النهضة الحسينية والمهدوية امتداد وتواصل 8
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 8/1/1442 هـ
تعريف:

النهضة الحسينية والمهدوية امتداد وتواصل 8

تفريغ نصيي الفاضلة أمجاد عبد العال

روى شيخنا الصدوق – أعلى الله – في كتابيه: عيون أخبار الرضا، وكمال الدين، بسنده، إلى سيدنا ومولانا سلام اله عليه أنه قال: "منا اثنا عشر مهديا، أولهم أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يحيي الله به الأرض بعد موتها، أما إن الصابر في غيبته، على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف، بين يدي رسول الله (ص)". 

خديثنا هذه الليلة، يتناول موضوع النهضة الحسينية، والنهضة المهدوية، وما بينهما من الامتداد والتواصل، نعتقد نحن شيعة أهل البيت، ومن عمل بأحاديث رسول الله (ص)، من سائر المسلمين، بأنه في آخر الزمان، يأتي رجل من آل محمد (ص). فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ظلمت ظلما وجورا، وهو المهدي (عج)، هذه النهضة التي تحدث عنها القرآن الكريم، بما فسرت به آيات الوعد في الاستخلاف وظهور الدين الإسلامي على الدين كله، وأن الله يرث الأرض ومن عليها، من خلال قيادة عباده الصالحين، هذا من جملة العقائد الثابتة عند المسلمين. 

وقد تحدث النبي المصطفى (ص)، كما تحدث الأئمة المعصومون، عن هذه القضية، في أحاديث كثيرة جدا، هناك نهضة أخرى هي التي نحيي في هذه الأيام، أخبارها ونتجاذب أطراف النظر فيها، وهي النهضة الحسينية، على صاحبها أفضل السلام والتحية. وهناك ارتباط بين النهضتين، وتواصل وامتداد، نحن نشير في هذه الليلة، إلى بعض جهات التواصل بين النهضتين. 

أول أنحاء التواصل، بين هاتين النهضتين، أن قائد النهضة المهدوية هو التاسع من ولد قائد النهضة الحسينية، وكما ذكرنا في الحديث المروي عن الإمام الحسين (ع)، أنه قال: "منا اثنا عشر مهديا"، كل الأئمة المعصومون، هم مهديون، ولكن لا بالمعنى الخاص للمهدي، وإنما هداهم الله سبحانه وتعالى إلى ما لم يهد إليه غيرهم. فهم مهديون من قبل الله إلى أحكامه، ومزودون بعلمه، وهداة إلى الخلق، يهدون بأمر الله عز وجل، ولكن المهدي بالمعنى الخاص، هو واحد، وهو الإمام الحجة (عج)، الذي ادخر للإصلاح العالمي الشامل، كما كان جده رسول الله، مدخرا بين الأنبياء جميعا للرسالة العالمية. 

من نسل الحسين التاسع هو الإمام الحجة، وقد صرح الإمام الحسين بذلك: "من اثنا عشر مهديا أولهم علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين، وآخرهم التاسع من ولدي"، والحديث عن الحسين (ع). طبعا هذا الأمر عندك أنت بديهي ولله الحمد. لكن عند قسم من المسلمين، أمره منغلق، فإن قسما من المسلمين، من أتباع مدرسة الخلفاء، ذهبوا إلى أن المهدي الموعود المنتظر هو من نسل الحسن المجبتى، لا من نسل الحسين الشهيد، وعندهم في هذا مؤلفات وكلام واعتقا، طبعا هذا على خلاف ما ورد من رواياتنا، بل من روايات رسول الله (ص)، فإن النبي (ص) كما نقلته أيضا بعض مصادر الخلفاء، خاطب الإمام الحسين (ع) بقوله: "أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة، تاسعهم قائمهم" (عج). 

