نعزي رسول الله صلى الله عليه وآله والعترة الهادية، ثم مراجع الدين، وعامة المؤمنين، وخصوصا من حضر مجلسنا هذا، بشهادة بهجة قلب النبي، وأم الأئمة، وحليلة الوصي، فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، ونسأل الله الذي أكرمنا بمعرفتها وولايتها ومحبتها في الدنيا، أن يكتب لنا شفاعتها في الآخرة، إنه على كل شيء قدير.
ونتحدث هذه الليلة عن بعض شؤونها مع علمنا بأن حياتها وسيرتها على رغم قلة عدد السنوات التي بقيت فيها في هذه الحياة، وهي (18) سنة، على رغم ذلك فإن فيها من المعاني والسمو والدروس ما يضيق به الوقت، ولا يستطيع أو يطيقه فم المتكلم، كيف وقد عبر عنها سيد الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله بأن الله عز وجل وهو خالق الكل يرضى لرضاها، ويغضب لغضبها، وعبر عنها النبي بأنها بهجة قلبه، وبضعة منه، بل روحه التي بين جنبيه، فإذا كان هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وآله وسائر الأحاديث، فكيف يمكن لإنسان أن يحيط بصفات وشخصية الزهراء سلام الله عليها؟
ولذلك فإننا رأينا، ومن بين ذلك هذا المجلس الشريف، أنهم أعدوا مجالس متعددة، وفي بعض الأماكن ليلة قبل المناسبة، وليلة المناسبة، وليلة بعد ليلة المناسبة، حتى يتمكن المتحدثون من أن يلموا بشيء بسيط من سيرتها وحياتها، ويمكن للإنسان المؤمن أن يعالج النقص في هذا الجانب بأن يأخذ على عاتقه أن يقرأ في سيرتها وحياتها، فإن هناك بحمد الله الكثير من الكتب التي أُلَّفت لمختلف المستويات في سيرتها وحياتها، ما بين كتاب بـ(200) صفحة إلى (18) مجلدا، وإلى (40) مجلدا في سيرتها سلام الله عليها.
وكل إنسان بمقدار إنائه يستطيع أن يغترف، ولو كان كل منا يصمم على أن يكون في كل مناسبة من مناسبات المعصومين عليهم السلام أن يقرأ كتابا حول ذلك المعصوم، أو أن يسمع كتابا صوتيا، الآن بحمد الله هناك كتب صوتية في سيرة النبي صلى الله عليه وآله، في سيرة علي عليه السلام، في سيرة فاطمة عليها السلام، ويمكن للإنسان حتى في أثناء ذهابه إلى العمل أن يستمع ذهابا وعودة، فينتفع أولا ثوابا أخرويا، باعتبار أن ذكر هؤلاء، والاستماع إلى ذكرهم هو عبادة من العبادات، إضافة إلى ذلك المعرفة لهم فيها ثواب كثير جدا، وفيها إضاءة للطريق، وفيها استثمار للمناسبة، لا تمر سنة كاملة لو أن إنسانا اتخذ هذا البرنامج لا تمر سنة كاملة إلا وقد أحاط علما بسيرة المعصومين عليهم السلام، ولو ضمن حدود معينة.
على كل حال هذه وصية أرجو أن تلقى من يطبقها، فيحوز هو الثواب والأجر، ومن نصح بها أيضا كذلك.
أما الحديث عن فاطمة عليها السلام، فاطمة الزهراء كانت من جملة الأنوار الإلهية التي وُجِدت قبل خلق الله الكون، فإن من عقيدتنا الإمامية، وتدل عليها رواياتنا، بل بعض الروايات الموجودة في مصادر مدرسة الخلفاء، أن الله سبحانه وتعالى خلق هؤلاء الصفوة في وجودات نورية قبل أن يخلق الخلق، أما عند غيرنا فلديهم الحديث المشهور عندما يسأل جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله تعالى عليه رسول الله، ما أول ما خلق الله من الخلق؟ أول شيء خلقه الله، ما هو؟ فقال له رسول الله: نور نبيك محمد يا جابر، فخلقه ثم خلق منه كل شيء خَيِّر، ومنه أيضا أنوار هذه الصفوة الطاهرة من أهل بيت النبي عليهم السلام الذين جعلهم واختارهم واصطفاهم على علم على كل العالمين.
