مشاهد الطريق من الكوفة إلى الشام 17
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 17/1/1442 هـ
تعريف:

17 – مشاهد الطريق من الكوفة إلى الشام

تفريغ الفاضلة أمجاد عبد العال

قال الله تعالى في كتابه: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون). آمنا بالله، صدق الله العلي العظيم. عطروا مجالسكم بذكر محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم صل على محمد وآل محمد. 

حديثنا بإذن الله تعالى يتناول الرحلة المجهدة التي طواها ركب الأسارى الحسيني، من الكوفة إلى دمشق. ونتعرض فيه أيضا إلى بعض المنارات والمشاهد والمواقع التي بقيت إلى زماننا في بعضها، شاهدة على تلك المسيرة وعلى بقاء نور الله عز وجل، والمتمثل في خط رسول الله والأئمة المعصومين من ذريته، بالرغم من جهد الاتجاه الأموي في زمانه وبعد زمانه، على إطفاء هذا النور، وعلى كبت كل رمز يشير إليه. 

ربنا سبحانه وتعالى في كتابه، يشير إلى هذه الفئة المعادية لخط الإيمان، بأنهم (يريدون)، يصممون، عندهم إرادة جدية في إطفاء نور الله، لكن في الطرف المقابل، الله ليس فقط يبقي نوره، وإنما يتمه، يكمله، ينشره، ولو كره الكافرون، الذين يريدون تغطية هذا النور. 

الكافر في اللغة العربية، في أصلها، بمعنى: من يغطي، الكفارة، هي: التغطية، لذلك؛ كفارة الذنب هي: تغطية آثاره، ورفع آثاره، ويعبر عن المزارع الذي يزرع البذور في الأرض، في اللغة العربية، بالكفار، والكافر. وقد ورد استخدام ذلك في القرآن الكريم. الكفار الذين يريدون تغطية نور الله عز وجل، ومنعه من الانتشار، وإن كرهوا، فإن هذا النور منتشر ودائم، وتام وباق. 

القضية الحسينية بآثارها المختلفة، حتى بشواهدها العمرانية، ناطق صدق عن هذه الفكرة التي تتحدث عنها الآية المباركة. سوف نشير إلى بعض ما بقي من المشاهد، ومن المواضع، التي مر عليها ركب الأسارى الحسيني، سبق أن ذكرنا، أن أسارى أهل البيت (ع) بعد بقائهم من يوم 12 محرم، سنة 61 إلى يوم 19 محرم سنة 61، جهز ابن زياد – لعنة الله عليه – معهم، حسب ما ورد في بعض الروايات التاريخية، ألفا وخمسمئة من الجنود، في طليعتهم بعض القادة العسكريين، كشمر بن ذي الجوشن، وخولى بن ييد الأصبحي، ونظرائهم، لكي يسيروا مع هذا الركب باتجاه بلاد الشام. 

أشرنا أيضا أنننا لا نعتقد بما ذكره بعض المؤرخين من أن ابن زياد قد أرسل إلى يزيد يستشيره في أمر السبايا، وأنه ماذا يصنع بهم، وانتظر إلى أن جاء الخبر. نحن لا نعتقد بذلك؛ لأن ابن زياد كان يتصرف في كربلاء، في المعركة، باعتباره القائد الأوحد، لا ينتظر أمرا من أحد ولا هم يحزنون، وهو صاحب فكرة: فإذا قتلت الحسين فأوطأ الخيل صدره وظهره، ولقد علمت أن ذلك لا يضره، ولكن على قول قلته. فمثل هذا الأمر ما إله سابقة، ويعد عارا وشنارا في القانون العسكري، ولم تعرفه العرب في تلك الأوقات بشكل واضح، إلا أن ابن زياد قرر هذا ويطبق ويصير. بل حتى قضية السبيوالتنقل فيما بين البلدان كما يشير إلى ذلك العلامة الشيخ جعفر المهاجر، وهو باحث في التاريخ وزين ومتين. في كتاب عنده، اسمه: موكب الأحزان، يقول: قضة التشهير من بلد إلى بلد بالنساء، ما كانت العرب تعرفها وتراها شيئا مستبشعا ومستنكرا، واللي سوا هذا هو ابن زياد بشكل مباشر. 