خلينا نضيء على هالنقطة ولو باختصار، تعريف من هو الإمام المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا، بالنسبة إلى الإمامية واضح وضوح الشمس، بالنسبة إلى غيرهم فيه شيء من الإغلاق، فيه شيء من التخبط، فإن بعضهم، مثلا، كما ذكرنا، يقولون: هو من أبناء الحسن. وبعضهم، ومنهم هؤلاء أيضا، يقولون: يولد آخر الزمان. 

عندنا الإمامية، وعند قسم من المحققين، من علماء مدرسة الخلفاء، يقولون أن النظرية هكذا: أن النبي تحدث في مناسبات مختلفة عن الإمام المهدي بعبارات مختلفة. فتارة يقول: أن الأئمة من قريش وأن المهدي من قريش، في مكان آخر، يقول: المهدي من بني هاشم، في مكان ثالث يقول: المهدي من ولد فاطمة، في مكان رابع يقول: المهدي من ولد الحسين. في مكان خامس يقول: التاسع من ولد الحسين. 

لما يجي الواحد من أتباع مدرسة أهل البيت، ويجمع هالروايات هذي، يجد بينها تمام التكامل، فيقول: المهدي هو من قريش، يعني ليس من سائر العرب، ليس من تميم، ولا من كندة، وإنما من قريش. في نفس الوقت، قريش هي أيضا قبائل متعددة، أفخاذ متعددة، فهو هنا من بني هاشم في قريش. بنو هاشم أيضا هم متعددون في الآباء والأجداد، فيقول هذا هو من ولد رسول الله (ص)، يعني مو من بني العباس، ولا أبناء جعفر بن أبي طالب، ولا أبناء غيرهم، وأيضا أبناء رسول الله من فاطمة، فهو من ولد فاطمة، وحيث أن فاطمة لها ولدان أنجبا، واستمر نسل رسول الله فيهما، وهما الحسن والحسين، عين أنه من ولد الحسين. فعلى القاعدة هذي، لما تجمعها، تجي كلها منسجمة، ما تفهم أنه من قريش لوحده، ما تفهم أنه من ولد فاطمة لوحدها، وإنما تحمل كما يقول العلماء، تحمل الحديث على الحديث الآخر، وتجمع الجميع، فتظهر لك النتيجة. شنو فائدة عبارة: التاسع من ولد الحسين، فائدته: تثبت أن الإمام المهدي لا بد أن يكون مولودا ولا بد أن يكون موجودا وحيا، وإلا كلمة التاسع من ولد الحسين لا معنى لها، وهذه أكدت في كلمات رسول الله، وكلمات أمير المؤمنين، وكلمات الإمام الحسن المجتبى، وكلمات الإمام الحسين، وسائر الأئمة. أنه التاسع من ولد الحسين، فائدتها شنو؟ أنها تثبت أن المهدي لا بد أن يكون مولودا ولا بد أن يكون موجودا في هذا الزمان، وإلا لا يمكن أن يصبح التاسع، إذا كانت مثل نظرية أتباع مدرسة الخلفاء: أنه يولد في آخر الزمان، فهذا ما يصير التاسع من ولد الحسين، ربما يصير رقم 50، 60، 70، 80، الشيء الوحيد اللي ينطبق على كلمة التاسع من ولد الحسين، هو أنه بعد الحسين يكون: زين العابدين، ثم الباقر، ثم الصادق، ثم الكاظم، ثم الرضا، ثم الجواد، ثم الهادي، ثم العسكري، والتاسع في هؤلاء، هاي ثمانية، والتاسع في هؤلاء هو المهدي (عج). 

أما لو أنه لم نقل أنه مولود، وبالتالي ليس بموجود، يجي لنفترض، يولد بعد ألف سنة، بعد ألفين سنة، أكثر أو أقل، هذا بعد ما يصير التاسع، التاسع هو الذي لا بد أن يكون في سنة 250، أما اللي يصير في سنة 1400، أو 2400، هذا لعله يصير رقم 50، 60، 70، أكثر من ذلك. فهذا يكذب كلام التاسع من ولد الحسين. 