فإننا نقرأ في زيارة الجامعة الكبيرة المروية بسند معتبر عن الإمام الهادي عليه السلام، "خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ"، زيارة الجامعة واحدة من الزيارات المعرفية الكبيرة الثابتة سندا، وهي كلام المعصوم، وقد ذكر العلماء أن من جملة طرق بيان الأئمة عليهم السلام لمعارف الإسلام، تارة يكون حديثا مباشرا، مرة أخرى يكون دعاء من الأدعية كما في الصحيفة السجادية وأمثالها، وثالثة تكون الزيارة نفسها هي حاملة للمعارف والمعاني العقائدية والتاريخية وغير ذلك.
في هذه الزيارة يقول "خَلَقَكُمُ اللهُ اَنْواراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقينَ حَتّى مَنَّ عَلَيْنا بِكُمْ، فَجَعَلَكُمْ في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ"، وبهذه الأنوار توسل آدم عليه السلام لكي تقبل توبته، وهي الأسماء التي علمها آدم وعرضهم، (عرضهم) يعني ذوات عاقلة، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 31].
ليست هذه الأشياء كما يفسرها بعض المفسرين، وإلا كان يغير ويقول عرضها، والأشياء علمها، وهكذا، لكن لما جاء بضمير الغائبين العقلاء، أيد ما ورد في الروايات من أن هذه الذوات وهذه الأسماء الطاهرة الطيبة كانت وسيلة آدم عليه السلام في توبته.
فكان لهؤلاء هذا الوجود النوري السابق على الخلق العادي الخارجي بمدد من الزمان لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، وكان من بين أولئك الأنوار نور فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، حتى إذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يخرجها إلى عالم الدنيا، وجدنا إجراءات خاصة لم تحصل لأي واحد أو واحدة، ولم نرها إلا في حق فاطمة الزهراء عليها السلام.
عندما جاءت الرواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعد (5) سنوات من بعثته أمر الله جبرئيل عليه السلام أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله ليخبره بأن يعتكف مدة من الزمان، صائم النهار، قائم الليل، مدة (40) يوما، حتى إذا تمت المدة نزل جبرائيل من السماء ومعه طعام من الجنة، تتعدد الروايات في تفصيل هذا الطعام، وأمره بأن لا يفطر تلك الليلة بعد صومه إلا على هذا الطعام الذي هو من الجنة، وأن لا يشاركه أحد فيه، لأن المقرر أن يتشكل بدن فاطمة الزهراء عليها السلام من خلال طعام من الجنة، صاف منقى، لا تشوبه أي شائبة من شوائب الدنيا، بل إن هذه المعاني التي هي في بدنها وفي جسمها وكونها جسرا بين النبوة والإمامة، ووعاء لأئمة الهدى عليهم السلام لا يتحمل بدن آخر هذه المعاني كلها إلا أن يكون متخلقا ومتكونا من رسول الله بواسطة طعام الجنة، فكان أن جاءت ولادة الزهراء عليها السلام في سنة الـ (5) من بعثة رسول الله، بعد هذا الإجراء الذي لا نجد له مثيلا ولا نظيرا في تاريخ المسلمين، بل في تاريخ النبوات والأنبياء السابقين.
