الحسين وارث الأنبياء
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/1/1432 هـ
تعريف:


الحسين (ع) وارث الأنبياء + المقتل

 

كتابة الأخت الفاضلة أمجاد عبد العال

ذات يوم وقف نبي الله إبراهيم (ع) بجوار الكعبة، ودعا ربه بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إلى ذلك المكان. وكان وحيدا، فرفع صوته: أيها الناس، ألا هلم الحج، وأذن. كما حكى القرآن الكريم، (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ). ولم يكن في ذاك الزمان أحد حول المنطقة، لكنه رفع نداءه مطالبا الناس، وداعيا الناس إلى الحج. وكان وحيدا، وطلب من ربه أن يجعل أفئدة الناس تهوي إلى هذا المكان. فكان ما كان بعد هذا الزمان، عندما ازدحمت هذه المنطقة، على جشوبتها، وخشونتها، ووعورة مسالكها، فاحترمها الموحدون، وقدرها حتى الوثنيين.

كان في يوم من الأيام، واحدا، وأنت اليوم تضطر لئن تقلل الحج؛ لأن المنطقة لا تتسع؛ ولأن المناسك تضيق عن أهلها؛ ولأن الناس قد استجابوا لدعوة نبي الله إبراهيم - على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام - وجاؤوا على كل ضامر، وبكل وسيلة، وبأي أسلوب، من أقصى بلاد الدنيا، استجابة لنداء الله الذي بلغه نبي الله إبراهيم.

وفي يوم آخر، وقف الإمام الحسين (ع) في يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، بعد أن فني أصحابه، وبعد أن تفانى أهل بيته، لكي ينادي: "أَلَا مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُنَا، أَلَا مِنْ مُعِينٍ يُعِينُنَا، أَلَا مِن ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ دِينِ اللهِ، عَنْ حُرَمِ اللهِ، عَنْ حُرَمِ رَسُولِ اللهِ".

وكان الحسين في ذلك اليوم وحيدا. ومرت الأيام، فإذا بهذه الملايين الزاحفة، مشيا، وعلى كل ضامر، وبكل وسيلة، حتى ضاقت تلك الأرض عن أهلها. يتحدثون عن الملايين في مدينة صغيرة، وبلدة ضئيلة، كانت مصداقا أيضا لقوله: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ). هذا هو الحسين يلبي نداءه الملايين، بل عشرات الملايين في عالمنا الإسلامي. لا تجد شخصية لها من التأثير، والحضور، والقوة، والجاذبية، بعد رسول الله (ص)، كشخصية الحسين، كشخصية أبي عبد الله. سلام الله عليه.

ها هو يحرك الجموع، باتجاه الالتئام، والالتحام، والتواصل، يحرك الجموع باتجاه الثورة على الظلم، يحرك الجموع ألا يقبلوا حكم ظالم، ولا سلطة غاصب، مهما كانت العناوين، ومهما كانت الرايات. استجابة لما سمعه من رسول الله (ص): "مَنْ رَأَى مِنْكُم سُلْطَانًا جَائِرًا مُسْتَحِلًّا لِحَرَامِ اللهِ، عَامِلًا فِي عِبَادِهِ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيهِ بِفِعْلٍ وَلَا بِقَوْلٍ، كَانَ حَقُّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَهُ"، أي مدخل ذلك السلطان الجائر.

الحسين (ع)، وارث الأنبياء، مكمل خط الأنبياء. لاحظوا، في مسيرة الإمام الحسين (ع)، كان يتحرك ويتمثل موقف نبي من الأنبياء. فعندما خرج من المدينة المنورة قاصدا إلى مكة المكرمة، تمثل بقول الله عز وجل، في وصف نبي الله موسى بن عمران (ع): (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ). الخوف، ليس خصلة حسنة، فلماذا يصف القرآن النبي بأنه خائف؟ لماذا يتمثل الحسين بآية فيها الخوف؟ والشجاعة هي المطلوبة، الجرأة هي المطلوبة، لكن تفسرها آية أخرى، في القرآن الكريم: (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ). فهناك فرق بين أوجس على نفسه خيفة، وبين أوجس في نفسه خيفة. يوجس في نفسه خيفة على شيء آخر. ما هو هذا الشيء الآخر؟ نجد تفسيره في نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي (ع)، عندما يقول: "لَمْ يُوجِسْ مُوسَى خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَوْجَسَ خِيفَةً مِنْ دُوَلِ الضَّلَالِ، وَغَلَبَةِ الجُهَّالِ"، كان يخشى نبي الله موسى أن يبقى الحكم الفرعوني مسيطرا على الناس، فتحصل الضلالة، ويستمر الانحراف. هذا الذي يخيف نبي الله موسى، فهو لا يخاف على نفسه، وإنما يخاف في نفسه من سيطرة الطواغيت، يخاف في نفسه من غلبة الجهل، وسيطرة الخرافة. هذا الذي يخيف النبي والإمام والداعية والمصلح. لا يخاف على نفسه، ولو كان يخاف على نفسه لما بدأ في هذا المشوار.