كما ذكرنا، بعض أتباع مدرسة الخلفاء ذهبوا إلى أنه من ولد الحسن، وهذا لا دليل عليه أصلا، إلا بالاكتفاء أنه من قريش ومن ولد فاطمة. تعال كمل بقية الأحاديث والروايات، فإنها تنص على أنه من ولد الإمام الحسين (ع)، بل الإمام الحسن – وهذا شيء ملفت للنظر – الإمام الحسن إله روايات منقولة في مصادرنا، تشير إلى أن المهدي هو من ولد أخيه الحسين (ع)، لا من ولده، وكأن الإمام الحسن المجتبى، ملتفت، إلى أنه من الممكن أن البعض يستغل هذه النسبة، وبالفعل قسم من غير الواعين والعارفين، من أحفاد الحسن، تصوروا أن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، المعروف بالنفس الزكية، هو المهدي. قالوا: احنا نبايعه، كان في زمان المنصور العباسي، زمان الإمام الصادق (ع)، وقالوا: احنا نبايعه، بعتباره المهدي. ليش؟ لأن اسمه محمد، والمهدي اسمه محمد كاسم رسول الله. أيضا في بعض أتباع مدرسة الخلفاء، قالوا: اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، وهذا غير صحيح. وإنما من الإضافات المتأخرة، ونحن نحتمل أنها حصلت في زمان العباسيين، وبالذات في زمان المنصور العباسي، منصور قال: خلينا، واحد من أبنائه سماه: محمد، ولقبه بالمهدي، لعل هذا يصير باعتباره من قريش. أو مناكفة لبني الحسن. الإمام الصادق (ع) نفى هذا الأمر، والنتيجة أيضا اللي نتج عنها ثورة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن، هي أثببت خطأ هذه النظرية. لأن الإمام المهدي عندما يظهر، يظهره الله على كل من سواه، والحال أن محمد بن عبد الله، الذي رشحه بعضهم لأن كون المهدي، قد قتل واستشهد على يد جيوش المنصور العباسي. 

فأول شيء هناك اشتراك بين النهضتين الحسينية والمهدوية، في نسب القائدين. قائد الثورة المهدوية والنهضة المهدوية ينتسب إلى الإمام الحسين (ع)، والحسين يكون جدا له، وهو الابن التاسع للإمام الحسين سلام الله عليه، هذا واحد. 

الثاني: أن الشعار الذي يخرج به الإمام المهدي (عج)، شعار حسيني وهو: يا لثارات الحسين. هناك رواية تنقل في مصادرنا، وهي على المشهور معتبرة السند، وهي اللي عن الإمام الرضا، وعادة تقرأ: التي ينقلها الريان بن شبيب، عندما دخل على الإمام الرضا (ع)، في أول أيام المحرم: "يا بن شبيب، إن شرك أن تكون معنا، أو في الغرف المبنية، فمتى ذكرت الحسين (ع)، فقل: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما"، اللي فيها حث وحض على البكاء: "إن كنت باكيا لشيء، فابك للحسين، فقد ذبح كما يذبح الكبش". إلى آخره. هذي فيها، في ذيلها، هذه الفقرة، في الرواية هكذا: "ولقد نزل أربعة آلاف"، هذا حديث الإمام الرضا، "ولقد نزل أربعة آلاف من الملائكة؛ لنصرته"، لنصرة الحسين (ع)، "فهم عند قبره شعث غبر"، حالة حزن عليهم دائمة، "إلى أن يقوم القائم"، فيكونون من أنصاره" من أنصار القائم، "وشعارهم: يا لثارات الحسين". فإذن، الإمام المهدي ينهض ثائرا ومطالبا بثأر الحسين (ع). 

هنا، أجد من الضروري الإشارة إلى هذه النقطة، لأن قسما من المتعصبين، أصحاب الأهواء السياسية، الذين هم مشغولون بمحاربة خط أهل البيت (ع). عندهم بالذات هذه الأيام، أيام محرم، مثل هذا الموضوع، يقولوا: شوفوا أن شيعة أهل البيت يقولون أن عندهم ثارات مع أهل السنة، ويريدون أن المهدي يقتل أبناء هذا الفريق الآخر، وهو تهريج، وهو كلام غير صحيح. ليش؟ لأنهم يرفعون رايات عليها: يا لثارات الحسين. 

