هكذا يسرقون إيمان شبابنا 3
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 4/1/1444 هـ
تعريف:

هكذا يسرقون إيمان شبابنا 2!

كتابة الأخت الفاضلة اسراء

قال الله تعالى (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً ۖ فَلَا تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ) -٨٩، النساء.

 كيف يسرقون الإيمان من شبابنا؟

السرقة متقومة بشيء من المغافلة والمخاتلة، لا يعلن السارق عن نيته في السرقة وإنما يغافلك ويخدعك ويأتي من حيث لا تتوقع فيسرق ثروتك. هذا قانون السرقة فيما يرتبط بالأمور المادية، وهكذا هو الحال أيضًا فيما يتعلق بالأمور الدينية، لا يأتي السارق فيقول لك: "أنا أريد أن أخرجك من الدين فهيا اخرج معي"، لن يقول لك "اترك الصلاة، اترك التقليد، إنّ تقليد المرجعية فاسد وباطل"، لن يقول لك "اترك القرآن"، وإنّما يأتيك من حيث لا تتوقع ولا تشعر. يرمي عليك فكرة هنا وفكرة هناك بحيث تجتمع في فكرك وداخلك وتؤثر فيك من حيث لا تعلم، آنئذٍ يتبين لك أنه سرق منك كل إيمانك أو جزءً منه.

يذكرنا ذلك بما يُذكر من قصة أحدهم مع غلامه. خرج رجل في الأزمنة القديمة مع غلامه في سفر وهو يحمل المال، فقال السيد إلى غلامه أننا سنتناوب أحدنا ينام والآخر يحرس المال، تنبّه وكن واعيًا لئلا يسرق اللص أموالنا، وصار يستيقظ بين فترة وأخرى لكي يحذّر الغلام وينبهه ألا يغفل عن الأموال فيسرقها اللص. إلى أن صار الوقت قريبًا من الفجر فاستيقظ السيّد لكي ينام الغلام، وأخذ يسأله عن الأموال أهي آمنة؟ فسأل الغلام سيّده:

- ما هو اللص؟ ما شكله أصلًا؟ وما طريقته؟

فقال له السيّد: - إن اللص هو رجل مثله مثلنا إلا أنه يتسلل ويمد يده إلى الأموال ويسرقها

فقال الغلام: - إذًا هذا اللص جاء من بداية الليل وسرق كل ما عندنا!

هذا الغلام لم يكن يعرف شكل اللص ومواصفاته، ولكنّ اللص جاء وسرق كل شيء. أحيانًا في العقائد والأفكار تحصل نفس هذه القصة.. يسرقك المنحرف إيمانك دون أن تعرف شكله! فإذًا لا بد من الانتباه الدقيق لهذه الأفكار التي تشكل مادةً لسرقة إيمان الناس.

تتشابه عادةً طرق لصوص الإيمان، حيث أنهم لا يأتونك بشكل مباشر وإنّما يحاولون قص إيمانك وسرقته من الأطراف. كأن يقول: "المرجعية الدينية كلامهم ليس وحيًا منزل"، وقد يحاول أن يعبر عنه بطرق ملتوية لتتبين عند السامع أنها علمية فيقول: "الدين شيء، والمعرفة الدينية شيء آخر. فالفقيه لا يملك الدين، بل يملك المعرفة الدينية فقط. فالدين حق، لكن المعرفة الدينية ليست مقدسة. والدين هو القرآن والحديث، لكن فتوى الفقيه ليست دينًا وإنّما معرفة، انطباع، اجتهاد، استخلاص، وهذه لا قداسة لها، وإنما القداسة للقرآن والحديث فقط"

وهذا كلام باطل وسرقة! فاقبض على السارق.

نرد على هؤلاء بأن المعرفة الدينية التي يملكها الفقيه حجةٌ شرعية ملزمة تختلف عن قراءتك للقرآن. ونعم هي مُقدسة، بعدما أُمر باتباعها. وهي لازمة، بعدما صار الفقيه والمرجع ممن ينطبق عليهم "فللعوام أن يقلدوه"، و"فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله". فهي مقدسة وملزمةٌ شرعًا وواجبةُ الاتباع.

