اعبد الله بقدر حاجتك إليه
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 15/3/1435 هـ
تعريف:

أعبد الله بقدر حاجتك إليه


تفريغ نصي الفاضلة انتصار الرشيد


روي عن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال ( العلم في أربع أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه و أن تعصيه بقدر صبرك على النار وأن تعمل للدنيا بقدر عمرك فيها و أن تعمل للآخرة بقدر بقائك فيها ) صدق سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام
هذه الكلمة من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام تنتمي إلى ما يسمى بقصار الحكم وجوامع الكلم ، وللإمام سلام الله عليه خطب طويلة مفصلة في كثير من المواضيع وله كلمات حكمية لا تتجاوز الواحدة منها ثلاث أو أربع كلمات وبقدر ما كان أمير المؤمنين عليه السلام معجز في بلاغته في الخطب الطويلة المفصلة فهو أكثر تألقا وإعجاز في كلماته الحكمية القصيرة بل أساسا يعتبر القادر على صياغة الحكمة ذات المعنى الكبير في كلمات قصيرة يوصف بإنه حكيم لإن من السهل على أكثر الناس أن يوضحوا أفكارهم في كلمات كثيرة ، المعجز أن تعبر عن معاني كثيرة في كلمات قصيرة وكان لأمير المؤمنين في هذا الجانب الفتح المعلى ، من ذلك ماجاء في نهج البلاغة أورده الشريف الرضي رضوان الله عليه من أعلام القرآن وتميز بالناحية البلاغية والشعرية وهو عالم جليل ، كتب مابلغه عن الإمام في نهج البلاغة الغاية من هذا الكتاب إبراز الناحية البلاغية في كلام أمير المؤمنين الذي يعجز عنه الآخرون في إيراد مثله . في آخر هذا الكتاب جاء الشريف الرضي بعدد كبير من الحكم سماها قصار الحكم كانت محل إعجاب لكثير من العلماء من غير المذهب ومن غير الدين مثل جورج جرداق الأديب المسيحي يكتب كتاب بعنوان روائع الإمام علي عليه السلام ، كتاب صوت العدالة الإسلامية خمسة أجزاء، وروائع الإمام علي يورد فيه قصار الحكم ويبين فيها كم هو منبهر بهذا الأسلوب البلاغي الذي عبر في هذه الكلمات القصيرة ، وقد قيل في كلامه بعد كلام رسول الله إنه كلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق سُئل أمير المؤمنين عليه السلام، عن العلم، فقال: «أربع كلماتٍ: أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه، وأن تعصيه بقدر صبرك على النار، وأن تعمل لدنياك بقدر عمرك فيها، وأن تعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها» (1). ميزان الحكمة، ج7 – ص2799.
العلم في أربع يقصد به العلم الأكمل والحقيقي الذي يؤثر في مستقبل الإنسان وعموم حياته في هذه الدنيا ونحن إذا تأمّلنا قول الإمام هذا نجد أنّه عليه السلام، يبيّن فيه أربع روائع وحكم من روائعه وحكمه، فهو يخاطب بها كيان الإنسان ووجوده، ويخاطب بها عقله وفطرته، وضميره ووجدانه، ليأخذ بيده طوعاً إلى الله تعالى، فيقول له: إنّ المعرفة التي تنجيك من عذاب الله تعالى يوم القيامة وتجعلك خالداً في الجنّة تتمثّل في العلم بالموازنة بين الأخذ والعطاء، بين المعصية والعقاب..فالإمام عليه السلام، يقول في بيان معنى العلم: «أربعُ كلماتٍ: أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه»، وهو بهذا يريدك أيّها الإنسان أن تفكّر جيّداً وتتأمّل مليّاً في فقرك الدائم إلى الله تعالى ومدى حاجتك إليه، فهل هناك وقت من أوقات حياتك أو لحظة من لحظاتها لا تحتاج فيها إلى الله تعالى؟ وهل هناك وقت من أوقات حياتك أو لحظة من لحظاتها يمكنك أن تستقّل فيها عن الله تعالى بأن تعلن الاكتفاء الذاتي عنه سبحانه؟! والواقع، قبل العقل يجيبك بـ (لا)، فأنت في وجودك محتاج إلى الله، وكذلك في استمرار وجودك، وستبقى دائماً، مهما ارتفعت، ومهما استغنيت، ومهما تقدّم بك العلم، يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ، وَالله هُو الغَنِيُّ الحَمِيْدُ». أنت في هذه الدنيا منعم عليك بما لا حد له ولا حصر له فكل نفسا تتنفسه هو يدل على حاجتك إلى الله ، وكل لحظة تمكث في هذه الدنيا وأنت سالم له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه هذا من أمر الله ، أيها الإنسان قوانين في البدن لو تعطلت لحظة واحدة ولو أخطأت لحظة واحدة يموت الإنسان ، لسان الموت أو اللهات داخل اللسان لحمة تغلق لك منفذان منفذ للمرئ ومنفذ للبلعوم لو تسد جهة التنفس بطعام أو ماء  يهلك الإنسان ، ورد في تفسير الآية القرآنية كل نفس ذائقة الموت ، إن النفس الإنسانية تتذوق الموت مع كل شربة ماء ومع كل وجبة طعام أي أن الموت قريب منه بمقدار سنتيمتر هذه حاجتك إلى الله  ، إمام الموحدين يقول ربي لما أنزلت بي من خيرا فقير وفي الدعاء عن المعصومين ( إلهي أغنني بالإفتقار إليك ولا تفقرني بالإستغناء عنك ) إذا صرت إليك فقير يارب فأنا في غاية الغنى لكن الذي يستغني عنك فهو فقير بائس ومسكين ’ يقول إنما أوتيته على علم عندي النتيجة فخسفنا به وبداره الأرض أحمي نفسك من المظاهر الطبيعية أن استطعت ، نرى نبينا المصطفى محمد صل الله عليه وآله وسلم عندما يأتي في قضية الطائف ويواجه تلك المواجهة الصعبه رموه بالأحجار وتجرأوا عليه استند إلى حائط وقال فقري إليك لجأي إليك إلى من تكلني إلى قريب فيتجهمني أم إلى المستضعفين  وأنت ربي ومليك أمري سبحانك غير أن عافيتك أحسن لي ، يقول الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة إلهي كيف استغني وأنت في الفقراء أقمتني ....، كل ما أظهرت فقرك إلى الله ذلتك بين يدي الله كلما قدرت تستشعر الفقر والحاجة إلى الله عز وجل أنت تسلك مسلك الأغنياء بتوحيد الله عز وجل  من المناجاة التي تدعم هذا مناجاة المفتقرين للإمام زين العابدين عليه السلام (إلهِي كَسْرِي لا يَجْبُرُهُ إلاَّ لُطْفُكَ وَحَنانُكَ، وَفَقْرِي لا يُغْنِيهِ إلاَّ عَطْفُكَ وَإحْسانُكَ، وَرَوْعَتِي لا يُسَكِّنُهَا إلاَّ أَمانُكَ، وَذِلَّتِي لا يُعِزُّها إلاَّ سُلْطانُكَ، وَأُمْنِيَّتِي لا يُبَلِّغُنِيها إلاَّ فَضْلُكَ، وَخَلَّتِي لا يَسُدُّها إلاَّ طَوْلُكَ، وَحاجَتِي لا يَقْضِيها غَيْرُكَ، وَكَرْبِي لاَ يُفَرِّجُهُ سِوى رَحْمَتِكَ، وَضُرِّي لا يَكْشِفُهُ غَيْرُ رَأْفَتِكَ، وَغُلَّتِي لا يُبَرِّدُها إلاَّ وَصْلُكَ، وَلَوْعَتِي لا يُطْفِيها إلاَّ لِقآؤُكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ لا يَبُلُّهُ إلاَّ النَّظَرُ إلى وَجْهِكَ، وَقَرارِي لا يَقِرُّ دُونَ دُنُوِّي مِنْكَ، وَلَهْفَتِي لاَ يَرُدُّها إلاَّ رَوْحُكَ، وَسُقْمِي لا يَشْفِيهِ إلاَّ طِبُّكَ، وَغَمِّي لا يُزِيلُهُ إلاَّ قُرْبُكَ، وَجُرْحِي لا يُبْرِئُهُ إلاَّ صَفْحُكَ، وَرَيْنُ قَلْبِي لا يَجْلُوهُ إلاَّ عَفْوُكَ، وَوَسْواسُ صَدْرِي لا يُزِيحُهُ إلاَّ أَمْرُكَ.) فإذا كنتَ محتاجاً إلى الله فلتعبد الله، وإذا كانت حاجتك إلى الله مستمرّة في كلّ لحظة من لحظات وجودك، فعليك أن تعبده في كلّ لحظة من لحظات وجودك، وإذا كانت حاجتك إلى الله، كبيرة وعظيمة فعليك أن تعبده عبادة كبيرة وعظيمة، فتكون عبادتك له سبحانه بقدر حاجتك إليه، فقول الامام علي، عليه السلام: «أن تعبد الله بقدر حاجتك إليه»، هي دعوة منه عليه السلام، إليك لتعبد الله وتطيعه طوال حياتك

* إعصِ الله بمقدار صبرك على النار!