يا لثارات الحسين، عندنا نحن الإمامية غير موجهة إلى الفريق الآخر من المسلمين، وهذا بنص روايات، في، هناك روايات، ولعل هذه القضية أثاروها في ذلك اليوم، وبعض المتعصبين يجترونها إلى الآن، من الروايات، رواية معتبرة السند، عن الإمام الصادق (ع)، في هذا الموضوع، يقول فيها سلام الله عليه، الرواية عن الإمام الرضا واحدة، وأخرى عن الإمام الصادق (ع)، يقول له: كيف الإمام المهدي (عج) يقتل وينتقم من أناس متأخرين عن الإمام الحسين (ع)، بينهم وبين من قتل الحسين آلاف السنين، قال: "إنما يقتل من رضي بفعلهم، ومن رضي بفعل قوم كان منهم"، ومن الطبيعي، هذا أنا اللي أشرح هذا الكلام، من الطبيعي عندما يظهر الإمام المهدي (عج)، ويقف الناس على خطي التأييد والمعارضة لنهضته، قتلة الحسين ما موجودين، ولكن من كان من أحفادهم وسار على خطهم ورضي بفعلهم، وتشمت بمقتل الحسين (ع)، ما يمكن أن يكون مناصر للإمام الحجة، وإنما هو يقف في ذلك الوقت في وجه الإمام (ع)، ومن الطبيعي أن الإمام يقاتل من يكون عدوا له وفي وجهه. احنا ما نتصور أن واحدا ممن يتشمت بمقتل الحسين، ويفرح بما صنع آل زياد وآل مروان من قتلهم الحسين وتنكيلهم به، ووطئهم لصدره وظهره، وسبيه لنسائه، واحد يرتاح لهذا الأمر، يرضى بهذا الفعل، يكيِّف عليه، كبعض من نقلنا أخبارهم في أيام مضت، ما نتوقع أبدا أن يكون هذا إلا مخالفا للإمام الحجة (عج). 

هل رأيت شخصا يكون في حركة الإمام الحجة، مع الإمام، مناصرا له، وهو راض بفعل بني أمية مع الحسين، بقتلهم إياه، بسبيهم نسائه، لا يمكن أن يكون ذلك. هذا يقف على الضد من خط أهل البيت، يقف على الضد من حركة الإما الحجة، وآنئذ من الطبيعي، في أثناء حركة الإمام أن يكون معاديا له، وإذا صار معاديا من الطبيعي أن يقتل في هذه المعركة. "من رضي بعمل قوم أشرك معهم فيه"، "من أحب قوما حشر معهم". فهذا الذي يأتي راضي بأفعال من سبقه من القتلة والمجرمين. لا يمكن أن يكون إلا معارضا ومحاربا للإمام الحجة (عج)، وآنئذ من الطبيعي أن يكون في الصف الآخر الذين يقاتلهم الإمام (ع). وأما إذا إنسان، ليس كذلك، وإن كان على مذهب آخر، لكنه ينقم على قتلة الحسين فعلهم ولا يرضى بجرائهم، فهذا بعد، لا معنى أن يكون ضمن من ينتقم منهم الإمام (عج). 

الراية التي يرفعها، والشعار الذي يرفعه الإمام (عج)، ويرفعه الملائكة المؤيِدون، والمؤيَدون من قبل الله عز وجل للإمام الحجة (عج)، هذه راية: يا لثارات الحسين، بهذا المعنى الذي ذكرناه ونقلناه. فإذن، هناك تواصل على مستوى الانطلاق: أن حركة الإمام الحجة منطلقة ضمن راية حسينية: يا لثارات الحسين، هذا أيضا من نقاط التواصل والاشتراك بين الإمامين وبين النهضتين. 

