تغييب القضية الحسينية بتغيير مناسبة عاشوراء 5
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 5/1/1442 هـ
تعريف:

تغييب القضية الحسينية بتغيير مناسبة عاشوراء

كتابة الفاضلة أم سيد رضا

روي عن سدينا ومولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام وقد سأله أحدهم عن صوم يوم عاشوراء فقال: ( عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتلهم الحسين وهو يوم يتشاءم به آل محمد ويتشاءم به أهل الإسلام، واليوم الذي يتشاءم به أهل الإسلام لا يصام ولا يتبرك به ). صدق سيدنا ومولانا أبو الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام.

ذكرنا فيما مضى أنه قد تم تغييب القضية الحسينية من خلال تشويه وتزييف المصادر التي اعتُمِد عليها في نقل حوادث كربلاء، وفي ليلة مضت تحدثنا عن تشويه الأفكار الذي حصل حول النهضة الحسينية، وهذان كانا مسارين تم الحديث عنهما.

المسار الثالث الذي قام به الإتجاه الأموي من أجل تغييب القضية الحسينية هو تغيير مناسبة عاشوراء، من المفترض أن يوم عاشوراء هو يوم حزن على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم  وعلى أهل البيت، وما يحزن الرسول فهو يحزن المسلمين، فلا يعقل أن شياً أو يوماً يحزن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نفرح فيه ونتزين ونتعطر ونأخذ الإحتفالات المفرحة، فهذا أمر غير طبيعي.

الذي حصل أولاً هو أن أتباع النهج الأموي قاموا بإلغاء الحادثة  وإلغاء المناسبة بالكامل في الأماكن التي تمكنوا فيها من إلغائها، أي أنهم عندما كانت لهم سيطرة في بعض الفترات منعوا العزاء والبكاء وإقامة المآتم والإجتماعات، والذي يتتبع في تاريخ المأتم الحسيني والنياحة على الحسين يلاحظ أن الأمر بدأ من بعد رجوع السبايا إلى المدينة، ولو راجعنا في هذا الباب كتاب الشيخ محمد مهدي شمس الدين واسم هذا الكتاب ( ثورة الحسين في الوجدان الشعبي )، يحتوي على عرض ولو كان مختصراً عن تاريخ تطور المأتم والنياحة والحزن على الحسين، نلاحظ فيه كيف كانت مقاومة الإتجاه الأموي لقضية النياحة والعزاء، وهناك كتاب آخر للسيد الشهرستاني اسمه ( تطور النياحة على الحسين في التاريخ )، وغيره من الكتب التي أرخت للحقبة العباسية بالتحديد وإن كان زمان الأمويين كذلك أيضاً، ولاسيما في حوالي سنة 300 وما بعدها فقد اشتد الأمر عند العباسيين إلى حد أنه أصدر القادر بالله العباسي الذي أتى ببدعة المذاهب الأربعة وأنه لا يوجد في الإسلام إلا أربعة مذاهب فقط  وألغى ذلك قسماً من المذاهب السنية وألغى المذهب الجعفري أيضاً، وقد أصدر قانوناً بأن لا يعقد المأتم في بغداد عن مقتل الحسين عليه السلام إلا في الكاظم فقط لأن هناك قبر الإمام الكاظم عليه السلام، فلم يكن يعلم أن ذلك كان سبب إعمار الكاظم حيث أن منطقة الكاظم كانت منطقة قليلة السكان، لكن ببركات الإمام الحسين عليه السلام استوطنها الناس وتكاثروا فيها وأصبحت بلدة كبيرة، واشتد الأمر واستمر الحال كذلك في زمان السلاجقة والأتراك وعلى هذا المعدل، فمن بعد رجوع السبايا إلى المدينة كان أحد أسباب إخراج زينب من المدينة هو أنها كانت تعقد المأتم وتتحدث عن كربلاء وما جرى فيها، فقد كان عمر بن سعيد الأشدق والي يزيد الجديد هو الذي جعلها تضطر إلى الخروج من المدينة.

