الشيخ صالح الكواز وشعره الحسيني 26
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 26/1/1443 هـ
تعريف:

الشيخ صالح الكواز وشعره الحسيني

كتابة الفاضلة تراتيل

ما ضاق دهرك الا صدرك اتسعا

    فهل طربت لوقع الخطب مذ وقا

تزداد بشرا اذا زادت نوائبه 

    كالبدر ان غشيته ظلمة سطعا 

لله انت فكم وتر طلبت به 

    للجاهلية في احشائها زرعا

قد كان غرسا قديما في قلوبهم 

    حتى اذا امنوا دار الوغى فرعا 

ومنذ اجالوا بارض الطف خيلهم 

    والنقع اظلم والهندي قد لمعا

لم يطلب الموت روحا من جسومهم 

   الا وصارمك الهندي له شفعا 

ضربت بالسيف ضربا لو تساعده 

    يد القضاء لزال الشرك وانقشعا 

بل لو يشاء القضاء ان لا يكون كما 

   قد كان غير  الذي تهواه ما صنع

فما اعابك قتل كننت ترقبه 

    به لك الله  جم الفضل قد جمعا

كان جسمك موسى مذ هوى صعقا 

        وان راسك روح الله مذ رفعا 

كفى بيومك حزنا انه بكيت 

    له النبيون قدما قبل ان يقعا 

بكاك ادم حزنا قبل توبته 

    وكنت نورا بساق العرش قد سطعا 

 شاعر وصف انه اشعر من رثى الحسين عليه السلام وهو صالح الكواز الحلي متوفي سنة 1290 أي مضى قرابة مائتين سنة من وفاته رضوان الله عليه . الشيخ صالح الكواز لقبه يدل على عمله فقد كان كواز أي يبيع الكيزان والاواني الخزفية مع انه كان شيخ وعالم دين وامام جماعة وهذا امر من الأمور التي تستغرب في مناطقنا فالوضع الاجتماعي قد لا يتقبل ذلك منه مع انه امر طبيعي للغاية فان عالم الدين قد يكون له من المصادر المالية ما يكفيه ويكفي اهله في حاله معقوله وقد لا يكون لديه ما يكفى , الحمد لله في مذهبنا جعل هناك رعاية خاصة لرجال الدين حينما جعل جزء من الحق الشرعي (سهم الامام من الخمس) جزء منه يصرفه رجل الدين على نفسه وأهله مع حاجته اليه وقيامه بشؤون عالم الدين من الارشاد والموعظة وبيان الاحكام وامامة الجماعة و الصلاة  وهذا لأجل الحفاظ على استقلالية علماءه وهذا الامر غير موجود في سائر المذاهب حيث عالم الدين لابد ان يتوظف عند الدولة راتبة وامواله تأتي من هناك فهو بشكل او باخر لابد ان يسعى الى الحفاظ على رزقه ولربما بعض الحكام يحاولون ان يضغطون على عالم الدين اما ان يتوافقون معه في كل شي او ان يحرمونه من الراتب والوظيفة ,الشيعة الامامية عندما خطط ائمتهم لهذا الامر كانوا مستهدين بهدي رسول الله وبالقران فقد جعل خمس مكاسب الناس مما زاد عن مؤنتهم حيث يدفع الى المرجعية التي ترعى نشاطات مختلفة منها تبليغ المذهب والحفاظ على الدين والاهتمام بالمدارس الدينية و الحرص على ان يقوم رجال الدين بأدوارهم الدينية وهم في كفاية من امرهم المالي , نعم ليس واجبا على عالم الدين ان يعتاش من الخمس لكن له الحق في ذلك , بعض العالم يرى ان يكسب ماله هو فبعضهم يقول انه ربما دراستي ليست الدراسة الكافية التي تؤهلني لأخذ مؤنتي من الخمس وبعضهم يخشى ان يكون عمله ليس كما هو مطلوب كامل ,والبعض تعففا و تورعا لذلك تراهم يتكسبون أحيانا فمثلا في العراق قد ترى عالم دين ولديه مكتبة لبيع الكتب مثلا هو يدرس ويبلغ ولكن مكسبه من خلال بيع الكتب , البعض الاخر يفتح له مكان خياطة ليخيط ملابس نفس الصنف أي خياطة ملابس المخصصة لطلبة العلوم الدينية ,وهذا الامر طبيعي , نعم في مجتمعاتنا لعل ذلك ينظر له بشيء من الغرابة , شيخ ويبيع خضار وفواكه او شيخ ويبيع في بقاله قد يكون غريبا .