نبي الله موسى خاف من غلبة الجهال، من دول الضلال، والحسين سلام الله عليه، يتمثل هذا الموقف، لكي يقول: أنا لست خائفا على نفسي. ولو كان يخاف على نفسه، كانت المسافة بين خروجه من المدينة، في 27 رجب، وبين شهادته في يوم عاشوراء. أكثر من 150 يوم من الزمان، فكان يستطيع في أي يوم من الأيام أن يتراجع عن ذلك. وأن يتوقف. وبالتالي لا يحصل له مكروه أو فاجعة. إنما كان الذي يؤرقه حال المسلمين، حال الإسلام، لقد قالها: "وَعَلَى الإِسْلَامِ السَّلَامُ إِذَا بُلِيَتْ الأُمَّةُ بِرَاعٍ مِثْلَ يَزِيد".

الإسلام هنا ينتهي، الشريعة تنتهي، الظلم يكون هو القاعدة في بلاد المسلمين. أي يتشرعن الظلم آنئذ، وآنئذ لا يبقى للإسلام الذي جاء بقيم العدالة، والإنصاف، أثر في حياة الناس. فتمثل الحسين بموقف موسى (ع).

نجده أيضا، يتمثل موقف نبي الله إبراهيم، على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام. نبي الله إبراهيم الذي أكمل درجات التكامل البشري، وأتم الكلمات، وتخطى الامتحانات واحدا بعد واحد. عندما ابتلى إبراهيم ربه بكلمات وأتمهن. وكلمات: ليست كلمات لفظية، وإنما هي عبارة عن اختبارات، امتحانات، صلابة النفس، قوة الإيمان، القدرة على تقديم أوامر الله على كل شيء، إلى أن وصل إلى: (نِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)، قال: (سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)، كان هذا أمرا امتحانيا، كان هذا أمرا اختباريا. يراد منك أن تفصل قلبك عن بدنك، وأن تعلِّقه بالله عز وجل. ألا ترى فوق أمر الله عاطفة، ولا مشاعر، ولا أمر، ولا رابطة، إنما هو أمر الله عز وجل. هذا الذي ينبغي أن تراه، وأن تنظر إليه.

هنا يتمثله الحسين في كربلاء، عندما يمشي في الطريق، وإذا به يغفو قليلا، فيستيقظ ويقول: "إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون". يقول علي الأكبر: "لِمَا اسْتَرْجَعْتَ يَا أَبَا؟"، فهذا ذكر طيب، ولكن هل هناك مناسبة؟ فقال: "عَنَّ لِي هَاتِفٌ يَقُولُ: القَوْمُ يَسِيرُونَ وَالمَنَايَا تَسِيرُ بِهُم". فهنا تتكرر المعادلة بشكل آخر. "أَوَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ؟"، قال: "بَلَى". "وَالَّذِي إِلَيهِ مَرْجِعُ العِبَادِ، إِذَنْ لَا نُبَالِي، وَقَعْنَا عَلَى المَوْتِ، أَوْ وَقَعَ المَوْتُ عَلَينَا". المنية أمامنا أو نحن أمام المنية، لا يهم. الموت قدام مطايانا أو هو خلف مطايانا، لا يهم. ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي. فشابه في هذا الموقف: في فدائه، بأن قدم خير البنين من الأكهلين إلى الرضع، كما يقول الشاعر الجواهري.

الإمام الحسين (ع) كان يتمثل في موته بيحيى بن زكريا، عندما قيل له وهو خارج من مكة المكرمة، بل عندما هدد بالقتل، في يوم عاشوراء، قال: "هَلْ يَعْدُو بِكُم الأَمْرَ أَنْ تَقْتُلُونِي؟" أكثر من هذا ماذا يجري؟ "أَنَّ مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّ رَأَسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا قَد أُهْدِيَ إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيل، بِيَدِ ظَالِم ٍمِنْ ظَلَمَتِهَا، فَلَسْتُ بِدْعًا فِي هَذِهِ الجِهَةِ"، أي أيضا تكرر التاريخ مرة أخرى، لكي يحمل رأس ابن بنت رسول الله - سلام الله عليه وعلى ابنه - في طشت؛ لكي يقدم إلى الخلافة الأموية، التي مع الأسف، نجد بعض الخاطئين في هذا الزمان، يدافع عنها.