استطاعوا في الخط الأول أن يغيروا المناسبة بتغييبها، وهذا الأمر كما ذكرنا هو أمر عجيب على خلاف الوجدان وعلى خلاف الدين وعلى خلاف التعقل والحكمة، فلو أراد الإنسان أن يحزن في مثل هذا اليوم ويلطم على الحسين وعلى ذكر رسول الله أو لأي سبب من الأسباب، فما الذي يضر ذلك الحاكم الأموي أو العباسي حتى يصدر قانون أو مرسوم بأن هذا الأمر ممنوع ومن يفعله يعاقب عليه.

المسار الآخر الذي قاموا به هو المسار الأخطر في تقديرنا من قضية المنع، وهو تحويل هذا اليوم إلى مناسبة فرح وسرور واحتفال وانتصار، واعتبروه بأنه يوم من الأيام المباركة التي تتنزل فيها رحمة الله وغفرانه كما يزعمون، وأن من يعمل فيها بعض الأعمال يكون مباركاً في رزقه وحياته وكذا وكذا، ولا يزال هذا الأمر مستمراً إلى الآن، فالسلاجقة في بغداد هم من بدؤوا بهذا الأمر مناكفة منهم للبويهيين، فالبويهيون كان لديهم توجهات شيعية  وقد حكموا بغداد، فجاء السلاجقة الأتراك وسيطروا على الحكم وطردوا البويهيين وقد كنسوا ما استطاعوا من المراسم الشيعية وأحلوا مكانها ما يخالفها، فقد كان هؤلاء السلاجقة على خلاف بني بويه الشيعة الذي كان قاضي القضاة عندهم رجلاً سنياً معتزلاً، فقد كان السلاجقة يعتبرون يوم عاشوراء بأنه يوم مبارك ويوم فرح وسرور وما شابه.

وأيضاً جاء الأيوبيون في المنطقة الإسلامية على أثر الفاطميين، فالفاطميون في مصر بالرغم من أنهم ليسوا شيعة اثنعشرية وكانوا شيعة إسماعيلية، لكنهم فيما يرتبط بقضية الحسين والأئمة الأوائل نصبوا المأتم وقاموا بإعطاء الأطعمة على حب الحسين عليه السلام، فمنهم من كان يعزي وينوح وما شابه ذلك، فعندها جاء الأيوبيون وبالذات صلاح الدين الأيوبي ومحا كل شيء يرتبط بقضية أهل البيت وكان من ذلك قضية الحسين عليه السلام، ففي موضوع قضية الإمام الحسين عليه السلام تغيرت المسألة إلى أن أصبح ذلك اليوم هو يوم بركة وقد خلق الله فيه آدم وأنجى نوح من الطوفان وأنجى موسى من فرعون وغير ذلك من الأمور التي جعلوها في هذا اليوم، وأيضاً أصبح يوم عاشوراء عندهم يوم بركة وينبغي فيه التوسع على العيال ولبس الملابس الجديدة وهناك طعام وحلويات خاصة بعاشوراء، وإلى يومنا هذا فإنه يوجد مكان يسمى بالميعة المباركة وهو آتٍ من ذلك التراث، فنلاحظ أنه كيف تبقى السنة السيئة من ألف سنة إلى الآن وربما من يحتفل من الناس في هذا الزمان لا يعلمون أنهم يحتفلون ويفرحون في يوم هو يوم حزن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن التوافق مع النبي التوافق معه فيما يحزنه وفيما يفرحه.

كانت المغرب العربي هي المنطقة التي بعد مصر، وهذا من الغرابة أيضاً لأن المغرب العربي أسسه الأدارسة الحسنيون من أحفاد الحسن المجتبى عليه السلام بل وحتى الحاكمون الآن ينسبون أنفسهم إلى الحسن المجتبى عليه السلام، لكن لو نظرنا إلى هذه المناطق لوجدناها إلى الآن تحتفل بيوم عاشوراء وتظهر بمظهر الفرح والسرور والألعاب النارية والأهازيج وتوزيع الحلويات وغير الأسواق الكبيرة، فقد اعتبره موسماً للتسوق وأن من يبيع أكثر من المكسرات والفواكه المجففة وغيرها فسيبارك في رزقه طوال العام، وغيرها من الأشكال المختلفة، ولديهم عادة أيضاً تسمى الزمزمية، يقومون بالرش على بعضهم البعض من الصباح الباكر، وكذلك النساء يقومون بوضح الكحل بإعتقادهن أن من تقوم بوضح الكحل في هذا اليوم لا ترمد عينها.

