الخرافات أين تأخذ المجتمع ..
كتابة الأخت الفاضلة أم عبد الله
قال تعالى ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ )
أكرم الله الإنسان بالعقل و رفع منزلتهُ الى أعلى الدرجات. فمثلاً فيما يرتبط بالمبحث الكلامي و العقائدي، جعل العقل مقياساً للثواب والعقاب، كما هو وأرد في الحديث أو في الوصية التي ذكرها الأمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم ( أول ما خلق اللهُ العقلَ فقال له : أقْبِلْ فأقبلَ ثم قال له : أدْبِرْ فأدبرَ ، ثم قال اللهُ عزَّ و جلَّ : و عِزَّتِي و جلالي ما خلقتُ خلقًا أكرمَ عليَّ منكَ ، بك آخذٌ ، و بك أُعْطِي و بك أُثِيبُ ، و بك أُعاقِبُ ).
العقل في المجال الكلامي :
فجُعل العقل في الموضوع الكلامي مقياساً لثواب الله عز و جل و لعقوبته .
و لذلك كان الذي يعقل و يعبد أكثر ثواباً ممن لا يكون له نفس القدرة العقلية و يعبد ربه. أنت ترى أحياناً عملًا واحدًا و لكنه في الثواب و الجزاء يُعطى لهذا العاقل الكامل ثواباً كثيرًا و يعطى لغيره من من هو أدنى منه درجةً في هذا الجانب من ثواب أقل، نظراً لتعقل الأول ما يفعل و إحاطته بفلسفة هذا العمل و أغراضه و ما شابه .
فالعقل، في البحث الكلامي، جُعل مقياساً في العلاقة بين العبد و ربه في قضية الثواب و العقوبة و ما شابه.
العقل في المجال الفقهي :
في المبحث الفقهي، نحن نجد أن العقل هو شرط الدين الأسلامي. و هو شرطً للواجبات الألهية على الإنسان .
كل الواجبات العبادية و المعاملاتية مربوطةٌ بالعقل. واجبات الإنسان أحد شروط وجوبها أن يكون الطرف المكلف عاقلًا. المعاملات، ايضاً كذلك لابد من توفر شرط العقل فيها حتى تكون نافذةً. ففي البحث الكلامي، نحن نجد أن العقل هو مقياس للثواب والعقاب.
في البحث الفقهي، نجد شرطاً للواجبات في إستنباط الحكم الشرعي، نجده دليلاً على الحكم، يجعلهُ في عرض القرآن الكريم و في عرض السنة و في عرض الأجماع. يوجد هناك دليل الإجماع. و فوق هذا المستوى، هو دليل على الله عز و جل. الدليل على الله ليس قال رسول الله و ليس قال فلان إنما هو العقل، دليل الإنسان على ربه. و لذلك لما الأئمة عليهم السلام يريدون أن يستدلوا، يذكرون الإنسان بفطرته و بتعقله و يهدونه بهذه الطريقة الى خالقه. فإذاً هذه المنزلة و هي منزلة تتمدد على الموضوع الكلامي و العقائدي و الموضوع الفقهي الفرعي، بمعنى الواجبات وفي الدلالات على الله عز و جل. و في كثير من العقائد، الدليل الأساس عليها هو العقل. بل هو في الفروع الفقهية ايضًا الدليل أو هو من الادلة على تلك الفروع الفقهيه .
لذلك ايضاً من هذا الباب، كان من غايات الإنبياء والرسل والأوصياء تدعيمُ دور العقل و تكريس مركزيته, التي جُعلت من قبل الله عز و جل .
الإنبياء، عندما يأتون، لا يطلبون من الناس عبادةً فقط و إنما يطلبون منهم معرفةً و وعيًا و عقلاً. لو لم يكن ذلك، لكان يكفي أن يبقى الناس على مستواهم التعبدي العادي لكن لِكَي يعطي العبادة حقها و يبلغ بِهَا المكان الذي أعد له، لابد أن يكون مربي لعقله. و القرآن، في هذا الباب، صنع شيئًا كثيرًا صُنع في مقابل هذا الخط الألهي النبوي الرسالي الإمامي، كان هناك خط آخر هو خط المستغلين، خط الطواغيت، خط المخادعين. كانوا يسعون بإستمرار لإخماد نور العقل و نشر حالة الحماقة و الخرافة والجهل في الأمم . لماذا؟ لانه للسيطرة لابد من الجهل، للسيطرة لابد من الحماقة.