وبعد أن يبيّن، عليه السلام، مقدار العبادة المطالَب بها الإنسان، وهي العبادة الضروريّة والدائمة والعظيمة، أتى ليبيّن مقدار المعصية فقال: إنّ مقدار المعصية يجب أن يكون بمقدار الصبر على النار، «وأن تعصيه بقدر صبرك على النار»، ومن ثم، عليك أن تفكّر في مقدار صبرك على النار لتوازن بين صبرك ومعصيتك، فهل تستطيع أن تصبر على النار؟ بإمكانك أن تجرّب إن أردت، اقترب من النار فانظر إلى نفسك هل تستطيع أن تتحمّل وهجها، وأنت خارج عنها فضلاً عن أن تتحمّل لسعة من لسعاتها، وفضلاً عن أن تحترق بلهبها، وفضلاً عن أن تتغلغل بين أطباقها؟ فالواقع يقول، والحقيقة تشهد أنّك مهما قويت عضلاتك لا تستطيع أن تصبر على لهب شمعة فضلاً عن أن تصبر على النار العظيمة،يقال في يوم القيامة هذه الشمس الملتهبه التي تتجاوز حرارتها 2000 درجة مئوية تلقى في نار جهنم فتضج الشمس من حرارة نار جهنم ، والحال أنّ نار الدنيا، مهما كبرت، ما هي إلاّ نار بسيطة لا تكاد تذكر في قِبَال نار الآخرة، تلك النار التي يقول فيها ربّ العزّة: «كلّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى»، (سورة المعارج /15-16)، وفي مورد آخر يقول: «وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَ * نَارٌ حَامِيَةٌ»، (سورة القارعة /10-11)، فهي تبقى فوق تصوّرك وخيالك؛ لأنّك عاجز عن أن تدرك كنهها، «وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَ»، أي ما أدراك بحقيقتها..؟ وما أدراك بلهبها وحرارتها..؟ فهي ليست مجرّد نار، بل «نَارٌ حَامِيَةٌ» أي شديدة الحرارة بحيث لا يمكنك تصوّر حرارتها،أمير المؤمنين عليه السلام يحذر هذا الإنسان في مواضع رائعة جدا (وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا أَ فَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُهُ وَالْعَثْرَةِ تُدْمِيهِ وَالرَّمْضَاءِ تُحْرِقُهُ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ ضَجِيعَ حَجَرٍ وَقَرِينَ شَيْطَانٍ أَ عَلِمْتُمْ أَنَّ مَالِكاً إِذَا غَضِبَ عَلَى النَّارِ حَطَمَ بَعْضُهَا بَعْضاً لِغَضَبِهِ وَإِذَا زَجَرَهَا تَوَثَّبَتْ بَيْنَ أَبْوَابِهَا جَزَعاً مِنْ زَجْرَتِهِ أَيُّهَا الْيَفَنُ الْكَبِيرُ الَّذِي قَدْ لَهَزَهُ الْقَتِيرُ كَيْفَ أَنْتَ إِذَا الْتَحَمَتْ أَطْوَاقُ النَّارِ بِعِظَامِ الْأَعْنَاقِ وَنَشِبَتِ الْجَوَامِعُ حَتَّى أَكَلَتْ لُحُومَ السَّوَاعِدِ فَاللَّهَ اللَّهَ مَعْشَرَ الْعِبَادِ وَأَنْتُمْ سَالِمُونَ فِي الصِّحَّةِ قَبْلَ السُّقْمِ وَفِي الْفُسْحَةِ قَبْلَ الضِّيقِ فَاسْعَوْا فِي فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَأَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَاسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَأَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَخُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ  جواهر البحار