على أي حال، فجهز معهم حدود 1500، حسب ما يظهر من عدد من الروايات، أن النساء كن بحدود العشرين امرأة، أو دون ذلك، ومعهن عدد من الصبية، وثلاثة رجال، منهم وفي مقدمتهم: الإمام زين العابدين (ع)، وموالي. وإلا الباقي في الغالب كانوا صغار السن. اختار ابن زياد لهذا الجمع، وهو جمع غير قليل، يعني إذا ضميت إل 1500 مع هذا الركب، أنت تتحدث عن جمع ليس سهلا. اختار إليهم الطريق المعروف بطريق الجزيرة. 

من الكوفة إلى الشام هناك ثلاث طرق، طريق يصير يسار دجلة، يسار نهر دجلة، يطلع إلى الشمال، ثم يوصل إلى داخل تركيا الحالية، منطقة نصيبين، ثم ينعطف يسارا إلى الأسفل باتجاه بعبلك، ثم دمشق. هذا يسمونه طريق طويل، 2100 كيلو متر تقريبا. هذا الطريق هو اللي انتخبه ابن زياد. 

هناك طريق آخر، اللي يصير على، بمحاذاة الفرات، هذا أقصر من سابقه، وطريق أقصر من الجميع وهو الذي يمر ببادية الشام. من دمشق، بادية الشام، إلى داخل العراق، إلى كربلاء. وهذا أقصر الخطوط والطرق، وهو الذي سوف يختار في طريق العودة النهائية. 

ابن زياد اختار الطريق الأول مع طوله مسافة، لأسباب متعددة، منها: أنه طريق عامر بالبلدات. في بعض الوثائق التارخية، تتحدث عن 46 مكان مر عليه ركب الأسارى. والبعض الآخر، يشير إلى أنها 37 مكان ومنطقة، وفيما بينها هناك اختلاف وتداخل. المهم أن هذا الطريق، وهو طريق الجزيرة، المحاذي لدجلة على اليسار، باتجاه الشمال، ثم دخول إلى داخل تركيا، ثم إلى اليسار، هذا كان طريقا طويلا، مع ذلك اختاره ابن زياد للسير. ولعله الإشارة فيه، بأنه: يسار بهن في البلدان من بلد إلى بلد، إشارة إلى كثرة هذه البلدان. بينما الطريق المحاذي للفرات أكثر من نصفه، يعني من الكوفة إلى منطقة الرقة، أكثرمن نصف هذا الطريق، يعني حدود 800 كيلو وأكثر، لا يوجد فيه إلا ثلاث مناطق مأهولة، وإلا الباقي كله مناطق بدوية وتجمعات رعوية. 

الحاصل: ذاك الطريق الأول، الغرض منه: إشاعة انتصار بني أمية في هالمجاميع البشرية، في هالبلدان المختلفة، حتى لا يفكر أحد من هؤلاء الناس بأن يفعل ما فعل الحسين من المعارضة، ترى الحسين، وهو ابن رسول الله، صاحب المقام الكبير، مع ذلك لم يمنع ذلك الدولة الأموية من أن تقتله وأن تشهر بنسائه بهذه الطريقة. فما ظنك لو فعل غيره من الناس! 

فطوى هذا الطريق، كما ذكرنا في وقت سبق، في ثلاثة عشر يوما، بمعدل، كما ذكرنا، أن الإبل كانت تقطع حوالي 160 كيلو متر في اليوم، مسيرتها الكاملة كانت تصل إلى هذا المقدار، وبالتالي فما ذكره، مثل المؤرخ الطبري والمسعودي، وغيرهم من أن ركب الأسارى وصل يوم اثنين صفر، من سنة إحدى وسنتين هو على القاعدة تماما. 

في هذا المشوار الطويل، سوف نلاحظ أن أكثر من نصف المناطق، نصف المناطق أو أكثر، كان موقفها موقفا مخالفا لبني أمية في هذا الأمر. البعض من المناطق – كالموصل مثلا – منعوا من دخول الجيش، وذلك الركب. ما خلوهم يدخلوا أصلا؛ احتجاجا على فعلهم. 

في بعض الأماكن الأخرى – مثل: كفر طاب وغيرها – رموهم بالحجارة. بشكل عام، الأديرة في هذه الطرقات غير قليلة، الأديرة المسيحية كان موقفها موقف التعاطف مع الأسارى، وبعض أصحاب الأديرة والعباد فيها كانوا يحتفون برأس الحسين، بما قرؤوا في كتبهم عن النبي المصطفى محمد (ص) وعن ذريته وعن أهل بيته. وقد ورد ذكر أهل البيت (ع) في النسخ الصحيحة من العهد القديم والعهد الجديد: التوراة والإنجيل، مثل هذه قليل تعرضت إلى التزوير. فالحاصل أن: الأديرة النصرانية والرهبان كانوا يعرفون حق رسول الله بهذا المقدار، ويعرفون حق الحسين (ع)، فاستنكروا أن يفعل بالحسين وبذريته هذا الفعل. 

