روي عن سيدنا ومولانا رسول الله انه قال (نظر الله عبدا سمع مقالتي فأداها كما سمعها لمن لم تبلغه فرب حامل علم الى من هو اعلم منه ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه)
من هذا الحديث النبوي ننطلق بالحديث عن أحد أعلام الطائفة الامامية وهو ابو جعفر محمد أبن الحسن أبن علي الحر العاملي صاحب كتاب وسائل الشيعة المتوفى سنة 1104 هجرية اي قبل ما يقارب 441 سنة، وفي الحديث نظر الله عبدا اي جعله حسن الوجه وفي القرآن وجوه يومئذ نظره اي جميلة شابه ففي هذا الحديث دعاء من رسول الله بالنظارة والجمال والقوة لمن يسمع حديث الرسول ويحفظه ثم ينقله لمن لم يبلغه الحديث اما لإنه كان في زمن الرسول ولكنه لم يسمعه مباشرة من الرسول صلوات الله وسلامه عليه فمن حضر وسمع حديث رسول الله وثم نقله الى غيره رسول الله يدعو له بان الله يجمل وجهه بالنظارة والشباب والجمال ، او قد يكون السامع غير موجود في زمن رسول الله ولم يسمع الحديث مباشرة من رسول الله فهو بحاجة الى من ينقل له الحديث كما حفظه من النبي فالمبلغ وحافظ الحديث له ثواب عظيم ورسول الله يدعوا له بنظارة الوجه.
وهذا الحديث موجود في سنن الترمذي وموجود في مصادر الخلفاء وفي كثير من مصادر الامامية وفيه كثير من التشجيع على حفظ أحاديث رسول الله ثم نقله الى الاخرين الذين لم يسمعوه فمن يحفظ أحاديث رسول الله يحوز بدعاء الرسول له بنظارة وجمال الوجه.
وبالرغم من وجود هذا الحديث وغيره من الاحاديث وفيها هذا التشجيع على حفظ وتبليغ أحاديث رسول الله الا انه كانت السياسة العامة للخلفاء من بعد رسول الله باستثناء أيام الامام علي عليه السلام فمن سنة 11 هجرية الى سنة 98 هجرية يعني 87 سنة كانت السياسة الرسمية قائمة على عدم حفظ أحاديث رسول الله وعدم كتابتها وعدم نشرها وهو ما سمي في الكتب بالمنع عن تدوين السنة النبوية وكثيرون كتبوا حول هذا الموضوع منهم السيد الجلالي و السيد علي الشهريستاني وغيرهم كتبوا ضمن مواضيع وفي بطن الكتب وامر المنع لم يتبين له سبب فالمسلمين بحاجة الى سماع احاديث رسول الله التي فيها توجيهات فقهية وحياتيه فهو لا ينطق عن الهوى والمبلغ عن الله سبحانه وتعالى والجميع بحاجة لشرح رسول الله للآيات القرآنية وتفاصيل ما ورد فيها من احكام وتوجيهات الهية ، واستمرت السياسة الرسمية الى سنة 98 هجرية زمان الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي انتبه الى مسألة عدم تسجيل احاديث الرسول واذا لم تدون وتكتب احاديث الرسول فسوف تندثر فأغلب من عاصر رسول الله توفى وهو لم يكتب ما سمعه من احاديث الرسول حينها أمر عمر بن عبد العزيز بان يذهب اشخاص الى المدينة ويجمعوا احاديث رسول الله صل الله عليه واله ممن عاشوا وعاصروا في عهد الرسول ويكتبوها ويحفظوها .
من المبررات الخاطئة التي قدمت لعدم حفظ أحاديث الرسول انهم خشوا ان يكون فيها كذب ونسبة أحاديث الى الرسول لم تصدر منه ومبرر أخر انهم لم يحفظوا أحاديث رسول الله لكيلا يتم الخلط بين الأحاديث والآيات القرآنية فأكتفوا بتدوين القرآن أما أحاديث الرسول فنهوا الناس عن حفظها وتدوينها، لهذا لم يتم جمع وتدوين أحاديث الرسول وما جمع ودون وحفظ من أحاديث رسول الله احرق ومزق.
