القضية الحسينية باقية..لماذا؟
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 1/1/1444 هـ
تعريف:

1/ القضية الحسينية باقية.. لماذا؟

  كتابة الفاضلة أمجاد عبد العال

من كلام لسيدتنا ومولاتنا زينب بنت علي أمير المؤمنين، صلوات الله عليهما، قالت مخاطبة إمامها وإمامنا علي بن الحسين: "وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة على محوه" أي محو قبر الحسين، "على محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهورا وأمره إلا علوا" صدقت سيدتنا ومولاتنا العقيلة زينب، صلوات الله وسلامه عليها. 

حديثنا هذه الليلة بعنوان، القضية الحسينية باقية.. لماذا؟ ينبعث هذا السؤال في بداية كل عام هجري بشكل أساس، حيث تنقلب دنيا الإسلام، بل كل الدنيا، بحدود، فإنك لا تجد مجتمعا فيه أتباع أهل البيت (ع)، إلا وستتغير أنماط حياتهم بدءا من هذه الليلة إلى عشرة أيام على الأقل، إذا لم يكن أكثر تجد هذه المجاميع الهائلة من البشر، الأموال التي تبذل وتنفق بسخاء وصدق وتجد هذه الأوقات العظيمة التي تبذل فيما يرتبط بإحياء القضية الحسينية بل في الحياة منها. أشرنا في وقت سابق أننا نقول تجاوزا: نحن نحيي القضية الحسينية، والحقيقة القضية الحسينية هي التي تحيينا، نحن لولا الحسين لسنا أحياء في إيماننا بمقدار ما نتعرض لنوره. فالعالم الذي يتبع أهل البيت (ع)، على أقل التقدير، ثلث المسلمين، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير في كل الدنيا. تأتينا أخبار من هنا وهناك، أحيانا عشرة أشخاص في قرية ما، نائية، فوق الجبال، ينسون كل شيء، ولكن لا ينسون قضية الحسين وأيام الحسين (ع). 

هذا الأمر هو أمر عجيب، لماا؟ لأن الحرب التي شنت على الحسين (ع)، في زمانه وبعد زمانه، على اسمه وعلى فكره، على شخصه وشعائره، على وجوده وقبره، وهي مستمرة إلى أيامنا هذه، هذه الحرب المتعددة الأشكال، القاسية، بأقسى الدرجات، كانت ضمن الظروف الاعتيادية تنهي أي ذكر أو أثر في هذا الجانب. منذ أن استشهد الإمام الحسين (ع) بدأت الحرب من داخل بلاد المسلمين فضلا عن خارجها. من خارج بلاد المسلمين، واضح، لماذا هم يحاربون؟ بل من داخل بلاد المسلمين، الاتجاه الرسمي الحاكم في الأمة من زمان بني أمية وإلى العصور المتأخرة، أخذ على عاتقه الحرب مع الحسين (ع) بشكل أو آخر، بدرجة أو درجة أخرى.

أيام بني أمية، في هذا الحديث الذي ذكرناه وسنرجع إليه بعد قليل، لكي نشرح فيه بعض التفاصيل المهمة، هذا حديث الإمام زين العابدين (ع)، يحدث فيه أحد أصحابه، واسمه زائدة، وينقل قصة طويلة، إلى أن يصل إلى يوم عاشوراء، وحديث زينب له (ع)، هو الإمام ينقله، من ذاك الزمان الإمام زين العابدين (ع)، يقوله لزائدة، "يا زائدة، علمت أنك تزور أبي الحسين، ولك مقام من سلطانك"، يعني أنت مقرب من الدولة، "وأنت تعلم أن السلطان لا يرى محبتنا وتفضيلنا ولا يقبل منك ذلك فقال زائدة:  : "ما علي بسخط من سخط، ورضا من رضي، فإني أزور الحسين (ع) ابتغاء مرضاة الله ولو بلغ ما بلغ . فقال له الإمام زين العابدين (ع): "أبشر ثم أبشر ثم أبشر، ألا أحدثك بحديث من النخب المحزونة"، وظل يتكلم إله عن حديث مفصل في هذا الباب. يعني أنت تصور أنه في زمان الإمام زين العابدين (ع)،الإمام يقوله ترى هؤلاء الحاكمون لا يقبلون منك حتى الزيارة للحسين، تعرض نفسك إلى مخاطر، هذا زمان زين العابدين (ع)، تجي زمان العباسين: المنصور وماذا صنع، وهارون وماذا صنع، والمتوكل وماذا صنع! والحبل على الجرار. وهكذا فيما بعد. 

المختصر أنك ترى في التاريخ عدد تهديم، عدد المرات التي تعرض لها قبر الحسين (ع) للحرث والكرب والهدم والتدمير بشكل كلي في بعض الأحيان، أو بشكل جزئي في أحيان أخرى، إلى هذه العصور المتأخرة الآن لما تروح إلى العراق، بلغكم الله وإيانا زيارة قبر الحسين والأئمة، تجد آثار الرصاص محتفظين فيها، كمتحف. 

