الله الحي
كتابة الأخت الفاضلة ندى القروص
"وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا"
جاءت هذه الآية المباركة في سياق تهدئة خاطر رسول الله صلى الله عليه وآله لما رآه من تكذيب الكافرين وعنادهم في قبول الرسالة السماوية. توكل على الحي الذي لايموت، ضع إعتمادك وكل أمرك وأنزل كلك على الله عز وجل، إجعله وكيلا في الأمور بصفة أنه حي وأنه لايموت. فعادة الإنسان إذا أراد أن يوصي فإنه يوصي إلي من يتوقع بقاءه بعده وأما إذا هذا الشخص يحتمل موته قبل الموصي فالأفضل أن لا يوكله أموره ولا يضع ثقله أو مسؤوليته عليه بل على الله تعالى. هذه الأية العظيمة فيها تعبير وشرح اخر وهو الذكر الذي نكرره في الصلاة يوميا عدة مرات في ركوع والسجود فنقول : ( سبحان ربي العظيم وبحمده ، سبحان ربي الأعلى وبحمده ) فهذا الذكر يجمع الصفات الإلهية الجلاليةوالجماليةفي التسبيح لله تعالى والتسبيح هو أختصار بأقرار الصفات لله عز وجل وتنزيه وتقديسه.
*الجانب السلبي والأيجابي في التنزيه :
الله سبحانه وتعالى لاتأخده سنة ولا نوم ولا يمسه من لغوب ولم يكن نسيا ولا تحل به العوارض ،وليس بجسم ولايحيطون به علما ولا تدركه الأبصار، وسائر هذه الصفات التى يتقدمها السلب والنفي ترمي إلى تنزيه الله وتقديسه عما لا يليق به من صفات النقص والعجز وغيرها فهذه كلها يجمعها التسبيح فعندما نقول (سبحان الله ) أو ( سبحان ربي ) فأننا ننزه الله عز وجل ونقدسه عن تلك الصفات السلبيه التي هي صفات النقص لكن هذا لا يكفي بأن أقول ليس بجسم ليس بمركبا لا تأخذه سنة ولا نوم في أطار المدح والثناء ، بل لا بد أن أتي بالحمد أيضا كما قال تعالى " سبح باسم ربك " و "سبح بحمد ربك" . كما أنك تنزه في الجانب السلبي عن النواقص أيضا يجب أن أثبت الجانب الأيجابي لله تعالى وهي الصفات الأيجابيه التى تليق بشأنه .
أيضاورد في دعاء الأفتتاح : ( اللهم أني أفتتح الثناء بحمدك) فالحمد هو عبارة عن ذكر صفات المدح والثناء لله عز وجل، مثلما قال الله تعالى في كتابه الكريم لنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم " وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده" الجانب الذي يرتبط بصفات الجلال أذكره منزه مسبحا ،والجانب الذي يرتبط بصفات الجمال والأثبات أذكره حامدا ومثنيا ومادحا، فالأمر لا يقتصر فقط على رسول الله صلى عليه وآله وسلم.
* عبر بعض علماء العرفان عن الله عز وجل في جانبين :
١- جانب التخليه / وهي أن ترفع عن الله تعالى صفات النقص وتنفيها عنه تعالى
٢- جانب التحليه / وهي أن تحلي الله بصفات التى وصف الله بها نفسه.
أثر وفضل صفة الحي لله تعالى :
"وتوكل على الحي الذي لا يموت " صفة الحي جاءت في القرآن الكريم خمس مرات وفي بعض الموارد جاءت صفة الحي (مقترنة بالقيوم ، وغير مقترنة بالقيوم) ١/ مقترنة مثل أية الكرسي قال تعالى "الله لا إله ألا هو الحي القيوم .." أقترنت صفة الحي بالقيوم ،ورجح بعض العلماء أن يكون أسم الحي القيوم هو الأسم الأعظم لله تعالى لما يحمله من معاني وإشارات في القرآن والأحاديث . روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: رأيت يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وآله ساجدا يقول: (يا حي يا قيوم، وانصرفت إلى الحرب ثم رجعت فرأيته ساجدا يقول: يا حي يا قيوم، ولم يزل كذلك حتى فتح الله له) .البعض يقول أن سبب أختيارالنبي لهذا الذكر فيه أشارة إلى أن هذا هو الأسم الأعظم لله تعالى ، وأضافوا أنه موجود في أية الكرسي ذات الفضل العظيم المحقق عنها في الروايات هي الأية الأولى .
وورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :( أية الكرسي خمسون كلمة في كل كلمة بركة ) فأذا صح هذا الحديث فلا ينطبق ألا على هذه الأية المباركة ، التي تقرأ أيضا في (صلاة ليلة الدفن) اليلة الأولى للميت فأية الكرسي لها فضل عظيم حيث تشتمل على هذين الأسمين المقدسين الحي والقيوم .
