حياة الامام علي ع الى وفاة النبي ص
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 19/9/1428 هـ
تعريف:

حياة الامام علي حتى وفاة النبي

كتابة الفاضل الدكتور نبيل الخنيزي

تدقيق الأخت الفاضلة أفراح البراهيم

إنّ التعرّض لحياة الإمام علي عليه السلام يعنى التعرّف على تاريخ الإسلام بتفاصيله ووضوحه ، يضاف لذلك أنّ التعرّف على حياة الإمام عليه السلام يعنى التعرّف على تجربة انسانية عظيمة فى أسمى المعاني والقيم مثل التضحية والفداء ونصرة الدين ، ممّا يشكّل مصدر إلهام لكي يقتدى به في نصر الإيمان وفي الحفاظ على المبادئ ، ولذلك سوف نتعرّض إلى جانب من هذه الحياة في المرحلة الأولى منذ ولادة الإمام عليه السلام إلى وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله.

ولد الإمام من أبي طالب   وأمه فاطمة بنت أسد ابن عبد المطلب وكان أبو طالب اسمه عبد مناف أو عمران على خلافٍ بين المؤرخين ، ولكنّه عرف بكنيته أبي طالب حيث كان له ولد اسمه طالب وهو الأكبر ، وأصبح ينادى بهذه الكنية حتى أنّه لم يعرف باسمه إلا نادرًا ، وكان أبو طالب ملازمًا لابن أخيه طيلة خمسة وأربعين عامًا منذ ولادة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إلى أن توفي أبوطالب بحيث لو استثنينا أنّ النبي كان فى كفالة جده سبع سنوات إلى ثمان سنوات لتبقّى لنا ثمان وثلاثين سنة ظلّ فيها رسول الله ملازمًا عمه أبي طالب وفي كنفه وحمايته وكفالته .

وهيبة أبي طالب ومكانته معروفة بين قريش ، حيث أنّه صاحب السقاية ، وكان شيخ الأبطح ويلقب بمؤمن قريش.

أما والدة أمير المؤمنين عليه السلام فهي فاطمة بنت أسد بن هاشم وتلتقي مع زوجها أبي طالب من ناحية الجد هاشم فهو عبد مناف ابن عبد المطلب بن هاشم فهما أبناء عم ، وتعتبر سلام الله عليها من حيث إسلامها سادس ستة او عاشر عشرة على الخلاف بين المؤخين إلا أنّها من السابقين في الاسلام.

مولد أمير المؤمنين

ولد أمير المؤمنين في حادثةٍ لم تعرف لها البشربة مثيلًا على الإطلاق إلى يومنا هذا بل إلى أن تقوم الساعة ، حيث ولد داخل الكعبة المشرفة ، ومن المعلوم أنّ المرأة النفساء لا ينبغى لها أن تدخل إلى فناء البيت الحرام فضلًا عن الدخول إلى جوف الكعبة ، لكنها منقبة عظيمة اختصّ بها أمير المؤمنين عليه السلام وفضل من الله عز وجل. فقد ولدت هذه السيدة الفاضلة المؤمنة الطاهرة وليدها المبارك داخل الكعبة ، حيث كانت تطوف حول البيت الحرام في أشهرها الأخيرة وأدركتها آلام المخاض وخشية أن تضعه فى المطاف دعت ربها قائلة ( اللهم إني مؤمنة بك وماجاء به الرسول وبكل نبي من أنبيائك وبكل كتاب أنزلته ، وإني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل ، وأنه بنى بيتك العتيق فأسالك بحقه وبحق هذا البيت ومن بناه وبهذا المولود الذي في أحشائي الذي يكلمني إلا ما سهّلت علي ولادتي ) ١ فإذا بالجدار المحاذي للركن اليماني ينشق وكأنّ قوةً تدفعها إلى أن تدخل داخل الكعبة وينطبق عليها الجدار ، بعد ذلك وضعت وليدها داخل الكعبة.

