دور الأئمة في حفظ الدين والشريعة 16
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 19/9/1443 هـ
تعريف:

16/ دور الأئمة في حفظ الدين والشريعة

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

    قال سيدنا ومولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ( انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فإن نهضوا فانهضوا وإن لبدوا فالبدوا فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدخلوكم في ردى ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم )

   بعد أن تحدثنا عن شيء من دور الأئمة عليهم السلام في حفظ وحدة الأمة وكيانها وبقائها نتحدث عن بعض اللمحات في دور أئمة أهل البيت عليهم السلام في حفظ الدين والشريعة في الأمة ونعتقد أن هذا الدور هو أهم الأدوار التي اضطلع بها أئمة أهل البيت والتي جُهزوا أساسا لها فإن تزويدهم بالعلم الإلهي الشامل والدقيق لكل ما يرتبط بشريعة الإسلام من عقائد وأحكام ومعارف أصل هذا التزويد والانتخاب والحديث الطويل الذي ذكرناه عند الحديث عن علمهم ومصادر هذا العلم كل هذا الأمر كان الغرض منه المحافظة عل الشريعة وعلى الدين غضًا صحيحًا لا يؤثر فيه تحريف المبطلين ولا أخطاء الجاهلين . وهذا مفاد روايات كثيرة منها ما ورد عن رسول الله (ص) من أن له خلفًا في كل جيلٍ ينفون عن الدين تحريف المبطلين وأقوال الغالين وآراء الجاهلين وهذا هو الأساس ، يعني أن الغرض الأقصى من اصطفاء الأئمة المعصومين عليهم السلام للإمامة ثم تزويدهم بذلك العلم المهمة الأساسية هي الحفاظ على الشريعة وبيان أحكامها وتوضيح أبعادها كي تبقى المنهاج والبرنامج لكل مسلم إلى يوم القيامة وهذا نفسه مفاد حديث الثقلين ( إني تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) فأنا النبي لو كانت سنة الحياة أن أبقى إلى الأبد كنت أصنع هذا ، ما إن تمسكتم بي واتبعتموني لا تضلون . وهذه السنة غير ممكنة فسنة الحياة ( إنك ميتٌ وإنهم ميتون ) غالبةٌ على كل سنة أخرى فلا يوجد ضمانٌ لبقاء الشريعة صافية صحيحةً من غير تحريفٍ ومن غير زيادةٍ ولا نقيصةٍ لا يوجد ضمان إلا بأن أترك لكم هذين الثقلين المتعادلين : كتاب الله والعترة فبهما معًا يتأدى نفس الغرض الذي لو كنت موجودًا وباقيًا على قيد الحياة . نفس الشيء يتأدى هذا فهم حملة علمي وهم ورثة معارفي وبالتالي ما عندي سيؤدوه إليكم وهذه هي الغاية القصوى والغرض الأساس لأئمة الهدى صلوات الله عليهم .       ومن هنا سيتضح أن نفس وجود المعصومين عليهم السلام وتبليغهم الأحكام بأي مستوً من المستويات سواءً كانوا على سدة الخلافة والحكم كما كان زمان أمير المؤمنين عليه السلام أو كانوا محكومين ، بنفس ذلك المقدار الذي يستطيعون أداء علم رسول الله وتفسير أحكام الله وتبيين حدود الله عز وجل نفس وجودهم هذا هو بركةٌ وخيرٌ وفيه يترتب الغرض الأساس . 

