كيف تعيش الحياة الطيبة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 27/2/1439 هـ
تعريف:

  كيف تعيش الحياةَ الطيِّبة ؟


?تابة الأخت الفاضلة أم أحمد
قال الله العظيم في كتابه الكريم : ( بسمِ اللهِ الرحمَنِ الرحيم * مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) آمَنَّا بالله * صدق اللهُ العليُّ العظيم
ما هي الحياةُ الطيِّبة التي هي وعدُ اللهِ سُبجانهُ وتعالى لِمَن آمَن وعمِل صالحاً ذكراً كان أو أنثى  كما هو مُقتضى هذه الآيةُ المُباركة ؟
هل هي حياةٌ دُنْيَوِية أو هي الحياةُ الأخروية ؟ فإن كانت هي الحياةُ الدنيوية فما هي مُواصفات تلك الحياةِ الطيبة
1 / التفسير اللفظي للآيات : أول ما يُلفِت النظَر في الآية هو صيغتُها باعتبار أنها صيغةٌ شرطِية : مَنْ .... في الجملة الشرطية هناك مُقدَّم _ شرط _ وهناك نتيجة
( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً ) هو الشرط ، هو المُقدَّم ، النتيجة : ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) ، وكأن في هذا التركيب ربطاً بين المُقدَّم وبين النتيجة على نحْوِ العِلِّيَّةِ والسببِيَّةِ غالباً ، هذا التركيب هو لِسان آيات كثيرة ولِسان رِوايات وأخبار أكثر من ذلك ، وعدم التأمُّل فيه وعدم تَفَهُّمِه يُودي بالانسان إلى أخطاء في الفِكر وفي السلوك ، ولقد رأينا مثلاً أنه حتى بعض العلماء من غيرِ مدرسةِ أهلِ البيت عندما رأوا أحد طواغيتِ الأمة بعدما قتَل ما قتل ، وهجَّر مَن هجَّر ، ولكنه تشهد الشهادتَيْن ، أو ذكر الشهادة لله ، قالوا : عندنا رواية مَنْ خُتِم له بالتشهُّدِ لله دخل الجنة ... حسناً وهذه الدماءُ التي سالت ، وهذه الأموال التي نُهِبت ، وهذه الأعراضُ التي انتُهِكَت ، هل تذهب هباءً وهدْراً لأجل أنه قد تلفَّظ بالشهادة في آخر عُمُرِهِ السيِّء ؟ قالوا : نعم ، طِبْقاً لهذا الحديث ،
وهذا يُبيِّن وجودَ خطإٍ منهَجِيٍّ في فهم هذا النوع من التراكيب ...
( مَنْ قال لا إلهَ ألا الله دخل الجنة ) ، حسناً إذا قال لا إله إلا الله ولم يُصلِّ ، أو عمِل المُنكَرات ، فهل يدخل الجنة ؟  
العلماء المُدَقِّقون والمُحَقِّقون يقولون شيئاً آخَر ، وهو أن هذا اللفظ لابُد أن يُفيَّد بِأشياء أخرى ، بروايات أخرى ، لا نأخُذْ بهِ على إطلاقِه ،ولا على ظاهرِه ، فلا بُد من مُراهاة أمر الواجِبات والمُحرَّمات ، فلو كان بالفعل كل مَن قال لا إلاه إلا الله دخل الجنة بِمُجرد اللفظ ، لكان الأمرُ بالواجِباتِ لغْواً _ تعالى الله عن ذلك _ ، فنحنُ نستطيع التلفُّظ بهذه الشهادة عشر مرات في اليوم ، فلا نحتاج للصلاةِ والصيامِ والحج والزكاة .. وهذا يعني أيضاً أن أوامر الله بالابتعادِ عن المنكرات هي أوامر لَغْوِية ، والصحيحُ هو ما يُشيرُ إليهِ العلماء المُحَقِّقون من الفريقَيْن ، من أن هذا النحو من الأحاديث ، لابُدَّ من تقييد بعضها ببعض ، فنقول : مَنْ قال لا إلهَ ألا الله دخل الجنة بشرْطِ أن يُصَلي ؛ لأن المنقول عندنا يقول : مَنْ تركَ الصلاة أخطأَ اللهُ بهِ طريقَ الجنة ... وكذلك الحج ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنْ اِسْتَطَاع إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِين ) ، فلا يُمكن أن يترُكَ الحجَّ مع اسْتِطاعتِه ويكتفي بلفظ التشهد ويدخل الجنة ، بل أكثر من هذا ، حتى مثل هذه الآيةِ المُبارَكةِ تُوَضِّح لنا المقصود في آياتٍ أخرى ، مثل قوله تعالى : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَراًّ يَرَه  ) ، هل تعني أن أي شخصٍ يعمل عملاً صالِحاً سوف يراهُ في الجنةِ ويُجازى ؟ لا ، فهذه الآيةُ تقول : ( وهُوَ مُؤْمِنٌ ) ، فلو أن كافِراً عمِل عملاً صالِحاً بدون الإيمان بالله ، لا يُمكِن أن يترتَّبَ على عملِه هذا أن يذهب إلى الجنة ..التقييد بجملة ( وهو مؤمن ) تعني أن يكونَ الانسانُ مُعْتَقِداً بالعقائد الصحيحة ، مؤمِناً بالله وبرسولِه وبيوم القيامة ، عامِلاً على طِبْقِ إيمانِهِ في فِعلِ الواجبات وتركِ المُحرَّمات ، هذا إذا عمِل عملاً صالِحا ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طيبة ..