فهناك بغي من بغايا بني إسرائيل، تحرك ظالما، طاغيا؛ لكي يقتل نبيا مرسلا من قبل الله عز وجل. وهنا الشهوات والأهواء تحرك طاغية؛ لكي يقتل الحسين (ع)، ويقدم رأسه في طشت إلى طاغية زمانه. فهذا يحيى، وهذا الحسين.

وهكذا، المشاكلة والمشابهة بين الحسين وبين جده المصطفى محمد (ص). ويكفينا ما روي عن الرسول (ص) في قوله: "حُسَينٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَين"، أنا من حسين امتدادا، واستمرارا، وتجسيدا، ودعوة. قما الذي يمكن في هذا الزمان أن نستفيده من عاشوراء؟

النظر إلى عاشوراء، يمكن أن يكون بأكثر من وسيلة. فتارة ينظر إلى عاشوراء على أنها أحد أنواع الفلكلور المحلي لفئة من الناس. ففي كل بلدان العالم، يوجد فلكلور، عادات، تقاليد شعبية، يمارسونها. قد لا يكون فيها – بالضرورة - مضمونا ثقافيا، ولا أمرا يمكن أن ينفع الآخرين، لكن هو جزء من شخصية تلك المجتمعات. هذه نظرة.

النظرة الأخرى: أن يكون عاشوراء مناسبة لإعلان الانفصال، لإعلان الاستقلال، لإعلان التجزئة عن باقي الأمة. بأن يقوم قسم من الناس، فيقولون: نحن منفصلون، نحن لنا عاداتنا، لنا طرقنا، لنا أساليبنا، فهذه نظرة أخرى. وكلا النظرتين، لا تتمتع - فيما نعلم - بتأييد روح عاشوراء. روح عاشوراء: أنها دعوة للأمة ككل. فأنت ينبغي أن تنفتح على الأمة، في أفكارك، وأن تستقطب الناس إلى دعوة الحق، ودعوة الخير، ودعوة الإصلاح؛ لأن الحسين بن علي (ع)، لم يثر لأجل أهل بيته، بني هاشم، ولا لأهل المدينة التي كان يعيش فيها، ولا لشيعته المحدودين، لا للإطار الخاص، وإنما قال: "إِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلِبِ الإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي". بل في موقع آخر، هو: نداء إنساني، سوف يأتي الحديث عنه أيضا.

فالمرحلة الأولى: أن الإمام الحسين (ع) يريد الإصلاح، ليس على مستواه الشخصي، ولا العائلي، ولا البلدي المحدود، ولا الشيعي الخاص، وإنما على مستوى كل أمة الإسلام. من الذي لا يرغب من أمة المسلمين في الإصلاح؟ من الذي لا يتعشق الحق؟ من الذي لا يريد الإنصاف؟ من الذي إذا قيل له: "أَلَا تَرَوْنَ إِلَى الحَقِّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَإِلَى البَاطِلِ لَا يُتَنَاهَى عَنْهُ"، من هو ذلك الذي يقول: لا يهمني الأمر في قليل أو كثير؟ إذا كان صاحب فكرة وعقلية، وكان سوي التفكير، يشارك في هذه الدعوة، يعين فيها.

فالإصلاح مطلب عقلي أولا، ثم هو مطلب ديني. فعقل الإنسان بما هو يدرك أن الفساد قبيح، منفور، متروك، يدرك أن الظلم لا ينبغي أن يسعى وراءه، ولا ينبغي أن يؤيد. وقد جاء الدين وأكد على هذه القيم. فحتى لو ما كانت لدينا توجيهات دينية في الإصلاح، وفي محاربة الظلم، كان عقلنا يهدينا إلى قبح الظلم، وحسن العدل، والإصلاح، والإنصاف، وكنا نتبع الحكم العقلي. فالدين جاء مؤيدا لذلك ومؤكدا عليه.

فالنظرة الثالثة، هي النظرة الصحيحة. فلنجعل من عاشوراء – أيها الأخوة، أيها الأخوات، أيها الأحبة جميعا – فرصة للالتفاف حول القيم من قبل كل أبناء الأمة على اختلاف مذاهبها، ومشاربها، وتوجهاتها. مثلما أننا وجدنا في معركة عاشوراء، كان هناك، جون، وهو عبد بحسب التصنيف، زنجي، في مرتبة اجتماعية لم يكن يتعامل معها العرب آنئذ تعامل الأحرار. عبد زنجي شارك في نصر العدل وقضية الإصلاح. إلى جانب من؟ إلى جانب نفس الحسين الذي هو ابن خير أهل الأرض، ابن رسول الله (ص). شاركا معا في القتال. فذلك الذي رافق الحسين من أول المسيرة، وذاك الذي توجه في آخر لحظة، لما اشتبك القوم، وخطب الإمام الحسين (ع) - كما سنأتي فيما بعد على ذكر هذا - وبين لهم بعض الحقائق، فانتهى إلى عسكره الحر بن يزيد الرياحي، وعمر بن سلمة الأنصاري، وأخوه أبو الحتوف، وآخرون، في اللحظة الأخيرة، واستشهدوا في ذلك المكان. حتى هذا الشخص أيضا ينبغي أن ينظر إلى أنه شريك في الإصلاح، وينبغي أن يخاطب الآخرين على أنه شريك في ذلك.