الشيخ صالح كان كوازا وهي مهنة ابيه واسرته أيضا , كان يسكن في الحلة واستمر فيها وهو عالم دين واشعر من رثى الحسين عليه السلام بهذه الطريقة , فاذا رأينا عالم دين في مكان من الأماكن لم يتناول الحق الشرعي ويكتفي به وسلك طريق اخر كالبيع والتجارة و غير ذلك فهذا امر قد سبقه اليه غيره , فهذا شاعرنا شيخ كان كوازا يبيع الاواني الخزفية وبيعها على الناس وتعلمون في تلك السنوات كانت قضايا التبريد ترتبط بهذه المهنة , وهذه المهنة هي التي يدبر بها امر معاشه 

و بالرغم من  ان لديه وظيفة يدوية تشغله حسب التعبير ومع ذلك فهي لم تؤثر على شاعريته وفصاحته وبلاغته أحيانا قسم من الناس يقولون ان هذا الانسان المنشغل بالأمور اليدوية من بناء و ميكانيك وغيرهم قد يكون منشغلا عن الادب ولكن هذا غير ذلك فمن الممكن ان يكون الانسان يعمل بيده ولكن في نفس الوقت لديه قدرات فكريه ادبيه فهذا شاعرنا الكواز كان كذلك كما انه نسب الى احد اكبر شعراء كربلاء انه سأل من اشعر من رئي الحسين ؟  فقال له الشيخ جواد بدقت – وهذا الاخير كان شاعرا في زمان الكواز - وعندما سئل الشيخ جواد بدقت عن اشعر من رثى الحسين عليه السلام قال: هو الشيخ صالح الكواز بلا كلام .

هو اكثر الشعراء جودة وسنتعرض له بعد قليل , وقد كان على قدر من التنسك والتقوى يعني حاز ثقة الناس في بلده بحيث انه لم يكن يقول في احد مكروه ينتقد فلان ويتكلم عن فلان هذه قد تجرح ايمان الانسان وتخدش عدالته ,نقل عن الشيخ الكواز انه في غاية التنسك والتعبد لا يقدف احد بسوء لا يتحدث عن احد بشكل سلبي وهذا امر صعب جدا فمن الصعب على الانسان ان يترك الحديث عن الاخرين مع انه الامر الطبيعي الأول (عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهديتم )

لدينا الكثير بأنفسنا مما يشغلنا عن امر غيرنا , علينا اصلاح انفسنا وتكميلها , على الانسان ان يشغل لسانه بذكر الله وهذا يفرق بين هذا الشخص المتنسك وبين شخص اخر غافل عن نفسه منتبه لغيره , انا وامثالي ننظر في جلستنا في فلان ماذا عمل وبماذا اخطأ ماذا قال , يفترض ان أكون مسؤول عن نفسي  أتوجه الى إصلاحها وتغيرها ونصحها كلما وصلت درجه اصعد بها درجة أخرى . بعض من عاصر الكواز يرون انهم لم يروا شاعرا متنسكا متعبدا كما الكواز فقد كان بعض الشعراء حسن الاخلاق لكن بعض الصفات تعرف عن شخص فتصبح مائز بينه وبين غيره تصبح علامة فارقة بينه وبين غيره , الشيخ الكواز كان كما نقل عنه : "كان رحمه الله  عالما عابدا متنسكا فحضي بثقة اهل منطقته وكانوا يتسابقون على الائتمام به في صلاته " مع ان كثير من الشعراء طلاب علم وسادة" , عرف بشاعريته الفذه  وكان عزيز نفس وكانت الكثير من قصائده  تقرأ في شهر محرم الحرام وهي مشهورة عند الناس ولكن قد لا تكون معروفة انها للشيخ الكواز  ووقف قصائده في اكثره على الأمور النافعة من موعظة و  مدح ورثاء اهل البيت ولا سيما في الحسين ولم يكن يتكسب من الشعر وقد نقل عنه انه احد الأغنياء الكبار توفي والده فجاء الولد الى الشيخ الكواز لكي يكتب في فضائل والده قصيده ويختمها بتاريخ وفاته – أي بحساب الحروف يستخرج تاريخ ذلك المتوفى – لكي تقرأ في مأتم وفاته وتكتب على قبره 

وعرض عليه أربعين ليرة العثمانية -كل ليرة عثمانية تساوي 7 غرامات ذهب – أي قرابة ثلث كيلو ذهب ربما يعادل عشرون الف ريال حاليا أي في ذلك الزمان كان مبلغا كبيرا , فقال : انا جعلت شعري في الحسين عليه السلام وبالفعل الرجل كان عفيفا متنسكا متعبدا ولم يترزق بهذه الاشعار التي ضلع فيها 

كان لديه الفين (2000) بيت قوي متمز في ديوانه الذي طرح وكما قلت ان بعضها يقرأ ولا يعرف انها من نظمه رحمة الله عليه وذلك لكثرة ما قرأت على المنابر , مثل قصيدته النونية التي جاراه فيها وقلد عليها متعددون مثل سيد حيدر الحلي عندما سمع عن قصيدة الكواز النونية وقد انشاء قصيدة بنفس الوزن والمضامين والقافية والتي هي 