     ولهذا نحن لا نربط بين إمامة الإمام وبين خلافته الظاهرية وحكمه الخارجي ، وأيضًا سيصار إلى ذكر فكرة مفتاحية وهي أنه من الفروق بين الأئمة الهادين عليهم السلام وبين الحاكمين في أزمنتهم في زمان بني أمية وبني العباس ، أولئك أيضًا يقيمون صلاة الجمعة وفي الأعياد وما شابه ذلك ، الفرق كبير غير الفرق في مصدر وحجم العلم هناك جهة أخرى في الأولويات ، فالحاكم المسلم في ذلك الزمان غير المعصوم أولويته إدارة البلاد وأن يغزو الدول الأخرى أو أن يدفع من يغزوه أو أن يقضي على مخالفيه ومعارضيه وبالنسبة إليه فالأحكام الشرعية تأتي في المرتبة الثانية . أين يظهر هذا ؟ 

   يظهر في أنه لو أمكن إدارة البلاد من دون التشدد والتقيد في كل الأحكام الشرعية ، فبالنسبة للحاكم الأمر طبيعي ولا مشكلة عنده أن يلغي حكمًا أو أن يؤخر حكمًا وشيءٌ ثبت عن رسول الله (ص) لا مانع أن أحرمه وأعاقب من بقوم وبه . وعادي أن يقول ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ، هذا ضمن منطق الدولة الذي كان سائدًا كان هذا جدًا طبيعي لأن هذا ليس غرضه لأن هذا أمر ديني بينك وبين ربك ، تقلد من ؟ وتصلي بأي طريقة مسبل أو متكتف ؟ هذا بالنسبة لي أنا الحاكم المسلم في زمان بني أمية أو زمان بني العباس لا يهمني في قليلٍ أو كثير ، إنما ما يهمني هو أني على رأس هذه الدولة وأن أمورها تسير بشكل طبيعي فإذا ما صار هذا الأمر تقع الحرب حتى لو قتلت فيها نفوس وذهبت دماء فلا مشكلة . فآلاف وعشرات الآلاف يذهبون في هذه المعارك لا مشكلة وأموال تصرف  وجيوش تجيش وقد تنتهي إلى قتل أخيه كما حصل مع المأمون والأمين ولو ظفر الأمين بالمأمون لفعل نفس الفعل وتنتهي أنه فيما بينهم يتآمرون ليقتلوا بعضهم كما حصل مع الرشيد والهادي ، فالاغتيالات جدًا طبيعية ومن يخالفهم حتى لو كان إمام زمانهم وخليفة رسول الله الحقيقي ووارث علمه يقتله سمًا أو بأي طريقة من الطرق لأن الأولوية عند هذا الحاكم هي ثبات هذه الدولة وثباته هو عليها . وبالنسبة إلى الإمام ليس كذلك وإنما حقيقةً يقول أمير المؤمنين وليس على سبيل المجاملة ( وإنما هي متاع أيامًا قلائل ) وذكرنا آنفًا النص الذي قال ( فلما رأيت راجعة المسلمين قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمٍد خشيت أن يكون في الإسلام ثلمٌ تكون فوات عمرتكم أهون علي وإنما هي متاع أيام ) وبالنسبة له حقيقةً هي عفطة عنز وبالنسبة على الإمام الصادق عندما يأتي إليه في أوائل انتصار الحركة المعارضة لبني أمية وجاءه أكثر من واحد وأرسل إليه من قبل أبو مسلم الخراساني بأن يستلم الحكم فقال : ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني . لأن الدولة والحكم له مسار إما أن تمشي بمساره أو تتأخر . كما حدث للإمام علي عليه السلام الذي قالوا له أن ابن ملجم يتهددك ويبيت الغدر فالرأي أن تعتقله وأن تجري عليه ما ينبغي له . فقال كيف أصنع بشخصٍ لم يرتكب جرمًا ، هل العقوبة قبل الجناية ؟ بينما جماعة أخرى يقولون : من اتهمتموه . فقد صدر قانون بعد صلح الحسن بمدة ( من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فاقطعوا عطاءه ورزقه واهدموا داره وامحوا اسمه من الديوان ) 