قولهم بأن "هذا مفكر وهذا مرجع هذا يعرف الدين وهذا يعرف الدين"، هو قولٌ باطل. الذي يستنبطه الفقيه والمرجع الذي ينطبق عليه ما ذكرنا من العناوين فإنما هذا بإمضاء المعصومين يكون واجب الاتباع، بخلاف ما يستنبطه مفكر من المفكرين أو خطيب من الخطباء، أو حتى عالم عالي المكانة لكنه لم يصل إلى مرتبة الفقاهة. انتبه أن يُسرق منك إيمانك بالتشبيه عليه، فهي فكرة خاطئة مخالفة لما جاء عن آل محمد.

وقد يأتي السارق من طريق آخر، كأن يقول: "المراجع ليسو معصومون، عندهم إشكالات وتجاوزات، أبناؤُهم كذا، أموالهم كذا.." والغرض لكي يضرب الأساس عندك، لأنه طالما أن المراجع -بزعمه- عندهم أخطاء وتجاوزات، فمن الممكن ألا يتبعهم الإنسان. لن يقول لك بشكل واضح أن المرجعية الدينية ساقطة ويجب أن تسقط، ولكن النتيجة التي يريد الوصول إليها تنتهي إلى نفس الأمر.

فيجب عليك أن تتنبه وتوقفه عند حده وتناقشه فكرةً بفكرة. فقضية العصمة ليست شرطًا في المرجعية، وإنما في الأساس المرجعية شُرّعت لغياب المعصومين. المرجع يجب أن يقترن فيه العلم والورع، وهو أقصى درجات التقوى بألا يتعمد الخطأ والمعصية والانحراف. فلو فرضنا أنه في الأثناء أخطأ خطأً علميًا، فيجب على المؤمنين من العلماء أن يقوّموا خطأه. وإن كان خطأً عمليًا -لا سمح الله- فيقومون بواجبهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولكن لا يمكن جرّ القضية إلى أنه ما دام غير معصومًا ويمكن أن يخطئ فلا نتبعه!

قد يأتي السارق بطريق آخر، فبدل أن يقول "الأئمة غير معصومون"، يقول لك بكلماتٍ لطيفة ليستحسنها السامع بينما يدس أفكاره المنحرفة فيها كأن يقول "الاثنا عشر الذين أتو بعد النبي هؤلاء أمثلة عالية في العلم، علماءٌ أبرارٌ فقهاءٌ ورعون، قدموا النموذج الأسمى للفقيه. لكن قضية العصمة يجب النقاش فيها، وفي علمهم بالغيب هنالك رواية كذائية تقول أن جارية أحد المعصومين خرجت ولم يعثر عليها أو ما شابه ذلك". تنبّه! إنّ هذا سارق.. مثله مثل الذي أتى من أول الليل إلى الغلام وسرق الأموال ومشى من حيث لا يعلم. فنرد عليه بأن نقول: تم تأسيس الأمر في العقائد بأن الأمر الداعيَ إلى عصمة النبي هو نفسه الأمر الداعي إلى عصمة الإمام والوصي، وإلا لأضل الناس. فالعصمة شيءٌ ثابت. والرد على المدعين بتلك الروايات بأنهم تركوا أجزاءً بها مئات الروايات في علمهم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، بمختلف التعابير. الإمام الصادق عليه السلام قال وهو ساجد "اللهم يا من خصّنا بالكرامة وأكرمنا بالشفاعة ورزقنا علم ما مضى وعلم ما يكون إلى يوم القيامة". هذا الكلام يُخالف ما تم نقله عن المعصومين، فنرمي بالرواية المفترية على الأئمة أنهم لا يعلمون الغيب بعرض الحائط، لأنه تم تأسيس هذا الأصل في العقائد والقرآن وإثباته بمئات الروايات في العلم والعصمة العملية. فإذا كنت تعتقد بالروايات أتترك مئات الروايات في العصمة والعلم وتتمسك برواية واحدة؟