أيضا الهدف الواحد بين النهضتين عنصر مشترك. الإمام الحسين (ع) كما ذكرنا في ليلة مضت، ثار من أجل الإصلاح الشامل في الأمة، والقضاء على الفساد والجور والانحراف، "إنما خرجت لطلب الإصلاح"، في مقابل هالفساد الشامل الذي صنعه الأمويون، الإمام الحسين نهض. المهدي يأتي في نفس السياق، ولكن مع توسعة الدائرة، الإمام الحسين (ع)، دائرة هذا العمل الذي قام به، بحسب تصريحه، "خرجت بطلب الإصلاح في أمة جدي" هذا مد النظر، في ذلك الوقت، لكن دائرة الإصلاح، عند الإمام الحجة (عج) هي الأرض بكاملها، كل الشعوب، كل الأمم، "يملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا".

هنا تنبيه: الأغلب في الروايات: "كما"، مو "بعدما"، مع أنه كلا المعنيين صحيح، يعني: يأتي بعد سيادة الفساد والجور، لكن أكثر الروايات: "كما"، و"كما"، فيها إشارة إلى الكيفية. كيف غزا الفساد المجتمع المسلم، كيف سيطر الانحراف على العالم، بنفس الطرق، وبنفس الوسائل، سوف يسيطر العدل، وسوف يسيطر القسط، على العالم. يعني القضية مو كلها قضية سيف وسلاح، حتى أنت تجي وتسأل كيف الإمام يحارب ويقاتل وما شابه ذلك، إنما هذه التعابير والتي وردت أيضا في الروايات تشير إلى الكيفية، كما انتشر الضلال، والانحراف والظلم، أيضا بنفس الطريقة، سوف ينتشر القسط والعدل والفضيلة، انتشر الانحراف بوسائل الإعلام، سينتشر التقوى والفضيلة بهذه الطرق. انتشر من خلال الوسائل المتطورة، أيضا هذا سينتشر بنفس الطريقة. ليس الأمر كله قضية عسكرية، وليس الأمر كله قضية غيبية، وإنما الغالب فيها بنفس الأساليب التي انتشر فيها ذلك الجانب السلبي، سينتشر فيها الدين والفضيلة والتقوى، وفي بعض الموارد التي لا بد فيها من استخدام قوى الغيب، آنئذ يستخدم الجانب الغيبي 

إذن عندنا من نقاط التواصل والامتداد بين النهضتين: أن الهدف والأغراض وما يقصد الطرفان من النهضة: الحسين والمهدي، هو واحد، وإن كان هناك اختلاف في دائرة العمل ضيقا واتساعا. هذي من الأمور المشتركة. 

من الأمور المشتركة ما نجده في أوصاف الأنصار، أنصار الحسين (ع)، وأنصار المهدي، جعلنا الله وإياكم أنصارا لآل محمد (ص). وترى الأصحاب، أنت ما تقدر تكون من أصحاب الحسين بالمعنى الخاص، لأن الصحبة تقتضي المزامنة والمعاصرة من حيث الوقت، وأنت الآن في وقت، لست في زمان الحسين. لكن بإمكانك أن تكون نصيرا للحسين حتى وإن تأخرت عنه 1500، بنصرة أهدافه. ما تصير صاحب إله، لأن الصاحب يقتضي المصاحبة الجغرافية والبدنية، هذا المعنى الأولي. ولكن يمكن أن تكون من الأنصار. النصرة ما تقتصر على زمان دون زمان. الآن بإمكانك أن تكون نصيرا للحسين (ع). 