وهذا الأمر لا يختص بنقله شيعة أهل البيت بل أكثر المسلمين أجمعوا عليه وفي هذا يشير أحد الشعراء من أهل السنة وهو عبد الباقى عمر أفندي العمري في إحدى قصائده قائلًا :

أنت العلي الذى فوق العلا رفعا ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا

سمّتك أمك بنت الليث حيدرةً         أكرم بلبوةٍ ليث قد أنجبت سبعًا٢

يأتي أحد علماء المسلمين ومفسريهم وهو السيد محمود الألوسي ويقول ماحري إلى أبي الأئمة أن تضعه أمّه داخل الكعبة وهذه منقبة عظيمة لم تكن لغير علي عليه السلام ، وينقل أنّ سدنة أهل البيت عليهم السلام جاءوا ليفتحوا باب الكعبة كي يأخذوها إلى أبي طالب فكان الباب لايفتح أبدًا فقال أبو طالب إنّ هذا الأر إلهيً ولاحاجة إلى إخراجها .

وبعد أن وضعت مولودها أمكن فتح الباب بعد أيام و سمّت مولودها باسم أبيها وهو حيدر وهذا الاسم من أسماء الليث وهو الأسد كما يقول الشاعر :

    سمّتك أمك بنت الليث حيدر     أكرم بلبوة ليث أنجبت سبعًا

قد نقل في التاريخ أنّ الإمام علي عليه السلام لمّا برز إلى مرحب فى غزوة الخندق وسأل الإمام من أنت؟ فقال الإمام بل من أنت؟.. فأجاب مرحب:

لقد علمت خيبرًا أنّي مرحب       شاكي السلاح بطل مجرّب

أطعن حينًا وحينًا أضرب           إذا الليوث أقبلت تلهب٣

فأجابه الإمام على ع :

أنا الذي أسمتني أمي حيدرة

ضرغام آجام وليث قسورة

على الأعادي مثل ريح صرصرة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة٤

وبعد ذلك ارتأى أبو طالب أن يسمّيه عليًا وهو من أشرف الأسماء ، وبقي سلام الله عليه في أحضان تلك المرأة الكريمة إلى أن بلغ الرابعة من عمره عليه السلام حيث أخذه بعد ذلك الرسول الأكرم .

*-أمير المؤمنين في كفالة رسول الله-*

ممّا يستفاد من قول الإمام علي عليه السلام وكما ينقل إلينا التاريخ فإنّ الأرض أجذبت وأصيبت قريش بالقحط فى تلك السنوات فجاؤوا إلى الرسول ولم يكن قد بعث بعد بالنبوة، إذ كانت هذه الحادثة قبل عشر سنوات من البعثة الكريمة ، فاقترح رسول الله على أعمامه العباس وحمزة أمرًا ، حيث ينقل التاريخ أنّه جاء عمه العباس - وكان من أيسر بني هاشم - وقال : يا عم إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى، فانطلق بنا إلى بيته لنخفّف من عياله فتأخذ أنت رجلا واحدًا وآخذ أنا رجلا، فنكفلهما عنه. قال العباس: أفعل .

فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلا وطالبا فاصنعا ماشئتما، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عليًا وضمّه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه)٥

لذلك أصبح أمير المؤمنين من بداية عمره مع الرسول الأكرم وفي رعايته وتربيته وفي هذا الصدد قال رسول الله ( انا أديب الله وعلي أديبي)٦

لذا نرى أنّ الإمام علي عليه السلام تربّي على يد أفضل الخلق و الإنسان الأمثل ، بل خير الأنام ويشير أمير المومنين إلى تلك الفترة من حياته وشديد التصاقه برسول الله، فنراه يعرّف نفسه ويذكر بعض خصائصه وأوصافه في الخطبة القاصعة التي وردت في نهج البلاغة فبقول (عليه السلام):

ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشئ ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة بقول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله وسلم) من لدن أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم. . .)٧

كلمة ( مضغ الطعام ويلقمنيه ) تشير إلى أنّ عناية الرسول الأكرم عناية محيطة بعلي عليه السلام إحاطةً شاملةً منذ أن كان طفلًا إلى أن بلغ سلام الله عليه العاشرة من عمره حيث بعث الرسول في هذا الوقت وأعلن دعوته ، فآمن علي بدعوة الرسول ولم يكن قد آمن للرسول من أحدٍ على وجه الأرض ؟ وفي نفس الوقت لم يوجّه الإمام سلام الله عليه وجهه إلى الأصنام قط ، وهو أول من أسلم برسالة النبي من الرجال والنساء وهو القائل ( لم يصل أحد قبلى إلا رسول الله ع )

فكان ملازمًا لرسول الله حيث قال( آمنت قبل أن يؤمن الناس و أسلمت قبل أن يسلم الناس )

كان سلام الله عليه مؤازرًا له في دعواه كالظل ومرافقًا له في خطواته ، وعندما كان رسول الله يتعرّض إلى الأذى من قبل الأطفال وسفهاء قريش كان عليًا يلقًنهم درسًا شديدًا فلايعودون لمثل ذلك الإيذاء .