فكرة حسبنا كتاب الله فكرة خاطئة فالقرآن الكريم كتاب شامل لا يوجد به تفصيل رسول الله جاء وفصل وشرح الآيات القرآنية وبين الغامض والمتشابه في الآيات القرآنية فالقرآن لم يفصل بكيفية الصلاة ولم يفصل بأحكام الحج وسائر العبادات فرسول الله قال خذوا عني مناسككم وصلوا كما رأيتموني أصلي.
وحينما بدأ عمر بن عبد العزيز بتدوين أحاديث رسول الله كان قد مضى فترة زمنية طويلة نسبت كثير من الأحاديث المزيفة الى رسول الله أوحرفت كثير من الأحاديث ولهذا الائمة سلام الله عليهم رفضوا فكرة عدم تدوين أحاديث رسول الله واولهم الامام علي عليه السلام ويوجد كتاب اسمه كتاب علي دون فيه أحاديث رسول الله والائمة الاطهار كانوا يرجعون اليه للتعرف على أحاديث رسول الله فكل ما ورد فيه كان أحاديث أخذها الامام من رسول الله مباشرة وكتبت بخط الامام علي عليه السلام.
لهذا كان الائمة عليهم السلام يسيرون على نهج جدهم الامام علي عليه السلام يحفظون الحديث ويأمرون أتباعهم بحفظ وتدوين وكتابة الأحاديث والروايات لهذا لا يوجد مشكلة لدى اتباع الامامية من تتبع الأحاديث وارجاعها الى الرسول فكما يقول الامام الصادق (حديثي حديث ابي وحديث ابي حديث جدي وحديث جدي حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله محمد)
لهذا اجتمع مما دونه أصحاب الائمة أربع مئة أصل وكما يقول بعض العلماء ان هذا العدد قليل، بل جمعت الأحاديث فيما يقارب ستة الاف كتاب مما دون من قبل المدرسة الامامية بعض الكتب صغيرة قد تشمل 20 رواية وكتاب أخر يشمل 1000 رواية وكثير من الروايات مكررة في تلك الكتب، والمعروف والمشهور الاصول الاربعمئة التي انبثقت منها الكتب الاربعة كتاب الكافي للكليني وكتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق وكتاب التهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي من كتب هذه الكتب استندوا على الاصول الاربعمائة ونقلوا ما وردا فيها الى كتبهم ، فاعتمد الشيعة على هذه الكتب في المرحلة الثانية ، وفي المرحلة الثالثة هي تلك التي تبدأ بما صنعه ابو جعفر محمد ابن الحسن الحر العاملي الذي نتحدث عنه وهو من نسل الحر بن يزيد شهيد كربلاء ، ولد في جبل عامل وهي من المناطق التي أخرجت علماء افاضل احدهم صاحب كتاب وسائل الشيعة درس على يد ابيه وجده وكانوا علماء افاضل ودرس على يد خاله وابن الشهيد الثاني الشيخ حسن صاحب كتاب المعاني وقد كان عالم في علم الحديث والروايات وقد اتقن العلم وتوجه نحو جمع روايات اهل البيت عليهم السلام حينما بلغ عمره 40 عاما غادر لزيارة الائمة الاطهار في العراق ثم توجه لزيارة الامام الرضا عليه السلام في الطريق مر على اصفهان وكانت في زمانه عاصمة ايران في زمن الصفويين وكان موجود فيها من أهم العلماء الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب كتاب بحار الانوار كان في منصب شيخ الاسلام وهناك التقى به وتبادل اجازة نقل الرواية وتسمى بالإجازة المدبجة ، في ذلك الزمن الكتب لم تكن تطبع في مطابع تحفظ ما يطبع من التزوير بل كانت تدون وبالإمكان التزوير فيها فكان من يريد أن ينقل كتاب الى الناس يذهب الى كاتبه ويقرأه عليه ويتأكد من صحته ومن ثم يختم عليه ليثبت صحته ومن ثم يعطيه أجازه في نقله للأخرين ، وقد توفي محمد باقر المجلسي سنة 1111 والحر العاملي توفي عام 1104 فهم ابناء جيل واحد وفي مراتب علمية متقاربة وقد أجاز صاحب البحار للحر العاملي ان يروي عنه ما صحت روايته عند المجلسي واجاز الحر العاملي للعلامة المجلسي ان يروي عنه وهذي تسمى بالإجازة المدبجة .