الاتجاه الرسمي، الحكام أولئك، لم يبنوا بلاطة واحدة في قبر الحسين وقد هدموا ما هدموا، وعموا على قبره وأخفوا فضائله وحاربوا زواره، وقطعوا عنهم الطريق، ووو، إلى غير ذلك. كان من ضمن هذه الظروف الاعتيادية، يفترض أنه هذه القضية تنتهي، لكننا نجد أن الأمر معكوس تماما. من أبلغ الصور التي ربما رأيتموها، صورتان، صورة تمثل الحسين (ع) في يوم العاشر وحيدا ينادي: ألا هل من ناصر؟ وهو في موقع ما بين الحرمين الآن. وصورة أخرى: صورة الأربعين التي لا تحصى الأعداد، ولا يمكن التصوير إلى بطائرات درونز، طيب، لهذا العدد موج من البشر، شنو هذي القضية، هي ما تحدثت عنه في أوله العقيلة زينب، ونتيجته

 قالت، في هذا الحديث الذي ذكرناه، وقد نقله الشيخ جعفر بن محمد بن قولويه، تلميذ الشيخ الكليني ثقة الإسلام، وأستاذ الشيخ المفيد، توفي ابن قولويه سنة 368 هجرية،   تعرف منزلة الشخص إما بأساتذته، وإما بتلاميذه، هذا جمع الطرفين. كتابه اسمه: كامل الزيارات، مطبوع، وهو  معتبر ومعتمد عن علمائنا أشد الاعتبار، إلى درجة أن بعض فقهائنا وعلمائنا اعتبروا أن كل من ورد اسمه في هذا الكتاب: ثقة وصادق ويؤخذ الكلام والقول منه، كل من ورد اسمه، آلاف الأشخاص. طيب، فهذا ابن قولويه، القمي، رضوان الله تعالى عليه، ينقل هذا الحديث: أن زائدة دخل على الإمام زين العابدين، الإمام زين العابدين كما ذكرنا لكم، قال له: كذا وكذا، فرد عليه زائدة، أنه أنا أروح، لا أبالي بسخط من سخط ولا رضا من رضا، فقله: أنا أحدثك بحديث، إلى أن يجي إلى لما استشهد الحسين (ع) في يوم العاشر من المحرم، ضجت السماوات حزنا على الحسين (ع)، ضجت الملائكة ببكائها، ولما رأيت أهلي، ولما رأيت سيدي وأهلي وبني عمومتي وأصحاب أبي مجزرين على الرمضاء كادت نفسي تخرج من الألم والحسرة، فقالت لي عمتي زينب، التفت ليي، وقالت: "يا بن أخي ما لي أراك تجود بنفسك يا بقية الماضين"، قال: "كيف لا أصنع ذلك وأنا أرى جثة أبي وأخوتي وأبناء عمومتي مجزرين على الرمضاء". شلون ما يصير بي هذا، فقالت لي: "يا ابن أخي لا تبتئس"، ثم قالت: "وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة"، أولا لاحظوا هذا التعبير: "ليجتهدن"، الاجتهاد هو: بلوغ أقصى غاية الجهد في العمل، تقول إنسان، اجتهد في البناء، يعني بذل، كل جهده، بلغ أقصى درجات الجهد العلمي، هؤلاء يجتهدون، في محو وتطميس أمر الحسين. من هم أولئك: "أئمة الكفر"،: "أشياع الضلالة"، يعني: الحاكمون والقادة يعملون باجتهاد على محو هذا الأثر، وأيضا أشياعهم، أشياع الضلالة، الجماهير، الغوغاء، الأتباع.

الآن تفضل، ظهور أمر الحسين (ع)، إلى أي مقدار؟ في أي مكان؟ ما من بقعة في الدنيا يوجد فيها أتباع لآل محمد إلا وفيها راية للحسين، وعلم للحسين، وذكر للحسين، وقلب ينبض بالولاء له، وفكر يضيء لتابعيه. مع كل هذا الجهد من أئمة الكفر وأشياع الضلالة، بس أثره ظاهر، أمره مستمر وباق. ما هو السبب في ذلك. 

عدة أسباب نستطيع أن نرصدها بمقدار ما نفهم، وإلا هناك كثير من القضايا نحن لا نستطيع الوصول إليها، لكن بمقدار ما نفهم هذه الأمور. 

الأمر الأول: الجانب الإلهي الغيبي. الله سبحانه وتعالى أخذ على نفسه عهودا وأخبر عنها، قال: (ولينصرن الله من ينصره)، الله سبحانه وتعالى لا يكذب في إخباراته، ما دام قال: ينصر، والجملة فيها تأكيدات، يقول علماء اللغة: اللام للتأكيد، الفعل المضارع في صيغة الاستمرار وهي أيضا تفيد التأكيد، النون المؤكدة (ولينصرنَّ) أيضا هي. في كلمة واحدة ثلاثة تأكيدات، (ولينصرن الله من ينصره)، ما فيها بعد مجال للتخلف هذه. الله صادق في مواعيده، وقد وعد بوعد مؤكد أنه ينصر من ينصره، ومن أولى بالنصرة من الحسين (ع)، الله أخذ على نفسه هذا العهد. 