هناك فرصة بادر بالإستغفار إلى الله ، اللهم إني استغفرك وأتوب إليك من كل ذنب أذنبناه ومن كل خطيئة ارتكبناها فعفوك عفوك يامولاي قبل سرابيل القطران ، عفوك عفوك يامولاي قبل جهنم والنيران عفوك عفوك يامولاي قبل أن تغل الأيدي إلى الأعناق  ، اللهم أعذنا من نار جهنم اللهم لا تجمع بيننا وبين القوم الظالمين
* الموازنة بين الدنيا والآخرة
ثمّ يقول الإمام عليه السلام: «وأن تعمل لدنياك بقدر عمرك فيها، وأن تعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها»: أي عليك أيّها الإنسان أن توازن بين عمرك في الدنيا وبقائك في الآخرة، فتعطي الدنيا حقّها وتعطي الآخرة حقّها ايضاً، لا أن تخلّ بالتوازن فتميل إلى واحدة على حساب الأخرى، كأن: تميل إلى الدنيا وتتعلّق بها وتغضّ الطرف عن الآخرة، فيزيّن لك الشيطان فعلك فتتصوّر أنّك مخلّد فيها وستعيش فيها إلى ما لا نهاية، بل عليك أن تفكّر وتتأمّل هل بقي فيها مَن كان قبلك لتبقى فيها؟ أليس سنّة الحياة تقتضي الموت والفراق؟ ألا ترى أو تسمع بين الحين والآخر بإنسان فارق الدنيا أو جنازة تودع بالثرى؟ ألم تسمع قول الله تعالى: «أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ»؟ (سورة النساء /78 ،
يخرج الانسان لكسب المعاش مايقارب ست ساعات وهذا مطلوب طلب الكسب الحلال يعمل لكسب معاشهم في هذه الدنيا ولتلك الدار الآخرة التي سأبقى فيها ملايبن السنين كم يجب أن أعمل لها ؟
أم يكتفي بالصلاة الواجبة التي في أغلب الأحيان لا تتجاوز 40 دقيقة في كل يوم ويقتصر عليها وكإنه عمل الشيء الكثير هذا ليس من العلم ، مثلا أنت تسافر في إجازة مثلا أسبوع تعد العدة من مال وملبس لهذه المدة . «وأن تعمل لدنياك بقدر عمرك فيها، وأن تعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها» اختيار الإمام لكلمة عمر هنا وكلمة بقاء هناك ، هنا فترة مطلوبة من الإنسان أن يعمر شيء ( إنما يعمر مساجد الله ...) هذه الفترة الزمنية أعطيت لك لكي تعمر شيء ، لكن هناك فترة بقاء أي خلود ، فمن هنا بقدر عمرك فيها 70 سنة مثلا اشتغل جيدا أصرف على أهلك أنفق عليهم كن جوادا وسخيا أعمل لكسب الحلال حتى عندما تسأل عنه من أين أكتسبه وفيما أنفقه يكون جوابك واضح ، وأعمل لآخرتك بقدر بقائك فيها الإمام علي عليه السلام وهو العابد الزاهد يذهب في نخيلات بني النجار ويصرخ من أعماق قلبه آه من قلت الزاد وبعد السفر ، وكذلك يقول الإمام الباقر عن أبيه الإمام زين العابدين لما يبدأ بالصلاة والعبادة ويخافون عليه نقول له خفف على نفسك فقال له بني هلم إلي بصحيفة علي بن ابي طالب فجئت بها نظر إليها مليا وقال من يقدر على عبادة علي ابن أبي طالب، ليس لنا عمل صالح إلا بمعرفتنا بالله عز وجل والشفاعة بنبيه والتوسل بآل محمد ( إلهي ليس لي وسيلة إلا عوارف رحمتك )
