11 المقدسات بين الاحترام والإهانة
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
المكان: مسجد الخضر
التاريخ: 10/1/1445 هـ
تعريف: المقدسات بين الإهانة والاحترام 11| كتابة الأخ علي حسن البوري | بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى: (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) [الرحمن: 78] نفتتح حديثنا هذه الليلة بعنوان: المقدسات بين الإهانة والاحترام الآية المباركة التي تصدرت البحث هي آخر سورة الرحمن، التي ورد في شأنها أنها عروس القرآن. وجه التشبيه بعروس القرآن المقصود فيه أنها كأنها الأجمل، كما أن العروس هي الأجمل بين أترابها كذلك هذه السورة من جهة المعاني التي احتوت عليها والسبك الجميل الذي يوجد فيها كأنها عروس تختال وتمشي. في خاتمة هذه السورة بعدما يُذكّر الله -سبحانه وتعالى- الإنسانَ بصفات الله -عز وجل- ونعمه المتعددة عليه يختتمها بقوله تعالى: (تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام). المقصود هو تبارك الله المسمى بهذه وليس الاسم نفسه (ألف-لام-لام-هاء)، بل تلك الذات المشار إليها بهذا الاسم. مثلما يقول المدرس في المدرسة سوف نكرم محمداُ، ليس المقصود نفس حروفه (ميم-حاء-ميم-دال) وإنما المسمى بها وتلك الذات التي تحملها. عندما نلاحظ في القرآن الكريم سنرى (تبارك اسم ربك)؛ يفسر هذا ما جاء في آيات أُخر كقوله (تبارك الذي بيده الملك) أي نفسُ الله -سبحانه وتعالى-، الذات المقدسة، الإله المعبود للاسم نفسه. مع ذلك أحاط الشارع المقدس اسم الله -عز وجل- وسائر المقدسات الأخرى بدروع وحواجز من الكرامة والتقديس والاحترام والأحكام بحيث تبقى هذه الذوات المقدسة في منأى عن الامتهان والاقتحام. هذا في ديننا الإسلامي شيء واضح كثيراً. قبل أن ننتقل إلى إيراد الشواهد على تكريم الشارع المقدس للمقدسات والقيم، نشير أن في مقابل هذا توجد ثقافة غربية باطلة تسرب بعضها إلى قسم ممن يسمون بالمثقفين. وهي على أن أهم شيء "إسقاط المقدس". فيقول لك: هذا الشيء المقدس يشكل مانعا عن التفكير الحر، عن التفكير العقلي، أسقِط المقدس هذا! ليس عندك شيء مقدس.. فَكِّر بانفتاح وانطلاق. هذا الجدل ليس من فراغ؛ يُنتجه أولاً مثقفون غربيون منطلقون من الفلسفة الغربية والثقافة الغربية ورفض الدين بشكل كامل كما يحصل في الغرب. في الغرب يقولون: كل شيء فرض الدين قدسيته لا نريده. من الأساس، من الجذور بالنسبة لنا الدين لا يشكل شيئاً مهماً فإذا قيل في الدين المسيحي هذا مقدس لا نعتني به، أصل الدين لا نرى له قدسية فضلاً عن فروضه. على طريقة تقليد الببغاوات والنسخ واللصق في هذه السنوات نفس الكلام يُترجم ويصاغ مرة أخرى ويؤتى به إلينا فتأتي عبارات إسقاط المقدس وكسر "التابو" المقدس وأمثال ذلك. حين تقرع أسماعنا هذه المفردات نخشاها ويُتخيَّل أنها ذات قيمة، فنراها خالية فارغة من المعنى، فارغة من الحقائق. ومن العجيب لدى هذه الفئة المقلدة أن عين المعروف يصبح منكراً، وما هو عين المنكر يصبح معروفاً. هذا ما أشارت اليه بعض الأحاديث كالذي ورد عن سيد الخلق محمد (ًصلى الله عليه وآله وسلم) -والحديث الذي سيأتي ذكره متوفر عند الإمامية بأسانيد بعضها معتبر، وعند مدرسة الخلفاء في الطبراني وإن كان سنده عند بعضهم ليس قوياً-. رُوي عن الإمام الصادق عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر، فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا. المرحلة