بعد ذلك غادر اصفهان متوجها الى مشهد وعرف فيها بعلمه وحفظه لاحاديث اهل البيت وانهال عليه التلاميذ وطلبة العلم واكمل كتابه وسائل الشيعة الذي اسمه تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة ولكنه اصبح مشهور باسم وسائل الشيعة وقد جمع فيه 35800 حديث شامله كل ابواب الفقه من كتاب الطهارة الى كتاب الديات، فجمع هذه الاحاديث خلال 18 سنة وقيل 20 سنة واعاد تصحيحه ثلاث مرات وقيل اعاد طباعته ثلاث مرات والاحاديث مدونه في 30 مجلد شاملة الاحاديث النبوية والعلوية والائمة المعصومين وتدور حول مواضيع العبادات والمعاملات من اول كتاب الطهارة الى كتاب الديات لا يفرغ المجتهد في البحث عن الادلة الا وقد بحث في كتاب وسائل الشيعة فكل عالم وفقيه حينما يخرج بفتوة فيها حكم شرعي من تحريم او تحليل وغيرها من الاحكام لابد ان يطلع على كتاب وسائل الشيعة ويبحث في الروايات التي وردت في هذا الكتاب وغيره من الكتب ومن ثم يستدل بها على صحة فتواه .
فكتاب وسائل الشيعة للحر العاملي يعتبر اكبر مصدر من المصادر المعتمدة عند الامامية ففيه 35800 رواية وحديث واعتمد على نحو 70 كتاب لم تكن موجودة عند العلماء الثلاثة الكليني والصدوق والطوسي وقد ذكر جميع الاسانيد التي يرجع لها في اثبات صحة الاحاديث والروايات التي سجلت في وسائل الشيعة 35800 من هذه الاحاديث تدور حول المسائل الفقهية ومن ميزات طريقة تدوينه انه يكتب اسم الكتاب الذي أخذ منه الحديث في اول الحديث واسم صاحب الكتاب ثم يأتي بالسند كاملا الى الامام فلا يوجد لديه مراسيل فكل الاحاديث فيه مسندات وان كان مسلكه مسلك الاخباريين والمحدثين الذي لديهم الرأي المشهور ان كل روايات الكتب الاربعة صحيحة ويمكن العمل بها ، ولذلك كان يأتي بالرواية الصحيحة السند على مسلك الجميع يضعها في بداية الصفحة والرواية التي مسندها ضعيف يضعها أخر الصفحة ، فالجميع يستفيد منه من محدث أخباري أو مجتهد اصولي .
كما ان من ميزات هذا الكتاب فيه اشارة الى الحديث الواحد سواء اكان متنه متفق وسنده مختلف او كان فقط السند فمثلا يذكر السند ويقول ومثله في كتاب أخر ويذكر اسم الكتاب والسند الثاني .
فاذا اراد ان يستفيد اي فقيه من هذا الكتاب في استنباط الاحكام واستخراج فتاويه يستطيع الاطلاع على الحديث وسنده والكتب التي ورد فيها .
كما من ميزات هذا الكتاب انه في اخره ما سمي بالفوائد 12 فائدة تشكل المنهج الحديثي الموجود عند المدرسة الاخبارية ومدرسة المحدثين فيبين سبب اختيار المنهج المفيد لطلاب العلم والرجال .
حينما يريد اي فقيه استنباط فتاويه لابد الرجوع الى القرآن وكل الاحاديث والروايات التي وردت حول الموضوع ومن ثم استخراج الحكم وليس الاعتماد على حديث او حديثين فقط فربما يوجد احاديث أخرى تعارض ما ورد فيما اعتمد عليه من الاحاديث فلا يخرج من الفحص الواجب حين استنباط الحكم الا بالرجوع الى وسائل الشيعة وغيره من الكتب .
هذا العالم الجليل ترك تراث خالد الان مطبوع بطبعة جديدة ممتازة محققة في ثلاثين مجلد طبعته مؤسسة أهل البيت لاحياء التراث واخرجته بصورة جيدة وقيمة .
فهذا العالم الجليل من نسل جده الحر الذي نصر سيد الشهداء سلام عليه وقدم نفسه فداء لابي عبد الله سلام الله عليه .