الوصية الفرصة الأخيرة للتدارك
كتابة الفاضلة سلمى بوخمسين
موضوعنا يتناول الوصية الفرصة الأخيرة للتدارك ، ومعنى ذلك ان الله سبحانه وتعالى حينما خلق هذا الانسان واوجب عليه طاعته بل هو الهدف من خلقه للخلق بمقتضى قول الله تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) جعل له فرصة واسعه لكي يقوم بهذه العبادة ومن لطف الله عز وجل أنه جعل أمكان القيام بالأعمال الواجبة واسع ومريح ولو كان مضيقا للوقع البشر في الضيق ،فمثلا لو الله ضيق أوقات الصلوات وجعل وقت الظهر او العصر مثلا نصف ساعة ثم يخرج وقتها فلاشك ان الانسان يقع في عسر وحرج من اجل تأدية الصلاة في وقتها الضيق .بالرغم ان الوقت واسع ومتراخي ومع ذلك قد يتأخر الشخص في اداءها في وقتها .
فأعطى الله سبحانه وتعالى مجال واسع لعبادته ولم يكلف الانسان فوق طاقته ،فمثلا الصلاة لم يشترط اداءها في اول وقتها فأن لم يؤديها لا تقبل منه لكان اصبح الامر عسيرا .
فالله بكرمه ولطفة جعل العبادة يسيرة 17 ركعة يؤديها الشخص خلال 24 ساعة وهي لا تستغرق وقت طويل ،وصيام شهر واحد خلال 12 شهر وحجة واحدة في العمر هذا على مستوى الوجب .
كما ان الله جعل فرصة للتدارك وهو القضاء لمن لم يستطع أداء الواجب في وقته كما ورد في الحديث ( من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ) فان فاتته صلاة او صيام بسبب ظرف خارج عن ارادته يؤديه قضاء بمقدار ما فاته في أي وقت شاء ، نعم لا ينبغي الاستخفاف والاستهانة بأداء الواجبات في أوقاتها أو قضائها في اقرب وقت يستطيع ، الا ان كان تفويت الفريضة باختياره كما الحال في إفطار أيام شهر رمضان بدون سبب ففي تلك الحالة يكون التدارك اصعب ففيه كفارة وقضاء للصيام الفائت .
ويوجد مجال آخر للتدارك وهي الوصية بها فأذا انسان فاتته صلوات او صيام قد لا يهتم الشخص في أيام شبابه بأداب الصلاة وشرائطها فيقصر في اداءها على وجهها الصحيح من وضوء وطهارة وطريقة صحيحة في أداء افعالها ، او أنه لم يكن يصلي في أيام شبابه او يفت كثير منها وحينما كبر التفت الى تقصره وغلطه ولكن ليس بأمكانه قضاء كل ما فاته في سنوات شبابه في هذه الحالة الله يعطي لعبده فرصة أخرى للقضاء فيعطيه الوصية بان يوصي الشخص أن تؤدى عنه صلواته الفائته بعد موته ،وهذه أحدى فؤائد الوصية بأن يوصي بأن يقوم أحد بالصلاة والصوم والحج والعبادة والطاعات والأعمال المستحبة التي لم يستطع اداءها في حياته فيؤديها شخص نيابة عنه مقابل مبلغ مادي من ثلث أمواله التي يتركها بعد موته .
فالوصية هي الفرصة الأخيرة التي جعلت لتدارك الاعمال الواجبة او المستحبة حتى يقوم بها هذا الانسان .
الوصية أحيانا نأخذها من أقوال المسلمين ،هناك بعض المذاهب الإسلامية لا ترى أمكانية قضاء الصلاة أو الصيام الفائت بالوصية عن الغير بعد موته،
استثنوا فقط الحج الواجب بأنه بالإمكان الوصية لأداء الحج نيابة عن الميت ، ولكن كما المعروف عند الأمامية ومذهبهم الجعفري أنه يمكن التدارك بالوصية للاعمال الواجبة والأعمال المستحبة ،طبعا لا يجوز لشخص أن يترك العبادات بإرادته وبدون سبب ويقول سوف أوصي عليها بعد موتي فهذا لا يجوز فعله ، فالترك العمدي للواجب بأعتماد على أنه سيوصي بالقضاء عنه بعد موته لا يجوز .
في القرآن الكريم وردت الآية في حق الوصية ( كتب عليكم أذا حضر أحدكم الموت الوصية حقا على المتقين )
في العادة كلمة كتب اذا وردت في الآيات تعني الوجوب والفرض القانوني المؤكد ككتب عليكم الصيام وكتب عليكم الجهاد ،ولكن باعتبار أن نهاية الآية فيها عبارات استفاد منها العلماء أن هذه ليست واجبة وغير لازمة مثل بقيت الاحكام وانما جاءت لتبيين شدة التأكيد للقيام بها والاستحباب لا داءها بعبارة حقا على المتقين فلوان الوصية واجبة لورد في الآية حقا على جميع المسلمين وليس فقط تخصيص المتقين منهم ، فلذلك بنى العلماء على أن الوصية مستحبة استحبابا مؤكدا تكاد تشبه الواجبات التي عبر عنها في القرآن الكريم بكتب عليكم .
(كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ) حضور الموت عند الشخص هل هذا مجرد تقدير او حضور حقيقي ، فأن كان تقدير فالمعنى أذا حضر أحدكم ملك الموت او اذا حضر حالة الموت عند أحدكم او حضرت سنة الموت هذا في حالة وجود مضاف مقدر محذوف سنة او ملك او حالة أو وقت الموت .
