جاء في كلام الامام الحسين سلام الله عليه يصف فيه مسلم أبن عقيل فيقول (إني باعث اليكم أخي وأبن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل حتى يرى رأي الملأ فيكم فان رآه على ما جاءتني كتبكم وأتت به رسلكم أقدم اليكم وشيكا ان شاء الله تعالى).
حديثنا يتناول جانب من وضع الكوفة والتي وصل اليها مسلم أبن عقيل مرسولا من الامام الحسين سلام الله عليه وذلك لأن الحدث الذي جرى في الكوفة ومقتل مسلم أبن عقيل في تلك البلدة لا يزال الحدث الأهم الذي يثير أسئلة وتقدم بشائنه نظريات وأفكار نستعرضها على سبيل الاختصار فمن المعلوم ان الامام الحسين عندما مكث في مكة المكرمة منذ قدومه من المدينة من شهر شعبان الى الثامن من ذي الحجة كما يقول المؤرخون في هذه الفترة على مدار ما يزيد على اربع اشهر كانت رسل أهل الكوفة ورسائلهم تتوالى الى الامام الحسين عليه السلام وهو في المقابل رد على بعضها وارسل الى بعض الانحاء كالبصرة رسائل يدعوا فيها بعض من يعترف له بالإمامة ويواليه يدعوه الى نصرته، تكاثرت الكتب من الكوفة باعتبار ان الكوفة من قدوم الامام علي عليه السلام اليها واتخذها عاصمة له تشكل في الكوفة في تلك الفترة مجموعة كبيرة من انصار اهل البيت عليهم السلام قسم منهم بعد أن نزل الامام أمير المؤمنين عليه اسلام فيها انتقل البعض من المدينة المنورة بشكل كامل الى الكوفة ونقلوا أهاليهم وعوائلهم وبالخصوص بنوا هاشم والمخلصين من أصحابه ممن رافقه في حرب الجمل فقد كانوا مرافقين للإمام امير المؤمنين حيث حل حلوا معه واينما ارتحل ارتحلوا معه، فحينما أتخذ الامام من الكوفة عاصمة لدولة المسلمين وترك المدينة فمن كان يحب جوار الامام علي قصدها ومن كان من السابق من أهل الكوفة - فهي قد تشكلت في سنة 17 هجرية والى زمن مسلم ابن عقيل أي سنة 60 هجرية فحوالي 43 سنة – اصبح فيها مجموعات موالية للإمام وأيضا فيها من لا يوالي الامام وأحد اقسام أهل الكوفة كان شيعة أهل البيت عليهم السلام على اختلاف درجاتهم فهناك الدرجة المخلصة مثل حبيب أبن مظاهر وميثم التمار وعمار أبن ياسر جميعهم كانوا في الكوفة انتقلوا مع الامام علي عليه السلام، كما أن هناك أجيال جديدة نشئت فيها على حب أمير المؤمنين.
قسم ثاني من كان يسمى بالحمراء والموالي وهم من غير العرب سواء اكانوا ترك او فرس وغير ذلك وهؤلاء اشكالهم والوانهم أكثر بياضا من العرب الذين يتميزون بالبشرة السمراء، وهؤلاء يسمون بالموالي لانهم غير عرب فلا يستطيعون ان ينتسبون للعرب فكانوا يتحالفون مع احد القبائل العربية بعقد يسمى عقد الولاء فيصبحون ممن يرتبطون معهم بعلاقة فهم ينتمون الهم والقبيلة العربية تتكفل بحمايتهم مثل قنبر مولى الامام أمير المؤمنين وجون مولى أبا ذر الغفاري – بالرغم من سمار بشرته الا انه كان مولى لابي ذر الغفاري- فالمولى تطلق على غير العربي الذي اصبح تحت حماية احد القبائل العربية، وحينما يقال بلاد فارس لا يقصد بها ايران فقط بل حتى أفغانستان وباكستان وتركستان وغيرها، جميعها كانت تسمى في ذلك الوقت ببلاد فارس، الامويين كانوا استخفافا بهم كانوا يطلقون عليهم اسم الحمراء حتى قال أحد الولاة واحد الحكام من بني أمية :
إني هممت أن أقتل شطرا من هذه الحمراء
وادع شطرا اخر لإمارة الطريق والزراعة
وهؤلاء الموالي منهم من كان يشايع أهل البيت عليهم السلام ومنهم من كان يشايع من يعطيهم المال حتى وأن كان الحاكم الظالم، فأي جهة تتبناهم ويكونوا تحت حمايتهم يتبعوهم وينصروهم.
قسم ثالث كان في الكوفة مجموعة من الخوارج وهم الذين اغتالوا امير المؤمنين عليه السلام في الكوفة، فكانوا يشكلون جزء من جيش الحكومة في زمن امير المؤمنين فخلافته كانت ظاهرية فالجيش نفسه كان في زمن الخليفة الأول والثاني والثالث فحينما جاء الامام علي عليه السلام وخرج بهذا الجيش لقتال أهل الجمل وقتال أهل صفين وفي معركة صفين حدث انشقاق الخوارج الذين كانوا يعدون بأكثر من عشرة الالاف، بعد أن كلمهم ابن عباس بقي منهم 4 الالاف على حالهم والبقية انقلبوا على الامام علي في معركة النهروان والذي كان منهم عبد الرحمن ابن ملجم المرادي الذي اغتال الامام عليه السلام.
