السيد جعفر الحلي وقصائده الحسينية 24
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 16/1/1443 هـ
تعريف:

                      

السيد جعفر الحلي وقصائده الحسينية

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

   جاء في الخبر ( إن لقتل الحسين في قلوب المؤمنين حرارةً لا تبرد أبدًا )

    حديثنا يتناول شعر أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام في القضية الحسينية وهو السيد جعفر بن السيد كمال الدين الحلي رضوان الله تعالى عليه المتوفى سنة 1315هـ وقبل أن ندخل في ذكره وذكر قصائده ونتعرض إلى بعضها نشير إلى نقطة مهمة ترتبط بالتأثر والتأثير بين القضية الحسينية وبين المجتمعات الشيعية فيما يرتبط بنمو الأدب والشعر ، فوجود القضية الحسينية في المجتمعات الشيعية صنع نموًا استثنائيًا في أمور كثيرة منها قضية الإنفاق ، فترى المجتمعات الشيعية لا سيما في الموسمين شهري محرم وصفر تنفق إنفاقاتٍ يستحيل عدها وإحصاؤها ، فالذي يتمكن والذي لا يتمكن والذي يملك الأموال الطائلة والذي لا يملك إلا قوت يومه ، الكل يشترك في هذا الإنفاق فالذي ينفق بالمال والذي ينفق بجهده وبدنه والذي ينفق من وقته والذي ينفق من سمعته ومن علمه وغير ذلك . 

    وطبعا هذا الأمر يجعل المجتمع في حالة صعود فالمجتمع المنفق والمعطاء هو مجتمع متطور ‘ أما المجتمع الذي لا يفكر أبناءه إلا في أنفسهم وفي جمع المال ويفكرون في الأخذ أكثر مما يفكرون في العطاء فهذا مجتمع ميت في نظر الإسلام بل الشخص نفسه يعتبر ميتًا .

فهذه الحالة تنمي المجتمع الشيعي في العطاء ونحن لا نقصد العطاء المالي فقط هذا أحد الأوجه فأنت تجد المجتمع الشيعي في الموسمين في حالة حركة دائمة وعمل متواصل كلٌ منهم بطريقته الخاصة وهذا تنمية اجتماعية .

    ومن ذلك أيضًا وهو الذي يرتبط بحديثنا التنمية الأدبية واللغوية والبلاغية فوجود القضية الحسينية في المجتمع الشيعي وتأثر هذا المجتمع بهذه القضية وتفاعله معها عاطفيًا وإعلان حالة الحزن هذه من الأمور التي أثرت تأثيرًا كبيرًا ولهذا نبغ في هذا المجتمع شعراء كثيرون جدًا وفي حالات غريبة كشاعرنا الذي سنتحدث عنه والذي كان قصير العمر فقد توفي وعمره 37سنة وبدأ ينظم الشعر وعمره عشر سنوات وكان شعره ناضجًا وقويًا وأمثال هذا كثيرون .

    فأنت تلاحظ المجتمع الذي ليس عنده موضوعًا عاطفيًا لا يحفز على إنتاج أدبي ، مثل مجتمع كل شغله في المكائن والأمور المادية فلا ينمو أدبيا بينما إذا كان المجتمع يعيش حرارة الإمام الحسين وقضيته وأحزانه وليس مرةً في العمر بل في كل سنةٍ على الأقل موسم . فإن هناك جيلًا كبيرًا وواسعًا ينشأ على الأدب وعلى الشعر وهذا يسبب التنمية الأدبية حتى لقد قيل على سبيل المبالغة  وهل الشعر إلا عند الشيعة ) هذا فيه مبالغة لأنه يوجد عند غير الشيعة شعرًا ولكن كأنه هناك في المجتمع الشيعي توجد محفزات كثيرة جدًا تثير الإنسان باتجاه نظم الشعر ، فالشاعر يعتبر نفسه عندما ينظم في الحسين وفي أهل البيت مثاب من قبل الله عز وجل ، والشاعر عندما يتأثر ويتألم ويبكي وتهيج أحزانه ومشاعره فينطلق باتجاه التعبير عنها في صورة قصائد ونظم شعري متميز . 