ليت المواكب و الوصي زعيمها 

وقفوا كموقفهم على صفين 

بالطف كي يروا العلا فوق القنا

رفعت مصاحفها اتقاء منون

الوافدين لظلم ال محمد ومحمد ملقا بلا تكفين 

ومجمع حطب على لم يجتمع لولاه شمل الدين 

والقائلين لفاطم اذيتنا في طول نوح دائم وحنين 

وهكذا يستمر 

ورنت الى القبر الشريف بمقلة عبرى وقلب مكمد محزون 

نادت واظفار المصاب بقلبها 

ابتاه عز على العداة معيني 

فقدي ابي ام غصب بعلي حقه ام كسر ضلعي ام سقوط جنيني

ام اخذهم إرثي  وفاضل نحلتي ام جهلي حقي وقد عرفوني 

وعلى اثر هذه القصيدة عشرات الشعراء قلدوا عليه  , فمن قصائده الغراء التي ذكرناها في بداية المجلس العينية , في هذه القصيدة لما سأل هذا الشاعر الكبير الذي قال ان افضل شاعر رثى الحسين هو الشيخ الكواز؟ قال: لانه الوحيد الذي ذكر نبيين في بيت واحد وشبههما بالحسين عليه السلام وهو في كل بيت من شعره له لفته بلاغيه او إشارة تاريخية او حديث من الاحاديث فلا تجد حشو كثير ففي كل بيت إشارة , فمن يقول بمثل هذه الابيات من الشعر فهو يستحق ان يقال انه افضل من رثى الحسين بالشعر , الحلي رثى الكواز  و بيّن خسارة الدين وخسارة الشعر الحسيني لهذا العالم الجليل و الشاعر الكبير , فمن الصورة التي رسمها لحرم الحسين بعد مصرعه سلام الله عليه يقول في حق السجاد :

اضحى وكانت له الأملاك حاملة                مقيدا فوق مهزول بلا قتب 

أي فهو في مقام ان تحمله الملائكة لمنزلته واذا به يصبح مقيدا 

يرنوا الى الناشرات الدمع طاوية              اضلاعهن على جمر من النوب 

والعاديات من الفسطاط ضابحة                والموريات زناد الحزن في لهب 

والمرسلات من الاجفان عبرتها               والنازعات برودا في يد السلب 

-أي هؤلاء نزع عنهن مقانعهن و حجابهن – 

لذاريات ترابا فوق ارؤسها         حزنا لكل صريع بالعراء ترب 

و رب مرضعة منهن قد نظرت             رضيعها فاحص الرجلين في الترب

أي كم من رأت طفلها فاحص رجله بالتراب فذكرنا هذا بهاجر وإسماعيل لكن هاجر وإسماعيل وجدوا ماء زمزم لكن هؤلاء لم يحصلوا الا الضرب -  

فقل بهاجر إسماعيل احزانها         متى تشط عنها  من حر الظما تؤب 

هذه هي حالة السبايا بعد ان هجمت السبايا على خيام الحسين والامام السجاد يرى هذه الحالة ساعد الله قلب زين العباد , فكما هذه صيبه فان وداع الشباب مصيبة أيضا عندما ودع الحسين أولاده واخوته وبني اخوانه ومن اولئكم الذين ودعهم الامام الحسين عليه السلام مشيعا إياه الى المعركة كان القاسم بن الحسن عليه السلام والذي كان عند  في امال امه وعائلته ان يزف الى عرسه ,لكن رملة الى اين زفت ابنها القاسم ؟؟, لقد زفته الى الرماح والسيوف لذلك عندما جاء يستأذن عمه الامام الحسين عليه السلام فان الامام الحسين عمل مع القاسم مالم يعمله مع سائل أبناء أخيه ولا امع ابناءه فقد امره ان يلبس ملابس ابيه الامام الحسن ثم ضمه الى صدرة واخذا يبكيان حتى سقطا الى الأرض , تصور الامام الحسين مع تلك القوة والشدة ولكن من كثرة الم قلبه على ابن أخيه حتى عندما أراد القاسم الدخول للمعركة قال له اذهب لامك وعمتك وودعهم 

لزمت اركابه اسكينه اوعمته ابحلكه اتشمه 

وامن الخيم مذهوله طلعت اتنادي امه 

يبني يجاسم هلوكت حيلك العمك ضمه

لليوم انه ذاخرتك بالك تخيب اظنوني

هز الرمح واتجنه يا والده ددعيلي 

رايح انه ياوالده من غير متقليلي

عمي وحيد ابكربله المن اضمن حيلي 

ودع النساء وانطلق الى الميدان عظم الله اجرك يا حسين


مرات العرض: 3456
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 42441.01 KB
تشغيل:

ابن العرندس الحلي وقصائده الحسينية 23
شاعر الحسين والعقيدة الكميت الأسدي