عاشوراء قيم عندما نجدد الذكرى، إنما نجدد الانتماء والولاء للقيم الحقة، للقيم الكبرى، للمبادئ التي نحتاجها اليوم. وفي كل يوم. فالحق ليس مؤطرا بزمان، والعدل ليس مؤطرا بزمان، والمحبة ليست مؤطرة بزمان. فهذه المبادئ وأمثالها إنما هي خط مستمر. ينبغي - أيها الأخوة، أيتها الأخوات، أيها الأفاضل جميعا والفاضلات - أن ننظر إلى عاشوراء، لا على أنها فلكلور، فإن الحسين (ع) أعز وأكرم من أن يضحي ببدنه الشريف، وبنفسه الكريمة؛ لكي تُحوَّل إلى تقليد، وإلى فلكلور، وإلى عادات. هو أكبر من ذلك.

الحسين، نفسه العالية كانت تتسع لكل البشر، لخير البشر، فلا ينبغي أن نؤطره في حدود أسرته، أو كما يصنع بعض الناس أحيانا من جعل الأمر كأنما صراع بين عائلتين: بني أمية، وبني هاشم، فهؤلاء تصارعوا وتعاركوا، ولهم تاريخ من الصراع والمعركة. ليس الأمر هكذا. فالقضية قضية قيم، والقيم مستمرة، ولها تنسُّلات في كل وقت من الأوقات.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أداء رسالة الحسين، وأن يجعل الحسين - كما هو - جامعا لما تشظى من الأمة، ولما تفرق من طاقات أبنائها. ليكن موسم عاشوراء، يعبر عنه بتعبيرات مختلفة، في كل الأماكن الإسلامية، كل بطريقته وأسلوبه. فالمهم أن يهتدى إلى القيم التي أعرب عنها الحسين (ع)، وجاهد في سبيلها، وفجر في سبيلها نهضته المباركة. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لذلك.

والقضية أيها الإخوة صعبة، حقيقة صعبة. فأنت تارة تصعد إلى تل، ولا تحتاج إلا إلى بذل شيء من الجهد، وتارة أخرى تصعد جبلا يناطح السماء، وهذا يحتاج إلى عزيمة قوية، وإلى فعل كبير. فالإمام الحسين (ع) جسد هذه القيم: في الصبر، الشجاعة، الوفاء، احترام الآخرين، نصرة الدين، الأمر بالمعروف، النهي عن المنكر، مناهضة الظلم. وكل واحدة من هذه القيم فيها تكاليف كثيرة، يحتاج الإنسان أن يصمم على أن يقتدي بها وليعلم أن الأمر عسير وصعب.

نكتفي بهذا المقدار، لا نطيل عليكم. وننتقل إلى ذكر المأساة. فهذا جانب العبرة وجانب الفكرة، فننتقل إلى جانب المأساة حتى ننظر إلى ألم الحسين (ع)، وننظر إلى ما الذي حدث لهذا الإمام العظيم، والسبط الكبير.

يقول المؤرخون: أصبح الحسين يوم عاشوراء، فصف أصحابه، ثم بدأ بخطاب جيش بني أمية، وقال: "أَيُّهَا النَّاس"، فبدأ بعضهم يصنع لغطا، ويدق على الدروع؛ حتى لا يُسمع صوته، فقال لهم: "مَا عَلَيكُم أَنْ تَسْمَعُونِي". اسمعوا كلامي، ثم بعد ذلك فكروا فيه، إن شئتم أن تقبلوه أو ردوه، فبدأ ينصحهم ضمن هذه الخطبة.

"أَيُّهَا النَّاس، الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الدُّنْيَا فَجَعَلَهَا دَارَ فَنَاءٍ وَزَوَال. مُتَغَيِّرَةً بِأَهْلِهَا حَالًا بَعْدَ حَال. فَالمَغْرُورُ مَنْ غَرَّتْهُ، وَالشَّقِيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ، وَأَرَاكُم قَدْ اجْتَمَعْتُم عَلَى أَمْرٍ أَسْخَطْتُم فِيهِ رَبَّكُم وَأَعْرَضَ بِوَجْهِهِ الكَرِيمِ عَنْكُم. فَنِعْمَ الرَّبُ رَبُّنَا وَبِئْسَ العَبِيدُ أَنْتُم. آمَنْتُم بِاللهِ وَأَقْرَرْتُم بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ مُحَمَّدٍ". اللهم صل على محمد وآل محمد.