ففي فترة من الفترات في المغرب العربي حكمها توجه متعصب جداً ضد أهل البيت عليهم السلام وقام بتغيير كل شيء عن أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا التغيير أصبح في المغرب والجزائر ومناطق البربر وإن كان قسماً من مناطق البربر يعتبرون أن هذا اليوم هو يوم حزن إلا أن الطابع العام في تلك المنطقة هو هذا الأمر. وكما ذكرنا أنه لعل الكثير من الناس الآن لا تعلم من أين أتى هذا الأمر ومن أي فلسفة.

وهكذا تغيرت المناسبة وتحولت من مناسبة يفترض أن يجلس فيها الناس للحزن على الحسين وتذكر مأساته والإعتبار بشهادته والإقتداء بالدروس التي خلقها في كربلاء من البطولة والفداء، تحول إلى يوم لعب وفرح كيوم العيد تماماً واعتُبِر بأنه يوم مبروك ويوم انتصار الأنبياء، فقد لا يصرحون بأنه يوم انتصار بني أمية لكنهم جعلوا الناس يعلمون بأنه يوم الفرح، كما جاء في زيارة عاشوراء: ( اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد )، وهكذا غُيِبَت القضية الحسينية في هذا المستوى الإجتماعي.

في شرح حديث الإمام الرضا عليه السلام: (إن هذا يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتلهم الحسين عليه السلام)، لعل البعض يتساءل في أنه هل يصومون هؤلاء الأشخاص أساساً حتى يقومون بالمستحبات؟، الجواب: بالطبع لا ولكنهم هنا حرضوا على الصيام في يوم عاشوراء واتخذوه سياسة ووجهوا الناس إليه، فهذه الدولة الأموية جعلت هذا اليوم يوم بركة وصيام حتى وإن كانوا ليسوا أهلاً للصيام الواجب، لكن غرضهم هو أن يدعوا الناس ويجعلونهم يصومون ذلك اليوم.

يأتي السؤال هنا أنه لماذا قاموا بدعوة الناس إلى صيام يوم عاشوراء؟ فهل كانوا حريصين على الصيام أساساً؟

الجواب هو: أننا تحدثنا عن ثلاث مسارات، المسار الأول كان تغييب القضية بالكامل وذلك من خلال منعها، والمسار الثاني كان تغيير المناسبة وتحويلها إلى عيد، فكان المسار الثالث هو صوم يوم عاشوراء لأن هناك قسماً من الناس لا يستطيعون القيام بأمور الفرح والرقص مثلاً ككبار السن وأصحاب المساجد وكبار القوم، فهنا قام الإتجاه الأموي وقال أن هذا اليوم هو يوم مبارك ويستحب صيامه تبركاً بما حصل فيه  ويذكرون في فضال صيام يوم عاشوراء إلى ما شاء الله.

هنا جاءت قضية دعم التوجه إلى صوم يوم عاشوراء في الإتجاه الأموي من مدارس المسلمين، في مقابل ما ورد عن النهي الشديد عند أهل البيت عليهم السلام في هذا الموضوع لإقترانه بقضية الفرح والتبرك، فالصوم لا يحرم في السنة إلا في العيدين وهذا شيء ثابت عند الشيعة والسنة، لكن إذا تم الصيام بعنوان التبرك والتشمت لما أصاب أهل البيت عليهم السلام ولأجل أن يفتخر بما صنع بنو أمية فحينئذ يختلف الحال.

إن هذا البحث وهو بحث صوم يوم عاشوراء كُتِب فيه كتب ولا نستطيع الآن أن ندخل فيه بالتفصيل، لكن نذكر شيئاً مما قالوا ونذكر قضية الصيام ثم سنتوصل إلى قضية الصوم وتعميمه في كل الأمة والحرص عليه، فلو التفت عامة الناس الذين يصومون بل وحتى العلماء وعرفوا خلفياته ربما كانوا يتوقفون ويترددون عن القيام بهذا الأمر لكن الغالب أنه لم يحصل هذا الإرتباط، وقيل أن النبي صامه وحث عليه وما شابه لك.