الأمر الآخر، ولنسمه الجانب الموضوعي. ماذا يعني الجانب الموضوعي؟ بعض الأشياء فيها قابلية للاستمرار. وهناك أشياء أخرى لا قابلية لها للاستمرار، فهناك شجرة قابليتها للاستمرار ستة أشهر ثم تموت وهناك شجرة أخرى قد تستمر 100 سنة. 

 في العقائد والأفكار الأمر هكذا أيضا. فقد تجد بعض الديانات انتهت دون أن يعاديها أحد، وهناك أديان، كدين النبي محمد فيه قابلية للاستمرار إلى يوم القيامة،.

وكذلك ما نعتقد في مذهب أئمة الهدى (ع). التشيع: الإمامية، فمع هذه الحرب المعلنة عليه والمستمرة الدائمة،لا يزال في أشد عنفوانه وشبابه وتحفزه وتوثبه لهذا السبب.

وقضية الإمام الحسين (ع) تمتلك هذا الأمر فإن فيها من الشمول للقيم، والقابلية لنفع البشر الكثير فكما يؤثر صمود الحسين (ع)، على التوابين في زمانه ، يؤثر على المؤمنين في هذا الزمان. ولا تزال تضحياته مع كل ما كتب عنها وهو مئات الآلاف من الصفحات بكرا لم تستنفد دروسها. 

الأمر الثالث: ما يرتبط بأتباع الحسين، بمعنى أنهم يعتبرون القضية الحسينية وشعائرها وما يرتبط بها جزءا من الدين، وما يرتبط بالدين لا يمكن القضاء عليه. إن الذين يتصورون بأنهم عندما يفرضون الغرامات المادية، كما في زمان المتوكل أو غيره، سيمنعون الناس عن الزيارة هم واهمون، فقد يبيع المؤمن نصف ثروته من أجل الوصول لقبره الشريف .

هذه قضية الدين هكذا، ومن يتصور بأنه يستطيع ذلك بمقدار من الضغط، أو هو لا يفهم التاريخ أبدا، ولا يفهم الجغرافيا، ولا يفهم الدين، ولا يفهم المجتمع.

لقد كان البعض في بلاد كثيرة، يقومون بالعزاء في سراديب، كانوا يقومون بشعائرهم في ظروف بالغة الصعوبة، ولكن لم يتخلوا عن الحسين (ع).قد تستطيع أن تمنع المظاهر لكن لن تمنع نبضة القلب ولا  دمعة العين، ولا العطاء المادي، ولا الإحساس الداخلي، أبدا. 

رأينا في العراق، كيف كانت شدة الضغط، فلما زال ذلك الكابوس، وإذا بالأمم تمشي مئات الكيلومترات أحيانا من أجل الحسين (ع). هنا ينبغي أن نشيد حقيقة بكل عمل يقوم المؤمنون في القضية الحسينية، حضورك في المأتم عمل جيد، طيب، تثاب عليه، نصر للحسين. لبسك السواد، أيضا كذلك، عزاؤك كذلك، دمعتك كذلك، موكبك كذلك، إطعامك كذلك، رداتك ورواديدك كذلك، كل الأعمال التي يقام بها من أجل الحسين، هي أعمال مبرورة مشكورة، ينبغي أن نقدرها وأن نشيد بها. وهاي هي من أسباب بقاء هذه النهضة الحسينية. اللي تقدر عليه، تقدر تكتب سطر واحد هذا عمل مقدر، تقدر تحضر 5 دقائق في مأتم، عمل مقدر، وهكذا سائر الأمور، إلى أن تبني حسينية، تقيم مأتم، تبث الفكر، كل شيء يرتبط بالحسين (ع) مقدر ومحمود وهو من أسباب بقاء هذه النهضة الحسينية.

آخر الأمر وأنهي به: خصائص الحسين (ع) التي جعلت له من الله عز وجل وأخبر عنها نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله

وهنا لا بد من التفريق بين الخصائص والأفضلية، فمن خصائص الحسين (ع) أن النبي أمر بإقامة المأتم عليه، وأقام عليه المأتم، قبل وقوع شهادته، بنحو نصف قرن من الزمان..

الإمام الحسن والحسين، سبطان. لكن من خصائص الحسين أن الله جعل الأئمة في ذريته، وجعل الشفاء في تربته، وجعل استجابة الدعاء تحت قبته، وفي الروايات عندنا، أن الإمام الحسين (ع) بكاه الأنبياء.  


مرات العرض: 3421
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 50511.17 KB
تشغيل:

الملا علي بن فايز وشعره الرثائي الحسيني
كيف أسس الإمام الصادق قضية الحسين اجتماعيا 2