فالإمام هنا يريد أن يقول: أنتم بحسب الظاهر هكذا، مؤمنون بالله، ومقرون بما جاء به النبي محمد، وهذا يتطلب العديد من الأمور. "ثُمَّ أنَّكُم عَدَوْتُم عَلَى آلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، تُرِيدُونَ قَتْلَهُم، وَيْلٌ لَكُم وَلِمَا جِئْتُم بِهِ. هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَفَرُوْا بَعْدَ إِيمَانِهِم، وَهَمُّوْا بِمَا لَمْ يَنَالُوْا فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِين. أَيُّهَا النَّاس انْسِبُونِي مَعْرِفَةً مَنْ أَنَا، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُم وَأَنْسَابِكُم، فَانْظُرُوْا هَلْ يَحِلُّ لَكُم قَتْلِي وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِي، أَوَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُم. وَابْنَ وَصِيِّهِ، أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمَّ أَبِي، أَوَلَيْسَ جَعْفَرُ الطيَّارُ عَمِّي، أَوَلَمْ يَبْلُغْكُم مَقَالَةَ رَسُولِ اللهِ لِي وَلِأَخِي الحَسَنِ: "هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ"، فَإِنْ صَدَّقْتُمُونِي، فِيمَا أَقُولُ وَهُوَ الحَقُّ، وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ الكَذِبَ، مِذْ عَلِمْتُ أَنَّ اللهَ يَمْقُتُ أَهْلَهُ، وَيِحَاسِبُ مَنْ ارْتَكبَهُ. وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَإِنَّ فِيكُم مَنْ إِذَا سَأَلْتُمُوهُ أَخْبَرَكُم. سَلُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللهِ الأَنْصَارِي، وَأَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَم، يُخْبِرُوكُم أَنُّهُم سَمِعُوا هَذِهِ المَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ اللهِ فِيَّ وَفِي أَخِي الحَسَنِ. وَيْحَكُم، أَمَا فِي هَذَا حَاجِزٌ لَكُم عَنْ سَفْكِ دَمِي، وَانْتِهَاكِ حُرْمَتي". فأصبحوا لا يكلمونه، ولا يجيبونه.

فقام قيس بن الأشعث. وقال: "يَا حُسَينُ إِنْ تُسَلِّمَ لِبَنِي عَمِّكَ فَإِنَّهُم لَنْ يُرُوكَ إِلَّا مَا تُحِبُّ". قال الحسين: "أَنْتَ أَخُو أَخِيكَ"، يعني محمد بن الأشعث، "أَنْتَ أَخُو أَخِيكَ، أَتُرِيدُ أَنْ يَطْلُبَكَ بَنُو هَاشِمَ بِأَكْثَرِ مِنْ دَمِ مُسْلِم بْنِ عَقِيل، فَإِنْ نُهْزَمُ فَهَزَّامُونَ قُدُمًا وَإِنْ نَغْلِبُ فَغَيْرَ مُغَلَّبِينَ. ومَا َإِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ، مَنَايَانَا وَدَوْلَةُ آخَرِينَ. إِذَا مَا المَوْتُ رَفَّ عَنْ أُنَاسٍ، كَلَاكِلَهُ أَنَاخَ بِآخَرِينَ". ثم رجع إلى موضعه.

ثم جاء زهير بن القين، وخطب خطبة أخرى، وقال: "وَيْحَكُم يَا هَؤُلَاءِ، أَدَعَوْتُم هَذَا الْعَبْدَ الصَّالِحَ حَتَّى إِذَا نَزَلَ بَيْنَ أَظْهُرِكُم، أَسْلَمْتُمُوهُ، وَحَلَّأْتُمُوهُ عَنْ مَاءِ الْفُرَاتِ، وَمَنَعْتُمُوهُ مِنْ سَقْيِ أَهْلِهِ وَأَطْفَالِهِ، وَهَذَا الفُرَاتُ تَسْبَحُ فِيهِ خَنَازِيرَ السَّوَادِ وَكَلَابَهُ. وَيْحَكُم، وَهُوَ ابْنُ بِنْتِ رَسُولِ (ص)". فقال له شمر بن ذي الجوشن: "أَبْرَمْتَنَا بِكَثْرَةِ كَلَامِكَ، مَاذَا تُرِيدُ؟ مَاذَا تَقُولُ؟" قال: "لَا أُخَاطِبُكَ، إِنَّمَا أَنْتَ بَهِيمَة، قَدْ طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلْبِكَ". يعني أنت لست لهداية، حتى أخاطبك، إنما أخاطب باقي الناس.