كيف يسيطر الظالمون على المجتمعات بالخرافة
يصعب على ظالمٍ مثلاً أن يسيطر على مجتمع متعقل. (في أعلى الدرجات صعب عليه) لأنهم في ذلك الوقت واعون و فاهمون و قادرون. متوجهين يصعب على إنسان مستغل أن يأتي الى مجتمع متعقل نبيه فاهم عارف و يستغله و يستغفله، فهذا صعب عليه. يحتاج أن يذهب الى مجتمع غافل ذاهل تنتشر فيه الخرافات حتى يستطيع من خلال ذلك النفوذ إليهم .
مما يذكر في هذا الشأن، و فيه إشارة معبرة في هذا الأمر، ما ذكره العلامة الأميني في كتابه الغدير ناقلاً عن مروج الذهب من كتب التاريخ المتوازنة الذي يوجد اعتراف بها من الفريقين _ مؤلفه علي بن حسين المسعودي من علماءنا الأمامية_ ففي هذا الكتاب ينقل في الغدير عن مروج الذهب أنه عندما انتهت معركة صفين و رجع أهل الكوفة الى الكوفة وأهل الشام الى الشام ، كان شخص من أهل الكوفة لديه عمل في دمشق فذهب الى دمشق لقضاء تلك الحاجة، واحد من أحد أهل الشام راءه فعرف أنه كوفي فتمسك به و قال، و أشار الى دابته الذي يركبها - دابة الكوفي- و قال هذه ناقتي أنت أخذتها مني في صفين لابد أن ترجعها لي .
فقال له: يا رجل؛ أنا لم (أرك) من قبل هذا اليوم (فكيف) لك أن تقول (أنا) ممن حضر صفين! كيف تثبت ذلك ؟
قال: هو ما أقول لك. هذه ناقتي، و لا بد لك أن تعطيني إياها. و أقام هذا الشامي (خمسين) شاهدًا يقسمون أنها ناقة هذا الشامي. فهذه ناقة فلان الشامي، و هذا جاء و أخذها من عنده. كيف يمكن لأشخاص أن يفزعوا الى شخص بشهادة الزور!! مادام (الرجل) الرجال من أهلنا و معارفنا و مذهبنا، لنشهد (له). مع أنه يحرم على الإنسان أن يشهد بغير علم. إقامة الشهادة لازمةً إذا كان الإنسان يعرف ذلك معرفة حسية. أما واحد يقول: أكيد هذا رجل مؤمن فهو لا يكذب، فلنشهد (له). هذا حرام و لا يجوز .
فأقام خمسين قسامة يقسمون بالله أن هذه الناقة ناقة فلان، و رفع الأمر الى معاوية بن أبي سفيان، فحكم للشامي. فقال هذا واحد شهدوا معه، ماذا تريد بعد هؤلاء، يثبت القضية و الحكم للشامي. هذه الناقة ناقته. و الكوفي ليست ناقتك، فالكوفي ضحك. فسأله لماذا تضحك؟ قال يا معاوية هذه الدابة التي أنا جئت بها ليست ناقة، هذه جمل!!! أنظر الى أسفلها. هذا يقول فقد ناقته, هذه ليست ناقة هذا جمل. و هذه علامة واضحة فكيف تحكم إليه؟!! قال معاوية هذا حكم قد مضى و كلمة الرجل لا تثنى. ماذا يفعل: إذا كان خصمك القاضي فمن تقاضي. ذهب معاوية و أرسل إليه شخصًا يبحث عن مكان الكوفي أين يجلس في الشام. عرف أنه في مكان معين. يوم ثاني أرسل له رسولًا و قال له إن الخليفة يريدك في أمر ضروري. فقال له الخليفة كم كان ثمن هذا الجمل "الناقة" التي لك؟ فقال نفرض مثلاً ٥٠٠ دينار قال خذ ١٠٠٠ دينار .