2 / المساواة بين الذكرِ والأنثى في أصلِ التكليف ، والعطاء والجزاء .. نحنُ _ المسلمون _ عندما نتحدَّث عن المُساواة بين الذكرِ والأنثى ، لا نتحدَّثُ عن المُساواة الكمِّيَّة ، وإنما المُساواةُ في أصلِ التكليف ، فإنه تختلِف تكاليفُ الرجلِ عن المرأة ، وبالعكس في كمِّيَّتها  ... على سبيلِ المِثال : قضية الصلاة أعظمِ الفرائض ، مع ذلك من الناحية الكمِّيَّة تكليف المرأةِ أقل من الرجل ، ربما بنِسبةِ الثُّلُث أو يزيد على ذلك ، فالرجل يصلي 5 صلوات يومياً لمدة 30 يوم أو 29 يوم في الشهر ، مسافر ، حاضِر ، تعبان ، غير ذلك لابُد أن يُصلي ، بينما المرأةُ تقعُدُ عن الصلاةِ فترةَ دورتها الشهرية التيت قد تمتد إلى 10 أيام وهي تعني ثُلُث الشهر  أي ثُلُث حياتها تترك الصلاة ، فهي أقل من الناحيةِ الكمية من تكليف الرجل ، لكن في الأصل في التكليف أنها مُخاطَبةٌ من قِبَلِ اللهِ عز وجل ، ومسؤولةٌ عن القيامِ بالعِبادة من هذه الجهة هما متساويان ، وكُل خطاب فيهِ : ( يِا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا ) ( يَا أَيُّهَا النَّاس ) يشمل الرجل والمرأة ،  وفي جِهةِ العطاءِ والجزاءِ أيضاً مُتساويان .المساواة التي يتحدث عنها الإسلام ليست هي المساواة الكمية ؛ لأن المساواة الكمية قد تكونُ أحياناً ضِدَّ المُساواة ، لو عندنا شاب مفتول العضلات وكلفناه بشيء نفس الذي نُكلِّف به شيخاً ضعيفاً في ال 90 من عمره باسم المساواة، فإن هذا ضد الإنصاف والمساواة وإن كان العمل للشخصين واحد ، ولكن بهذا اللِّحاظِ يُخالِفُ مبدأ المُساواة .. فقد يباحُ لشخصٍ أن يُصلي من جلوسٍ لِعجزِه ، ولا يُباحُ ذلك لشخصٍ آخر لِقُوَّتِه ، فالشيخ الكبير والمرأة العجوز لا تطالب بالصيام وإنما تُطالَب بالفِدْية ..
وهذا خِلافٌ لِما يراهُ الفِكرُ الغربي ومَنْ يتأثر بهِ ؛ لذا يقول بأن المرأة في الإسلام ليس عندها مُساواة ..
الحياةُ الطيبة /  هناك توَجُّهان بين المفسِّرين :
          1 _ إن الحياة الطيبة هي الحياة الدُّنيوية .يقولون أن القرآن الكريم ذكر جزاءيْن ونتيجَتَيْن ، فمُقتضى العطف هو التفريق ، فلو قلنا جاء زيدٌ وعبد الله ... فمُقتضى هذا العطف أنه جاء شخصان مُختلفان مُنفصِلان ، مُتبايِنان هذا وهذا ..
