لماذا يهتم الشيعة بالنبي أكثر من غيرهم
كتابة الفاضلة سلمى بوخمسين
قال سيدنا ومولانا امير المؤمنين سلام الله عليه (اللهم داحي المدحوات وداعم المسموكات وجالب القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق والمعلن الحق بالحق والدامغ جيشات الاباطيل والدامغ صولات الاضاليل فهو امينك المأمون وخازن علمك المكنون وشهيدك يوم الدين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله اجمعين)
حديثنا ان شاء الله تعالى منطلقا من هذه الكلمات التي تروى عن امير المؤمنين في تعليم كيفية الصلاة على النبي نفتتح بها الحديث الذي سيكون بعنوان لما يهتم شيعة اهل البيت بالنبي المصطفى أكثر من غيرهم من سائر المسلمين؟
هذا الحديث يعكس السؤال الذي تمت اشاعته من قبل فئات مخالفة للتشيع وربما نفذ أيضا الى قسم من أبناء الشيعة، ففي بعض الأحيان يتساءل قسم من أبناء شيعة اهل البيت لماذا لا يهتم الشيعة بالنبي كما يهتمون بالحسين عليه السلام؟
فيوجد عزاء ومواكب وزيارات للحسين ولا يوجد مثلها للنبي صل الله عليه واله وسلم مع ان النبي بلا ريب افضل من الحسين فهو نبي وجد الحسين سلام الله عليه ..
هذا السؤال الغالب يطرحه اتباع المذاهب الأخرى الذين غالبا يدخلون المجادلات لإحراج شيعة اهل البيت عليهم السلام فيطرحون هذا السؤال، وقسم من أبناء الشيعة ينطلي عليهم المغالطة في هذه المسألة.
سوف يتبين الرد من خلال الحديث ان مثل هذا السؤال سؤال باطل والفكرة خاطئة فحينما يقول احدهم لماذا تهتمون بالنبي اقل من اهتمامكم بالحسين يحدث فكرة غلط في العقول ومن هذه الفكرة يطرح التساؤل فيجعل السامع يبحث عن تبرير مع ان الفكرة اصلها غير صحيحة وليست واقعية .
فالشيعة لديهم توجه الاعتراف بالتقصير في حق الله والرسول واهل البيت مهما بذلوا من جهد في تقديم ما يستطيعون لخدمة هذا التوجه الديني والعقائدي فالشعور بالتقصير شعور إيجابي يحث على تقديم المزيد بحسب القدرة فان سيد البلغاء والمتكلمين امير المؤمنين يقول في صفة المتقين ( وهم لأنفسهم متهمون ومنها وجلون ) فالمتقي دائما يستشعر النقص فحتى لو اتى بالنوافل والمستحبات الى جانب الواجبات فهو يشعر بالنقص والتقصير في عبادته لله كما انه يذكر الله كثيرا ويقرأ القرآن ولكن دائما المؤمن الحق يستشعر التقصير لكي يستزيد من وسائل العبادة والتقرب لله .
وهذا التوجه موجود أيضا بالعلاقة مع الرسول فمهما صل عليه واستزاد من التقرب له بالزيارة والعمل الصالح يبقى يشعر بالنقص والتقصير في حق الرسول ويرغب في تقديم المزيد، هذه من اعلى درجات التقوى فمن يأتي ويقول أنتم مقصرون في حق النبي لا يوجد لدى الشيعة مشكلة في الاعتراف بذلك. ومن يأتي ويقول انكم مقصرون في حق الله أيضا لا يوجد أي اشكال في ذلك فالمؤمن الحق يشعر دائما بالتقصير في العبادة ويرغب في زيادة وسائل القرب من الله والرسول.
لكن هناك فرق بين ان يشعر الانسان بالتقصير من نفسه ويحاول التكامل بزيادة العبادة والذكر فكلما انطلق الشعور من داخل الانسان نفسه هذا سيدعوه لمحاولة الاستزادة والتكامل ولكن حينما يأتي الاشكال من طرف اخر ويكون هذا الطرف قصده احراج شيعة اهل البيت والتنقيص من قربهم لرسول الله سيكون هذا ليس مقبول منه فمن يوجه السؤال من الدائرة المخالفة سيكون تسأله من اجل الاعتراض على جميع ما يقوم به الشيعة في عزاء الحسين فحينما يرد عليه احد الشيعة هل تريدنا ان نعمل المواكب لوفاة النبي يرد بان هذا بدعه فهو بطرح تسأله يستنكر ما يقوم به الشيعة في حق الحسين وليس مطالب بفعل ذلك في عزاء النبي .