هنا يتبين لنا لماذا يصر الاتجاه الأموي في التاريخ والحديث والرجال على أن فاطمة عليها السلام إنما وُلِدت في السنة الـ(5) قبل بعثة رسول الله، ليست الـ(5) من بعثة النبي وبعدها، هناك إصرار كبير من أتباع الاتجاه الأموي على أنه لا، فاطمة إنما وُلِدت قبل البعثة بـ(5) سنوات، لماذا؟ حتى يقول لك أولا فاطمة كأي امرأة عادية كسائر أخواتها، كسائر إخوانها، إنما وُلِدت قبل الإسلام، هذا الأول.
الثاني وهو الأهم، موضوع جبرائيل عليه السلام وطعام الجنة، إذا قبل البعثة أصلا كل هذا الكلام غير موجود، جبرائيل إنما نزل بعد إيذان الله النبي بالبعثة، كان له نزول وصعود على رسول الله صلى الله عليه وآله، يأتيه بالوحي والأوامر والهداية الربانية، أما قبل ذلك فلا، طعام الجنة من أين يأتي إذا كان لا يزال إلى الآن رسول الله لا سيما على رأي أتباع ذلك الاتجاه، كيف يأتي طعام الجنة والحال أن النبي في رأيهم رجل عادي قبل البعثة؟
هذا الإصرار يبين لنا أنه من أجل إنكار، بضربة واحدة ينسف إليك مجموعة من الروايات والأحاديث الثابتة، بل إليه أيضا آثار ربما أشرنا إليها في بعض المواضع، ونشير إليها سريعا، حتى يقال إن فاطمة عندما تزوجت تزوجت وعمرها كان كبيرا، لأنه بناء على أنها وُلِدت في السنة الـ(5) قبل البعثة، يعني لما تزوجها علي عليه السلام سنة (2) للهجرة كان عمرها (20) سنة، و(20) سنة في ذلك الزمان معناها أنها امرأة غير مرغوبة من الرجال، لأن المعدل العام كان للزواج في ذلك الوقت (10) سنوات أو (11) سنة، أو (12) سنة، فإذا البنت تتأخر إلى (20) سنة، هذا معنى ذلك أنها لم يتوجه إليها أحد، ولم يلتفت إليها أحد.
أما إذا كما هو الصحيح نقول إن ولادتها كانت كما عليه روايات أهل البيت عليهم السلام، وكما هو المحقق تاريخيا، أنها وُلِدت بعد بعثة النبي بـ(5) سنوات، بعثة النبي (13) سنة، (5) سنوات نزيلها تبقى (8) سنوات، (8) سنوات البعثة، بعد ذلك تبدأ سنوات الهجرة، السنة الـ(2)، يعني عمرها (10) سنوات، أين هذا وأين (20) سنة؟
وكما كانت إجراءات ولادتها ربانية إلهية كان زواجها أيضا ربانيا وإلهيا، لأنها ضمن المخطط الإلهي حسب التعبير، ستكون وعاء للإمامة، وستكون جسرا بين النبوة والإمامة، وستنجب أئمة الهدى الذين في تقدير الله سيكونون أعلام الهدى وكلمة التقوى، ومنهم سيكون القائم من آل محمد.
تزوجت فاطمة عليها السلام ضمن أمر إلهي، ويعبر عنه بأن الله أوحى إلى النبي أن زَوِّج النور من النور، بعدما رفض ورد غير واحد من المسلمين، كما عليه كتب المدرستين، ففي إحداها من كتب مدرسة الخلفاء أنه في السنة الـ(2) للهجرة، قال أحد أصحاب رسول الله من الكبار أنه يريد أن يتزوج فاطمة، واضح أن أي إنسان إذا يتزوج بنت النبي أولا يحصل على صهر لرسول الله، يحصل على منزلة اجتماعية دنيوية، أيضا النبي سيلاحظ حاله كما هي المعادلات الاجتماعية، ويتصورون أن النبي يخضع لهذه المعادلات، بينما أمور رسول الله صلى الله عليه وآله وقضاياه يحكمها حاكم، وما ينطق عن الهوى.