وكان عليه السلام مع رسول الله في حلّه وترحاله ، وقد هيّأه رسول الله للقيام بدور المعين والمدافع ، فكان الساعد الأقوى والداعي إلى الإيمان بالرسالة ،

فلما نزلت الآية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) ٨ أمر النبي عليًا بأن يجمع أعمامه ويصنع لهم الطعام وأخبرهم أنّ الله بعثه وقال لهم أيّكم يؤازرني فى هذا الأمر على أن يكون أخي ووصي ووارثي من بعدي ، فكان سلام الله عليه الأخ والوصي والمعين لرسول الله .

و في بيعة العقبة الثانية عندما جاء الأنصار إلى بيت عبد المطلب كي يبايعوا رسول الله على الإسلام والإيمان جعل الرسول عليًا وحمزة على الباب بمثابة حرس وعندما علم كفار قريش أنّ قومًا جاؤوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله أرادوا مهاجمة دار عبد المطلب فوقف في وجههم سلام الله عليه مع الحمزة وردّهّم عبد المطلب على أعقابهم إلى أن انتهت بيعة العقبة الثانية ، فكان في هذا السير مع الرسول صلى الله عليه وآله إلى أن صار حصار الشعب وكان عمر علي حينها سبعة عشر سنة ، وقد استمرّ الحصار إلى ثلاث سنوت وكان الغرض منه أن يحمي أبو طالب الرسول ، حيث كان بحاجة إلى حماية من أذى قريش التي تعاهدت في هذا الحصار مقاطعة بنى هاشم فلا تشتري منهم ولا تبيعهم بل منعت التعامل معهم بجميع أنواعه ، فكان هذا الشعب مكانًا لحمايتهم .

وعندما خرجوا من الشعب توفى أبو طالب وتوفيت السيدة خديجة زوج النبى صلى الله عليه وآله وسمّي ذاك العام بعام الحزن ، فجاء النداء إلى رسول الله أن اخرج من مكة فلم يعد لك ناصرًا فيها ، إذ كان الرسول بحاجة إلى شخصية ذات مظلة آمنة من غدر قريش وتهجّمهم عليه أثناء دعوته ، ولها هيبة عند قريش فقد أصبحت مكة الآن بعد أبي طالب وخديجة   غير آمنة، وفي نفس الوقت انفتح رسول الله على قبائل عدة :منها بنى شيبان وذات ربيعة وغيرهم وكان أمير المؤمنين عليه السلام مرافقًا له وبعض الأحيان زيد بن حارثة ، وكان يدعو القبائل إلى الدخول إلى الإسلام وإلى نصرته فلم يستجيبوا له ، وذهب إلى رحلته الأخيرة إلى الطائف ومعه علي بن أبي طالب وزيد بن حارثة إلا أنّ بنى ثقيف رمت الرسول بالحجارة واستهزئ بدعوته ، ولولا وجود علي وزيد للحق بالرسول الكثير من الأذى الجسماني . وعاد الرسول إلى مكة وهو يعلم أنّ المحيط بمكة لم يستقبل الدعوة وأصبحت مكة غير آمنة فأوحى الله إلى نبيه أن هاجر إلى يثرب ، فعزم على أن يهاجر في نفس الليلة التى تواطأت فيها قريش على قتله ، حيث جمعت من كل قبيلة شخصًا وأعطته السلاح ليهجم على رسول الله ويحاول قتله. إذ أنّ بني هاشم لن يستطيعوا أن يواجهوا كل العرب فيقبلوا بالدية وبالتالي يضيع دمه بين العرب .

عند ذلك عزم الرسول على الهجرة وجعل عليّا عليه السلام يبيت في فراشه.