ففي الواقع اعتراضهم فيه الطلب بتقليل الاهتمام بالإمام الحسين فيطالبون بإيقاف جميع ما يقوم به الشيعة في حق الحسين من مواكب وعزاء، فغرض هؤلاء ليس زيادة الاهتمام بالرسول وشئونه بل تقليل الاهتمام بالحسين وقضية استشهاده.
نطرح عليهم سؤال كيف تريدون ان نهتم بالرسول هل نزيد من احتفالاتنا بمولد الرسول او نزيد من مجالس عزاء ذكرى وفاة الرسول ونحيي ذكرى المباهلة والمبعث الشريف ونزيد من ذكر الاحداث التاريخية في حياة الرسول من غزوات وانتصارات حدثت في زمن الرسول صل الله عليه واله ونحتفي بوالده وعمه وابناءه وغيرها من احداث مفرحة او محزنة حدثت في زمن الرسول او على يديه وبفعله؟
سيكون جواب المخالفين للشيعة ان هذا غير مطلوب بل بدعه فالرسول لم يحتفل بميلاده ولا فتوحاته ولا بعثته فلا يجوز احياء أي ذكرى لأحداث حياة رسول الله .
وفي الوسط غير الشيعي يوجد نقاش عميق حول هل يجوز الاحتفال بمولد الرسول او لا؟ والبعض منهم يجيب جواب قاطع بانه لا يجوز بل بدعه وحرام ..
اذا اصل السؤال وطريقة طرحه خاطئة فمن يسأل لماذا تهتمون بالحسين اكثر من النبي لا يطلب من الشيعة زيادة مظاهر الاهتمام بالنبي كأحياء ذكرى ولادته ومبعثه وانتصاراته ووفاته وزيارته، بل يطلب بسؤاله عدم ذكر الامام الحسين وعدم القيام بجميع الممارسات والطقوس التي تقام في ذكرى شهادة الامام الحسين .
فيتبين من السؤال ان هدف هؤلاء لا يراد به الزيادة في الاهتمام بالنبي بل تقليل الاهتمام بالأمام الحسين.
فنحن نطرح السؤال عليه في المقابل ما هو وجه اهتمامك برسول الله؟
فلا يجد أي جواب فبالرغم ان بعض المذاهب الإسلامية تحتفل بمولد النبي الا ان من يطرح هذا السؤال من الفئات التي تحرم الاحتفال بذكرى ولادة النبي وتعبره بدعة وكثير من خطبهم منصبه على ان القيام بالاحتفالات بمأثر الرسول وانتصاراته وبعثته ومولده جميع ذلك بدعة وغير جائز وكأنهم مسخرون من اجل محاربة من يقوم بإحياء ذكرى رسول الله .
فنقول ان هذا السؤال الذي يوجهه الطائفيين هؤلاء لا يريدون زيادة الاهتمام بالنبي وانما يريدون تقليل الاهتمام بعترة النبي ففي المقابل نسألهم ما الأمور التي تقومون بها تدل على اهتمامكم بالنبي هل تحثون على زيارة قبره او احياء ذكرى مأثر الرسول ومولده ووفاته وغيرها من احداث تخص الرسول صل الله عليه واله.
هنا يطرح تسأل ماذا يعني الاهتمام برسول الله وكيف يتم اثبات ذلك وما الأفعال التي تدل على ذلك؟
هنا نرى انه لا يوجد طائفة إسلامية تثبت اهتمامها بالرسول وذكره اكثر من الطائفة الشيعية وابسط مثل ذكر الصلاة على النبي اذا اردنا إحصاء عدد ذكر الصلاة عند أي شيعي نرى انه منذ ان يبلغ عمر 15 سنة الى ان يصل عمره خمس وسبعين عام يكون قد كرر ذكر الصلاة على النبي بعدد مليون ومائتين الف صلاة فقط في صلواته اليومية الخمس فكيف لو احصينا غير ذلك من نوافل ومستحبات وحضور مجالس الذكر والعبادة والعزاء وجميع هذه الممارسات والطقوس العبادية يتخللها ذكر الصلاة على النبي لن نستطيع إحصاء ذلك فهو سيبلغ الملايين ويتفاوت من شخص الى اخر
فشيعة اهل البيت ملتزمون بالصلاة على محمد واله في كل ركوع وسجود وتشهد وبعد الانتهاء من الصلاة بعد التشهد وحين ذكر شهادة ان محمد رسول الله في الاذان والإقامة وبداية أي دعاء او عمل عبادي ومجلس ذكر وعزاء لابد من بدايته وخلاله يذكر الرسول ويصلى عليه وعلى آله ومن لا يصلي عليه يعتبر عمله مبتور وناقص.