فجاء أحدهم إلى رسول الله في المدينة، وقال له يا رسول الله، أنا فلان وأنت تعلم غنائي في الإسلام، فعلت كذا، وعملت كذا، وإلى آخره، وإني أطلب فاطمة، يد فاطمة، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال له إني أنتظر أمر الله عز وجل فيها، فقام وهو يقول هلكت وأُهْلِكت، طلبت يد فاطمة من رسول الله فردني.
حتى إذا رأى صحابيا آخر، وقال له ما جرى، قال الآخر له أنا أذهب لأطلبها، أصغر منه بـ(10) سنوات، بالتالي يمكن أن يقبل النبي، فجاء إلى رسول الله، وقال له يا رسول الله، أنا فلان وغنائي في الإسلام كذا وكذا، وإني أخطب فاطمة، فقال له إني أنتظر أمر الله تعالى فيها، فرجع وهو يقول بنفس مقالة سابقه.
وكان علي عليه السلام يزرع فسيلا في نخل، وقد استنقعت قدماه في الطين، ذاك الوقت الإمام علي عليه السلام عمره حوالي (24) سنة، ورجل مكافح وجاد، وراؤه والدته فاطمة بنت أسد، يجب أن يعول من خلفه، ويؤسس حياته أيضا بجهده وجده، لا يعتمد على أنه أنا ابن عم رسول الله، أكيد سيعطيني أموالا، فجاءا إليه وقالا له يا علي لِمَ لا تخطب فاطمة؟ قال أفعل إن شاء الله، فغسل رجليه من الطين، وجاء إلى رسول الله، وجلس مطرقا برأسه، هذا الرجل الذي قام الإسلام عليه، والذي سبق كل الناس إلى الإسلام، لا يذل بنفسه على رسول الله، أنا فعلت وأنا عملت أنا كذا وأنا كذا، وإنما جاء وقد جلس مطرقا برأسه، فقال له رسول الله: يا علي ما حاجتك؟ قال له: يا رسول الله إني ذكرت فاطمة، فقط ذكرتها، فقال له رسول الله على الرحب والسعة، أين موضوع أنه ينتظر أمر الله؟ أنتظر أمر الله بالنسبة إلى الآخرين، بالنسبة إلى علي أمر الله هو أن يُزَوِّج النور من النور.
وبالفعل قام رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبرها أي فاطمة، وعرض عليها ما قاله علي عليه السلام، فصمتت حياء، فقال: الله أكبر صماتها رضاها، ثم قال له: يا علي ما عندك من المهر من المال؟ قال: عندي سيفي، وعندي درعي، وعندي ناضحي، الدابة التي آتي بها الماء لكي أزرع النخل، فقال: سيفك تحتاج إليه، وناضحك تحتاج إلى معيشتك فيه، ودرعك لا تحتاج إليه، أنت لا تحتمي بدرعك، فبعه، فباعه بحوالي (500) درهم، جاء بها علي وصبها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمر رسول الله عمار بن ياسر وبلالا وآخرين لكي يشتروا أثاثا للزواج، فكان أن تزوج علي فاطمة زواجا ربانيا سماويا إلهيا بهذه الطريقة، بعدما رد رسول الله عددا من أصحابه ممن كان راغبا في خطبة فاطمة عليها السلام.
وتأسس ذلك البيت الذي سَيُقَّدَر له أن يتحدث عنه القرآن الكريم بالتطهير: ﴿...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، ذلك البيت في كل تفاصيله درس وعبرة، ابدأ من الأثاث الذي جيء به، من المهر، طبعا المهر كما تعلمون ليس زهيدا، بمعنى أن تُمْتَهن المرأة، لا، (500) درهم إذا كانت تحسب بحساب القيمة السوقية، فهي تساوي اليوم قيمة (50) شاة، لأن الشاة في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله كان معدل قيمتها دينار واحد، والدينار يساوي (10) دراهم، وهناك أدلة على هذا المعنى متعددة لا نتعرض إليها لكيلا يطول بنا المقام.