   فنفس وجود أئمة الهدى عليهم السلام كان حافظًا عن التحريف فضلًا عن ممارستهم للتبليغ لأنه عندما وجد أئمة أهل البيت في كل عصرٍ من العصور كان الناس يعلمون بأن هناك في كل المسائل قولين من تجسيم الله إلى شخصية النبي (ص) إلى قضية العدل الإلهي إلى الأحكام الفقهية والشرعية كالصلاة والصوم والحج وغير ذلك كل هذه لها وجهتان وقولان أحدهما خاص بأئمة الهدى عليهم السلام والآخر محسوبًا على دولة الخلافة . وهذا يجيب على مسألة معينة 

ماذا لو لم يكن أهل البيت عليهم السلام في تاريخ المسلمين ؟ 

مختصر الإجابة : سيكون الإسلام بعقائده وأحكامه له نسخة واحدة وهي نسخة مزيفة وخاطئة وهي التي يقول عنها أمير المؤمنين ( لُبِس الإسلام لبس الفرو مقلوبًا ) فوجود أئمة الهدى صلوات الله عليهم قبل التبليغ وقبل البيان وقبل نشر الأحكام كان يشير إلى أن هناك رأيًا أخر وهو الرأي الصحيح حتى وإن كان إعلام الدولة أكبر وتبليغها في كل مكان وحتى وإن كان قول الإمام لا ينقل هنا وهناك لكن كان الناس يعلمون أن هناك قولًا آخر بل كانوا يعلمون أنه القول الصحيح .

   فيزيد وهو في عنجيته وأراد الحاضرون منه أن يسمح لعلي بن الحسين أن يتكلم وقالوا له : وما قدر ما يحسن هذا الغلام ؟ قال : إنه من أهل بيتٍ زُقُوا العلم زقًا . 

   هذا الاعتراف في أكثر الحاكمين لو لم نقل كل الحاكمين كان موجودًا ومن الممكن أن يعادوه وهذا مثل من يتأذى من الشمس كأن تكون لديه حساسية في جلده لكنه لا يستطيع أن يقول أن الشمس مظلمة أو أنها لا تضيء لكنه يقول أن الشمس مضيئة لكنني أتغطى عنها .

    هؤلاء كانوا يرون أن أئمة الهدى عليهم السلام الأكثر علمًا وقد جربوا ذلك بامتحانات متعددة وفي موارد مختلفة فتبين لهم حقيقة هذا الأمر .

فلولا أن أئمة الهدى عليهم السلام كانوا موجودين لكانت كل الأمة اليوم ترى أن الله جل شأنه وتعالى رجل طوله 60أو 70 متر وله أنف ويد ورجل وعين بل وتزوره وتتحدث معه . وهذا أبو مرة المحدث جاء للإمام الرضا عليه السلام وقال له : ما تقول في قول المسلمين أن الله يُرى في يوم القيامة ؟ فقال الإمام : لا يكون ذلك . فقال : أتكذب الرواية ؟ قال : بلى أكذب الرواية . قال : فإنا نروي أن المؤمنين يزورونه في يوم القيامة . قال : كل ذلك كذب ، والله ما قدرت الزنادقة على مثل هذا فإن رجلًا يقول للناس في كتابه ( يعني النبي ) لن تراني ويقول لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وقول ولا يحيطون به علمًا ثم يقول ( أنني ذهبت إليه ورأيته في المعراج وسترونه يوم القيامة ....) فإما القرآن كذب 

   أحد فقهاء هذه المدرسة كان يقول أنا رأيت الله في المنام سبعين مرة وحين سألوه هل يُرى الله يوم القيامة قال حتى في الدنيا وأنا رأيته في المنام 

   فلولا أئمة أهل البيت لكان مثل هذا الكلام الذي تراه مستبشعًا أنا وأنت كنا سنراه طبيعيًا لأن النسخة الوحيدة للإسلام في عقائده وفي أحكامه هي هذه . فبركات أهل البيت عليهعم السلام قالت أن هذا رأيٌ باطل ويخالف القرآن ويخالف قول الرسول وقام البرهان على فساده .