مما أراده الله سبحانه وتعالى لهذه المسيرة أن تبقى وتبقى آثاره، هو انتشار هذه المشاهد والمراقد والأماكن والمقامات، بالرغم من محاولات تغييرها وإعطائها عناوين أخر. حسب التتبع، ذكر المؤرخون أن هناك ثلاثة عشر موضعا في هذا المسير اللي علم عنها وبقيت آثارها، ولو فترة من الزمان، وتحدث المؤرخون عنها، بعضها الآن ما موجودولكن تحدث عن ذلك الذي لم يبق، تحدث مؤرخون، وأرخوا وجودها، قسم آخر، لا، لا يزال موجودا، افتترض مثلا، ابدأ من، ولو هذا قبل الكوفة، مسجد الحنانة، أو مشهد الحنانة، إلى الآن لا يزال موجود، عندما خرجوا من كربلاء باتجاه الكوفة، صار وقت الغروب عندهم، وهناك وضعوا رأس الحسين (ع) على مكان، على صخرة، أو عند جذع، فصار هذا مناسبة إلى أن يبنى مشهد ومقام للحسين، وقد أشير إليه في روايات أهل البيت (ع)، حتى ورد أن إمامنا جعفر الصادق سلام الله عليه، قد صلى في هذا المكان، الإمام الصادق بقي في الكوفة سنتين، في الفترة التي تلت، تولي أبو العباس السفاح السلطة، أيام العباسيين، وسقوط بني أمية، استدعي الإمام (ع) إلى تلك المنطقة، السفاح كان في ذاك الوقت لا يال في هذه المنطقة، واستدعي الإمام الصادق، وبقي سنتين هناك، في هذه الفترة، كان يؤكد الإمام (ع) على هذه الموقع، يروح ويعين بالدقة مكان قبر الإمام علي (ع)، يروح بالدقة ويزور الإمام الحسين (ع)، ويشرح إذا دخلت من هالمكان تقول كذا، وصنعت كذا، وعلى هذا المعدل، ومن جملة ما زار، زار مكان جعل رأس الحسين (ع)، يقول أحد أصحابه: كنت معه، فنزل، وصلى ركعتين، وقال: هاهنا مكان قد وضع فيه رأس جدي الحسين (ع)، ومن ذاك الوقت صار هذا المشهد عامر وإلى يومنا هذا. بل المنطقة سميت باسمه، منطقة الحنانة الآن معروفة، سميت باسم هذا المكان، ولماذا سميت بالحنانة؛ لمناسبة لا نتعرض إليها الآن. 

بعد هذا لما نجي، المؤرخون يذكرون مشاهد متعددة، مما يذكرون من هذه المشاهد، مشهد في الموصل، هذا المشهد في الموصل، اللي بقي لفترة طويلة على أنه من الأماكن التي وضع قربها رأس الحسين (ع)، ونزل أسارى أهل البيت في ذلك المكان بالرغم من أن أهل الموصل لم يقبلوا بدخول جيش بني أمية، اللي كان يحرس الألف وخمسمئة، كانوا كل منطقة يوصلون إليها، يذهبون يتزودون بالماء، يأخذون العلف لدوابهم، غير ذلك، يستقبلهم الوالي، يعمل ليهم احتفاء، ربما فرجوا الناس على ركب السبايا، تحدثوا عنه، أهل الموصل رفضوا ذلك ولم يقبلوه. وكان هذا فيما بع، لأنه صارت هجرات من الكوفة، قسم منها راحوا، همدانيون إلى الموصل، هذه المناطق كانت بمثابة تجمع جديد لشيعة أهل البيت (ع) فتم تشييد مشهد وموضع في الموصل بقي لفترة طويلة من الزمان. 

المشهد الآخر في نصيبين، اللي آن قلنا داخلة ضمن الحدود الإدارية لتركيا، في ذاك الوقت، بعد ما كانت تلك الحدود موجودة، وإنما كانوا يذهبون ويتبعون نهر الفرات حتى يتزودوا بالماء، ويأوون إلى فيء الأشجار التي تنبت على ضفافه، فأيضا ضمن هذا المسير، وصلوا إلى نصيبين، وهناك خيموا وعلى أثر ذلك أيضا تم بناء مشهد في ذلك المكان. 