وكان هذا أول عملٍ تضحويٍ بهذا المستوى في الإسلام من قبل عليٍ عليه السلام حيث قال   لرسول صلى الله عليه وعلى آله عندما عرض عليه الأمر ( أو تسلم بذلك يارسول الله ؟ قال بلى إن شاء الله )٩ وخرج الرسول بعد إن انتصف الليل وبات على فراشه ، وجاؤوا ليفتكوا به بأسيافهم ورموه بالحجارة حتى يقوم ويقتلوه وهو واع .فتضوّر عليا (أي تحرك ) وهو متدثرً بالرداء فهجموا عليه ووجدوه عليه السلام وكان عمره حيينذاك اثنان وعشرين سنة ، فقام في وجههم وصرخ صرخة منكرة في وجوههم فردّوا على أعقابهم منكفئين على أدبارهم وهم مسلحين وفرّوا يسقط أحدهم على الآخر ، وسألوه أين محمد فقال لهم وهل تركتموني حارسًا عليه .فتراجعوا خوفًا من قتل علي عليه السلام . وعندما هاجر رسول الله إلى المدينة تأخّر عنه عليا في قريش ليسلّم الودائع إلى قريش ، حيث ذهب عليًا إلى مجتمع قريش وهم يتداولون أمر خروج النبي من مكة فجاء عليًا قائلا ( من كان له قبل محمد رسول الله أمانة فليأت نردّ إليه أمانته )١٠ فإنّنى خارج من مكة بعد ثلاثة أيام ؟ فكان تحديد المدة بمثابة صفعة قوية إلى قريش ولأنّ المجموعة الاولى قد هاجرت مع جعفر بن أبي طالب سرًا .

ولكن أن يأتي شخص ويتحدّى كبرياء قريش في وجهها وأن يعلن بالهجرة علنًا عند كبار وجهاء قريش ، هذا تحدي لهم ولكبريائهم وصفعة قوية لجبروتهم ، فصمّموا أن يمنعوا عليًا من الخروج .وفي اليوم الثالث بعد أن سلّم الأمانات والودائع وخرج عليه عليه السلام ومعه الفواطم ( فاطمة بنت محمد وفاطمة بنت أسد والدته وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ويرافقهم أيمن بن أم أيمن وأبو الواقد الليثى ) وأخبر بعض المسلمبن الضعفاء ليكونوا تحت حمايته حيث تواعد معهم خارج مكة في منطقة تسمى طحنان ، إلا أنّ قريش عزموا على أن يرسلوا له من يرجعه إلى مكة حتى يثبتوا له أنّ قريش لا تقبل الإهانة ، فأرسلوا له سبعة من أعظم فرسانهم ، وجاؤوا حيث خرج عليًا وأوقفوا مسيرة الإبل والنياق وقال لهم عليًا خلّوا سبيل الإبل ، قالوا له لا بدّ ان ترجع ، فردّ عليهم قائلًا وإن لم أفعل ؟ قالوا لنرجعنّ بأكثرك شعرًا أي برأسك قال هلمّ أي تقدّموا للقتال ، فتقدّم لهم اكثرهم فتكًا ويسمى (جناح ) وهو مشهور في القتال والحرب وظلّ يبادل عليًا الضربات ،وضرب الإمام جناح ضربة بالوسط ووقف الإثنان بدون حركة والجميع يراقب ، ولما تحرّك جناح وإذا به انقسم إلى جزئين قسم يتحرك باتجاه وآخر بالاتجاه الآخر ، وتبيّن أنّ الإمام ضربه في الوسط بسرعة هائلة لم ينتبه أحد لها من قوة سرعته . ولكن الخصم ظلّ واقفًا وعندما تحرّك قليلًا انقسم إلى اثنين ولما راؤوا المشركين هذا الأمر وماحلّ بصاحبهم وأي مقاتل هو أمير المؤمنين قالوا له بصيغة الرجاء ارجع كي لا تعيّرنا العرب ، قال لهم ( لا والله حتى يرجع أكثر فينا شعرا ) قبلوا بالأمر الواقع وقالو له اكفنا نفسك اذهب حيث شئت ، وانكفؤا عن قتاله ضعفًا ورجعوا أدبارهم وهم يتكلمون بما لاقوه من شجاعة أمير المؤمنين ، وساق على النياق حيث التقى بالمجموعة التى واعدها خارح مكة ، ووصل الإمام علي إلى منطقة قباء حيث كان الرسول في استقباله ولم يشأ أن يدخل الرسول المدينة إلا بعد أن يصل عليًا حيث أقام الرسول صلى الله عليه وآله إحدى عشر يومًا ، ولذلك كان الرسول يصلي صلاة القصر لأنه لم ينو الإقامة في قباء وبعدها دخل رسول الله للمدينة ولبث في بادئ ذي بدء ببيت أبو أيوب الأنصاري ، أما أمير المؤمنين عليًا فقد شيّد له بيتًا هو و أمه فاطمة بنت اسد وانطلقا بعد ذلك إلى المدينة حيث كان الساعد الأقوى والأوفى والأقرب لرسول الله لبناء الدولة ، وكان عمره سلام الله عليه في هذه المرحلة خمسة وعشرين سنة حيث تشير الروايات إلى أنّه تقدّم إلى خطبة فاطمة سلام الله عليها في هذا السن وهي السنة الثانية للهجرة وكان قد تقدّم لها قبله أكابر الصحابة وكان الرسول صلى الله عليه وآله يردّهم منتظرًا أمر الله ولما تقدّم عليًا رحّب به وأعطاه الإجابة بالموافقة وخرج في اليوم الثاني على الناس وقال ( أيها الناس إنّ الله أمرني أن أزوّج النور من النور ، أزوّج فاطمة من علي عليه السلام )١١