ورجع زهير، وقام برير، وخطب خطبة أخرى، ولم يؤثر ذلك. فجاء الحسين مرة أخرى، وخطب فيهم - هذه المرة - خطبة صاعقة. فنادى: "تَبَّا لَكُم أَيَّتُهَا الجَمَاعَةُ وَتَرَحًا، أَحِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَالِهِينَ، فَأَصْرَخْنَاكُم مُوجِفِينَ، سَلَلْتُم عَلَينَا سَيْفًا لَنَا فِي أَيْمَانِكُم، وَحَشَشْتُم عَلَيْنَا نَارًا اقْتَدَحْنَاهَا عَلَى عَدُوِّنَا وَعَدُوِّكُم، بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُم، وَلَا أَمَلَ أَصْبَحَ لَكُم فِيهِم"، يعني: أنتم عن ماذا تدافعون؟ لا هناك عدالة أنتم تنتظروها وتعيشون في ظلها، ولا هناك أمل للمستقبل. فالمفروض أن الإنسان الذي يعيش في وضع كهذا، لا يدافع عن هذا الوضع الشائن، وضع الظلم. "بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُم، وَلَا أَمَلَ أَصْبَحَ لَكُم فِيهِم، فَهَلَّا لَكُم الْوَيْلَات، تَرَكْتُمُونَا وَالسَّيْفُ مَشِيمٌ، وَالجَأْشُ طَامِنٌ وَالرَّأْيُ لَمَّا يُسْتَحْصَفُ، وَلَكِنْ أَسْرَعْتُم إِلَيْهَا كَطَيْرَةِ الدَّبَا، وَتَسَارَعْتُم إِلَيْهَا كَتَسَارُعِ الفَرَاشِ، فَسُحْقًا لَكُم يَا عَبِيدَ الأُمَّةِ، وَشُذَّاذَ الأَحْزَابِ، وَعُصْبَةَ الإِثْمِ، وَنَفْثَةَ الشَّيْطَانِ، وَمُحَرِّفِي الْكَلِم، أَهَؤُلَاءِ تَعْضِدُونَ، وَعَنَّا تَتَخَاذَلُونَ، أَجَل، وَاللهِ غَدْرٌ فِيكُم قَدِيمٌ، وَشَجَتْ عَلَيهِ أُصُولُكُم وَتَآزَرَتْ فُرُوعُكُم، فَكُنْتُم أَخْبَثَ الثَّمَر، شَجًى لِلنَّاظِرِ، وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ. أَلَا وَإِنَّ الدَّعِيَّ بْنَ الدَّعِي قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَينِ، بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ"، السِّلة: يعني سِّلة السيوف، أو أَسَلِ الرماح، " بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَهَيْهَات مِنَّا الذِّلَّة، يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ لَنَا"، انظر إلى العناصر الموجودة عند الإنسان المؤمن، حتى يرفض الذلة، "يَأْبَى اللهُ لَنَا ذَلِكَ وَرَسُولَهُ"، دوافع دينية، "وَالمُؤْمِنُونَ"، المحيط الاجتماعي، "وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ"، تربية تعودنا عليها أن نرفض الذلة، "وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ، مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَام".

عندئذ، رمى عمر بن سعد، يعني الخطاب من هنا، الفكر من هنا، والسلاح من ذلك الصوب. انظر المنطق كيف يكون؟ فقسم من الناس لا يتحمل هذا الأمر أبدا، ولا بد أن يحارب. فقام عمر بن سعد، وتوسط بين المعسكرين، ووضع سهما في كبد قوسه، ورمى به جهة الحسين. وقال: "اشْهَدُوْا لِي عِنْدَ الأَمِيرِ أَنِّي أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ". انظر الدوافع هنا، لا يمكنني أن أشرح لك في كل موقف، ولكن انظر هنا، الموقف: كلام عن الدنيا وتغيرها، والدوافع الدينية، وغير ذلك، وهناك الكلام: اشهدوا لي عند الأمير، أنه أنا أول من رمى؛ حتى يزداد عطائي وأثاب على ذلك. فليس هناك من قيم تدفع إلى رمي السهام. "اشْهَدُوْا لِي عِنْدَ الأَمِيرِ أَنِّي أَوَّلَ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ"، فتواترت السهام على مخيم أبي عبدالله، حتى شكت أزر بعض النساء؛ لأن الجيشين متواجهين بمقدار رمية السهم، فإذا رمى من تلك الجهة، من الممكن أن تصل إلى المخيم. ولذلك وصلت إلى قسم من النساء. انظر كم من النبالة الذين رموا نبالا وسهاما من تلك الجهة إلى هذه الجهة. فتواترت النبال والسهام على معسكر الحسين (ع). فقال الحسين (ع): "أَصْحَابِي، قُومُوا هَذِهِ رُسُلُ الْقَوْمِ إِلَيْكُم". فقام أصحاب الحسين (ع)، والتحموا في معركة فدائية مع أعدائهم. وما إن انجلت الغبرة، إلا عن 50 شهيدا من أنصار الحسين. والحسين ينادي: "إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون".