    خذ هذا من العقائد إلى المسائل الشرعية فأولوية أئمة الهدى عليهم السلام كانت بيان الدين وأحكامه سواء أخذ به الخلفاء أو لا يأخذوا به ، يسمعوا كلامهم أو لا يسمعونه فكأن لسان حال الإمام يقول أنني أحاول أن أوصل هذا النهج وهذا العلم الذي اصطفي هؤلاء من أجله والذي ورثوا الإمامة وعلمها من رسول الله لأجل بيانه ، قبل به الآخرون أم لم يقبلوا عليَ أن أبلغ هذا قدر الإمكان وأحاول إيصاله إلى أوسع مساحه وقد نجحوا صلوات الله وسلامه عليهم في إيجاد النموذج الآخر لمن أراد أن يتذكر أو أراد شكورًا .

    فاليوم أي إنسان يريد أن يتعرف على النسخة الحقيقية الصحيحة للإسلام يجدها عند آل محمد . وبهذا نجت الأمة مما وقعت فيه بنو إسرائيل ، فبنو إسرائيل صار عندهم أولًا كتمان للكتاب وللأحكام الدينية وثانيًا تحريف وثالثًا خلط الحق بالباطل . فكان عندهم حكام فسقة وكان هناك علماء تعاملوا معهم وباعوا دينهم ولم يبينوا الحقائق مع أنه أُخذ عليهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم . 

    ففي علماء اليهود والمسيحيين كان هناك خط كبير ممن تعاملوا مع السلطات وأدخلوا التحريف فيه . كفكرة أن المسيح ابن الله وعزير ابن الله جاءت من أين ؟ جاءت من وثنيات سابقة بعضهم ينسبها للبوذية وبعضهم ينسبها إلى الهندوسية وغير ذلك . فهؤلاء إما خوفًا وإما رغبةً ومصلحةً تعاملوا مع هذه الأفكار وبقيت في أممهم إلى يومنا هذا وما كان هناك نسخة أخرى تتصدى بحيث حاضر أن يقتل من أجل أن يبقى دين الله ورسالة رسول الله وأن يبين محض الحق لمن يتبعه . 

وهذا ما حدث في الأمة أن النبي عين الأئمة المعصومين عليهم السلام وهؤلاء اضطلعوا بالدور الكبير فعلًا . وبالفعل كل من يريد أن يتعرف على الإسلام سيقول أن هناك أكثر من نسخة ولا ريب أن النسخة التي كانت لدى أهل البيت في عقائدهم وفي أحكامهم ومعارفهم هي النسخة المطابقة لرسول الله (ص) .

   وأمير المؤمنين يقول في هذه الخطبة ( انظروا أهل بيت نبيكم ) نفس توجيه حديث الثقلين ( تمسكوا بهما ) الزموا سمتهم واتبعوا أثرهم ( ضع رجلك على رجلهم خطوة بخطوة ) فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدخلوكم في ضلال فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا )

إذن ماذا نفعل بالآراء والاجتهادات الموجودة قال ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) فأنت تابع ومأموم وبالقياس إلى الإمام لست عالمًا وإنما متعلمٌ منه .

   قسم من هذه الأمة قبل ذلك وقسم آخر لا . فنعيد إلى الذاكرة منطقان ومنهجان منهج الدولة والحكومات الأموية والعباسية وإلخ ومن السهل جدًا أن يأتي ويقول أنا أغير هذا الحكم إما لتنظيم اجتماعي أو لرأي سياسي . كالميراث مثلًا يأخذوا التعصيب فيه ومعنى التعصيب لو أن رجلًا توفي ولم يكن عنده إلا بنات فقسم تأخذه البنات والباقي يذهب إلى الأعمام . لأن هذا يدعم نظرية العباسيين في الخلافة . فمن أين استحق العباس خلافة النبي وقد قامت معركة من أجلها حتى أن أحدهم ويقال له مروان بن أنشد شعر من ستة أبيات أنه أبو البنات ليس فيها قدر قلامة من الميراث فأعطاه المتوكل العباسي ولاية دولة كاملة من أجل هذه الستة أبيات التي يثبت فيها أن وراثة النبي هي للعباس وليس لأبناء بنت رسول الله (ص) . وعلى هذا الأساس فليكن التغيير من البداية فما دامت الخلافة لا يرثها أبناء البنات كذلك في الميراث فغيروا نظام الميراث كله على أثر موضوع سياسي . وتتغير بعض الأحكام كأحكام المتعة ( متعتان في عهد رسول الله أحرمهما وأعاقب عليهما ) 