فإذا قيمة الشاة دينار، والدينار (10) دراهم، معنى ذلك أن (500) درهم تساوي قيمة (50) شاة، و(50) شاة ليست شيئا قليلا حتى في هذا الزمان، لا أن المهر يكون مبالغا فيه غاية المبالغة، ولا يكون أيضا مهينا للمرأة بحيث كأنما لا تسوى شيئا في هذا الأمر.
الأثاث الذي اُشتري بذلك هو أيضا فيه مدرسة لنا، ولمن أتى بعد الزهراء عليها السلام، لكي يقول لنا أيها الناس ليست السعادة أن تشتري الأثاث الكثير الغالي، ليست الراحة النفسية، ليس أساس الزواج قائما على المبالغة في الأصباغ والاحتفالات والصرف وغرف النوم الغالية و و إلى غير ذلك، وذلك بزعم خصوصا من بعض النساء عندما تقول بنت عمي عملوا لها هذا الشكل، أنا أيضا من اللازم أن يفعلوا كذلك أيضا، وصديقتي عُمل لها هكذا، وفلان مكان أنا رأيت هذا بهذا الترتيب وبهذه الطريقة، ويبدأ تراكم الديون على نفسها وعلى زوجها وعلى أهلها، من أجل ماذا؟ من أجل وهم السعادة، هذه أوهام.
السعادة لا تأتي بكثرة الصرف، وإلا لكان أسعد الناس هم المليونيرات، والحال ليس كذلك، نحن نجد في هؤلاء نسب الانتحار، ونسب الملل من الدنيا، ونسب المشاكل أكثر من غيرهم، ترى في بعض النشرات التي تنشر مثل هذه امرأة تتزوج، في ليلة زفافها يكلف (2) مليون دولار، ليلة الزفاف، وبعد (3) أشهر هي مطلقة، أين ذهبت هذه الأموال؟ وهل ضمنت لها السعادة والهناء والراحة مع زوجها؟ كلا.
الزهراء عليها السلام غرفة النوم حسب التعبير المعاصر كانت جلد كبش يفرشانه في النهار، وينامان عليه في الليل، وما نقص ذلك لا من قيمتها عند الله عز وجل، ولا من سعادتها وهنائها مع زوجها أمير المؤمنين عليه السلام.
فأُثِّث ذلك البيت تأثيثا، يقول لنا إن السعادة ليست كذلك، إذا شيء متيسر، ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ ﴾ [الأعراف: 32]، وأما إذا صار الأمر يدخل في ضمن عنصر التظاهر والتباهي والتفاخر حتى بالدَين فهذا أول النكد وأول الخسائر.
ذلك البيت الذي أُسس، أُسس على أن يتقاسم الزوجان فيه مسؤولية الحياة الزوجية، وأن يبذل كل منهما قدر إمكانه من أجل خدمة هذا البناء، للأسف الشديد أقول للأسف الشديد في بعض بيئاتنا الاجتماعية أصبحت الحياة الزوجية تُقَّيم بقيم الأموال، وبعض الحالات تطلب المرأة الطلاق من زوجها لأنه لم يوفر لها هذا المقدار من المال، ويطلق بعض الأزواج زوجاتهن لأن تلك المرأة التي تمتلك مثلا وظيفة أو راتبا أو مالا لا تساهم في نفقات البيت، صارت القضية في كثير من الحالات التي نشهدها من حالات الطلاق مرجعها إلى قضية المال.
إن المال أهم من الزوج عند الزوجة، وإن المال أهم من الزوجة عند الزوج، أما أن يضحي أحدهما في سبيل الآخر ففي بعض البيئات هذا الأمر بعيد جدا، الزهراء مصيبتها العظمى هي أنها ضحت بجنينها، وهو أعظم ما تضحي به امرأة، ثم بحياتها من أجل زوجها أمير المؤمنين وإمامته صلوات الله عليه.