هنا أيضاً حين يقول : سوف نُحيِيهِم حياةً طيبة ، وأيضاً سوف نجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، معنى ذلك : أن هناك أمران : حياة طيبة + جزاء أُخروي بالأحسن ، فالحياة الطيبة هي الحياة الدنيوية ..
ما هي هذه الحياة الطيبة الدُّنيَوِية ؟
           _ تعدَّدت الآراء في هذا الجانب ، فالبعض قال بأن الحياة الطيبة هي حياةُ القناعة ، بمعنى أن الانسان لا يمُدُّ عينَهُ الحاسِدةَ إلى ما لدى غيرِه ( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ مِنْهُمْ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ) ، الله أعطاك مقداراً من الرزق ، أعطاكَ زوجةً عندها مِقدارٌ من الجمال ، أعطاك بيتاً ، اِسْعَ في تطوير ذلك قدْرَ ما تستطيع ، لكن لا تنظُر بِعينِ الحسد إلى غيرك ؛ لأن هذا فقير ،، الإنسان الحاسد انسانٌ فقير  ولو بلغ مبلغاً كبيراً من المال ، فكلما زادت أمواله واتسعت أملاكه زاد رغبةً في أملاكِ غيره ؛ لأن عنصر الحياة الطيبة وهو القناعة غير موجود عندهم ، فهم كنار جهنم ( نقُولُ لَهَا هَل اِمْتَلَأْتِ فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيد ) ... يسعى لكسب أموال غيره ، وأملاكِ غيره ، وزوجةِ غيرِه، في صلاحِياتِ غيره ، يمُد عينيهِ ولا يشبع .... من أحدِ أدعية الطواف المُستحبة : اللهم قنِّعْنِي بِما رَزقتني وبارِك لي فيما أعْطَيْتني .. لأن الانسان إذا لم يكُن قَنوعاً فلن يعيشَ سعيداً أبداً .. ينقُلون في بعض القصص الأخلاقية أن سُلطاناً من السلاطين أراد أن يُوسِّع قصره الكبير ، فبدأ بالسيطرةِ على ما حولهُ من الأراضي مقابل مبالغ من المال ، إلى أن وصلوا إلى بيتٍ صغيرٍ لامرأةٍ عجوز ليس لها عائل ، فقالوا لها إن السلطان يريد هذا البيت ؛ لِيَضُمَّ أرضهُ إلى قصرِه ، فقالت : ليس عندي من الدنيا غير هذا البيت الصغير ، والسلطان يملِك كل شيء ، إلى أين سأذهب لو خرجتُ من بيتي ؟ قالوا لها : نعطيكِ أموالاً . قالت : لا أريدُ مالاً . فحاولوا مرة بعد أخرى ولم تقبل ، أخبروا السلطان فقال لهم : أحضِروها ، أحضروها ، فقال لها السلطان : نحن سوف نُصادِر بيتكِ .قالت : لماذا ؟ قال : لأنكِ سفيهة . قالت : لماذا ؟ قال : لأن بيتك لا يساوي 5000 درهم مثلاً ، ونحنُ سنُعطيكِ فيه 20000فإذا لم تقبلي عرضنا هذا فهذا سَفَهْ ، والإنسان السَّفيه يُحجَر على أمواله . فقالت له : يا أيها السلطان ، أسْفَه مني هو الذي يُعطي 20000 درهم فيشيءٍ لا يُساوي 5000 وهو أسْفَه مني ، وهو لا يحتاجُ إليه وأنا مُحتاجة إليه .. فهذه الحالة تستمكِن عند بعض الناس بحيث لا يرى شيئاً ، إلا أن يأخذ ما عند غيره .. وكم  من المشاكل والحروب قامت بناءً على هذا .  القناعة أن يعيش الإنسان راضياً برزقه شاكراً لِربه فيعيش الحياة الطيبة .