رح نجي فيما بعد إلى أن قسما من المشاهد، إما تم تغيير اسمها، كما حصل في زمان نور الدين، محمود زنكي، وهذا كان متعصبا جدا فيما يرتبط بأمور التشيع وعلاماته، فأعاد بناء المشهد وسماه باسم جديد، باسم: مسجد الحسنين، وسوا إله محراب، وكان يتعامل معه على أنه مسجد، بينما كان في الأصل مكان مشهد، موضع رأس الحسين (ع)، ونزول السبايا. 

وهكذا لما إجا فيما بعد الظاهر بيبرس، أيضا نفس الشيء، هذا كان إنسانا متعصبا، ضد الحالة الشيعية، فكان يتتبع مثل هالمواقع هذه ويحاول أن يغيرها، من عنوانها الخاص الشيعي، إلى عنوان عام، هذا مسجد، وإمام الجماعة مالته أيضا من المدرسة الأخرى، ويالتدريج يندثر الأثر الأصل، فكانت بعض المشاهد غير عنوانها، وبعضها الآخر تركت في تلك الأزمنة، إلى أن تداعت وتهاوت، فلم يجدد بناؤها. مثل في مكان معين، اللي باقي إلى الآن، هو عبارة عن بقعة أرض، وليس فيه شيء. 

من المشاهد، مشهد في بلاد المسْكَنَة، أو المسْكِنَة، في سوريا، وهذا كما ذكرنا، تم إهماله، مو دائما كانت الحالة الشيعية في تلك المناطق حالة متقدمة، في بعض الأحيان كانت تتراجع، في بعض الأحيان يتعرض له أولئك السلاطين الظالمون، فتهمل هذه المنطقة أو تهدم فلا يتبنى القيام بها. 

من ذلك أيضا، مشهد، بل مشاهد في حلب. إلى الآن، في حلب، هناك ثلاث مواقع بقيت. وحلب من المناطق اللي كان فيها وجود موالي لأهل البيت (ع) منذ لك الزمان، ولذلك لم يكن استقبالهم للجيش الأموي استقبالا حسنا، وإنما احتجوا عليهم، وفي بعض التواريخ: تضاربوا معهم. وأعلنوا تأييدهم وتعاطفهم مع الحسين، ومع ركب السبايا اللذي وصل إلى هناك. 

صار في هذه المنطقة، في حلب، إلى الآن، لعل بعضكم ذهب إلى الزيارة، هناك مسجد المحسن، ويسمونه هناك المحسِّن، وهناك هناك مشهد النقطة، قيل أنه لما وضع رأس الحسين (ع) في ذلك المكان، ووكان في الأصل ديرا لراهب نصراني قد أخذه إليه، وأعطى، على ما قيل، أموال لهؤلاء حملة الرؤوس، حتى بس يخلوه عنده، وهو يحفظه لهم إلى الصباح، فسالت نقطة هناك وعلى أثرها تم تشييد مشهد باسم: مشهد النقطة، هاي كلها المنطقة، في منطقة جبل الجوشن، إلى الآن هذه الآثار لا تزال موجودة. 

فهناك إذن مشاهد كثيرة، في بعلبك أيضا هناك مشهد، اللي قلنا أن هذا حوَّل نور الدين محمود زنكي، إلى مسجد باسم: مسجد الحسنين، وقريب منه أيضا مشهد آخر، كلها كانت مشاهد ترتبط إما بوضع رأس الحسين (ع) في ذلك الزمان أو بمقام أسارى أهل البيت (ع) في تلك المنطقة. 