 -أمير المؤمنين ومناصرة الدعوة-

استمر أمير المؤمنين في مناصرة الدعوة كجزء منها ففي أول غزوة ألا وهي غزوة بدر وماشهدتها من بطولات أمير المؤمنين في قتل أربعة وعشرين مقاتًلًا من المشركين وقيل ستة وعشرين بمفرده واشترك مع الباقي في الإجهاز على المشركين، وفي غزوة أحد أعطي سلام الله عليه وسام ( لافتى إلا علي ولا سيف إلا ذوالفقار )١٢

وعندما تغيّر ميزان القوى بعدما خالف البعض أوامر الرسول بالنزول من الجبل وجاء خالد بن الوليد مع جيش المشركين وهاجم جيش المسلمين وهم يقصدون قتل النبي كان النبي ينادي ياعلي ( قاصدًا أنّ فرّقة الخيالة أو مجموعة من المشركين تهاجم من هذه الناحية أو تلك والرسول يتولى غيرها ) وهنا كتبت السلامة للرسول وكان هذا هو النصر ، وإن كان بصورة هزيمة ثم وصل الأمر في غزوة أحد كما وصفه القران بقوله ( وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا وهنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلازالًا شديدًا ) ١٣، أما في غزوة الخندق كان المسلمون مطمئنين بوجود الخندق ولكن زاغت الأبصار و أصبح الخندق غير مانعٍ لعبور الكفار ، فهذا عمر بن ود الذى يعد بأكثر من مئة فارس قد اجتاز الخندق ومعه أكثر من عشرة فرسان ، و وجل المسلمون من هؤلاء الفرسان وخافوا أن يعبر الخندق بقية المشركين ، إذ يوجد في بقية الأطراف من المدينة حجارة كبيرة تسمى بالحرات وهي موجودة إلى الآن وهي صعبة العبور لا للخيل ولا للمشاة ، و أصبح الأمر حرجًا لذلك نادى رسول الله : من لعمر بن ود ، وأصبح رسول الله يحدّثهم بما يؤجر به الصابرون ، وهو يكرّر(من لعمرو بن ود)

من لعمرو وقد ضمنت على * الله له من جنانه أعلاها..

فالتووا عن جوابه كسوام * لا تراها مجيبة من دعاها..

وإذا هم بفارس قرشي * ترجف الأرض خيفة من يطأها.

قائلا مالها سواي كفيل * هذه ذمة علي وفاها..

ومشى يطلب النزال كما تمشي * خماص الحشي إلى مرعاها..

فانتضى مشرفيه فتلقى * ساق عمرو بضربة فبراها .

يا لها ضربة حوت مكرمات * لم يزن أجر ثقلها ثقلاها.