     أثرت القضية الحسينية في المجتمعات الشيعية على تنمية الحالة البلاغية وتنمية الشعر وعلى تنمية اللغة أيضًا ، حتى لقد قال بعضهم لولا القرآن الكريم لضاعت اللغة العربية ولولا قضية الحسين لضاع الأدب الرفيع . والناظر ينظر إلى عدد هائل جدًا من الشعر وقد ذكرنا آنفًا أن المرحوم السيد جواد شبر ألف نحو عشرة مجلدات في ترجمة شعراء الحسين عليه السلام وفي ذكر حياتهم وسيرتهم وهذا مقدار بسيط من الذين عثر على أسمائهم وعلى قصائدهم وعلى سيرة حياتهم ، وإلا لو كان يريد أن يترجم إلى الكل لا يستطيع ، بل حتى لو أراد أن يتعرف على ذلك في بلدة واحدة لعسر عليه ذلك لأنه قد يشتهر عدد من الأشخاص لكن الأكثر بالرغم من أنه عندهم شعر قوي لكنهم لا يشتهرون ، فأثرت القضية الحسينية على النمو الأدبي والشعري والبلاغي في المجتمعات الشيعية عمومًا الناطقة بالعربية وغير الناطقة بالعربية . 

   وفي الطرف الآخر فالشعر الحسيني نفع القضية الحسينية في أمور منها أنه سلط الأضواء بشكل واسع وعريض على مواضيع الحسين عليه السلام ، فأنت ترى آلاف بل عشرات الآلاف من القصائد موجودة وأحيانًا كل قصيدة في جهة ربما لم تكن موجودة في القصيدة الأخرى . فهذا الشاعر ركز على جهة لم يركز عليها الشاعر الآخر لذلك ترى نفسك غير مكتفي فلو قرأت مثلًا للشريف الرضي لا تكتفي بهذا بل تذهب لتقرأ للسيد حيدر الحلي فتقول أن السيد حيدر أبدع فترى جاء وراءه من ركز على قضايا لم يتطرق إليها السيد حيدر وعلى هذا المعدل . فهذا يعني أن هذه القضية بمقدار ماهي ولادة للشعراء وللصور الشعرية فإن الشعراء بأنفسهم أيضًا سلطوا الضوء على قضايا مختلفة في الموضوع الحسيني بحيث تجلت صورة الحسين عليه السلام وأنصاره وأهل بيته ، فأي جانب تريده تجد شعرًا فيه وأي صورة تخطر في بالك تجد بعض الشعراء تعرضوا لها .

   صارت أيضًا القصائد الشعرية مثل مخزون للعقائد وللتاريخ الإسلامي ومخزون لما ينبغي أن يعرفه المسلم فتجد السيد جعفر الحلي رضوان الله عليه مثلًا في قصيدته الكافية :

           الله أي دمٍ في كربلا سفكا     لم يجر حتى أوقف الفلكا 

تجد تشخيصًا لحالة المسلمين قبل نهضة الحسين عليه السلام وماالذي دفع الإمام الحسين للنهضة والقيام ثم بعد ذلك تعريج على المصيبة فكأنك تقرأ تحليلًا تاريخيًا : لماذا ثار الإمام الحسين عليه السلام 

وحين تقرأ قصيدة ابن العرندس مثلًا ترى نفسك أمام شخص يتحدث عن مناقب الإمام الحسين عليه السلام وفضائله وما جاء فيه من الروايات ثم تفاصيل المصرع بلغةٍ أدبية .

وهكذا سائر الشعراء .

    فإذن هناك جهات كثيرة تم التبادل فيها بين القضية الحسينية وبين الأدب الحسيني والشعر الحسيني ، وكما استفادت القضية الحسينية وصورة الحسين عليه السلام من الشعراء ، فإن الشعراء أيضًا استفادوا فوائد كثيرة من الموضوع الحسيني . فأنت تلاحظ مثلًا قبل الموضوع الحسيني وقبل أهل البيت بماذا كانت شهرة العرب ؟ غالبًا بأمور ذات طبيعة محدودة كوصف الصحراء ووصف الجَمال ووصف الجِمال وقضايا الغزل والتشبيه فإما أمور وصفية وإما أمور أقرب إلى القضايا الشهوية ولما دخلنا على خط القضية الحسينية صار الكلام عن مبادئ وتاريخ الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن معاني الكرامة ومعاني الإباء وعن عزة الإنسان وعزة نفسه وعن مقاومته للظلم ..... وإلخ 

وصار عند الشعراء مجال واسع ورحب يتحركون فيه بخلاف ما كان قبل .