أنصار الحسين (ع)، لهم خصائص، أنصار الإمام المهدي (عج) أيضا لهم خصائص، هم يلتقون في الصفات والخصائص العامة ومنها: الجانب الروحي والعبادي، فإنه قد ورد في كل من هذين الفريقين صفات، مثلا في أنصار الحسين، يصفون أنه بات أصحاب الحسين (ع) ليلة العاشر من المحرم، ولهم دوي كدوي النحل، من العبادة وقراءة القرآن، وفي شأن أصحاب وأنصار الإمام المهدي (عج)، يأتي هذا التعبير: "قد أثر السجود في جباههم، فهم رهبان الليل"، لكثرة صلاتهم وتهجدهم وتعبدهم، ليلا، عليهم آثار السجود، وأنهم رهبان الليل، رهبان يعني كأن ما عندهم شغل غير العبادة، لكن رهبان الليل، ليوث بالنهار، مو أهل صوامع وعبادة، وإنما كل شيء إله مكانه الطبيعي وممارسته الطبيعية، في الليل يخلون بخالقهم، يتعبدونه يتهجدون إليه، يتوسلون إليه، يبكون إليه سبحانه وتعالى خضووعا وخشوعا، ولكن في النهار أنت تجدهم في الفاعلية والحركة والشجاعة ليوث. والليث من أسماء الأسد الجريء القوي المقدام، تعبير عن فاعليته. كذلك أصحاب الحسين، رأينا، في يوم العاشر من المحرم، هؤلاء الذين تراهم كأنهم جنائز  في الليل، من ضعفهم وخضوعهم، ولكن في النهار تراهم أسود الوغى، حتى مع كبر سنهم، كمسلم بن عوسجة، حبيب بن مظاهر، وبرير بن خضير، وأمثال هؤلاء، هذي أيضا من النقاط المشتركة التي نراها في النهضتي، أن الأصحاب والأنصار على مستوى متقدم من الجانب الروحي والعبادي، فاحنا لازم نحرص على هذا الجانب. 

خلي لك أيها الأخ المؤمن، وأنت فاعل، إنما هذا تذكير، مثل: (اهدنا الصراط المستقيم)، أنت تذكر نفسك، خلي إلك، في الليل، ولو ركعتين، خلي إلك في الليل، ولو مناجاة مختصرة، خلي إلك في الليل، ولو دقائق تنفرد بخالقك. وإذا تعودت عليها، وإن قلت، ستستمر عليها إلى آخر حياتك. 10 دقائق، ما تحتاج أكثر من هذا، لو 10 دقائق في كل ليلة قبل نومك، أو قبل الفجر، قبل أن تستيقظ لصلاة الفجر، إذا كنت ممن ينام مبكر، خلي قبل الفجر بعشر دقائق، قوم، وصف رجليك لصلاة الليل، أو لمناجاة مع الله، أو لاستغفار، وإذا كنت ممن يتأخر في المنام، قبل أن تنام، صار، الآن مثل هذه الليالي، الساعة 11، و10 دقائق، وربع، صار نص الليل، قسم كبير من الناس، لا يزالون مستيقظين، قبل أن تخلد إلى المنام، صل إلك ركعتين، اقرأ إلك مناجاة، توجه إلى ربك، سبح بالاستغفار بمقدار من المقادير، حتى ترشح نفسك وأرشح نفسي أن نكون من هؤلاء الأنصار. 

أيضا يلحظ وجود العلاقة العجيبة بين الحسين (ع)، وبين الإمام المهد (عج) من الطرفين. الإمام المهدي فيما نقل عنه في زيارة الناحية، كما يرى صحة نسبتها إليه عدد من العلماء، بعد أن يزور تلك الزيارة، زيارة الناحية المقدسة، مقتل من المقاتل المفجعة المؤلمة المحزنة المكربة، جرب أن تقرأ زيارة الناحية في أيام محرم، زيارة الناحية يزار بها الإمام الحسين (ع) وهي بناء على رأي قسم من العلماء، مروية عن الإمام الحدة (عج)، فيها تعداد لمصائب أهل البيت في كربلاء، تنقل صور مفجعة مأساوية حزينة عن قضية كربلاء، اللي فيها هذا المقطع المشهور: "فلئن أخرتني عنك الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محاربا، ولمن نصب لك العداوة مناصبا، فلأندبنك صباحا ومساء ولأبكين عليك بدل الدموع دما حزنا عليك وتلهفا على ما أصابك"، وفيها تعداد بالسلام: السلام على الشفاه الذائبلات، على العيون الغائرات، على النساء المسبيات، إلى غير ذلك. 