          _ قِسمٌ آخر قالوا : إن الحياة الطيبة هي حياة الرزق الحلال ... ففي هذه الحياة يكسب الإنسان رزقه ونادِراً ما يموت الإنسان من الجوع مادام عنده قوة ، والأرض جعلها الله ذلُولاً للانسان ، فإذا سعى ومشى في مناكِبِها فسيُحصِّل الرزق بأي مِقدار ، لكن الرزق على نوعين : نوع يعرف الانسان حِلِّيَّتَهُ ، ليس فيه رِبا ولا سرقة ولا غِش ، ولا فيه أمور مُخالِفة للدين .. ونوعٌ آخر مِمَّن يتَعَجَّلون الثراء ويفكِر في الثراء السريع بالتجار في المُخدرات _ والعِياذُ بالله _ الذي هو حرامٌ شرعاً ومُدَمِّرٌ للمجتمع ، فهو يدخِل في بطنه ناراً تلتهِب ، يبني ثروته وبدَنَه على جماجم وعظام هؤلاء الذين سيُدْمِنون على هذه المُخدَّرات ، فكيف يهنأ ويَنْعم ، كيف يستطيع أن يأكل من طعام جلَبَهُ بهذه الأموال ، أو بالغِش أو الرِّبا ، ثم يتعجب : لماذا أخلاق الناس أصبحت سيِّئَة ؟ لماذا أبنائي لا يبُرُّون بي ؟ هذا مما أعطيتهم من طعام حرام .. أيُّ ماءٍ سكبتَهُ تحت هذه الشجرة حتى نبتَتْ هكذا ؟
بعض الناس حينما يسمعون أن بعض الأشجار سُقِيَت بماء المجاري ، فإنهم يستكرِهون أكل ثمارها .. مع عدم وضوح تأثيره على النبتة حسب قول الخُبراء الزراعيين  .. فقط الحشائش والأشجار الأرضية هي التي تتأثر ..
قبل مدة ذكر في إحدى الدول كانت تسقي بمياه المجاري فانكسرت تجارة الخضروات والفواكه فيها  .. فكيف بمَن يأتي بالمال الحرام ويُطعِم بهِ أبناءه ؟
ما الذي تتوقع أن يحصل لهؤلاء الأبناء ؟  مثل هذا الأمر هو أحد أسباب فساد الأبناء  ... في مُقابل هذا الرزق الحلال الطيِّب .. الذي تُبيِّن إيمان الانسان وأمانته وصدقه مع ربه ..
*هناك أقوال أخرى قريبة من هذا المعنى ، مثل هذه الحياة الطيبة القنوعة ذات الرزق الحلال المُتوكِّلة على الله سبحانه وتعالى ،، حتى مع وجود بعض المشاكل والمصاعب فإنها تهون ؛ لأنه يعيشُ حياةً طيبة ..
        2  _ أن الحياة الطيبة التي تتحدَّث عنها الآية هي الحياة الأخروية  ، ويستشهِدون على ذلك بعدَّة أمور :
   *أن تعبير " فَلَنُحْيِيَنَّهُ " لا تعني أن عندهُ حياة عادية ونُغيِّرها له بالحياة الطيبة ،، وإنما كأن لم تكُن عندهُ حياة " أَوَمَنْ كان ميْتاً فأحييناه "  وهذا ينطبق على يوم القيامة ، تُصْطَنعُ لك حياة جديدة بمقاييس جديدة لا ترتبِط بالحياة الماضية ، هذه من أصل إنشائها حياةٌ طيبة ..فرق بين أن تدخل بيتاً مبنياً وتصبغُه تغير لونه وبين بيت آخر من البداية تبنيه على أساس مُعيَّن ..
_ إذن ماذا نصنع في واو العطف التي تُبين أن هذا مُختلِف عن ذاك ؟ يقول إن هذان الجزاءان يتحدثان الحياة الطيبة في الآخرة حيثُ نُحيِيه حياةً طيبة وعطاءنا له بأحسن مما كان يعمل ... في موضوع الحياة الطيبة في الآخرة توجَد إشارات في القرآن الكريم منها ، ما وردَ في سورة الزُّمَر ( حَتَّى إِذَا جَاؤُوها وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين ) ، كأنما هذه الحياة لا تليقُ إلا بالطيبين ، بشرط أن يكون الإنسان طيِّباً  ، وهؤلاء تعرفهم الملائكة بِسِيماهٌم  ويقولون لهم هذا مكان الحياة الطيبة في الجنة  . لا يُوجَد فيها أيُّ مُنَكِّد أو خباثة ، أما الحياة الدنيوية فما أكثر المُنَغِّصات والمُنكِّدات والمشاكل فيها .فأبسط شيء الذي هو نعمة الأكل والشرب للإنسان وهو مخلوط بالمنغِّصات _ ضفط ، سكر ، كوليسترول ووو _ وهكذا . وأنت في هذه الدنيا إما فاقِدٌ أو مفقود إما تموت في عُمرٍ مبكِّر أو ان يطول بك العمر وفي هذه الحالة ستفقِد أحبابك وهذا يجعلك متألماً من الناحية النفسية ..  في بعض الأخبار أن ملك الموت عندما جاء لِقبضِ روحِ نبي الله نوح عليه السلام ( 2500 أو 950 سنة ) ، سأله عن سبب مجيئه ؟ فقال له : أنت تعلم السبب .فقال له أمهِلني ريثما أنتقِل من هذا المكان إلى ذلك المكان الذي فيه ظِل . فانتقل إلى ذلك المكان وقال : أنا انتقلت إلى هذا المكان لأبيِّن أن فترة عمري هي مثل هذه الانتقالة .. 950 سنة ويحسبها نبي الله كطرفة عين فكيف لو عاش 90 سنة فقط ؟!!!
