمود الدين، وبسبب لقمة الحرام لم يستجب لنا دعاءنا وهو المفتاح لرحمة الله ،كيف سيكون حالنا؟!
  أن لقمة الحرام كفيلة بتغير حالنا من الخير الى الشر، مما يترتب على هذا التحول سوء العاقبة نستجير بالله.
وكما ذكرنا سابقاً أن شريك بن عبد الله القاضي كان في البداية فقيهاً ورعاً، إلى أن أحضره المهدي العباسي وفرض عليه ان يقبل أحد ثلاثة أمور: إما منصب القضاء ، أو أن يكون مربياً لأطفال الخليفة، أو يأكل مرة واحدة من طعام الخليفة، فاختار أكل الطعام واعتبره أسهل من الأمرين الآخرين، فأوصى الخليفة طباخه الخاص أن يحضر الوانا مختلفة من الطعام اللذيذ، فلما أكل من ذلك الطعام قال الطبّاخ: لم يستقم شريك بعد هذا، وهكذا حدث فقد أثرت فيه تلك اللقمة الحرام حتى قَبِل العملين الآخرين القضاء وتربية الاطفال.

المال الحرام يفسد الحج والعمرة والصلاة والزيارة:

فمن المسائل حول المال الحرام وكيف أنها تردّ الدعاء والصلاة وبعض العبادات، فإن للفقهاء أحكام حولها، فمثلاً يقول الفقهاء: من طاف في طواف الحج أو طواف العمرة وعليه ثوب مغصوب أو اشترى ثوبي الطواف نقداً بمال مغصوب أو كان بعض الثمن مغصوباً ، فطوافه باطل ، وبالتالي بطلان حجه وعمرته، وكذا الحكم بالنسبة للصلاة والوضوء والأغسال الواجبة والمستحبة وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وباقي زيارات المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، وغيرها من العبادات ، فإن لقمة الحرام تفسدها كما يفسد الخلُّ العسل ، فلا يجني من عمله إلا التعب والعناء .
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: يقول إبليس لعنه الله: ما أعياني في ابن آدم فلم يعيني فيه واحدة من ثلاثة أخذ مال من غير حله، أو منعه من حقه ، أو وضعه في غير وجهه)
وفي الصور الثلاث تلك سيكون الإنسان واقعاً في الحرام وأكل السحت الذي يعد من الذنوب الكبيرة.
والمراد بالسحت أكل المال الحرام سواء بنحو الأكل والشرب،  أو بنحو اللبس والسكن وغير ذلك، أو أنه لا يصرفه ولكنه يمنع صاحبه من التصرف فيه، ففي جميع هذه الموارد يقال أنه أكل المال الحرام، كما أن المراد من أكل مال اليتيم ومال الربا، ومال السرقة، والغصب والغش والاحتيال وما شابه من أنواع التجارة والمعاملات المحرمة، حرمة جميع أنحاء التصرف فيه، لا خصوص الأكل والشرب.
والسبب في التعبير عن المال الحرام بالسحت هو أن السحت بمعنى الزوال والانعدام والمال المسحوت بمعنى المال المأخوذ، و المقطوع من جذوره ، وحيث إن المال الحرام لا بركة فيه، ولا ينتفع المتصرف به، لذا عبر عن أكل الحرام بأكل السحت وظاهر لفظ (السحت ) الشمول لجميع أقسام المال الحرام، بمعنى أن أي مال يتصرف به الإنسان بطريق غير مشروع هو من أكل السحت، فإذا منع الحقوق الواجبة عليه ولم يدفعها في مصارفها الشرعية كالزكاة والخمس والديون وحقوق الأيتام والزوجة وما شابه فقد منع المال من حقه، وإذا صرفه فيما حرم الله تعالى من المعاصي وخيانة وإضرار بالآخرين أو بذر فيه أو كنزه وبخل به ولم ينفق منه في وجوه البر فقد وضعه في غير وجهه.
   كما أن أكل مال الحرام يظهر جلياً في قبول أعمال الإنسان وعبادته وفي طهارة نسله وذريته: جاء في الحديث ( إن الرجل إذا أصاب مالاً من الحرام لم تقبل منه حج ولا عمرة ولا صلة رحم حتى أنه يفسد الفرج) ، وإذا ما فسدت عبادة الإنسان انقطعت صلته بربه وإذا ما فسد نسله وذريته سهلت سيطرة الشيطان عليه وعلى نسله وكل ذلك مما يسعد الشيطان ويوصله إلى مآربه.

 

مرات العرض: 3599
المدة: 00:56:50
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2573) حجم الملف: 19.5 MB
تشغيل:

الربا إعلان الحرب على الله ورسوله
قذف المؤمنات وقصة حيث الإفك