أو ربما يحصل العكس، بأن تميل إلى الآخرة على حساب الدنيا، بأن تترك الدنيا وما فيها وتقبل بكلّك على الآخرة، فتعيش عالة على غيرك فقيراً معدماً، متخلّفاً، منقطعاً عن الناس، مشغولاً بالعبادة ليلاً ونهاراً، أفتظنّ أنّ الذي خلقك وسخّر لك كلّ هذه الموجودات ورزقك من النعم ظاهرة وباطنة، و والى عليك نعمه حتى عجزت عن عدّها وحسابها يبخل عليك بها؟ أم تظنّه عابثاً لاعباً يخلق النعم ثم يحرّمها؟! حاشا لله.. جلّت عظمته، ووسعت رحمته، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً، فالله تعالى يقول لك: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا» (سورة القصص /77)، ثمّ لو فكّرت جيّداً لوجدت أنّه من المستحيل عليك أن تنقطع عن الدنيا إلى الآخرة، فما دمت تعيش في الدنيا فلابدّ لك أن تتزوّد منها لتصل إلى الآخرة، فـ «نِعْمَ العونُ الدنيا على الآخرةِ»، فهذا ابن أبي يعفور يقول: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: «إنّا لنحبّ الدنيا، فقال لي: تصنع بها ماذا؟ قلت: أتزوّج منها وأحجّ وأنفق على عيالي وأنيل إخواني وأتصدّق، قال لي: ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة»، ويوضّح هذا المعنى ما ينقله الإمام الصادق عليه السلام عن لقمان الحكيم، وهو قوله لولده: «وخذ من الدنيا بلاغاً، ولا ترفضها فتكون عيالاً على الناس، ولا تدخل فيها دخولاً يُضِرُّ بآخرتك»، فالإنجذاب نحو الدنيا مضرّ لأنّه تعلّق بالدنيا الملعونة، أمّا أخذ ما يصلح آخرة الإنسان منها فهو من الدنيا البلاغ المحمودة. ومن كلّ ما سبق يتبيّن أنّ الميل كلّ الميل نحو الدنيا أو نحو الآخرة مضرّ بالإنسان، وأنّ السلامة في معرفة حقّ كلّ منهما، وإعطاء كلّ واحدة منهما حقّها، وحقّ الدنيا أن تعمل لها بقدر عمرك فيها، وحقّ الآخرة أن تعمل لها بقدر بقائك فيها، فإذا وازنت بين عمرك في الدنيا وبين عملك لها، وبين بقائك في الآخرة وبين عملك لها كنتَ سعيداً في الدنيا والآخرة.
الله يرحم عبد الحسين الشرع  عرف بالشعر الحسيني عنده قصيدة رائعة يخاطب نفسه بها وحريا أن نخاطب أنفسنا بها  فيها تذكير لعالم الآخرة
شلون بيه لو ثقل وزن حسابي,,,,,, و انترس من المعاصي كتابي
اشلـون بيَّ لو قرب مني الأجـــل ,,,,, و أخـذ سمعي الموت والساني انثجـل
ظلَّت اعيوني تدير اعلى الأهـــل ,,,,تشوفهـا اتهل الدمـع لمصـابــي
اشلـون بي النفـس لو مني خمــد ,,,,, او مني ملك الموت أخذ روحي او صعد
او للمغيسـل طلّعـوا مني الجـسـد ,,,,او قام المغسـل ايجـرد اثيـابــي
اشلـون بي ابكـفـن لو لفـونـي ,,,,,للقبر عقب الغسـل شـالـونــي
او نزلوني ابحفـرتـي او وارونــي ,,,,او قـام حفّـاري يهيـل اترابــي
اشلـون بي لو مسيـت ابحفـرتـي ,,,,دار غربة او ويل حـالـة الغربتـي
لا عمـل وياي و يرد وحـشتـي ,,,,و ابعدت عنـي هلـي و أحبابـي
اشلـون بي لو ضغـط جسمي القبر ,,,,,او قـام من خشمي حليب أمي يدر
اشلـون حالي امن اوقف بيوم الحشر ,,,,,او ياخـذ المعبـود باستجـوابـي
اشلـون منكـر لو لفـانـي للقبر,,,,,او قـام ينشـد بيش قضيت العمـر
شنهو ذاك الوقت من عنـده العـذر ,,,,,, و شنهو عن ذيك المعاصي اجوابــي
اشلـون بي امن انفـرد بَعمـالــي,,,,,, و الذنوب اتصير كلهـا اقبـالــي
و ادري منكر ما يروف ابحـالــي ,,,,, و لا ابحكـم الله عليَّ ايحــابــي
نسأل الله أن نرى في ذلك اليوم وجوه أهل البيت عليهم السلام

مرات العرض: 5722
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (4463) حجم الملف: 47885.28 KB
تشغيل:

بين الولاية والعبادات
من فقهيات القضية الحسينية