وأمير المؤمنين يقول : لو لا ما نهى عنه فلان من متعة النساء لما زنى إلا شقيٌ وفي رواية إلا شفي 

فالله تعالى شرع العلاقة الجنسية بضوابط معينة ففي زمان الجواري لأغراض معينة أو ما ملكت أيمانكم وفي غير ذلك الزمان وهو الأصل النكاح الدائم الذي يؤدي إلى تكوين الأسرة والاستقرار وهناك حالة مؤقتة معينة إما تقتضيها ظروف معينة إما دراسة واغتراب أو عمل واغتراب لعدة سنوات ولا يستطيع أن يؤسس أسرة دائمة ولا يستطيع أن يقمع شهوته فأوجد له حلًا شرعيًا فلا تكون صداقات ولا علاقات غير مشروعة ولا تعصِ الله عز وجل هناك طريق وهو الزواج المؤقت بشروطه وضمن ظروفه ، وهذا علاج مؤقت وليس دائم . وآخر قد تكون عنده ظروف اقتصادية فهذه الفترة إلى مدة معينة من الزمان لا يستطيع أن يقوم بنفقات أسرة كاملة فإما أن يقمع هذه الشهوة وهذا غير ممكن وإما يفتحها بالحرام ويعرض نفسه لغضب الله ، أو أن الشرع أوجد له طريقًا وهنا يأتي الحاكم ويقول هذا ممنوع ، فعلى أثر هذا التشريع ( لولا ما نهى عنه فلان من متعة النساء لما زنى إلا شقي ) لماذا شقي ؟ لأن الذي عنده طريق الحلال لإشباع شهواته ويتركه ويذهب للحرام فهذا بلا شك شقي . أو على قراءة أخرى لما زنى إلا شفيٌ يعني عدد قليل . فالآن على مستوى الأمة الإسلامية العلاقات غير المشروعة هل هي شفي هل هي قليلة ومحدودة للأسف الشديد كلا . لكن بالنسبة للحاكم هذا أمر طبيعي وهذا منطق دولة أما منطق الإمام فيقول هذا حكمٌ شرعيٌ والله أعلم حين يشرع وهو أخبر بالإنسان وحاجاته والله أغير على القيم والفضائل مني ومن غيري فإذا شرع شيئًا محللًا فما معنى أن أظهر غيرتي على هذا الموضوع فهل أنا أغير من الله عز وجل أم أكثر حرص على القيم والأخلاق منه ؟ لكن هذا منطق الدولة طبيعي .... ففي الحج من مكة إلى عرفات مسافة شرعية والحجاج أتوا من غير إقامة وفي حالة تنقل لكن الحاكم قرر أن يصلي الناس تمامًا . مع أن فيها مسافة شرعية وأكثر من ثمانية فراسخ ، على أنه كل الحجاج أو أغلبهم لا يقيمون في مكة لكن الحكومة والخلافة قررت هذا الأمر . وأمير المؤمنين عليه السلام أخذ معه جماعة من أصحابه وصلى قصرًا فقيل له في ذلك أن الخليفة منع ذلك . فقال : صلينا مع رسول الله قصرًا ونصليها قصرًا . ويمكن أغلب الحجاج ما صلوا مع أمير المؤمنين لكن هذا هو الحكم الشرعي الإلهي وهذا من ميراث رسول الله وهذه هي النسخة الأصلية للإسلام . فالأئمة عليهم السلام سعوا في هذا الأمر .وأحيانًا حتى نحن نعمل مثل هذه الأمور دون أن نشعر ، ففي ليلة العيد مثلًا كيف يكون هذا واحد يتغذى وواحد صائم ونحن تريد كلنا الخروج إلى المزرعة ونقعد على بساط واحد ونتغذى سوية ، ماذا يضر لو صار غدًا عند الجميع عيد . أو غدًا كلنا نصوم ؟ فأنت إما ملتزم بالحكم الشرعي أو ترى أن جلوسك مع أبناءك وبناتك على السفرة أهم ؟ مادام هناك حكم شرعي يقول حتى تراه وما رأيته ماذا تصنع ؟ وهذا من نفس المقاس فيقول هذه ضرورة اجتماعية وكيف نصوم وغيرنا نفطر ؟ لديك أمور أخرى بما لا ينتهي إلى هذا الأمر كأن يقطع مسافة ويفطر . لكن في يوم الصوم تفطر من غير قطع المسافة ليس صحيحًا . وهذا نفس الكلام الذي يقوله الحاكم .