هكذا ينبغي أن ينظر إلى الحياة الزوجية، أما النزاع على (100) ريال أو (100) دولار أو غير ذلك، وتتخربط حياتها الزوجية هذا أمر غير صحيح، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في حق فاطمة، إن فاطمة استقت بالقربة حتى أثر ذلك في صدرها، وكنست فناء الدار حتى اغبر ثوبها، وأوقدت بالنار، يعني للطبخ حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر عظيم، فقلت لها يا بنت رسول الله لو أتيت أباك فسألتيه خادما، الخادم في اللغة العربية تأتي للأنثى وأيضا للذكر، والمقصود هنا الأنثى، ما دامت بهذا الشكل، أثر هذا، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، اتنفخت أكفها سلام الله عليها.
ذاك الوقت علي بن أبي طالب يقترح عليها أن تسأل أباها خادما، أن تسأله من يعينها من النساء، وذاك الوقت جاءت فضة النوبية وبقيت في بيت الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، علي عليه السلام حتى وهو بحسب التقسيم أن رسول الله قال لعلي وفاطمة ما كان من الباب إلى داخل الدار فعلى فاطمة، هذا حتى يصبح برنامجا للأسر عند النزاع، عندما ينبغي وما لا ينبغي، وإلا هما...، هو يقول عليه السلام: "فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمرا، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان".
وما كان من الدار إلى الخارج فعلى علي عليه السلام، مع ذلك فاطمة الزهراء استسقت بالقربة وكانت تخرج إلى الخارج، بهذا المقدار حتى أثر في صدرها، وعلي عليه السلام كان يعمل في داخل البيت حتى أن رسول الله محمدا صلى الله عليه وآله جاء ذات يوم فرأى عليا عليه السلام وقد أخذ العدس ينقيه، الزهراء كانت مشغولة بابنيها، أخذ علي العدس وأخذ ينقيه، وهذا الهباء وكذا يتطاير أمامه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله من أعان امرأته في بيتها على أمرها كان له الجنة، فعلي يعمل في داخل البيت والزهراء عليها السلام أيضا إذا احتاجت إلى أن تعمل بعض أعمال علي عليه السلام، كانت تقوم بذلك.
يذهب علي وقد ضاقت به أمور حياته إلى شمعون اليهودي، وهو تاجر في المدينة، اليهود وهم أساس البلاء في تاريخهم، كان بيدهم اقتصاد المدينة، وانظر إلى عدالة النبي صلى الله عليه وآله وإنصافه مع أنهم على غير دينه ما منعهم من التجارة، ما منعهم من البقاء في المدينة، ما منعهم من ممارسة أعمالهم، إلا إذا طوروا ذلك إلى التآمر والكيد للرسول وللمسلمين، وإلا في الحالة العادية هم موجودون وكانوا مسيطرين على الأموال وعلى الثروات، وبيدهم رؤوس الأموال، فجاء علي إلى شمعون اليهودي وقال له أعطني عكة صوف، كان عنده صوف، آخذها لفاطمة حتى تنسجها ونبيعها ونعطيك قيمتها بعد ذلك.
عكة الصوف بمقدار معين من المال، إذا نسجت صارت ثوبا أو غير ذلك تتضاعف قيمتها، نرجع المال إلى صاحب هذه العكة، وأيضا نستفيد منها، فنسجتها فاطمة عليها السلام، ورد الإمام أمير المؤمنين قيمة ذلك الصوف إلى ذلك اليهودي، فالزهراء عليها السلام تعمل شغلا بيدها من أجل أن تعيل هذه الأسرة في بعض الظروف، ولا تقول هذا شغلي وهذه وظيفتي، وهذا أنا كسبته من كد يميني، وإنما تعطيه لأهلها ولعائلتها.