مثال أخر جاءت مقترنة كقوله تعالى : " وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما " أي تأتي الوجوه خاضعة خاشعة عانية مذلة لرب الأرباب وملك الملوك ، والخائب من يأتي حاملآ للظلم يوم القيامة.
٢/ غير مقترنة بالقيوم كما في الأية الكريمة قال تعالى " وتوكل على الحي الذي لا يموت " صفة الحي لله عز وجل تختلف عن الحي في صفات المخلوقين فنحن يطلق علينا أحياء فالحيوان والنبات حي بدرجات مختلفة ولكن الفرق بين الحياة المنسوبة لله تعالى كصفة ،أماحياتنا حياة عارضة وطارئةوليست ذاتيه فقد كنا عدماونرجع عدما فقبل مئة سنة لم يكن الأنسان موجودا وبعد مئة سنة لا وجود لأحدا، فالكون مستمر لا يتوقف ولا يبقى أثر سوى العمل الصالح للأنسان.
قال تعالى "هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا" قال تعالى "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ"
فالحياة لم نصنعها لنا ولا هي ذاتية لنا وأنما هي عارضة والعوارض تزول ، مثلما أتت ولم تكن تذهب فالله سبحانه وتعالى كتب على عباده هذا التحدي والقهر بالموت والفناء.ومهما بلغ الأنسان في قدرته الدنيوية والدينية فهو ميت حتى الأنبياء فأنهم أموات لا محالة فلا يؤخر الله نفسا أذا جاء أجلها ولا يؤخر، مثل نبي الله سليمان عليه السلام .
* الحياة الخالدة والبقاء لله تعالى
فالحياة لله تعالى وهي صفة ذاتية و صفة فعلية ١- الصفات الذاتية مقدسة لا تتأخر أبدا ولا تنفك عن الله تعالى فالله هو الحي القيوم الذي لا يموت حي لا يفنى، حياة ذاتية ليست محدودة .جاء في دعاء الجوشن( يا حيا قبل كل حي ويا حيا بعد كل حي وياحي الذي ليس كمثله حي ) .
٢- الصفات الفعلية وهي التى قد يعملها الله لنا من الرزق والرحمة والنصر والشفاء وغيرها .في الخبر ( يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به )فأذا خلاصة الكلام أن يتعلق قلب الأنسان بربه الذي لا يموت ويتوكل عليه، فحياتنا ليست دائمة فالله هو الذي يحي الموتى ويحي الأرض بعد موتها فحقيقة الحياة ليست مجرد نبض قلب او هواء بل هذه احد مظاهر الحياة .
عن أمير المؤمنين عليه السلام قال واصفا ملك الموت :
(هَلْ تُحِس بِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلًا أَمْ هَلْ تَرَاهُ إِذَا تَوَفى أَحَداً بَلْ كَيْفَ يَتَوَفى الْجَنِينَ فِي بَطْنِ أُمهِ أَيَلِجُ عَلَيْهِ مِنْ بَعْضِ جَوَارِحِهَا أَم الروحُ أَجَابَتْهُ بِإِذْنِ رَبهَا أَمْ هُوَ سَاكِنٌ مَعَهُ فِي أَحْشَائِهَا، كَيْفَ يَصِفُ إِلَهَهُ مَنْ يَعْجَزُ عَنْ صِفَةِ مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ) يصف أمير المؤمنين في هذا الحديث ملك الموت ويوضح أننا نعجز عن وصفه وكيفية قبضه للجنين في بطن أمه، فكيف بنا هل نستطيع وصف رب ملك الموت وخالق ملك الموت!؟ فحقيقة الحياة لا ندركها ولا نعرفها . يكفي أن نعرف أنه الله قبل كل حي وبعد كل حي وفوق كل حي وحين لا حي وأنه محي الموتى، لذا وجب التوكل عليه في الأمور كلها فكل شيئ نفعله أنما هو من الله لأنه هو الذي يرتب الأسباب والأمور ، لا أن نوكل أمورنا على أنفسنا بل إلى الله جل جلاله .
قال تعالى "وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ"فالعظام التى أنشأها الله أول مرة قادرآ أن يحيها ويعطيها الحياة .أن الله تعالى أعتبر بعض الأموات أحياء كالشهداء نظر لما قاموا به قال تعالى " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" لم يعط الحياة للموتى في النشور بل أعطاهم قبل ذلك كالشهيد الذي جعله حي بما يمارسه من أدوار.
*ووصف الشهداء : -بأنهم ( فرحين بما أتاهم الله من فضله ) - ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم
ـ وانهم لا خوف عليهم - لا يحزنون . فالأستبشار والفرح والرزق من علامة الحياة وهم يؤثرون في الأحياء ويحركونهم وأقرب مثلا على ذلك شهادة الأمام الحسين عليه السلام وبقاءه إلى يومنا هذا . |