لو ناقشنا بعض الروايات التي ذكروها :

أنهم يقولون أن النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد صامه في مكة، ورواية أخرى أنه قد صامه في المدينة لأنه عندما هاجر رأى أن اليهود يصومون في هذا اليوم فسألهم عن سبب صومهم له فقالوا له أنه اليوم الذي انتصر فيه موسى على فرعون فيصومونه شكراً لله، وبناءً على زعم الوي فإن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال: نحن أحق بموسى منهم، فعزم على صومه، وغيرها من الروايات التي يذكروها والتي تنقل.

لو وقفنا على هاتين الروايتين، نجد أن أصل قضية الإحتفاء بإنتصار نبي الله موسى والتي حصلت قبل ثلاثة آلاف وأربعمائة سنة تقريباً، وبالنسبة لزمان رسول الله صلى الله عليه وآله والتي كانت قبل ألفي سنة،فإذا كانت قضية الإحتفاء بما حصل في التاريخ هو أمر جيد فلماذا يعترضون على شيعة أهل البيت إذا قاموا بالإحتفال بمواليد المعصومين ووفاياتهم، فإذا كان ينبغي الإحتفاء بما حصل لموسى بن عمران، فهذا يعني أنه أمر مشروع، فكيف يصح هذا الإحتفاء بها الأمر ولا يصح الإحتفاء بمولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  بل ويكن بدعة وحراماً وما شابه ذلك، وهكذا الحال أيضاً بالنسبة إلى ما يرتبط بأحزانهم، فلماذا يكون الحزن على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حراماً، فإن الخلق لم يصابوا بمثل مصابهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فإذا كانوا يقولون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صام يوم عاشوراء في مكة قبل الهجرة، فماذا يعني سؤاله عن صومه في المدينة؟، فحينها من المفترض أن يكون عارفاً بأن هذا يوم عاشوراء وأنه يُصام، فإن كان النبي صام هذا اليوم في مكة،فلا معنى من أن يسأل عن سبب صوم اليهود ولا معنى من أن يقولون أنه صامه في المدية، وإن كان النبي قد سأل عن سبب صوم اليهود ثم صام في المدينة فلا معنى من أن يقولون أنه صامه في مكة.

ثانياً: كيف يتفق بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم عاشوراء ( أي العاشر من محرم ) في المدينة بعد قدومه إليها والحال أنه وصل إلى المدينة في شهر ربيع الأول، وهذا بإتفاق جميع المؤرخين من الشيعة ومن السنة أن هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت في شهر ربيع ولم تكن في أول محرم، وهذا التقويم الذي جعل شهر محرم هو أول أشهر السنة الهجرية حدث في زمن الخليفة الثاني، فكيف سأل عن صوم اليهود في ذلك الوقت، وهم يقولون أساساً أن النبي صام بمجرد قدومه إلى المدينة ولم يقولوا أنه صام بعد مرور سنة مثلاً، وقد شرع صوم شهر رمضان أصلاً في السنة الثانية للهجرة وعندهم لما شرع صوم شهر رمضان، تُرِك صوم عاشوراء.

ثالثاً: لا يتفق صوم اليهود مع يوم عاشوراء إلا نادراً، ومعنى ذلك أن اليهود عندهم صوم (كيبور) ويعني صوم الكفارة ومناسبته هي أنهم خرجوا من بطش فرعون إلى حيث الحرية، وهذا يصادف العاشر من تشرين الأول وهو الشهر الحادي عشر من التقويم الميلادي، ونجد أن التقويم الميلادي لا يتغير أبداً، بينما محرم يتغير بالنسبة إلى فصول السنة فلا يعني كل عشرة من تشرين الأول يساوي عشرة من شهر محرم، فلا يتفق بأن نقول أن اليهود يصومون يوم عاشوراء وإنما يصومون يوم العاشر من تشرين الأول الذي قد يكون أحياناً في صفر وأحياناً أخرى في رمضان وأخرى في رجب وما إلى ذلك، فهذا ليس له ثبات لأن الأشهر الهجرية غير ثابتة بالنسبة إلى الفصول لأنها تعتمد على القمر، بينما الأشهر الميلادية لأنها تعتمد على الشمس والأبراج فهي ثابتة دائماً، إذاً فإن من يقول أن اليهود يصومون يوم عاشوراء أي العاشر من محرم لأنهم انتصروا على فرعون فإن هذا غير صحيح.