أما في الآخرة _ رزقنا الله وإياكم – على سُرُرٍ موضونَةٍ مُتَّكِئِينَ عليها مُتَقابِلين * يَطوفُ عليهم وِلْدانٌ مُخَلَّدون * بِأكوابٍ وأباريقَ وكَأْسٍ من مَعين * لا يُصَدَّعونَ عنها ولا يُنْزِفون * وفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرون * ولَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهون  * وحُورٌ عِين * كأَمْثالِ اللُّؤْلُؤ المكْنُون ) هذا العطاء المادي للإنسان ... وهذا ليس شيئاً من نعيم الآخرة ، هو فقط صورة تقريبية .. ففي الحقيقة لا تُطيق الكلمات التي يستعملها البشر شرحَ كُلِّ المشهد ... كما لو أردنا أن نُفهِم طفلٍ من الأطفال معنى اللذة الجِنسية لا تحصُل على كلمات تصِفُها ، لا تستطيع أن تُفَهِّم ؛ لأن قاموسَهُ لا يستوعِب مثل هذا الأمر .. فهو يحتاج إلى إدراك وشُعور حِسِّي مُباشِر ، لا تفي به الكلمات ، في الجنة الأمرُ هكذا نحن تعوَّدنا على أكواب وأباريق وطعام وشراب فيحدِّثنا القرآن بهذه الأشياء ( وَأُتُوا بهِ مُتَشابِهاً ) . لكن الحقيقة هي : حيثُ ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سمِعَت ولا خطرَ على قلْبِ بشر " ... هذا من الناحية المادية ومن الناحية المعنوية ( لاَخَوْفٌ عَلَيْهِم وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون ) هذه هي مناشئ الأذى النفسي للإنسان .. الخوف من الفقر – الخسارة – الجوع – المرض ، أو الحُزن لأجل شيءٍ وهناك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ...
   وأيضاً تحييهم الملائكة ( والمَلاَئِكَةُ يَدْخُلونَ عَلَيْهِم مِنْ كُلِّ بَاب سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار ) . ( جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُون ) إذا كان كل هذا الجزاء كلُّه بما كانوا يعملون ، فالجزاء بالأفضل بالأحسن كيف سيكون ؟ القرآن هنا يقول : ( وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) ..
      *في مُقابِل هذا : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكَا * وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رِبِّي لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا وَنَسِيتَهَا فَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنْسَى ) ..
هذه الجنان هي التي أعدَّها اللهُ تعالى لِمَن أطاعَهُ وعمِل صالِحا ، وسار على سيرةِ الصالِحين من برِيَّتِه ، والأوصِياء من صَفوَتِه وهم أهل البيت عليهم السلام وعلى رأسهم المعصومون عليهم السلام ، ثم مَن تأثَّر بهديهم منهم ..
( فَمِنْهُم ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات بِإِذْنِ الله ) الذُّرِّيَّة النبوية أيضاً في هذه الثلاثة أقسام :السابق بالخيرات هو الإمام المعصوم بإذن الله ، والمُقتَصِد الذي كانت أعمالُه الصالِحة عن قَصْدٍ ووَعْيٍ ومعرِفةٍ وجُهْد كعلي الأكبر ابن الإمام الحسين عليهما السلام ...
   

مرات العرض: 3395
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2560) حجم الملف: 35678.93 KB
تشغيل:

من شهداء صفين وأصحاب أمير المؤمنين
بيوت الناس والأدب الاجتماعي