وأنت قادم الى الشام الى أي أمر هنا نحن نقضيه لك . بيع ، شراء لكن (أنا) أعلم أن دعواهم هذه باطلة لكن اذهب الى علي بن أبي طالب و أخبره بأن يسلم عليك فلان وأنه يقاتلك بـ١٠٠ ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة و الجمل .
خمسون واحدًا يقسمون بالله بأن هذه ناقة مع أنه جمل. و هؤلاء هم الذين ساقاتله بهم (فاستخف) فأستحق قومه فاطاعوه. هذا (لو) إذا كان الطرف الذي أمامه ناسًا يميزون و يتعقلون و يفهمون و ينتقذون الأمر. هل يمكن أن يأتوا بهذه الطريقة كلا هل يمكن أن يحكموا كلا .
هل هناك جهات تروج للخرافة ؟
ولذلك نحن نعتقد إن هناك جهات تروج للخرافة، تروج لإماتة العقل، تروج للحماقة و تروج لتغيب الناس عن حالة التعقل و السمو الإدراكي. تنزلهم من هذا المكان العالي الذي وضعهم الله فيه الى مستوى كهذا المستوى. و مع الأسف، مجتمعنا مصاب بشكل أو بآخر بمثل هذه الأمور؛ من قبيل قضايا السحر و الجن و الشعوذة و ماشابه ذلك. هذه أرضيتها ماذا؟
هذه أرضيتها أن الإنسان يترك عقله في الثلاجة و يجمده. إذا كان عقله معه لا يمكن أن يذهب وراء هذه المسائل. لعل أحد الناس، قسمًا منهم يسأل؛ هل معنى ذلك أن السحر غير موجود ؟ القرآن الكريم يقول
( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)،
إذن لا يوجد سحر ؟!! نعم هناك سحر، لكن من يقول لك هذا!؟. لدينا الآن من يقول لك أنت مصاب به و بهذا الحجم. أنا آتي لك بهذا النوع من الأمثلة؛ نقرأ قسمًا منها لما يتحول من حالة شعبية الى حالة قانونية و فضائية ، المصيبة الى أين تصل!؟. وصلت في أحد بلاد المسلمين الى أن جابوا واحدةً إلى الناس على أنها سحرت زوجها عملت له عملًا، بحيث لا يروح لا من هنا و لا من هنا. جابوها و حكموا عليها مثلاً بستة أشهر. الى هنا، القضية فيها مجال الى حد القول فيها نعم، و لكن ماهو دليل الاتهام! و ما الذي جعلهم يحكمون عليها و يصدقون؟. إنهم استمعوا الى شهادة الجني الذي جعلته في ذلك الزوج في جوف الزوج .
و هو ايضاً قال نعم إن فلانة خلتني اجي و فتحت الي الحدود (و لا يحتاج الى فيزا و لا تأشيرة) و دخلت الى جوف ذلك الرجل. هذا لما تصير محكمة و قانون قائمًا على مثل هذا الامر، انتظر الى المصيبة الى أين تصل!!!. المصيبة تصل الى أن عندنا قاضي هنا في بلد المسلمين و يلهف له ٦٠٠ مليون ريال عداً و نقداً. بعد ذلك لما يؤخذ و يحاكم؛ يقول لست أنا من أخذ و إنما انا مسحور. هذا الجني هو الذي وقع وعمل التحويلات و أشتغل على الإنترنت، أنا مسحور، أنا ماسويت شيئًا. و أسوء من هذا، أن بعض الهيئات شبه الرسمية تسمع هذا الكلام و تتقبله على أساس أنه جزء من الدفاعيات. مساكين ذولاك حسني مبارك وبن علي لم يكونوا ملتفتين لهؤلاء الجن الذين سرقوا ٦٠٠ مليون. راحت عليهم، كان يستطيع أن يقول حسني مبارك أنا ٧٠٠ مليار التي أخذتها، هذا جني جاء و أخذها و وضعها في حسابي .