كان هؤلاء يقتلون في المعسكر الأموي، لكن؛ لكثرتهم، لم يكن يبين النقص فيهم. وكلما قتل من أنصار الحسين، كانوا 82 في أكثر الفروض، الذين قاتلوا في ذلك اليوم، فإذا استشهد منهم 50، يعني: قريبا من ثلثي معسكر الحسين (ع). فقام الحسين (ع) - بعد ذلك - يأمر أصحابه أن يبارزوا مبارزة فردية، وأن لا يلتحموا مع الأعداء. فبرز كل فارس منهم، ومقاتل، فكان يقتل جمعا كبيرا من هؤلاء. فبرز الجابريان، وبرز الغفاريان، وبرز غيرهم، حتى أكثروا القتل والجرح في جيش بني أمية، فنادى عمر بن الحجاج الزبيدي من قادة الجيش الأموي: "وَيْحَكُم، أَتَدْرُونَ مَنْ تُقَاتِلُونَ، تُقَاتِلُونَ فُرْسَانَ المِصْرِ، وَأَرْبَابَ البَصَائِرِ وَقَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ"، يعني: معسكر الحسين، فلا يبرز إليهم واحد بعد واحد، "فَإِنَّكُم لَوْ بَرَزْتُم إِلَيهِم لَقَلَوْكُم بِأَجْمَعِكُم، وَلَكِنْ احْمِلُوا عَلَيهِم حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ". فحمل معسكر بن زياد على أصحاب الحسين، وقد حان وقت صلاة الظهر، فقتلوا مقتلة كبيرة منهم. وبقي الإمام الحسين في نفر من أصحابه. عندها، التفت أبو ثمامة الصائدي، وقال: "أَبَا عَبْدِاللهِ، هَذَا وَقْتُ الصَّلَاةِ قَدْ حَضَر. وَأُرِيدُ أَنْ أُقْتَلَ بَعْدَمَا صَلَّيْتُ هَذِهِ الصَّلَاة َعَنْكَ". فنظر الحسين وقال: "ذَكَرْتَ الصَّلَاةَ جَعَلَكَ اللهُ مِنَ المُصَلِّينَ الذَّاكِرِين". أيها المؤمنون، الله الله في الصلاة، فإنها خير العمل، وإنها عمود دينكم، لم يتركها الحسين في ذلك الموقف الصعب. فقال الحسين لبعض أصحابه: "هَلِمُّوْا نُصَلِّي، وَسَلُوهُم أَنْ يُوقِفُوا الْقِتَالَ"، فذهبوا إليهم، وسألوهم أن يوقفوا القتال، رفض أصحاب عمر بن سعد، وقالوا: إن صلاة الحسين لا تقبل عند الله. فصلى الحسين (ع) بأصحابه صلاة الظهر قصرا؛ لأنه لم يبق عشرة أيام. ووقف بعض أصحابه يذبون السهام عن الحسين وعن أصحابه، وكان بينهم: سعيد بن عبدالله الحنفي، الذي كان يرد السهام تارة بدرعه، وأخرى ببدنه. فقد كانت تصيبه السهام، حتى ما إن انتهت الصلاة إلا وهو ينزف دما، ويخر على أرض، ويقول: "أَبَا عَبْدِاللهِ، أَوَفَيْتُ لَكَ"، قال: "بَلَى، أَنْتَ أَمَامِي فِي الجَنَّةِ. بَلِّغْ رَسُولَ اللهِ عَنَّا السَّلَام، وَقُلْ لَهُ: إِنَّنَا فِي الأَثَرِ". وبعد صلاة الظهر، حملوا على الأعداء، فتفانى أصحاب الحسين بأجمعهم.

قضى حق العليهم دون الخيام

ولا خلوا خوات حسين تنضام

لما ماتوا تفايض منهم الهام

تهاووا مثل مهوى النجم من خر

هذا الرمح بفاده تثنى

هذا بيه للنشاب رنة

وهذا الخيل صدره رضضنه

وهذا وذاك بالهندي موذر

ثم برز من بقي من أهل البيت (ع). فبرز علي الأكبر، ابن الحسين (ع). وما هي إلا ساعة وإذا بالحسين واقف على مصرعه. وهو يقول: "بُنَي عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَا". برز بعده أبناء الحسن المجتبى، فاستشهدوا بأجمعهم. وبرز أبناء عقيل، وآل أبي طالب، فاستشهدوا جميعا. وكان آخر واحد العباس بن علي بن أبي طالب. إذ ذهب إلى شريعة الفرات، فما رجع إلا مقطوع اليدين، مفضوخ الهامة بعمود من الحديد. جاءه الحسين ووقف على مصرعه. وهو يقول: "الآنَ انْكَسَرَ ظَهْرِي، وَقَلَّتْ حِيلَتِي، وَشَمُتَ بِي عَدُوِّي".