ولماذا تستعظمون هذا الأمر؟ يروى أنه جاء أحد المخالفين للإمام الجواد عليه السلام وهو في بغداد يمشي على نهر دجلة إلى منزله فقال له "يا أبا جعفر، أنت الذي تدعي شيعتك أنك تعلم ما في البحر هذا من سمك؟" فالتفت إليه الإمام الجواد عليه السلام وقال: "أيقدر الله أن يعطي ذلك إلى بعوضة أو لا يقدر؟" فقال "بلى يستطيع"، فقال الإمام "أتستكثر علي ما يعطيه الله إلى بعوضة من خلقه؟ إنّي أكرم على الله من بعوضة ومن أكثر خلقهِ". أمن التعقل أن نترك مثل هذه الروايات ونتمسك بروايات الله العالم بسندها والله العالم بدلالتها لكي ندحض هذه الأمور؟

يأتي إليك من طريق آخر فيحاول المساس بموضوع الروايات بقوله "أن الروايات أعدادها كثيرة! فلا بد أن يكون فيها إسرائيليات، روايات مكذوبة، أو روايات موضوعة، فإذا كان كذلك فالأفضل لنا أن نعتمد على القرآن"، بدل أن يقول "يجب علينا أن نرفض الروايات".

ظاهر هذا الكلام يبدو لطيفًا، فتقول أن القرآن الكريم لا يوجد شك في حرف من حروفه، أما الروايات ففيها نسب كثيرة مما رواه اليهود أو وضعه الوضاعون وألفه الكذابون، فالأفضل أن نترك هذه الروايات ونتبع القرآن فقط، فالقرآن ذاته يقول {إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِي هِىَ أَقْوَمُ} – 9، الإسراء. لاحظ أنه لن يقول لك أن تتركها، بل يقول أنه الأفضل أن نتبع القرآن وحده فقط. فانتبه والتفت!

نرد على أمثال هؤلاء بأن الروايات فيها غير الصحيح وغير الثابت، وفيها الثابت. وقد جهد علماؤنا أعلى الله كلمتهم وجزاهم الله خيرا، ولو أننا اطلعنا على بعض ما يعمله العلماء الكبار من التنقيب والتحقيق والتفتيش والتتبع لقبلنا تراب أقدامهم! آغا بزرك الطهراني رضوان الله عليه، وهو متتبعٌ فقط في الكتب وصل إلى نهاية عمره وظهرهُ مثل القوس من كثرة ما جلس على الكتب ونقّد ونقب وتحقق وتتبع. العلامة الأميني وأمثاله، الذين سافروا إلى كل مكتبة احتملوا فيها وجود رواية واحدة في كتاب من الكتب لكي يحصلوا عليها، وأحيانًا يسهر طول الليل لكي يحفظ روايةً لأن الطرف الآخر لا يريد أن يُخرج الكتاب. اقرأوا عن هذا الأمر! فعلمائنا منذ أن غاب الإمام الحجة عليه السلام اشتغلوا عليها بلا توقف خلال سنوات عمرهم كلها. بينما نحن نشتغل ونكسب معاشاتنا ونترفه وهؤلاء العلماء معتكفون في سراديبهم على الكتب والروايات وتتبع صحتها حين كان لا يوجد أجهزة يمكنها التسهيل عليهم بضغطة زر! فكتبوا علم الرجال وتتبعوا فيه علماء. كالمامقاني رضوان الله تعالى عليه عنده كتاب ضخم اسمهُ تنقيحُ المقال، تتبع فيه ثلاثين ألف اسم تتبع فيها كل شخص واسمهُ وضبط الاسم، ومعيشته وعمن أخذ ولمن روى وعمن روى ومنزلته وإلى آخرهِ. معجم رجال الحديث يحتوي 16 ألف رجل وأمثاله. فأنتَ المتكلم صحيح أنك لا تعرف الثابت وغير الثابت، لكن علمائنا الفقهاء الأبرار الذين صرفوا كل عمرهم وجهدهم في البحث والتنقيح يعرفون ذلك بشكل جيد، فيبحثون الرواية بحثًا سنديًا ثم يبحثونها بحثًا دلاليًا، ثم يقيسونها إلى أشباهها ونظائرها، ثم يوفقون بينها وبين معارضاتها. فالمسألة ليست مسألة أفكار إنسان عادي يكتب مقالًا وينشره، بل ورائها عشرات من السنين من البحث والنقد والتحقيق!