رابعاً: أنه متى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحرى موافقة اليهود أو أن يرى ما يفعله اليهود ويفعل مثلهم؟، فالآيات القرآنية تشير إلى شدة مخالفة اليهود لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى شدة مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للثقافة اليهودية.

ينقلون في موضوع أنه هل يجوز كتابة أشياء من التوراة والإنجيل أم لا؟، فهذا موجود في مصادر مدرسة الخلفاء وموجود في مصادر مدرسة أهل البيت عليهم السلام أيضاً، وهو أن أحد الصحابة الكبار جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: ( أني رأيت حبر يهودي يقرأ من التوراة فاستحسنت الشيء الذي يقرأه فاستنسخت منه ذلك ) وأخذ يقرأه على رسول الله، يقول الراوي أنه كلما قرأ الرجل يتغير وجه رسول الله ويتربد غضباً، لأنه يقرأ عليه توراة محرفة وليست كتاب الله، فقال الراوي للرجل الذي يقرأ: ( أما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غاضباً؟ )، فتوقف الرجل والتفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ( أمتهوكون أنتم؟، والله لو كان موسى بن عمران حياً ما وسعه إلا إتباعي )، فمتى كان النبي يتحرى ويتقصد ويذهب وراء كلمات اليهود ويتبعهم وما شابه ذلك، فنحن لا نرى لهذا أثراً أصلاً في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل نجد خلاف ذلك.

لو كان هذا موجوداً أصلاً لفعله أئمة أهل البيت من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلا شك ولا ريب أن علياً أمير المؤمنين والحسنين عليهم السلام وأئمة الهدى من ذرية الحسين كانوا يتتبعون سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يعقل بأن شيئاً بهذا الحجم من الثواب كما ينقلون ومن البركة كما يزعمون، هل يعقل بأن الأئمة عليهم السلام لا يفعلونه بل وينهون عنه.

هناك الكثير من الروايات في هذا الباب وواحدة منهم هي رواية الإمام الرضا عليه السلام عندما قال: ( أعن صوم ابن مرجانة تسألني؟، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين وهو يوم يتشاءم به آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتشاءم به أهل الإسلام، واليوم الذي يتشاءم به أهل السلام لا يتبرك به )، فاليوم الذي يقتل فيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الصورة لا يمكن أن يكون يوم فرح وسرور ويوم بركة، وليس من الممكن بأن يكون يوماً محبوباً عند الله عز وجل، فهو يوم تتجدد فيه أحزان آل محمد ، كما ورد في الروايات عن أم سلمة أنها في العاشر من محرم كانت نائمة فرأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام أشعث أغبر وهو يبكي، فقالت له: ما يبكيك يا رسول الله لا أبكى الله عينيك، فقال لها: لم أزل ألتقط دم الحسين وأنصاره فلقد قتل في هذا اليوم، فقامت من نومتها منادية: واولداه واحسيناه وابن رسول الله، ولذلك فإن بنو هاشم في المدينة عرفوا بمقتل الحسين عليه السلام من أم سلمة في نفس ذلك اليوم لرؤياها التي رأتها، وهذه الرواية موجودة عند الفريقين أيضاً، فيا ترى هل هذا يوم يتبرك فيه؟، فقد جاء في زيارة عاشوراء: ( اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين ابن اللعين على لسانك ولسان نبيك ).

الحمد لله الذي أكرمنا بأن نواسي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونواسي فاطمة الزهراء عليها السلام، فنحزن لما يحزنهم ونبكي لما يبكيهم ونتأثر لما يتأثرون به.



مرات العرض: 5719
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 60258.98 KB
تشغيل:

الأفكار المشبوهة وتغييب القضية الحسينية 4
منطلقات النهضة الحسينية : تفسيرات ناقصة 6