معنى آخر ان الحضور يكون حقيقي فنفس الموت يحضر ( فهل الموت خلق متميز كالملائكة فهم خلق موجود حقيقة فالموت أيضا مخلوق فما يحتاج تفسر الآية بان الموت تقدير بل ان الموت نفسه يحضر( هذه له بحث خاص ).
اذا حضر أحدكم الموت ان كان لديه أموال وممتلكات كتب عليه الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين .
اذا ينبغي أن يوصي بتمليك جزء من ثلث أمواله لأشخاص معينين بالمعروف .
فأدا يمكن الوصية للوارث وزيادة على ما يصل اليه من الأرت بأن يوصه له بمبلغ او تمليك يقتطع من ثلث الميت .
ورسول الله صل الله عليه وآله تنقل عنه روايات بشأن الوصية ومنها قوله ( الوصية حقا على كل مسلم ) فمن الحقوق على المسلم أن يوصي وفي رواية ( المحروم من حرم الوصية ) فالشخص الذي لم يوصي محروم لان القاعدة الأولية ان العلاقة تنقطع بين الانسان وما تركه من أموال بمجرد موته ، الشرع المقدس جعل حق للمتوفى قبل موته ان يوصي من أمواله بمقدار الثلث لا اكثر وورد عن رسول الله ( بل الثلث والثلث كثير ) أحدهم جاء لرسول يريد أن يوصي بجميع أمواله لجهة معينه فلم يقبل رسول الله فقال الوصية بمقدار الثلث فقط.
وبدون الوصية بالثلث لا ثلث له فلا يحق لأحد الورثة أن يطالب بقية الورثة بأخراج الثلث وهم غير راغبين بذلك ،يجوز اخراج بعض المال من الإرث والقيام بأعمال الخير بالتراضي .
فمن لا يوصي بثلثه يصبح كل ماله ميراث فمن يريد أن يكون له جزء من أمواله ويتصرف بها حسب وصيته لابد من ان يوصي بالثلث ، بالإمكان وصيه شفهيه ويكون عليها شهود او وصية كتابية ويشهد عليها حتى تكون لها صفة قانونية يرجع لها عند الانكار .
فأن لم يوجد وصية بالثلث شفهية أولا مكتوبة فلا حق له في شيء مما ترك من المال .
وكما ورد على لسان الامام امير المؤمنين عن رسول الله قوله ( وينظر الى أموال قد جمعها مصرحاتها ومشتبهاتها محروم ) فهو لم يستفد من أمواله وهو حي ولم يوصي بها بعد موته فهو المحروم حقا .
ومن حديث رسول الله صل الله عليه واله بعد ما أعتبر الوصية حقا اعتبر هذا الانسان محروم .
وعندنا أيضا ما يشار فيه الى أحكام العقلاء أن الانسان العاقل عندما يكون لديه شيء يهتم بأمره لابد أن يوصي به من بعده بأحد يقوم بعمله في حالة غيابه أو عدم مقدرة للقيام به في وقته .
هذا في حال أمر الدنيا فكيف بأمور تتعلق به للأخرة من صلاة وصيام وحج ودين ، هذه جميعها مواقف فمن العقل ان كان يستطيع القيام بها يقوم بها وأن لم يعد يستطيع أداء واجباته وهو في قوته فالعقلاء يقولون من الممكن أن يوصي بذلك بعد موته لكي يسقط عنه الواجب .
كما اننا نجد في سيرة الائمة عليهم السلام الوصية واضحة فما من أمام من الأئمة والمعصومين الا وجد له وصية يوصي بما يفعل له بعد موته من توزيع أموال أو سداد ديون او القيام بأعمال البر من أمور المسلمين وهذا ما قام به رسول الله حينما قال ( أني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيته ) فهو أوصى أمته بالتمسك بعترته وكتاب الله ، فهو أمر الأمة عنده مهم وأمر العترة والكتاب مهم عنده لهذا أوصى بهما .
وامير المؤمنين طول فترة حياته كان يحفر الآبار ويعني ذلك انشاء البساتين فكان عليه السلام يستنبط الابار فاذا استنبط الابار اوقفها وسبلها وكان جزء منها صدقات في ولد علي وفاطمة فكان أولياها من نسل فاطمة ، فأمير المؤمنين يوصي بصدقات ونفقات يذكرها التاريخ
القاعدة الأولية للمسلم ان يقوم بعمله بنفسه فأن كان عليه قضاء ليقم به في حياته ولا يؤخر قضاء واجب او اداء دين او عمل بر وصلاح .
فان لم يتمكن ليوصي بذلك بعد موته .
ثم ينبغي أن تكون الوصية مشروعة مثل الوصية بالواجبات وحقوق الله وحقوق الناس فمن في ذمته مال لأحد من اخوته واقاربه او أي احد يجب أن يخرج الحق من ذمته في حياته فأن لم يستطع يوصي بإعطاء الحق لأصحابه بعد موته .
وقد تكون وصية غير مشروعة وغير سائغه وصاحبها الموصي مأثوم ولا يجب أتباعها مثل الوصية بقطيعة الرحم ، بأن احد بينه وبين احد من أقاربه عداء فيوصي ابناءه وأهله بقطيعته ومعاداته .
وكذلك الوصية بغير المشروع دينيا كالوصية في قسمة الميراث بين الذكور والاناث بالتساوي او الوصية بحرمان احد الورثة من حقه في الإرث ،يجوز ان يوصي بمقدار ثلثه ويوزعه كما يريد على الورثة .
فالوصية هي الفرصة الأخيرة للتدارك فالأفضل للإنسان ان يبادر بأعداد وصيته بما هو موجود وكل ما تغير وضعه جدد في وصيته وأضاف اليها وأزاله منها .
فالعاقل هو من يبادر بالقيام بكتابة وصيته وهذه هي سيرة الأئمة سلام الله عليهم .