    أولويتنا هي الحكم الشرعي كما يقول الإمام وبقية الأمور تأتي في الخلف أما أولوية مثل بني العباس أو الأمويين أوغيرهم هو هذا التنظيم السياسي أو الاجتماعي وهذا يفتح باب كبير في فهم ماذا كان يصنع الخلفاء ؟ فبالنسبة له أن يأتي بواحد بجنبه كلما احتاج لفتوى يعطيها إياه هذا أفضل بالنسبة له من أن يلتزم بمحض الحق وإن خالف هواه . مع قناعة بعض هؤلاء الحاكمين أن العلم الحقيقي هو عند أهل البيت عليهم السلام 

     المعتصم العباسي كان سيء العلاقة مع الإمام الجواد عليه السلام ومع ذلك يرى أن العلم الحقيقي هو عنده ( كما قلنا أنت لا تعجبك الشمس فطبيعة جسمك حارة لكن مع ذلك أنت تقر أن الشمس تنشر الضياء مع أنك لا ترتاح لها وتؤثر على جلدك ) ففي زمان المعتصم حوالي سن230  هـ اختلفوا في أمر القطع اليد من أين تقطع يده ؟ هل من الأصابع أو الكف أو من الذراع لأن القرآن يقول            ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) واختلف الحاضرون في ذلك فقال أحدهم أنا أعرف الجواب . قال : أين ؟ قال عند محمد بن علي بن موسى الجواد . فدعو الإمام ولما حضر ذكروا له الأمر . قال : اعفني يا أمير المؤمنين ( أكثر الأئمة خاطبوا حكام عصرهم بيا أمير المؤمنين مع أنهم لا يرون أمير المؤمنين إلا علي بن أبي طالب فقط حتى أنه غير مأذون لنا أن نقول الإمام الصادق أوغيره من الأئمة أمير المؤمنين . لكنهم يقولون ذلك لأنهم إن لم يخاطبوهم بذلك فذلك يعني إعلان الحرب على ذلك المتسلط فإن خاطبه باسمه فهذا يعني أنه لا يعترف له بالخلافة وبالتالي تحصل المواجهة ) قال : اعفني يا أمير المؤمنين . قال : لا أعفيك . قال : فقد قال القوم ما عندهم . قال : أردنا نعرف ما تقول فقد اختلفوا . قال : إذا كان كذلك فإن القطع يكون في هذه الأصابع الأربعة . قال : وما الدليل على ذلك ؟ قال : قول الله عز وجل ( وإن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدًا ) وهذا مما يسجد عليه فهو من المساجد . فقال : أحسنت وقبله . 