هذه حقيقة منتهى الإسفاف و الإستخفاف بالعقول، عندما تصل الأمة لهذا المستوى. و لذلك، بعض المغامرين وجد أن القضية بسيطة فبدأ يعمل "جني للبيع". فينادي من يشتري هذا الجني بـ٧٠ ألف ريال، قيمته. في هذه الحال، لا يحتاج المشتري لسائق و لا لشغالة، فقط شبيك لبيك و عبدك بين يديك ويأتي إليك.
باع هذا الرجل الجني بهذا المقدار. فهؤلاء المغفلون عندما شاهدوا أن هذا الجني لا يأتي عند الإتصال به، فجواله مقفل حسب التعبير، عرفوا أن هذه لعبة واستخفاف بعقولهم. فذهبوا واشتكوا عليه في المحكمة؛ هذا باعنا جني، وهذا الجني لايأتي ليخدمنا.
أرأيت إستخفافًا و إسفافًا لهذه العقول بهذا المقدار، بحيث يبدأ من حالة هوس و أسطورة الى حالة شبه قانونية و إلى حالة قانونية و قضائية، و تتعامل معها بعض الدول على أنها حقائق ثابته و قضايا قائمة.
هل ممكن أن يكون هناك إسفاف أكثر من هذا المقدار!!. حتى على المستوى الاجتماعي، قد لا يكون الإستخفاف بذالك المقدار.
أنا أتعجب أحياناً هناك إنسان يتعامل مع أرقى ما وصلت إليه التكنولوجيا اليوم؛ هذه الهواتف الذكية و الإنترنت و الأيباد و مع ذلك يرسل من خلال جواله أنه مثلاً "قل كذا و كذا و إذا قلت سيصير لك شئ و إذا لم تقل لا يصير لك شئ و إذا أرسلت خمس نسخ سيحصل لك كذا و إذا لم ترسل لن يحصل". هذا لابد أن يرجع الى العصر الحجري و لا يتعامل مع الأيباد و الأيفون و التقنية. هذه عقلية يعبر عنها ذلك الشاعر عندما قال: خلاصة القضية توجز العبارة لقد لبسنا قشر الحضارة والروح جاهلية.
ليست عندنا روح حضارية. الحضارة تقوم اولاً على العقل و على فهم السنن و على العلم و على التوجه للأسباب و المقدمات. أما واحد يأتي يرسل لي هذه رسالة و يقول أرسلها الى فلان كذا و ستنال ما تحصل. رددت عليه لن يحصل شيء ابداً، ما يحصل شيء، ماذا سيحدث!!!.
الآن, العالم و الكون قائم على أساس ماذا؟. إنه قائم على أساس سنن و قوانين دقيقة صارمة؛ و لن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.
ما هذه الخرافات!!!. ما هذا الإستخفاف بالعقول!!!. تتصل امرأة تقول أن عندي "تابعة" فماذا أعمل لكي أتخلص منها مثلاً.
هذه التابعة جالسة داخل بدنها فإذا حملت تخنق الجنين. هذا الكلام لا علم و لا دين و لا تجربة تؤيده، و إنما هي خرافة في منتهى السقوط. و على هذا المعدل، فقس ما سواه. ينبغي أن يحترم الإنسان نفسه و أن لا يدخل في هذه القضايا. أن تعيش في أي عالم، تعيش في أي مستوى، أنت تتعامل مع تقنيات تنتمي الى عام ٢٠١١م و تعيش عقلية ١٤١٥هـ. وحتى الذين كانوا في ذلك الزمان لم يكونوا بهذا التراجع العقلي. نحتاج أيها الأخوة أن ننفض ركام الخرافة و هذه الأمور من مجتمعنا و لا نقبل بها أبداً. مثلاً نساء يقلن كنا خارجات من البيت و رأين على باب المنزل من الخارج بيض مكسور و نحن عدد من الفتيات في البيت؛ أكيد هذا عمل سحر لكي لا أحد يتقدم لخطبتنا!!! نحن نقول إن قضية العنوسة على مستوى العالم و على مستوى البلاد العربية و على مستوى بلادنا واضحة لها أسبابها و مقدمات جداً بينة و واضحة يتم تدريسها كقضية اجتماعية. ماذا يعني بيضة و ما شابه.