هذه من علاه إحدى المعالي * وعلى هذه فقس ما سواها ١٤

قطع الإمام علي عليه السلام رجله في البداية ثم أجهز عليه ولمّا رأى الباقون من الفرسان ماذا حلّ بكبيرهم لاذوا بالفرار فلحقهم عليًا ، ثم وصل إلى فارس آخر اسمه نوفل وقسمه نصفين ، فتراكم بعضهم على بعض يريدون النجاة فتحوّل الموقف النفسي من الخوف إلى الإقدام ، وعندما رأوا واحدًا منهم يفعل كل تلك الأفاعيل ورأوا كفار قريش أنّ أشجعهم وبقية الفرسان قد انهزموا هزيمة نكراء و لو برز الباقي فلن يقوم لهم قائمة ، والليل قد أسدل عليهم سدوله وأرسل الله عليهم الريح وانهزموا هزيمة نكراء وتحقّق ماقاله الرسول عندما خرج علي إلى عمر بن ود ( برز الإيمان كله إلى الشرك كله ) وعبّر عنها الرسول الأكرم بقوله (ضربة علي عليه السلام أفضل من عبادة الثقلين.)١٥.

وجاء فتح خيبر فكان الدور الأكبر لعلي عليه السلام عندما بعث النبى أصحابه واحدًا تلو الآخر ولم يكن نصيب المسلمين منهم إلا أن تراجعوا مع ثقافة الهزيمة والجبن ، وإذا بالنبي يقول( لأعطين الراية غدًا رجلًا كرّار غير فرّار يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ولايرجع حتى يفتح الله على يديه ) ١٦ وانبرى الإمام سلام الله عليه إلى حصن خيبر وركز الراية عند الحصن ورآه أحد رهبان اليهود في الأعلى فسأله مااسمك ؟قال علي قال إذن أنت هو ، يامعشر اليهود غلبتم وما أنزل على موسى بن عمران ، فأنزل إليه أعظم فرسانه وهو مرحب الذي كان متدرعًا بدرعين بحيث لو وصل سيف الخصم إلى الدرع الأول فإنّ الدرع الثاني موجود، وكان على رأسه بيضة منحوتة من صخر حماية له ، لكن عليًا قدّ الصخرة ووصلت الضربة إلى رأسه فأطاح برأسه إلى الأرض، ثم جاء إلى باب الحصن وقلعه ووضعه على الأرض على ممر الماء ليعبر الفرسان من المسلمين وهو ممسك بالباب ، حيث أنّ الباب قصير .

ويقول الشاعر في ذلك

ياقالع الباب الذى عجزت عن هزّه أكفٌ أربع وأربعون .

إذن حمله على يده الكريمة ووضعه عند من تخلّف من المسلمين لبعبروا أثناء الهجوم على الحصون ، وانتهت أسطورة اليهود من المدينة المنورة ونجّى الله المسلمين . وهكذا في فتح مكه وحنين وكان له فى كل موقف القدح المعلى والدور الأبرز إلى أن جاء دور دعوة الناس إلى الإيمان والهداية إلى اليمن بعدما أرسل الرسول صلى الله عليه وآله خالد بن الوليد فمكث ستة أشهر والناس لا يستجيبون له ، فلمّا أرسل الرسول صلى الله عليه وآله عليًا لم يمكث ليلةً وضحاها إلا وجاؤوا واحدًا تلو الآخر ليسلموا ، إلى أن جاءت أكبر القبائل همدان والذي قال عنهم أمير المؤمنين عليه السلام (فلو كنت بوّابًا على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام ) ١٧ ودخل هولاء إلى الدين أفواجًا وأتت الإمام علي عليه السلام رسالة من رسول الله صلى الله عليه وآله وهو فى اليمن ( أن هلمّ إلي إني عازم على الحج فأتنا في مكة ) فذهب الأمير إلى مكة مع رسول الله ليحرم بإحرام رسول الله ، وليشهد معه غدير خم وكي يفرض النبي ولاية علي عليه السلام على الناس( اللهم من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من واله وعادي من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر معه الحق حيثما دار )١٨ ، فنصب الإمام عليًا إمامًا ووليًا وقائدًا وخليفة على المسلمين ، ولكن ماحصل بعد ذلك يتحدث عنه أمير المؤمنين في الخطبة الشقشقية فيقوا ( أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّه ُ

فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ ـ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى ـ :

شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا * وَيَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ

فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَيَخْشُنُ مَسُّهَا وَيَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَالِاعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَإِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَشِمَاسٍ وَتَلَوُّنٍ وَاعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَلِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَطِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَمَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَهَنٍ إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ وَقَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خِضْمَةَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَأَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَكَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ .)١٩

