الميراث ؛ مسائله ومشاكله
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/1/1447 هـ
تعريف:

الميراث مسائله ومشاكله

كتابةالفاضلة فاطمة الشيخ منصور

<>h5قال الله العظيم في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم) هذه الآية المباركة تمثل قانونًا يقوم عليه نظام الميراث في الإسلام، وهو يختلف عن الأنظمة الوضعية المعتمدة في بعض الدول الغربية حيث تقوم الدولة بمصادرة أكثر الأموال التي تترك ميراثًا خصوصًا لو تجاوزت حدًا معينًا وقد تصل ضرائب المواريث إلى 60% وهذا لأن الدولة تمتلك القوة والسيطرة وتحتاج هذا المال لإدارة مصاريفها. علة تشريع الإرث في الإسلام: أما نظام الإرث في الإسلام فهو نابع من تشريع الله -عزّ وجلّ- الذي يعلم بكل شيء فيشرع القوانين ويسنها من إطار ذلك العلم المحيط بكل شيء بالعواطف، المشاعر، خلجات الإنسان، إرادة المورث، رغبة الوارث ومصاريفه، ويُلحظ ذلك في قوله تعالى (وألو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم) إذ تختتم بما يشبه التعليل وهو (إن الله بكل شيء عليم) فمثلًا يشرع الله (للذكر مثل حظ الأنثيين) لعلمه أنه سيكلف الذكر مسؤوليات أكثر في الإنفاق، كما يقرر الشارع المقدس أن أولي الأرحام أولى من غيرهم كالأصدقاء والجيران وحتى الأرحام هم على طبقات الأقرب فالأقرب فلا تصل النوبة للرحم البعيد ما دام القريب موجودًا وعلى ذلك يعتمد الفقهاء في فتواهم فالطبقة الأولى هم الأبوان والأولاد والطبقة الثانية الأجداد والجدات والإخوة والأخوات ثم الطبقة الثالثة الأعمام والأخوال والعمات والأعمام. أغراض وغايات الإرث: وفي تشريع الميراث عدة من الأغراض والغايات وفيه التفات لعدة جوانب منها: 1- جانب اقتصادي: بتقسيم الثروة وتحقيق العدالة والقضاء على تضخم الأموال لأن المال إذا تراكم عند بعض الأشخاص يتحول إلى قوة طاغية وباطشة وهذا ما نراه عند قسم من الناس فهو يتحكم بالآخرين ويفرض سلطته عليهم لأنه يملك المال فقط وفقط، لكن الإسلام يذكّر الإنسان دائمًا أن علاقتك بالمال ستنتهي في يوم من الأيام وهذه الأموال التي ادخرتها واعتبرتها مصدر قوتك ستتوزع بين ورثتك أقسامًا و أقسامًا وبذلك يمنع من تحول المال إلى قوة طاغية وباغية. 2- جانب إنساني فطري: بتحقيق رغبة الإنسان الطبيعي في إيصال أمواله إلى أقاربه وأعزته وهو الملاحظ في نفس الإنسان أنه يصرف أمواله لأسرته الأقرب فالأقرب وهذه حالة طبيعية لاحظها الشارع المقدس فجعل تقسيم الميراث على الأقربين. 3- جانب أخلاقي: بتذكير الإنسان أنه لن يبقى لهذا المال وهو لن يدوم معك فأنت ستموت وتتركه و سينتقل إلى غيرك من الورثة شئت أم أبيت، لذلك عليك أن تقسمه في عملك الصالح بالنفقة والعطاء و الصدقات الجارية قبل أن يتقاسمه غيرك وربما لا يذكرونك بشيء منه، وهذا الأمر يغفل عنه بعض الناس وفي ذلك يقول الإمام علي عليه السلام (فأنت خازن فيه لغيرك) فهذه الأموال التي تجمعها سنة بعد سنة إنما تجمعها وتخزنها لمن سيأتي بعدك من الورثة فحري بالعاقل أن يصرف أمواله لاحتياجاته الشخصية ولأسرته بالمعروف ثم يرسل ما تبقى منه لحياته الباقية بأعمال الخير والإحسان بأنواعها، وإلا بعد أيام قليلة من موتك سترى أولئك الورقة يتنعمون ويتمتعون بما جمعته لهم من أموال بل أفنيت عمرك وشبابك في جمعها لهم كما يقول الشاعر: ستباشر الغبراء قدك وسيضحك الباكون بعدك وهنا ينقل بعض المؤمنين قصة لطيفة وهي أن أحد الأغنياء حين بدت عليه علامات الموت كتب لأبنائه وصيتين وأوصاهم أن يفتحوا الأولى وينفذوها قبل التكفين والأخرى بعد الدفن، ولما جاء أمر الله وانتقل إلى رحمة الله وصار وقت التكفين فتحوا الوصية الأولى وإذا فيها أوصي أولادي أن يلبسوني جوربًا أسودًا في رجلي اليسرى فاستغرب الأبناء من هذه الوصية وسألوا العلماء عنها فأخبروهم أن حظه من هذه الدنيا قطعة الكفن فقط فشيعوه دون الجورب الأسود، وبعد الدفن فتحوا الوصية الثانية فإذا بها يا أبنائي التفتوا أن هذه الدنيا فانية واعتبروا بي فها أنا أخرج منها ولم أتمكن من أخذ فردة جورب واحدة رغم ما كنت أمتلك من الأموال، وهذا ما ينبه له الشارع المقدس في قضية الإرث فلن تأخذ معك إلا قطع الكفن وفي أحسن الأحوال ستكون جامعًا وخازنًا لغيرك. أحكام الإرث: إذا توفي إنسان وعنده وصية على الوصي الذي أختاره المتوفى أن يعمل على أن يتحلل الورثة من بعضهم في مسألة التصرفات إلى