عندما يصبح الاعتقاد بالسحر شركا :
بعض الأحيان، حقيقة يرتقي الأمر الى درجة أن يصبح عند الإنسان، من دون أن يدرك، خلل عقدي. أ ليس يقال من ذهب الى كاهن أو منجم فقد كفر بما أنزل على محمد؟!. من ذهب الى ساحر فكذا و كذا لماذا ؟
الجواب على ذلك - نحن نكرر بإستمرار و المسلمون- لبيك لا شريك لك لبيك، وحده لا شريك له.
بعد ذلك، نفترض أن هناك شخصًا يدعي السحر يستطيع أن يرزقنا و يستطيع أن يمنع عنا الرزق.
أن هناك ساحرًا يستطيع أن يوفر لنا الشغل و يمنع عنا الشعل و هناك ساحرًا يستطيع يسهل لنا أمر الزوج و يستطيع أن يمنع عنا الزوج، و هناك ساحرًا يستطيع أن يجعلني سعيدًا مع زوجتي و يستطيع أن يمنع عني السعادة، و هناك ساحرًا يستطيع أن يعطيني الولد و يستطيع أن يمنع عني الولد. فكم شريك جعلت لله عز و جل، ثم كم أصبح عدد المتصرفين في الكون!!. لم يعد العدد واحدًا و لا إثنين. أصبح هذا شريك له وذاك. كيف صاروا لله شركاء؟ فالذي يستطيع أن يعطي ولداً فهذا شريكً لله، و الذي يستطيع أن يمنع الولد، شريك أيضًا لله، و الذي يستطيع أن يرزق الولد شريك لله، و الذي يستطيع أن يرزق إنسانًا ويفتح له الأبواب فهذا أيضًا شريك لله.
فكيف إذن تقول لاشريك له ؟!! من يعتقد هذا الإعتقاد سيكون بدارية منه أو بغير دراية ممن يعتقد بوجود شركاء متعددين لله تعالى و يعتقد بآلهة متصرفين في هذا الكون. لذلك من جاء الى ساحر فصدقه فكذا و كذا و كذلك من جاء الى كاهن أو منجم .
و إلا لو أن كل واحد منا يذهب الى رجل ما؛ ماذا يحدث ؟ هل كفر بما أنزل على محمد؟ لماذا؟ لأن في حقيقة أمره إذا أعتقد بكلامه معنى ذلك أنه يعتقد - بطريق غير مباشر - أن هناك آلهة متعددون أربابًا متفرقون و شركاء متصرفون في هذا الكون .
لذلك ترتقي المسألة من مسألة فقهية (أن أذهب الى هذا العالم أو لا أذهب إليه) هذه مسألة فقهية و نطاقها يجوز أو لا يجوز لا يوجد بها بعد عقدي، كفر أو إيمان، لكنها ترتقي إلى مسألة عقدية ذلك حين أذهب إليه و أعتقد أنه ينفع و يضر، و رجاءًا لنفعه أعطيه فلوسًا و إتقاءًا لضرره أعطيه فلوسًا. هذا معناه أنت قد جعلت له شريكًا متصرفًا في هذا الكون، لذلك ترتقي من كونها مسألة فقهية يجوز أو لا يجوز الى مسألة تقر بما أنزل على رسول الله أو لا تقر أو آمن بما أنزل على رسول الله أو لم يؤمن .
نحن نحتاج ايها الاخوة الى مقاومة صارمة لكل منافذ الخرافة في المجتمع. لأن هذه الخرافة بتبعاتها تخل أولاً بصحة العقيدة، فكما تقدم الذي يعتقد بهذه الأمور ينتهي به الأمر - عن شعور أو لا - الى خلل في إعتقاده بوحدانية الله و بتصرف الله و أنه لا رب سواه و لا متصرف غيره. و من جانب آخر، سينتهي ايضاً إلى أن يسقط في براثن هؤلاء المستغلين الذين يعظمون هذه المسألة.