و13 موضع يذكرونها في 9 مناطق خلال هذا الطريق، آخرها كان في جوار الجامع الأموي، اللي هو مشهد رأس الحسين (ع)، حيث وضع هناك، وإلى وقت قريب كانت آثاره ومكانه والإشارة إليه موجودة عند الجامع الأموي، في السابق كان مجاورا إليه، لا نعلم الآن: هل ضم إليه وأدخل أو لا؟ بس هذه مناطق متعددة، 9 مناطق في هذا الطريق، بقي فيها شواهد ومشاهد ومقامات تشير إلى: واحد: تشير إلى أن هذا الطريق كان طريق الأسارى، فلما يجي مثلا، صاحب كتاب: منهاج السنة ابن تيمية، أو أمثاله، ويقول لك: أنه أساسا هناك تشكيك في أنه أخذت عائلة الحسين إلى الشام. تقول له: هذي بعد هالمشاهد وهالمواقع وهالشواهد، لا تفسير لها بعد ذكر التاريخ لها إلا هذا المعنى. أخذوا ليس على أي طريق، بل على هذا الطريق بالذات دون غيره، وهذه شواهده، فهذه تفيدنا فائدة تاريخية مهمة، لأن لا يوجد شيء أصدق من الشاهد العيني الخارجي من رقيم حجري، أو من مشهد قائم، أو ما شابه ذلك. لعلك تقدر تقول لك: هذا المؤرخ كانت متعاطف مع أهل البيت فقال كلاما، أو ذاك المؤرخ جاب كلام من عنده، لكن ماذا تصنع لمثل هذه الأمور. فهي شواهد تاريخية مهمة. 

الشيء الآخر: تبين إلنا أن هذا كان موقف من مواقف الناس المعبرة عن رفض بني أمية، وعن موالاة آل محمد (ص). ابن زياد وآل أمية قاموا بعمل على خلاف كل السنن والقواعد. هالسا أنت قتلت إلك رجل في معركة، انه الموضوع، خلاص بعد، حصلت غايتك، عدوك قتلته وانتهى الموضوع، هم سووا شيء انقلب عليهم على مختلف المستويات، شهروا برأس الحسين في البلدان، أخذوا نساءه من بلد إلى بلد، هذا تحول إلى مشكلة بالنسبة إلهم. أولا: لأن الناس أصحاب الفطر السليمة يتعاطفون مع الإنسان المظلوم، حتى لو لم يتفقوا معه في الدين والمذهب. أنت الآن لما تشوف لك واحد ينظلم، حتى لو ما تعرفه، ما تدري دينه، ما تدري مذهبه، لأجل مظلوميته أنت تتعاطف معه، وتحس بالميل إليه، وتود لو أنك تستطيع نصره، إذا لم تتضرر، حتى لو في آخر البلدان، حتى لو ما تعرفه، فكيف إذا كان هذا المظلوم، في مستوى الحسين (ع) وعترته وذريته. 

كيف يعبر الناس عن تعاطفهم، تارة: بالبكاء، بإبداء العواطف، بإبداء الكلام، بمهاجمة، يختلف، في مراتب مختلفة، بمهاجمة من كان من الحرس، بإبقاء شواهد ومشاهد وأماكن يعبرون فيها عن تقديرهم لصاحب هذا المشهد، لذلك الطواغيت والظلمة، يخافون من هالمشاهد، ما تضرهم بشيء هي بحسب الظاهر، لكنها في الواقع تحشد النفوس والعواطف في اتجاه أعدائهم. 

فمن جهة أخرى غير الشاهد التاريخي على الحادثة، هي أيضا شكلت نوع من الانتماء وإعلان الولاء، من قبل أصحاب هذه المناطق. بالتدريج، أي وقت اللي كان فيه انفراج، يشيدون هذا المشهد، أي وقت اللي ما كان ينسحبون، ولكن هذا كان يبقى إلى الأخير. هذا شيء مما حصل وحدث في هذا الطريق، طريق الكرام، طريق الأسارى من بلاد الكوفة إلى بلاد الشام. 

طبعا كان كما ذكرنا طريقا صعبا وعنيفا وسيئا، ومارس أولئك الأجلاف أيضا، أسوأ أنواع التعامل مع الأسارى، مع الأطفال، مع النساء، حتى يبينوا لقادتهم أنه احنا مخلصون لكم، وما كانوا يحتاجون إلى هذا، لكن بعد الإنسان وتكالبه على الدنيا وعلى حطامها وعلى الرغبة في الغنى والثروة، قد يقوم بظلم الآخرين، لكي يحصل على زيادة مالية. لكن لا يضر هؤلاء تلك الآلام، لا يضرهم تلك المعاناة ما دامت في سبيل الله. إنهم يتمثلون قول إمامنا الحسين (ع): "إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى". هذا الأمر اللي يسوق الأبطال، يسوق الرجال إلى الشهادة، ما دام هذا في سبيل الله، فلا يهمني الأمر، أنا ماض في هذا الطريق.


مرات العرض: 5733
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 45673.61 KB
تشغيل:

عن خطبة فاطمة وأخيها علي بن الحسين في الكوفة 16
دخول ركب الأسارى دمشق وخطبة السيدة زينب 18