القسم الربع هم أنصار بني أمية فمن زمان شهادة امير المؤمنين علي عليه السلام واستيلاء الحكومة الاموية على الكوفة عبر قضية الصلح بين الامام الحسن وبين معاوية اصبح الحاكم على الكوفة من طرف الدولة الاموية ولذلك احد الأسباب التي جعلت بني هاشم وشيعة أمير المؤمنين الخروج من الكوفة ورجوعهم الى المدينة هو كون الكوفة تحت امرة بني امية ففي هذه الفترة كان زياد ابن ابيه والد عبيد الله ابن زياد اصبح حاكم على الكوفة وجاء بفكرة التنكيل بإصحاب الامام علي عليه السلام حتى نقل في التاريخ ان الامام الحسن عليه السلام كلمه في رجل من شيعة علي فلم يبالي بتلك الشكوة وأعلن أن ما كان في قلبه من حب للأمام علي وذريته تحول الى بغض وكره لمن يواليهم، والسبب ان زياد ابن ابيه ولاه الامام علي فترة من الزمن على البصرة وفي تلك الفترة اضطهد شيعة امير المؤمنين عليه السلام المتواجدين في البصرة وفي زمنه وزمن ابنه عبيد الله بن زياد تم تهجير عدد من شيعة اهل البيت من الكوفة وقسم هم هاجروا بسبب ما كانوا يلاقونه من الأذى من قبل الحاكم في الكوفة في ذلك الوقت فأصبحت الكوفة ملجأ ومسكن لكل من يبغض امير المؤمنين في زمن زياد وابنه، فكثير من القبائل العربية التي استقرت في الكوفة تعاونت وتواصلت مع بني امية عبر زياد ابن ابيه وابنه عبيد الله ابن زياد فاصبح قسم كبير من سكان الكوفة معادية للإمام علي واهل بيته.
مسلم ابن عقيل جاء الى الكوفة وبها هذه الفئات المختلفة التي تتكون من خليط مختلف من الموالين لا هل البيت والموالي لبني أمية ومن الحمراء الذين ينقسمون الى موالي لأمير المؤمنين علي عليه السلام ومخالف والخوارج الذين مستعدين ان يكونوا مع المنتصر دائما فهم يتبعون مصالحهم المادية والشخصية، فمن خان وقتل مسلم ابن عقيل لم يكونوا أهل الكوفة الموالين لأمير المؤمنين سلام الله عليه ، فهناك تيارين في قضية قتل مسلم ابن عقيل فالتيار الأول ينزه أهل الكوفة من الخيانة والغدر بمسلم ابن عقيل فهم لم يشاركوا في قتل مسلم ابن عقيل بل معارضين لذلك، فالذم لا هل الكوفة فقط للفئة التابعة لبني امية من أطياف المجتمع الكوفي والذي من ضمنهم القبائل المختلفة التي كانت تأتمر بأوامر بني امية ، فالقبائل تنقسم الى قسمين بعض القبائل توالي اهل البيت سلام الله عليهم مثل قبيلة ابي مراد وكندة والذي كان رئيسهم في ذلك الوقت حجر ابن عدي الكندي الذي قتل في زمان معاوية ابن ابي سفيان وكان من الخلص لا هل البيت والموالين لأمير المؤمنين عليه السلام وكان شيخ كنده، حينما استشهد حاول الامويون ان يدخلوا اثنين من انصارهم مثل محمد ابن الاشعث ابن قيس وقيس ابن الاشعث ابن قيس في القبائل ويسلموهم الزعامة فيهم فهم من المشاهير في قبيلة كنده، في المقابل هناك هاني بن عروة من نفس قبيلة يمنية تدعى أحيانا بقبيلة مراد والبعض يدعوها مجحد والبعض يدعوها بكنده فهاني بن عروة الموالي لأهل البيت من نفس قبيلة محمد ابن الاشعث المخالف والمبغض لهم، فمن يريد ان ينزه اهل الكوفة من قتل مسلم ابن عقيل يستدل ويستفيد من هذه الملاحظات اما من يريد ان يعمم الخيانة والغدر على اهل الكوفة واهل العراق يرجع الى التيارات الموالية لبني امية، والامويون استفادوا ممن ينسب الغدر والقتل لأهل العراق والكوفة حتى اصبح صفت أهل الكوفة انهم اهل الغدر والخيانة بينما هناك الكثير من أهل الكوفة لم يشاركوا في الغدر والخيانة بل اصبحوا من انصار الامام الحسين سلام الله عليه.