أربعون عاما تصرمت من حياة أمير المؤمنين وخسر فيها المسلمون حاميًا وراعيًا وحاكمًا ووصيًا وإمامًا إلى أن وصلت البيعة إليه وياليتها قد دامت إليه

(فلما قمت بالأمر نكثت طائفة أهل الجمل وقسطت أخرى أهل صفين ومرقت ثالثة اهل النهروان كأنهم لم يسمعوا قول الله تعالى ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون فى الأرض علوًا ولافسادًا ) ٢٠ ،بلى سمعوها ووعوها ولكن تراءت الدنيا في اعينهم وازيّنت بزخرفها، وغرتهم بغرورها.

حتى اندفع المجرم القاتل عبدالله بن ملجم الذي قتل أمير المؤمنين من قبل قطام وليس من دافع الدين بل امرأة غرّرت به قتل أمبر المؤمنين، كانت معتكفة أيّما اعتكاف بينما كانت تخطّط لإيذاء الآخرين ، وتتآمر بقتل أمير المؤمنين ، إذ كانت على علاقة محرمة مع ابن ملجم .

فلما كانت الليلة التاسعة عشر من شهر رمضان كما تروي لنا أم كلثوم بنت أمير المؤمنين عليه‏السلام : (لمّا كانت ليلة تسعة عشرة من شهر رمضان قدّمت اليه عند إفطاره طبقا فيه قرصان من خبز الشعير وقصعة فيها لبن وملح جريش . فلما فرغ من صلاته أقبل على فطوره ، فلما نظر إليه وتأمّله حرّك رأسه وبكى بكاءًا شديدًا عاليًا ... وقال : يا بنية أتقدمين إلى أبيك إدامين في فرد طبق واحد ؟ أتريدين أن يطول وقوفي غدًا بين يدي اللّه‏ عزوجل يوم القيامة ؟ أنا أريد أن أتّبع أخي وابن عمّي رسول اللّه‏ صلى‏الله‏ عليه‏ و‏آله ، يا بنية ما من رجلّ طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلاّ طال وقوفه بين يدي اللّه‏ عزوجل يوم القيامة . يا بنية إنّ الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب .

       و ذكر لها نبذة من زهد رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏آله ثم قال لها : يا بنية واللّه‏ لا آكل شيئًا حتى ترفعين أحد الإدامين ، فلما رفعته تقدّم إلى الطعام فأكل قرصًا واحدًا بالملح الجريش ، ثم حمد اللّه‏ وأثنى عليه ثم قام إلى صلاته فصلّى ، ولم يزل راكعًا وساجدًا ومبتهلاً ومتضرّعًا إلى اللّه‏ سبحانه . ويكثر الدخول والخروج وهو ينظر الى السماء ...)٢١

٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠

١ بحار الانوار ج٣٥ ص٣٦

٢ موقع السراج

٣ ميزان الحكمة ج٣ ص٣٢٤٧

٤ حياة أمير المؤمنين على لسانه ج١ص١٧٩

٥ الفصول المهمة في معرفة الأئمة ج١ص١٨١

٦ ميزان الحكمة ج١ص٥٨

٧ حديث المنزلة ص٣١

٨ سورة الشعراء آية ٢١٤

٩ المختصر ص٨٩

١٠. موقع الشيرازي نت

١١ الفصول المهمة في معرفة الأئمة ج١١٦٤

١٢   الاحتجاج ج١ ص١٦٧

١٣. سورة الأحزاب آية ١٠

١٤   كتاب مكتبة الطالب ص٧

١٥ كنز العمال ج١٢ ص٢١٩

٦ الإمامة واهل البيت ج٢ ص١٦٢

١٧ مجلة الرسالة العدد٤٦٩

١٨ جواهر البحارج٣٧

٩ الخطبة الشقشقية /نهج البلاغة

٢٠ سورة القصص آية ٨٣

٢١. منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل ص١٦٠

مرات العرض: 4082
المدة: 00:59:26
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (2591) حجم الملف: 17 MB
تشغيل:

برنامج عاجل للإصلاح من تجربة الإمام
هكذا تحدث النبي المصطفى عن الوصي المرتضى