بل ان ذكر الصلاة على محمد يعتبر من اعظم الاذكار عند الشيعة الى جانب التسبيحات والاستغفار التي تعتبر الباقيات الصالحات فالصلاة على محمد واله يبدئ به ويختم به حين الاتيان باي ذكر تسبيح او استغفار بل يعتبر مكمل ومجمل لها لان ذكر الصلاة على محمد واله يجمع كل أصول الدين فحينما نصلي على الرسول واهل بيته نقر بكل أصول الدين ففيه نتوجه بالخطاب الى الله فبهذا نقر بالتوحيد فحين نقول اللهم يعني الاعتراف بالربوبية والألوهية لله وحده وقول صل على محمد وال محمد يعني جازي محمد واله وارفع من مقامهم وهذا مربوط بالدنيا والاخرة وفيه اعتراف بيوم القيامة والمعاد وإقرار بالنبوة لمحمد وانه خاتم وافضل الأنبياء فلماذا يذكر النبي محمد واله ولا يذكر غيره بمثل هذه الصلاة واعتراف بإمامة ال محمد .
فلا يوجد فريق من المسلمين يذكر النبي محمد ويكرر اسمه ويصلي عليه في يومه وليله كما يذكره شيعة اهل البيت.
وقسم كبير من المسلمين حينما يصلون على النبي يصلون عليه الصلاة البتراء التي نهى عنها رسول الله حينما قال ( لا تصلوا علي الصلاة البتراء ) وهي عدم ذكر اهل البيت بل البعض حتى ذكر الصلاة لا يؤديه بكلمات صحيحة وواضحة فحينما يذكر اسم الرسول محمد بدل ان يقول صل الله عليه واله وسلم يقول صلعم فلا يفهم ما يقصد بذلك فلماذا هذا الاختصار الغير مفهوم .
فالفئة الوحيدة التي تعتبر الصلاة على النبي هو دعاء بل أفضل الاذكار كما ورد عن الامام الصادق عليه السلام حينما سائله أحد أصحابه قال يا أبا عبد الله كنت في الطواف وجهدت في الدعاء فلم أتذكر شيء غير ذكر اللهم صل على محمد واله الاطهار فلم اطلب المغفرة او ادعوا لاحد من اهلي بالرزق وغيره فأجابه الامام ما اعطي أحد افضل ما أعطيت) فحضور ذكر النبي وزيارته في وسط شيعة اهل البيت لا نجده عند أي طائفة من طوائف المسلمين فبعض المسلمين لديهم توجه ذكر الرسول ولكنهم لا يصلون الى مستوى الشيعة.
كما ان امر اهتمامنا بقضية الامام الحسين وعزاءه ومولده وغيرها من ممارسات لدى الشيعة جميعها تدل على الاهتمام برسول الله صل الله عليه واله.
فرسول الله أكد كثيرا على قضية الامام الحسين فبعض الأحاديث وردت في مصادر الامامية وغيرهم من المسلمين، التأليف والكتابات في الوسط الشيعة والامامية التي تحث على الاهتمام برسول الله كثيرة فمثل أحد المؤلفين المرحوم المحقق السيد جعفر العاملي عنده كتاب موسوعة الصحيح من سيرة النبي الأعظم خمسه وثلاثين مجلد تدور اجزاءها حول الرسول وسيرته ورد على الروايات الخاطئة عند المسلمين
وأيضا العلامة المجلسي في كتابه بحار الانوار لديه ثمانية مجلدات من هذه الموسوعة خاصة حول النبي محمد صل الله عليه واله من بداية مولده الى ما بعد وفاته أحاط فيها بما ينبغي من سيرة رسول الله.
وكذلك صاحب كتاب موسوعة التاريخ الإسلامي الشيخ محمد الهادي الغروي ثلاث مجلدات ضخمة كل مجلد فيه 700 صفحة جميعها تدور حول الرسول في سيرة منقحة ومصححة.
والسيرة النبوية في عدة مجلدات للشيخ علي الكوراني تدور حول رسول الله محمد وحياته ومثله للشيخ نجاح الطائي وقبلهما كتاب اعلام الورى لأعلام الهدى للشيخ الطبرسي رحمة الله عليه وكثير من علماء الشيعة الفوا حول الرسول وجميعها سيرة تنزيهيه وجميع هذه المصادر الشيعية وغيرها تعتمد على روايات صحيحة وتعظم من شخصية رسول الله واظهارها بصورة ناصعة ومشرقة بخلاف بعض المؤلفات لدى غير الامامية التي تتطرق الى كثير من الأفكار والافعال السيئة تنسب لرسول الله وهو بريء منها .
فالاهتمام بالحسين يدخل في ذكر رسول الله وتعزيتنا بالإمام الحسين هو عزاء موجه لرسول الله فالحسين ابنه وسبطه والمسبيات بنات النبي وممن ينتسبون اليه وهذا جميعه يصب في الاهتمام بالرسول صل الله عليه واله وسلم.
|