بعد ذلك، وقف الحسين وحيدا فريدا، وقف إلى جانب خيامه، وهو ينادي: "أَلَا مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُنَا، أَلَا مِنْ مُعِينٍ يُعِينُنُا. أَلَا مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حُرَمِ اللهِ وَحُرَمِ رَسُولِهِ". ثم خرج الحسين لقتال الأعداء. ودع نساءه وأطفاله، وجاءته زينب بطفله الرضيع؛ ليطلب له شيئا من الماء.

فدعا في القوم يا لله من خطب فظيع

نبئوني أأنا المذنب أم هذا الرضيع

لاحظوه فعليه شبه الهادي الشفيع

لا يكن شافعكم خصما لك في النشأتين

جاء به إلى الأعداء، ورفعه بين يديه، وقال: يا قوم قتلتم أخوتي وأهل بيتي، ولم يبق إلا هذا الطفل الرضيع. وقد جف اللبن في ثدي أمه، فخذوه إليكم واسقوه، إن خفتم أن نشرب الماء. اختلف المعسكر فيما بينهم، فقال عمر بن سعد: يا حرملة، اقطع نزاع القوم. فسدد سهما في كبد قوسه، ورمى الطفل الرضيع في منحره، فذبحه من الوريد إلى الوريد. أي وارضيعاه وامصيبتاه.

رجع الحسين بالطفل الرضيع إلى الخيمات، ثم حمل على القوم حملة منكرة، وهو يقول: إلى أين تفرون وقد قتلتم إخوتي وأهل بيتي، إلى أين تفرون وقد قتلتم عضدي. فأكثر الجرحى والقتل فيهم. ولم يبرز إليه أحد. فأمر عمر بن سعد أن يحيطوا به من كل ناحية ومكان.

ودار العسكر على حسين يا حيف

ناس بالرماح وناس بالسيف

يشبها دورها على الليث الخيف

بياض العين بصبيها يتدور

أخذ التعب من الإمام مأخذه، والعطش مبلغه، فوقف يستريح قليلا، عظم الله أجوركم. بينما هو على هذه الحالة، وإذا بحجر أبي الحتوف يصك جبينه، فسالت دماء الإمام من جبينه، وخضبت وجهه. رفع قميصه؛ لكي يمسح الدم عن عينه، وإذا بسهم حرملة، مثلث، يقع في أحشاء الإمام. أي واحسيناه وسيداه.

فانبعث الدم من الإمام، لم يستطع أن يستمسك على ظهر الفرس، فسقط إمامنا من على ظهر فرسه، وأغمي على الإمام على هذه الحال، بعد أن ناجى ربه، وبعدما التفت إلى خيمه وأهل بيته يرمقها بنظرته، والعسكر الآخر متحير ماذا يصنع؟ فجاء بعضهم إلى الحسين، فلما نظر إليه، أرعد وجبن. وظلوا على هذه الحالة ينتظرون. عندها أفاق الحسين (ع)، فنادى شمر بن ذي الجوشن: ويحكم، ماذا تنتظرون من رجل؟ فنزل هذا اللعين إلى الأرض، عظم الله أجوركم، وسل سيفه، وجاء إلى الإمام سلام الله عليه، ثم تربع على صدره، وأخذ يهبر أوداجه، والإمام ينادي: أأقتل عطشانا وأنا ابن رسول الله، وهذا شمر يضربه في عنقه إلى أن فصل رأسه الشريف، أي وااا

هذا جزاء رسول الله! ليس هذا لرسول الله يا أمة العدوان والبغي جزاء .. جزروا جزر الأضاحي نسله ثم ساقوا أهله سوق الإماء .. ميت تبكي له فاطمة وأبوها وعلي ذو العلا، لو رسول الله يحيى بعده، قعد اليوم عليه للعزاء، كربلاء لا زلت كربا وبلاء، كربلاء لا زلت كربا وبلاء، ما لقي عندك آل المصطفى، كم على تربك لما صرعوا، من دم سال ودمع قد جرى

مرات العرض: 6625
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 18726.92 KB
تشغيل:

تشيع القطيف والاحساء : البذرة المبكرة
الدوافع الحقيقية لجريمة قتل الحسين ع