نعم الظالمون والخائنون وضعوا روايات مكذوبة، ولكن عندنا علم الرجال وعلم الدراية وهذه الكتب التي صفّت تلك الأكاذيب وأبقت فقط الأحاديث الصحيحة المعتبرة والتي تعتبر حُجة على الناس وبينت تفصيلات وتشريعات دينهم. فالدعوى بأن الأحاديث بعضها مكذوبة ويجب علينا ان نتخلى عنها كلها دعوى باطلة، لأن نفس القرآن يقول {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} – 7، الحشر. فلا تنخدع بهذا السارق لأن اتباع قوله بأن نترك الأحاديث هو مخالفة للقرآن، حيث أن القرآن يقول خُذوا الأوامر من أحاديث النبي ونحن نقول لا لا نأخذها!، وأيضًا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وسائر الروايات عن بقية المعصومين والأئمة.

طريقة أخرى بأن يقول لصوص الإيمان: "القرآن وحي من الله جاء به النبي، لكن هذا القرآن كان ناظرًا إلى البيئة الاجتماعية التي عاش فيها رسول الله، فتشريعاته لابد أن تتأثر ببيئة الناقة والجبل والصحراء وقطع اليد والحجاب. أما الآن فالوضع مختلف، فنستطيع أن نتخلى عن بعض الأحكام ونبتكر ونكتشف أحكامًا جديدة بعقلنا، كما قال الله {أفلا يعقلون} – 68، يس. فدعونا نتعقّل ونبتكر نظام جنائي بعقولنا وتفكيرنا!"

معنى ذلك القول أن القرآن تاريخ وليس كتاب الله الدائم الباقي والشريعة الخاتمة إلى يوم يبعثون! والواقع أنه لا يوجد شيء يهدي إلى الحق والحياة الكريمة إلا كان منبعثًا من نص القرآن وروح هذا القرآن وتشريعه {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} – 9، الإسراء. وليس فكرك أنت وعقلك أنت! والكثير من هؤلاء يتجنب الخوض في الأحاديث لأنها تحتاج إلى وقت وجهد، وإنما يفتح المصحف الشريف ويقول آراءه وتفسيراته الخاصة! مثل ان يقول أحدهم: "كيف يكون الكلب نجس؟ الكلب ليس نجسًا لأن الله قال في القرآن {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} – 18، الكهف." وهو في الأساس بعيد البعد عن الربط بموضوع النجاسة! أيمكنك أن تقول أنه يجوز أكل الكلاب؟ لأنه لا يوجد في القرآن نصًا بتحريم أكل الكلاب. وفي المقابل، يوجد لدينا الكثير من الروايات المعتبرة عند السنة والشيعة بنجاسة الكلاب. عن الإمام الصادق: إن الله لم يخلق خلقًا أنجس من الكلب. فباقي النجاسات يغسل الإناء منها مرة أو مرتين، ولكن الكلب إذا ولغ لسانه في الإناء فيغسل سبع مرات آخرها بالتراب عند العامّة، وعندنا بعض الروايات قولين إما سبع مرات أو ثلاث مرات.

أيها الإخوة والأخوات، نحن نتعرض لسرقة في إيماننا، سرقة خفية من داخل المجتمع المسلم من بعض الأشخاص من غير المتخصصين الذين يأتون من الأطراف ليقصوها. المسجد حصن لك والحسينية ضمان لك، الموكب يحميك، صلاة الجماعة تصونك، الحديث الديني ضرورة من الضرورات. هناك من يسرقك ويغافلك. فاللبؤة عندما تريد أن تصطاد فإنها لا تأتي من الوسط، وإنما ترى الغزال المتأخر عن جماعته وتهجم عليه. لأنها لو هجمت عليه من النصف قد تنتهي حياتها. فهذا المفترس لا يأتي لك وأنت ملتصق بالأوساط الدينية، بل يأتيك وأنت منفرد. فإن الشاردة للذئب، فلا تكونوا من الشوارد والمنعزلين والمنفردين.


مرات العرض: 3416
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 58136.67 KB
تشغيل:

كيف أسس الإمام الصادق قضية الحسين اجتماعيا 2
شذوذ المثلية حرب ضد الله 4