أن يتم التقسيم الشرعي للميراث وهذا التحلل يرجع إلى أن تقسيم الميراث لا يكون بالتساوي فنصيب الزوجة يختلف عن نصيب الأبناء الذكور ويختلف عن نصيب الإناث فربما أن البعض قد يتصرف فيما هو أكثر من نصيبه وحصته، كما يجب على الوصي حصر الإرث والورثة فيحصي أملاك المتوفى وحساباته كما يحصي الورثة ومن أي طبقة هم بعدها يلجأ إلى عالم من علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام أو إذا كان هو عارفًا بأحكام الميراث فيجريها على أساس فتاوى العلماء الأعلام، ثم ينتقل للمرحلة الثالثة وهي النظر في الديون وما أوصى به المتوفى وقبل كل شيء فإذا كان بمقدار ثلث التركة ينفذ وما زاد عن الثلث لا ينفذ قوله فيه إلا لو تراضى الورثة على تنفيذ الزائد عن ثلث التركة. وأما الديون فهي على قسمين: ديون إلهية: كالخمس والزكاة والكفارات والحج إن كان مستطيعًا ولم يحج. ديون بشرية: وهي ديون المتوفى للبشر ويجب أن تكون هذه الديون مثبتة لذلك نجد في أيام الفاتحة ينوه الخطيب أن من له دين على المتوفى فليثبت ذلك ويستلم حقه وهذه جهة شرعية مناسبة للقرآن الكريم إذ يقول الله تعالى (من بعد وصية توصون بها أو دين) وبعد ذلك يصل إلى المرحلة الأخيرة وهي تقسيم هذه التركة على الورثة بحسب الفريضة الشرعية المقررة طبقًا لمذهب أهل البيت عليهم السلام. وهنا لفتة مهمة في أن يبادر المؤمنون إلى الوصية في شبابهم مع ملاحظة إمكانية تغيير الوصية لو تغيرت أحوال الموصي. اختلافات بين المذاهب : إن المذاهب الإسلامية تختلف فيما بينها في مسألة الإرث ومن ذلك أن المشهور عند فقهاء مذهب آل البيت عليهم السلام أن الزوجة لا ترث من القاع أي الأرض وإنما ترث مما عليها بخلاف سائر المذاهب فإن الزوجة ترث من الأرض ومما عليها، كما يختلفون أيضًا في مسألة انفراد البنت في الإرث فعلى رأي سائر المذاهب تأخذ نصيبها نصف التركة والباقي للعصابة من الطبقة الثانية كالأعمام بخلاف مذهب الإمامية فينحصر الإرث بتلك الفتاة ولا ينتقل إلى طبقة أخرى. وهنا نشير إلى ضرورة الالتزام بفتاوى مذهب آل البيت عليهم السلام حتى لا يكون أخذًا و أكلًا للمال بالباطل ومن غير وجه حق شرعي نتيجة لنزوة طمع عابرة. أخطاء ومشاكل: إن بعض ما يصنعه قسم من الأوصياء يعد حرمًا من الناحية الشرعية ومن ذلك تأخير قسمة الميراث مالم يكن لذلك مسوغ شرعي، وأسوأ من ذلك عندما يجتهد في القسمة تقديمًا وتأخيرًا لا سيما بالنسبة للنساء بحجة أن لا تصرف هذه الأموال على زوجها الغريب وهذا قد يحسب في بعض الحالات تكذيبًا لله عز وجل (إن الله بكل شيء عليم) عندما قرر هذا الحكم ألم يكن يعلم أن بنتًا ما سترث أموالًا وقد تتزوج من رجل غريب عن عائلتها؟ وقد يقوم آخرون باستثمار أموال البنت بحجة أنها لا تستطيع تدبير أموالها وإدارتها وهو يأخذ الأرباح ويبقي نصيبها كما هو دون زيادة وما أخذه من أرباحها حرام لأن أصل المال لها وثمرته ملكها أيضًا نعم لو أعطتك شيئًا من نفسها مقابل خدماتك لها إلا فهذا المال حرام وتسلب منه البركة. نصيحة أخيرة: قدم ما تسطيع من أموالك أمامك للجنة حتى تلقاها يوم القيامة زاكية نامية وينتظرك هناك أجرها وثوابها بإذن الله، ولا تكن ممن يخزن المال لغيره كذلك الثري الذي يملك أراضٍ مترامية لكن يده ليست ندية حتى على أولاده فهم يعيشون عيشة الفقراء فأيهما أفضل أن توزع تلك المساحات على أبنائك فيدعون لك بالعمر الطويل والخير الوفير أم ينتظرون وقت رحيلك لينالوا نصيبهم منها ويتنعمون بخيراتها؟ كرماء كجدهم: إن أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يكونوا فقراء ولكنهم قدموا أموالهم أمامهم تصدقوا بها وأنفقوها في وجوه الخير، وهذا إمامنا الحسين عليه السلام كان يملك عددًا غير قليل من البساتين وقد أنفق منها وبها أعطى مهورًا لبني هاشم وقدم بعضها للمحتاجين وجعل بعضها صدقات جارية، ولا غرابة في ذلك فهم ورثة جدهم سيد الأنبياء محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- هم وارثوه في صفاته، شخصيته، علمه، توجيهاته، بل حتى في شخصه الكريم وشكله الخارجي وفيما ينقل أن مولانا الحسين كان يشبه جده من صدره إلى رجليه كما أن مولانا الحسن أشبه جده من صدره إلى أعلاه.
مرات العرض: 5720
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 144296.65 KB
تشغيل:

مسؤولية الوالدين في عصر الذكاء الصناعي
في الاسرة الطلاق والخلع مشكلة او حل؟