في هناك رواية منقولة في مصادر سنية، من أن الإمام الحسين (ع)، ينقلون عنه، "لو أدركته"، يسأل الإمام الحسين (ع): هل أنت الإمام المهدي؟ قال: "لا، لو أدركته، لخدمته أيام حياتي"، هذه الرواية رواية مصدرها غير شيعي، رواية نقلها صاحب كتاب عقد الدرر في أخبار المهدي المنتظر، يوسف السلمي، متوفى بعد سنة 650 هجرية، وهذه لو كانت من مصدر معتبر وصحيح، لكان فيها معنى جدا عظيم، لكن الظاهر، أن الصحيح، أنها مروية عن الإمام الصادق (ع)، رواها الشيخ محمد سعيد النعماني، من أعلام علمائنا، تلميذ من تلامذة الشيخ الكليني، يعني سابق على ذلك العالم غير الشيعي، على الأقل بـ 250 سنة، أو 300 سنة تقريبا، في كتابه: الغيبة. سئل أبو عبد الله، هذا النص: "سئل أبو عبد الله (ع) هل أنت المهدي؟ قال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي". فلعل هذا العالم غير الإمامي، عندما نقلها في كتابه، ما التفت إلى أن كلمة: "سئل أبو عبدالله" في الأحاديث، تعني: جعفر الصادق، وإن كان الإمام الحسين (ع) لقبه: أبو عبد الله، لكن في الروايات، عندما يقال: "سئل أبو عبدالله" يقصد به منو؟ الإمام الصادق دون الإمام الحسين، فهذا لعله نقلها في كتابه، من غير التفات إلى هذا المعنى، ولذلك لا توجد في كتبنا الإمامية، مروية عن الإمام الحسين، وإنما مروية عن الإمام الصادق، بس لو كانت مروية كانت تعطي معنى من التواصل بين الحسين وبين الإمام المهدي (عج). ونحن لأننا رأينا بعض الكتاب والمؤلفين – حتى الشيعة – نقلوها باعتبار أن الحسين يقول في حق المهدي: "لو أدركته لخدمته أيام حياتي"، أشرنا إلى هذا الإشارة تصحيحا لهذه الفكرة. 

ولكن على أي حال، الإمام المهدي (عج)، هو الذي يتحدث عنه الإمام الحسين (ع)، يقول – فيما نقلنا في أول الرواية – "يحيي الله به الأرض بعد موتها"، "التاسع من ولدي المهدي يحيي الله به الأرض بعد موتها"، وهذا تعبير من التعابير العظيمة. كأنما هذه الأرض مع كثرة ما فيها، الآن من البنايات، ومن الزروع ومن الأشجار، ومن الحضارة الظاهرية، لكنها ميتة أخلاقيا، ميتة دينيا، ميتة روحيا، فيأتي الإمام المهدي (عج) ويحييها بعد موتها. هكذا يتحدث الإمام الحسين (ع) عن الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه، وفي المقابل – كما ذكرنا – المهدي يتحدث عن جده الحسين بتلك الصورة التي يتفجع فيها، وبعض العلماء يتأمل ويقول: "ولأبكين عليك بدل الدموع دما" هذا غاية البكاء، متى الإنسان يطلع من عينه بدل الدمع دم، يقول لك: هذا لازم يبكي حتى ينفد دمع عينه، تبيض عينه، بعد ذلك مع استمراره تتجرح هذه العين في شرايينه الداخلية وربما نزفت دما. شقد لازم هذا يبكي، حتى يصبح بهذا المعنى. فهذا ما تقوله زيارة الناحية المنسوبة للإمام (عج) ويستحق الحسين البكاء بهذا المقدار وأكثر من ذلك.


مرات العرض: 5731
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 60316.8 KB
تشغيل:

من نتائج النهضة الحسينية في الأمة 9
حتى لا يضيع دم الحسين عليه السلام ( المقتل) 10