الأخيرة هي الأسوأ لأن معناها تغير المفاهيم؛ فالأسود تقول له أبيض، والظلام تقول له نور، ضوء الشمس تقول له عين الظلمة. المقاييس متقلبة جداً فما هو مستقيم تقول معوج منحرف والعكس بالعكس، هذا ما نلحظ قسم منه مما يصل إلينا من ثقافتهم. من ذلك: أنهم يرون أن المهمة الأولى للمثقف والذي يريد هذا الاتجاه أن يُسقِط المقدس فوراً وينزع قداسته. بينما صريح الآيات القرآنية الكريمة والروايات وكذلك الأحكام تؤكد على موضوع زيادة ما قدسه الله واحترام ما احترمه الله وجعل له حرمة. وأن الإنسان كلما زاد في تقديس هذه الأمور المقدسة من أشياء أو ذوات كان مرتقياً في العبادة. هذا الأخير يصير عندهم نموذج التأخر والتخلف بينما هو الحق والمعروف! لنرى كيف يصنع الإسلام مع الأشياء والذوات المقدسة وكيف يسبغ عليها القداسة ويرتب عليها الأثر. خُذ مثالاً: اسم الله عز وجل؛ الله سبحانه وتعالى نحن لا نناله لكنَّ الذي بين أيدينا هو اسمه، نكتب اسمه، تقرأ اسمه، ترى صفاته في الكتب وما شابه ذلك. هذا الاسم الذي هو إشارة إلى الذات الإلهية المقدسة لابد يحاط بعناصر التقديس والتكريم من عدة جهات وهي: أولاً: في التلفظ به إن استطعت ألا تقول "الله" مجردة، وإنما قُل الله جلَّ جلالُه عزَّ وجل عَظُمَ نواله وكَبُرَ شأنه. ثانياً: لا تمتهنه مثلاً بكثرة الحلف، والله كذا والله كذا. تقول الآية: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ) [البقرة: 224]. مع أنه اسم، لكن حتى لا يصير مبتذلاً أو ممتهنا. ترى أن الأشياء المُلمّة والصعبة يجوز فيها الحلف بالله عز وجل، حتى إذا صار أحد جهات وطرق فض المنازعات في حالات أن المدعي لم يأت ببينة. قد تكون معاملة ما اختُلست بمبالغ طائلة فيستدعى صاحبها للقسم إن لم يكن للمدعي بينة في هذا الأمر من الناحية الشرعية. لماذا؟ لأن اسم الله عز وجل اسم مقدس عظيم كبير لا ينبغي للإنسان أن يقسم به كاذباً ولا يجوز له ذلك، بل لو استطاع أن يجل الله عن الحلف وكثرة القسم فهذا خير له. أحياناً كما في المحاكم لا يمكن الوصول إلى حق الإنسان إلا بهذه الطريقة فإذا حلف الإنسان انتهت القضية. ثالثاً: ملازمته لحالة الطهارة، لكي تكتب هذا الاسم أو تلمسه ينبغي أن تكون على حالة متناسبة مع اسم الله عز وجل وقداسته. لا يجوز لك أن تمسه من غير طهارة، وفي حالة الجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس معذرةً فهذا أمر ممنوع! ولا يُقال هي ثلاثة حروف أو أربعة حروف وأنا من كتبها، ذلك صحيحٌ لكنِّها مشيرةٌ إلى ذات مقدسة لا يجوز لك أن تمتهنها. مع هذا كُلِّه يأتي من -نعوذ بالله- يسبُّ هذا الاسم ويشتم اسم الرب. هنا نلاحظ في بعض البلدان التي حكمت فيها الأحزاب الملحدة لله يشيع بينهم شتم الرب، إذا أخطأت في حق فلان أو تقدمت عليه في السير يرمي عليك المسبة ويسب ربَّك ويسب دينك. فيما أعتقد -والله العالم- أن هذا ليس شيئاً عفوياً وإنما هذا تربية حزبية ملحدة؛ حتى ينزعوا القداسة عن الله -عز وجل- ويرفعوا حالة الإيمان به ويمنعوا الناس أن تخاف الله -سبحانه وتعالى- سربوا إليهم مثل هذا الأمر وصارت حالة اجتماعية بالتدريج. ومثل هذا يكون كالمرض المعدي، فإذا أراد أن تبيين أنه في أشد درجات الغضب يسب الرب والدين. هذه من الظواهر رأيناها في بعض تلك البلدان التي لها سابقة في احتضان الأحزاب ونشوء الملحدة. أرادت تربية المجتمع العام على الانفصال عن الله -عز وجل-. انظر لمن يسبُّ الربَّ هل تتوقع لمّا تنهاه عن فعل وتقول له اتقِّ الله يستجيب؟ هو الرب بالنسبة له مشتوم ومسبوب ومذموم. في الجهة المقابلة من هذا الطرح، في القرآن الكريم فقط يكفي تتبع آيات القرآن؛ كم من كلمة (تباركَ) مثل (تبارك الله أحسن الخالقين)، (تبارك الذي بيده الملك) تجدون عدداً كبيراً جداً الغرض منه هو التقديس والإجلال. بل في الأدعية (تباركت ربنا وتعاليت) وأمثال ذلك. تقديس الله عز وجل مهم حتى في استجابة الدعاء المفتاح هو تقديس الله وتنزيهه والثناء عليه؛ ذلك أحرى بأن يستجاب فيه الدعاء. بسم الله الرحمن الرحيم، يا رب أعطني، يا رب نجحني في الامتحان. هذا ليس صواباً؛ حريٌّ أن تقدم بينك وبين ربك مرسولاً هو الثناء عليه وتمجيده وتقديسه. بعض الأحيان نقرأ أدعية كلها تمجيد وتقديس من دون أي شيء آخر ومن غير طلب. المثال الآخر على المقدس هو: تقديس سيد الأنبياء المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله) نفس هذا الذي صنعتموه -أي ذكره بالصلوات العاليات- هو تقديس، تكريم، ثناء وذكر بالخير، هو دعاء لله عز وجل أن يرفع منزلة النبي وأهل بيته. كم هناك من أسماء في المجتمع البشري؟ كثيرة، ولكن مع ذلك أنت عندما تذكر أي اسم من تلك الأسماء ليس هناك من يرتب عليها الأحكام والأثر. فقط عندما تذكر اسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُقال لك: من ذكرت عنده ولم يصلِّ عليَّ فقد جفاني. هذا يفيد استحباب ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) في كل الأوقات خصوصا إذا مرَّ اسمه وذكره صلوات الله وسلامه عليه. الغرض منه ماذا؟ الغرض تقديسه، الغرض رفع شأنه، الغرض ألا ينتهك اسمه فضلاً عن ذاته وصفاته. أكثر من هذا في أيام النبي (صلى الله عليه وآله) كان هناك تشريع كما في سورة الحجرات الآية 2: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ). عجيب! لو قال شخص: أنا مصلٍّ صائمٌ حاج، جاوزت خمسين سنة في العبادة نقول له: انتبه ترفع صوتك على النبي بعنوان المخالفة وقلة الاحترام. هذا من الممكن أن يؤدي الى إحباط هذا العمل. هذا نص قرآني لا يحتاج إلى مزيد تدقيق في السند وصحته. أنت تناقش زميلك ومن الممكن أن ترفع صوتك، مع النبي هذا لا يمكن أن تعلي صوتك عليه فضلاً عن مخالفته وفضلاً عن -نعوذ بالله- شتمه إلى غير ذلك. لماذا؟ لأن هذا نتيجته أن تحبط أعمالكم؛ هذا تقديس لرسول الله (صلى الله عليه وآله). الحمد لله شيعة أهل البيت -عليهم السلام- معروفون بشدة التعلق وشدة التقديس وشدة التكريم فتراهم لو يُذكر النبي وأهل بيته ما شاء الله في مكان ولو عشرين مرة يصلّي عليه. الحال ذاته يسري على أئمة الهدى -عليهم السلام- ينبغي ألا يسمى باسمه هكذا من دون سلام ولا تحية ولا صلاة. لا تقل جاء عليُّ ابن أبي طالب! إلا إذا كنت في صدد النقل مثلا عن مصدر أو غير ذلك. إذا كنت تريد التحدث عن أمير المؤمنين -عليه السلام- فآت بأحسن الصفات التي كان عليها وأهم الالقاب التي كانت عنده أو الكنى فتقول: جاء أبو الحسن عليه السلام. عندما تتحدث عنه تتبعه بـ(عليه السلام)، هذا دعاء منك بأن يصل السلام عليه صلوات الله عليه. الأئمة كُلُّهم عندنا ضمن هذا الإطار من التقديس. ومن المقدسات ربما أشياء أو جمادات حتى! تقديس الكعبة عندنا عنوان مُهم. هي الكعبة المشرفة، البيت الحرام شرَّفه الله. من أقصى الدنيا يأتي الإنسان المسلم ليطوفها. تأمّل فهو لا يدخلها، لا يركبها، لا غير ذلك وإنما يتعلق بها ويحفها ويطوف حولها سبعة أشواط. هذا الطواف أيضا كالصلاة لا يصح في الواجب إلا مع الوضوء والطهارة من الحدث والخبث. أيُّ تكريم هذا؟ وأيُّ تقدير؟ مع أنها بحسب الصورة الظاهرية أحجارَ مصفوفة قديمة من مئات السنين ليس أكثر. هذا المعنى الظاهري لا يُلتفت إليه إنما المعنى الواقعي، وهي أنها بيت الله عز وجل ومحور التوحيد في هذه الأرض. تقديس الكعبة ليس عدم جواز تنجيسها، بل لابد أن الطواف يكون حولها، واستدبارها واستقبالها أثناء التخلي أي التغوط والتبول عندنا -الإمامية- ممنوع تماماً. يجدر القول بأن الإمامية فيما يرتبط بتقديس الأشخاص والذوات المقدسة ثم الأشياء أكثر من غيرهم. وهذي ميزة تُحسب لهم ونقطة قوة في جانبهم، يقول لك: على حالة التبول والتغوط لا استقبال ولا استدبار للقبلة وإنما شرِّق أو غرِّب، ليس كما في المشهور عند بقية المدارس أنه إذا كنت في الفضاء والقبلة والكعبة ليست أمامك لا شيء عليك ولا إشكال! للأسف في البلاد الإسلامية لا يلتزمون في جهة بيت الخلاء ودورة المياه كما يُذكر. لا فرق عندنا -الإمامية- فلابد من عدم استدبار القبلة واستقبالها بالتغوط وبالتبول بل حتى في حال الاستنجاء. هذا مزيد من التكريم، مزيد من التقديس، وأي إنسان يلتزم وما يتخطى هذه الحدود من الطبيعي أنه سيوقر المقدس أكثر وأكثر. هل سيأتي مثل هذا ويهدم الكعبة؟ قطعاً لا. لكنَّ غيره قد يفعل ممن لا يرقب في الله ذمة كالحجاج الثقفي حينما يقصف الكعبة بالمنجنيق -في هذا الزمان كأنها مدفعية-. نأتي إلى نحو آخر من التقديس، وهو تقديس القرآن الكريم باعتباره الدستور الإلهي وكلُّ نسخة من القرآن الكريم هي نسخة مقدسة يجب على الجميع إظهار احترامها. كما سبق وذكرنا في مسّ المصحف بغير طهارة، وحتى وإن كان متطهر لا يجوز له أي يلقي بالقرآن أو يطرحه على الأرض؛ هذا يعد هتكا للقرآن. وإذا عُدَّ هتكاً للقرآن في نظر العرف أصبح محرماً لأن هتك القرآن محرم. تعلمون في هذه الفترة ما حصل في السويد، والحمد لله بلغت ردة فعل المسلمين مداها على محاولة بعض الحمقى والمعتوهين. حقيقةً هؤلاء لا يخلون من لوثة عقلية بالإضافة إلى سعيهم وراء المنافع المادية التي يريدونها. أحيانا الإنسان يبحث عن المادة ولكن من شيء معقول ولو كان محرماً، أما أن يأتي إلى وحي سماوي إلهي يتعبد به نحو مليارين من الناس ويهينه، يحرقه، يهينه يهتكه، هذه فاجعة في الدين والإنسانية. لعلَّ الخير فيما وقع! ذكرنا في وقت سابق حول موضوع الشذوذ أن بعض الأشياء يقوم بها أعداء الله وأعداء الأخلاق ويتصورون أنهم سينتهون إلى غاياتهم بينما قد يكون فيها جانب آخر وهو أنه يتنبه الغافل. تقول له أيها الإنسان تصوَّر أن الغرب الذي يدعي الحرية نفاقاَ يمنع مسيرة ضد الشاذين ويسمح لمسيرة تحرق القرآن. فأين الحرية؟ هي مجرد كذبة، نفاق، وهم غير صادقين في حملهم لهذه الشعارات فليحذر الإنسان منهم. هذا يبعثنا إلى أن نهتم بالقرآن، وأحسن رد من كل إنسان أن يقرر في نفسه قراءة في كل يوم على الأقل صفحة واحدة. ولعل القراء أكثرهم يفعل هذا أيضاً، لكن هناك فئة غافلة أو أحياناً مشغولة بأمور الدنيا. من الممكن إذا استأنس الإنسان بقراءة الصفحة يعمد إلى صفحتين وهكذا. إذا كنت تقرأ، فالحمد لله اذهب وتدبَّر فيه. انظر إلى تفسير ولو تفسير خفيف حتى تفهم مقاصد القرآن الكريم. تقديس القرآن عند المسلمين من الأمور الحسنة ورأينا لزوم أن يتوجه الآباء إلى حثّ أبناءهم على تعليمه. وكذلك المجتمع في صنع المدارس القرآنية وما شابه ذلك لعلَّ الله ينفع المسلمين بهذا التوقير والإجلال. المؤمن والمؤمنة أيضاً لهم مقدار من القداسة ولذلك أنت لا تستطيع أن تستغيب مؤمناً.. لماذا؟ لأن المؤمن مقدس بما هو مؤمن، حتى شُبَّه من يفعل غيبته بأنه يأكل لحم أخيه ميتا. فضلاً عن أن تهتكه هنا وهناك كقول البعض فلان يعمل العيب وتكشف أمور لا يرضى بكشفها حتى لو كانت حقيقية فيه. لا يجوز ذلك، وإلا هذا يصير هاتك، ساعٍ بالفاحشة بين المؤمنين. الآن حتى القوانين الوضعية لا تسمح بهذا، والقوانين الدينية لها السابقة فهي تمنع الغيبة من منطلق أن المؤمن له نصيب من الكرامة، له نصيب من القداسة. تجد حتى على مستوى الاستهزاء الآية 11 من سورة الحجرات تُذكِّر: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ). ربما أعلم أن هذا لا يرتاح له فلان بمناداته إياه، ابتدعوه جماعة ومشى عليه وهو يغضب من هذا الاسم فلا أسخر منه ولا ألمزه! حتى إذا كانت اختياراته موافقة للدين والأخلاق وعلى درجة عالية من التدين لا أقول: هذا مسكين من اهل الله مال صوم وصلاة! هذه هي السخرية فالصوم والصلاة مفخرة الإنسان، مرتبة لازم الإنسان أن يرتقي إليها. فلانة ذاك لابسة عباءة رأس ومجلببة من أعلاها لأسفلها لا يُرى منها شيء! لا يُسخر منها باعتبارها متخلفة فهي اختارت طريقا سليما وحجاباً كريما. لا يسخر قوم من قوم بالباطل، إذا كانت متحجبة لابُدَّ تُمدح ويثنى عليها. تارة يقول الإنسان هذه العبارات في موقع المدح والثناء فلا يوجد إشكال. أما إذا كان في موقع الامتهان والسخرية والتنقيص فما يعني أن تقول عن شخص "تربة مسجد"! نعم تربة المسجد خير من تربة ملهى. أن اتخذ طريق السخرية منهم هذا يخالف الدين فعندنا روايات أن حرمة المؤمن أشد من حرمة الكعبة. روايات كثيرة في هذا، الكعبة قلنا ما يجوز تنجيسها ولا يجوز الطواف بها إلا بطهارة ولا يجوز الدخول إلى حرمها إلا بإحرام وعمرة. إذا كانت الكعبة بهذا الشكل كرامتها فالحديث يقول لنا انتبهوا إن المؤمن أعز من الكعبة وأشرف منها وأكثر قداسة. فلتلاحظ مثلاً في زيارة الناحية جملة الجرائم التي ارتكبها بنو أمية في أبي عبدالله الحسين -عليه السلام- أنه هتكت حرمته، حرمة الحسين هتكت، قداسته انتهكت. لم يُحترم هذا الإمام العظيم ولم يحفظ رسول الله في ولده وفي عترته وفي ذريته وهتك الحرمة للإمام أعظم المحرمات. هتك كل حرمة لمؤمن وإن كان بدرجة أدنى أيضا حرام. فليجتنب الإنسان هتك حرمة المؤمنين. ولتجتنب الإنسانة هتك حرمة المؤمنات. بالتعليق الساخر، بالاستهزاء، بالكلام الباطل هذا كله يُعاقب عليه الإنسان. وبنفس المقدار يسلب التوفيق والإيمان. الإيمان عبارة عن التزام بمجموعة من الأحكام والعقائد فإذا أنا صرت معتدٍ عليك ساخر منك متهكم عليك مغتاب لك كل واحدة هذي تنقص جزءاً من إيماني. في ذاك الوقت الإيمان كله ينقص، والله سبحانه وتعالى يأمرنا وأحكام الدين ترشدنا إلى تقديس المقدسات. سواءً كانت ذوات كالنبي والإمام أو ذوات مقدسة كالباري سبحانه وتعالى أو أشخاص غير معصومين كالمؤمن والمؤمنة. لأجل ذلك شُرعت تشريعات وعقوبات فالغيبة والنميمة وإشاعة الفاحشة كلها أمور غير جائزة من الناحية الشرعية عندما يقول الإنسان اهدنا الصراط المستقيم. ينبغي أن يؤكد موقعه أنه هو بإذن الله على الصراط المستقيم ويؤكد موقفه على ذلك بالقول والفعل.
مرات العرض: 3417
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 61440.42 KB
تشغيل:

10 خلاصة المحاضرات + المقتل الشريف
12 هذه زينب!