250 ألف مشعوذ في العالم العربي ؟
هناك باحث مصري، اسمه محمد عبدالعظيم، في مركز البحوث الجنائية في القاهرة. يقدر هذا الباحث عدد المشعوذين و الذين يذهبون وراء هذه الأمور و قضايا السحر و الخرافات على مستوى العالم العربي في حدود ٢٥٠ ألف تقريبًا. معنى ذالك أن لكل ٥٠٠ نفر في العالم العربي لهم واحد من هؤلاء.
في الجانب الآخر، كم مخترع لدينا و كم مكتشف لدينا و كم مبتكر لدينا و كم عالم فضاء لدينا و كم قانوني كبير لدينا!!!. أن عدد الكفاءات لدينا ليس إلا نسبة بسيطة من العدد الهائل لهَولاء المشعوذين و أمثالهم. لماذا نرى أن مثل هذه الأماكن في بلادنا تنتشر فيها قضايا السحر !! ماذا يعني في اليابان مثلاً لا توجد مثل هذه القضايا؟. لا نقول لا يوجد ابداً بعض الاماكن الاخرى فيها فئات من هذا النوع، لكن ما إن تفتح جريدة في يوم من الايام إلا و تتحدث أن الهيئة الفلانية قبضت على ساحر و على مسحور و على كذا و كذا، أرقام تلفونات كثيرة، و كذلك في النت و كذلك عامة حديث الناس .
كذلك قسم منهم في هذا الإتجاه؛ و الله فلانه مسحورة و فلان مسحور و فلان عنده جني. و على هذا المعدل، هذا حقيقة إسفاف بالعقول هذا تضيع لنعمة الله الكبرى علينا. أقول ربما أحد يأتي يسألنا سؤالًا " هل يعني أنك تكذب بوجود السحر؟". لا نكذب بوجود السحر، و لكن اعتقد أنه أقل من واحد في المليون. لزامًا ان تبرهن في هذا المورد بالذات. السحر موجود ولكن هل في المكان هذا بالذات سحر أو لا ؟!! القرآن الكريم قال إن هناك جماعة يتعلمون كذا وكذا هاروت و ماروت. فهناك سحر. أما أنه في كل بلد كل وحدة تأخر فيها الزواج صارت مسحورة!! كل وحدة فشلت في الدراسة صارت مسحورة!! كل واحد ماحصل ولد صار مسحور!!! و كل واحد مريض صار مسحور!!! ماذا يعني هذا ؟!!
هذا مجتمع المسحورين و ليس مجتمع الأسوياء من البشر. نعم نحن نقبل ما يكون ثابتًا من القضايا الغيبية. واحد يقول لا تصدق بالأمور الغيبية و أول آية من سورة البقرة ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ).
نؤمن بالغيب و نؤمن بالمعجزة ايضاً و نؤمن بالكرامة ايضاً. و لكن هذا بحثه بحث مختلف، بحث آخر. هذه لها تعريفها الدقيق. فالمعجزة لها تعريفها الدقيق في علم الكلام؛ متى تحصل و ما هي شروطها حتى نسميها معجزة. و الكرامة متى تحصل وممن تحصل و حتى نسميها كرامة. وونعتقد ايضاً هذه خارج القواعد مستثناة من القواعد و السنن. سنة الله تعالى في الكون سنن دقيقة و حازمة، استثني منها أمر المعجزات. الأسباب الخاصة هذه أستثناء، فما تبين فيه الأستثناء بدليل قوي معتبر صدقناه. القرآن الكريم جاء و تحدث عن معجزات الانبياء: ابرئ الأكمه و الأبرص و أحيي الموتى. هذا كله خلاف القواعد و السنن و لكن هذا استثناء لأجل غرض خاص.
الله تعالى يقول " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب "
السنة الطبيعية أن هذا النوع من الطعام، بهذه الكيفية، غير موجود الآن. لكن هذا يأتي في مساق آخر، مساق هو استثناء من القاعدة. و نحن نؤمن به متى دل الدليل عليه، و قام به البرهان، أما غير ذلك مما يُدٔعي و يُتَحدثُ عنه و يُعظم و يُهول و يُسترزق به و يُسيطر على المجتمعات بواسطته و يُستخف الناسُ به. هذا لا نؤمن به و لا كرامة.