تزوجت عليها السلام، أنجبت الحسنين، أنجبت الحسن في السنة الـ(3)، والحسين في السنة الـ(4)، وزينب في السنة الـ(5)، وأم كلثوم في الـ(6) أو الـ(7) على اختلاف بين المؤرخين، وكان آخر ما أسقطت جنينها المحسن، أسقطت بفعل ما فعله القوم عند هجومهم على دار فاطمة الزهراء عليها السلام.
هذا البيت سوف يشهد قصة اليتيم والمسكين والأسير: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾] الإنسان [8:، هذا البيت سيصبح ذاك البيت الذي يذكره القرآن الكريم بالتطهير: ﴿...إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب: 33]، هذا البيت هو موضع سلام رسول الله صلى الله عليه وآله مدة قال بعض الرواة إنها (6) أشهر، وبعضهم قال (9) أشهر، وبعضهم أقل من ذلك، أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأتي مع كل صلاة، ويطرق الباب، ويقول: السلام عليكم أهل البيت، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، وهذا ليست مرة واحدة في ما نقل عن جلال الدين السيوطي وهو من أعلام مدرسة الخلفاء يقول كان ذلك مدة (9) أشهر، (9) أشهر إذا كل يوم مرة واحدة احسب العدد كم هو المقدار؟ وإذا كل يوم متكرر، ما هو المقدار؟ هذا لماذا؟ حتى لا يأتي أحد متعسف ويقول إن أهل بيت النبي هم بنوا عمه أو هم زوجاته أو هم أقاربه، لا، هذا البيت هو البيت الذي طُهر تطهيرا، ولم يدع لأحد ذلك، لأن معنى آية التطهير العصمة، ولا يدعي أحد من المسلمين العصمة لأي من زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذن ليس هذا البيت.
إضافة إلى تأكيده في هذه الكلمات المتتالية بالسلام عليهم، كان إذا خرج آخر عهده بالناس أن يمر على بيت فاطمة، وإذا أقبل من سفر أو غير ذلك كان أول الناس عهدا به بيت فاطمة، كان يأتي ويطرق الباب، ويسلم، فتقول له فاطمة الزهراء: يا أبتاه، يا رسول الله، لِمَ تستأذن؟ أنت لا عليك استئذان، أنت رب البيت، أنت والد البنت، وينبغي أن تدخل بلا استئذان، فيقول لها كلا، هذا من أجل أن يعرف الناس أن باب فاطمة بابي، وحجابها حجابي، في الرواية يقول الإمام الصادق عليه السلام: "فلا والله لقد هتكوا حجاب الله، ولقد هجموا على باب الله".
وهذا اللي يعنيه الشاعر:
واعـجـبـاً يستأذنُ الأمين *** عـلـيـهمُ ويهجم الخؤونُ
قـال سـليمٌ قُلتُ يا سلمانُ *** هل دخلوا ولم يكُ استئذان
فـقـال أي وعـزةِ الجبارِ *** لـيس على الزهراءِ من خمارِ
لـكـنها لاذت وراءَ البابِ *** رعـايـةً لـلسترِ والحجابِ
فـمذ رأوْها عصروها عصرة *** كادت بنفسي أن تموت حسرة
تـصـيـح يا فضة اسنديني *** فـقـد وربي أسقطوا جنيني
فـأسقطت بنت الهدى واحَزنا *** جـنينها ذاك المُسمى مُحسنا
هذا ما أحد يفعلها حتى في البيوت العادية، فكيف في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ما كان لهؤلاء الناس أن يدخلوا بيت النبي إلا بعد أن يستأذنوا، وهذا من بيوت رسول الله صلى الله عليه وآله، لكنها لاذت وراء الباب، أي امرأة عفيفة مؤمنة طاهرة، إذا انفتح الباب بسرعة تذهب إلى مكان تختبئ خلفه حتى تستر، وهذا الذي صار من فاطمة، لكنها لاذت وراء الباب رعاية للستر والحجاب.