   ملاحظة هنا من وفاة الرسول إلى وقت المعتصم ما يقارب 220 سنة لم تتحدث سرقة ؟ ولو حدثت سرقة ألم يقم الحد فيها ؟ ولو أقيم الحد كيف أقيم الحد ؟ ولماذا اختلفوا ؟ هنا يحتاج الناس أن يتعرفوا على ما عند أهل البيت عليهم السلام والأئمة سلام الله عليهم على كل المستويات عملوا على أن يبينوا الرأي الأصلي الحقيقي والنسخة الأصلية للإسلام . فمثلًا في صفات الله وهل يمكن رؤية الله ؟ والنص القرآني يقول ( لا تدركه الأبصار ) (لا يحيطون به علمًا ) والنظر إلى شخصٍ أو إلى شيء هو إحاطةٌ بالنظر إليه . أما الروايات فحدث ولا حرج عن النبي وعن أهل البيت . 

     هذا على مستوى العقائد أما على مستوى الفقه والأحكام وغير ذلك فحتى الوضوء فالوضوء الثلاثي الغسلي الذي يلتزم به اليوم شطرٌ كبيرٌ من المسلمين فيلتزمون بغسل الرأس وشيء من الرقبة ومعه الأذن ويلتزمون بغسل القدمين بينما القرآن الكريم واضح ( وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ) من أين جاء الغسل . فالأمر بدأ من زمن الخليفة الثالث فقد تم تدشين هذه الطريقة والعمل عليها ونشرها وأئمة أهل البيت في الطرف المقابل كانوا يبينون خلاف ذلك وبعض الأصحاب كعبدالله بن عباس يقول : نبيهم يقول لهم بالمسح وقرآنهم يقول لهم بالمسح وهم يصرون على الغسل ! فعلى الأقل كان هناك خط واتجاه في الأمة وهم أهل البيت عليهم السلام تم به حفظ الدين والأحكام والشريعة والعقائد . فمن دون وجود أهل البيت ومن دون بيان أهل البيت عليهم السلام كانت الأمة كلها تصبح مشبهة ومجسمة في العقائد ومتجاوزة لكثير من المسائل الفقهية . وهذه من بركات أهل البيت صلوات الله عليهم ( ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم ) فيزيد بن معاوية وهو ليس متجه نحو هذه الأمور ومع ذلك يعلم أن هؤلاء متميزون كم قلنا ( لا ينكر الشمس إلا     ذو رمد ) فأحب الشمس أم لم يحبها ويتأذى منها أو يرتاح لكنه لا يستطيع أن ينكر ضوءها .

   فلما جاءت السبايا إلى الشام وأوقفوا في المجلس وقد حضر فيه من حضر فأقام خطيبًا من طرفه حتى يبين انتصاره ويشوه سمعة هذا الركب الحسيني ، فقام ذلك الخطيب وشتم أمير المؤمنين عليه السلام وذم الحسين عليه السلام فتأذى الإمام زين العابدين عليه السلام ولما انتهى قال : ( أيها الخاطب بئس ما صنعت اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار ) ثم أشار إلى يزيد وقال : يا يزيد ائذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأقول كلامًا لله فيه رضا ولهؤلاء الجالسين أجرٌ وثواب . فلم يقبل يزيد والحاضرون لا يعرفون الإمام زين العابدين وقالوا: يا أمير المؤمنين مره فليصعد وما قدر ما يحسن هذا الغلام ؟ فقال : إنه من أهل بيتٍ زُقٌوا العلم زقًا لأن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان . فما زالوا به إلى أن أذن له فصعد المنبر وأول خصلة جاء بها العلم قال : ( أيها الناس أعطينا ستًا وفضلنا بسبع ، أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضلنا بأن منا المختار ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومن سبطا هذه الأمة ومنا مهديها ...... الى آخر خطبته سلام الله عليه .  


مرات العرض: 3440
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 59082.53 KB
تشغيل:

عترة النبي المصطفى في كلام الحسن المجتبى 15
لماذا لم ينص القرآن على أسماء الأئمة المعصومين 17