و نعتقد أنه من الأضرار. بعضهم يقول: أنا وصلتني هذه الرسالة فأعدت إرسالها. لما أخبرته لن يحدث شئ، بدأ واضحًا أنه لاحظ أن لهجة الرسالة حاده نوعاً ما، فقال: عفواً شيخنا أنا أرسلتها كما وصلتي، قلت: له هذا ايضاً خطأ آخر.
هذا لا يرفع عنك المسؤولية. أنت، بهذا الفعل، ناشر للخرافة و أنت ناشر للتغفيل و أنت ناشر للحماقة و أنت مساهم في تقليل الوعي في المجتمع، سواءٌ وصلك أو أنت إبتكرته، ليس هناك فرق. الآن لو وصلني شيء أكتب كما وصلني و اعمل على إرساله الى الناس؟!!!
هل يرفع هذا عني المسؤولية الشتم أو الغيبة إن كان ما وصلني شتمًا لفلان أو غيبة له. ليس بمجرد أن اكتب كما وصلني و اعمل على إرساله هنا و هناك، يرفع عني المسؤولية ابداً. عندما يقول الإنسان و الله فلانة رأت أن فلانة في المنام قالت لها مثل هذا إذا صنعتي هكذا بكتابة هذا العدد من الأوراق. طبعاً أيام زمان كان هناك أوراق, الآن غير تغير الوضع. الظاهر نفس ذولاك الذين يرونهم في عالم الرؤيا التفتوا الى أن هناك تقنيات أفضل من الاوراق و هي الأجهزه الحديثة. هذه الأمور لا يجب أن تصدر من إنسان واعي و عارف.
الآن مطلوب منا أن ننشر الوعي و ليس أن ننشر خلافه، فننشر الأمور الخرافية. إذا كنا غير متأكدين من شيء و لا سيما إذا كان ينتهي الى الاستغفال أو الى نشر الحماقة والخرافة في المجتمع فلا ينبغي أن ننشره. ماذا يعني أنشره هنا و هناك!! لا معنى لذلك ابداً. كما قلت: نحن, في نفس الوقت التي نقاوم هذا النوع من التوجه, نؤمن بالقضايا الغيبية إيماناً راسخاً و نعتقد أن في الكون في جزء منه قائم على هذه القضايا. و متى ما ثبت لنا بالدليل نعتقد به و نتعامل معه. المعجزة واحد من أدلة الأنبياء و الرسل و نعتقد بها أعتقادًا راسخًا و جازمًا لا ريب في ذلك و لا ضير. و ذلك بحث و هذا بحث آخر، و ذاك كذب و هذا صدق، و ذاك شيطاني و هذا إلٰهي. هذا ينتهي الى تعميق الإيمان وذاك ينتهي الى تعميق الخرافة و الغيبوبة عن الواقع. أين هذا وأين ذاك!!! ..
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يوفقنا لكي نصون نعمة العقل التي أعطانا إياها و أن نطهر مجتمعنا من أشكال الخرافة و التغفيل و الحماقة. نحن نلاحظ مثلاً قضية العارف و العاقل و الفاهم يتضاعف أجره
من زار الحسين عارفًا بحقه له من الثواب كذا وكذا. غير ذلك، الذي ليس عارفًا، له ثواب و لكن ليس بنفس مرتبة ذلك الانسان العارف .
المعرفة تعقل و سمو و صيانة للعقل، و هذا هو الذي أعطاك الله اياه. نترك الأمور كلها على محكها و تنقذها. لا تأخذ لك حكايا أي كانت و إنما ضعها على محك عقلك و قسها الى الأمور حتى تهتدي الى سواء الصراط. الامام الحسين عليه السلام من زاره عارفاً بحقه كان معه في الجنة و في بعض الروايات غفرت له ذنوبه.
نسأل الله أن يرزقنا زيارة الحسين و أن يحشرنا مع اصحاب الحسين و خدمة الحسين صلوات الله وسلامه عليه |