وحينما ينسبون القتل والغدر الى اهل الكوفة والعراق يستطيعون بذلك تبرأت أهل الشام من ذلك الجرم بالرغم من انه في ذلك الوقت كان من المعروف ان أغلب أهل العراق يوالون الامام علي وأهل الشام بنحو عام يناصرون ويوالون بني امية وتبين ذلك بشكل جلي في معركة صفين، وقال أحدهم في شأن ذلك:
أرى الشام تكره أهل العراق وأهل العراق لهم كارهون
فبعض الباحثين يقول قسم مما قيل في التعميم على أهل الكوفة وأهل العراق من الغدر وعدم الوفاء والخيانة كان ترويج من بني امية، بينما من قام بالخيانة والغدر مجموعة من أهل الكوفة وليس عامة أهل تلك المنطقة والدليل وجود شخصيات استشهدت مع مسلم بن عقيل كهاني بن عروة ومن نصر واستشهد بين يدي الامام الحسين سلام الله عليه من اهل الكوفة.
والرواية الواردة عن الامام الحسين سلام الله عليه تتحدث عن مسلم ابن عقيل معروفة بين المؤرخين وتقر بان مسلم حينما قدم للكوفة كان يبايع اما مباشرة واما بالواسطة أحيانا عن طريق مسلم ابن عوسجة او عن طريق حبيب ابن مظاهر والبعض يضيف المختار ورجال الشيعة اجمالا حتى اجتمع للبيعة معه عدد كبير بلغ الالاف، فالغالب ان رئيس القبيلة يبايع مسلم أبن عقيل عن نفسه ونيابة عمن يتبعه من أفراد القبيلة، فكما يذكر انه بايعه 18 الف من الناس، بعد تلك البيعة ضمن الرواية المعروفة التي تقرأ تغير الامر بقدوم عبيد الله ابن زياد الى الكوفة وهو معروف بالشراسة والفتك فقام بعزل الوالي النعمان ابن بشير الذي لم يكن حازم مع مسلم ابن عقيل الذي قدم الى الكوفة من شهر رمضان الى فترة شهادته في ذي الحجة، فالنعمان ابن بشير لم يحارب مسلم ابن عقيل والسبب كما يذكر انه كان انصاري والانصار عادة ارق مع بني هاشم من القرشيين وخصوصا بني امية، بالإضافة الى ان النعمان ابن بشير كان رجل كبير السن فراء نفسه ضعيف امام الجماعات التي تؤيد مسلم ابن عقيل بخلاف عبيد الله ابن زياد الذي مجرد ما راءه من موقف النعمان مع مسلم ابن عقيل قام بعزل النعمان وارسل الى رؤساء القبائل رسالة تهديد بان من لم يواليه ويناصره ضد مسلم ابن عقيل فهو مهدد بالقتل فالكثير منهم قدموا اليه ووكلهم بمنع افراد قبائلهم من نصرة مسلم بن عقيل وفرض عليهم منع التجول فعمم عليهم ان من يخرج من منزله بعد العتمة فهو مقتول وقفل أبواب الكوفة ووضع عليها الحراسة المشددة فمنع الخروج والدخول الى الكوفة وكما يقال انه سجن ما يقارب 5 الالاف شخص ممن عارضوا ذلك الوضع، ولهذا السبب لم يستطع الكثير من الموالين لأهل البيت ان ينصروا مسلم ابن عقيل ولم يستطيعوا المشاركة في نصرة الامام الحسين في عاشورا مثل ميثم التمار والمختار وغيرهم من الموالين والسبب ان بعضهم مسجون او مهدد بالقتل ومحاصر في منزله.
هناك بعض الأفكار الجديدة التي تحتاج الى استدلال تاريخي حتى تثبت كقول البعض ان مسلم بن عقيل خاض حروب متعددة وليس معركة واحدة فالبعض يقول انه هجم خمس مرات على قصر الامارة في الكوفة وكان معه عدد غير قليل من أنصاره وهذا الكلام يحتاج الى إثباتات تاريخية.
وخبر أخر يقول ان طوعة لم تكن امرأة عادية، بل انها خدمت في بيت الامام علي وإنها كانت من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام وإنها كانت في الكوفة كان لها دور نسائي متقدم وهذا لا يوجد له اثبات تاريخي.
وينقل بان مسلم سيطر على جميع المنطقة وانه اشترى منازل كثيرة في الكوفة فكانت له سيطرة كبيرة على اهل الكوفة، ولكن هذا لم يتم ذكره في كتب التاريخ، بل ان ما ذكر في كتب التاريخ بانه قتل وكان مديونا واوصى قبل ان يقتل بإيفاء دينه فكيف يكون مديون ويستطيع شراء منازل اهل الكوفة.
وهذه المقولات لا يمكن نفيها او اثباتها الا بالدليل الموجود في كتب التاريخ.
الثابت في التاريخ والواضح في كلام الامام عليه السلام هو مكانة مسلم أبن عقيل عند الامام الحسين بكونه ابن عمه والموالي له ولا هل البيت سلام الله عليهم وناصره والمستشهد في سبيل قضية الامام الحسين فهو اول شهيد في قضية الامام الحسين سلام الله عليهم اجمعين.