     فلنرَ بعض ما نتملاه في هذا الجانب في شعر السيد جعفر بن السيد كمال الدين الحلي والذي توفي وعمره 37 وبدأ نظم الشعر وعمره عشر سنوات وشعره من الشعر القوي والبليغ وعنده ديوان شعر قام بطبعه المرحوم الشيخ  محمد حسين آل كاشف الغطاء وهو أحد الآيات العظام وكان مرجع التقليد في زمانه وتزامن مع مرجعية السيد الحكيم ، وعلميته علمية متفوقة وهو من التلامذة المميزين لصاحب العروة الوثقى السيد اليزدي رحمه الله وقيل أنه هو وأخوه الشيخ أحمد هما اللذان كانا قد كتبا نص العروة الوثقى على وفق مباني وآراء السيد اليزدي أو أن السيد اليزدي كان يكتبها وهما يصيغان العبارة باعتبار أن عندهما مستوى أدبيًا رفيعا ، وبعد وفاة اليزدي وانتقال هذا الجيل كان الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء كان أحد مراجع التقليد . نعم مرجعيته لم تصبح مثل مرجعية السيد محسن الحكيم والذي كانت مرجعيته عامة وأعطاه الله عمرًا طويلًا وهوكان عنده من الإدارة والحنكة ما جعل مرجعيته في العالم الشيعي هي المرجعية الأولى ، بينما الشيخ محمد حسين أيضًا لم يعمر طويلًا ، فقد قُلد في العراق من قبل عشائر وقبائل وحتى في الخليج ولكن لم تكن مرجعية عامة . هذا المرجع الجليل هو بنفسه كما نقل غير واحد أخذ ديوان السيد جعفر الحلي واسمه ( سجع بابل وسحر البلابل ) وأكثره فيما يرتبط بأهل البيت عليهم السلام . أخذه هو بنفسه وذهب إلى بيروت وقام بطباعته هو بعدما توفي السيد جعفر الحلي  .

    وهذا يبين أنه بالرغم من أن الشيخ محمد حسين من فحول الشعراء بالإضافة إلى أنه كان من الآيات العظام ومع ذلك أخذ ديوان السيد جعفر الحلي وذهب به إلى بيروت وطبعه عناية منه به وتقدبرًا لهذا الشعر . وهو أيضًا السيد جعفر الحلي كان من الطلاب المميزين لمراجع زمانه في وقته مثل الميرزا حسين الخليلي والشيخ محمد طه نجف والذين كانوا أساتذة البحث الخارج والبحوث العالية في الفقه والأصول في النجف الأشرف وكان واحد من تلاميذهم المميزين . وله قصائد كثيرة في الإمام الحسين عليه السلام وتقرأ كثيرًا في المجالس وهذا توفيق من الله عز وجل . فقد تجد شعراء عندهم شعرٌ مهمٌ ولكن ربما لا يتلى إلا نادرًا على المنابر وبعض الشعراء عندهم توفيق بحيث لا يمر موسم إلا وتتلى قصائده وتنشد على الملأ الحسيني . وكثير من قصائد هذا الشعراء تقرأ وتتلى في أيام محرم الحرام وصفر المظفر .

    مثل قصيدته في أبي الفضل العباس عليه السلام وهذه القصيدة مقسمة لأقسام وتقرأ هذه الأقسام في أيام محرم فمن منا يمر عليه محرم الحرام فلا يسمع 

       وجه الصباح علي ليلٌ مظلم     وربيع أيامي علي محرم

   فكثير من الناس يحفظونها أو يحفظون بعضها ، وهذه القصيدة هي جزء ومقدمة من قصيدة فيما بعد يقول :

      عبست وجوه القوم خوف الموت       والعباس فيهم ضاحك متبسم 

هي نفس القصيدة ولكن مطلعها ( وجه الصباح ) تقرأ في الخروج من المدينة أو مكة كما هو جاري العادة في مناطقنا في الخليج فتقرأ غالبا أول عشرة أبيات من هذه القصيدة .

حتى إذا جاءت ليلة أبي الفضل العباس كما هو المعتاد جاءت القطعة الأخرى ( عبست وجوه القوم ... ) إاى آخر مصرع أبي الفضل العباس عليه السلام وبالرغم من أنها قصيدة واحدة إلا أنها تقسم قسمين وتقرأ في ليلتين عادةً في مناطقنا .

وحين نأتي لقصيدة أخرى  

          الله أي دم في كربلا سفكا        لم يجر في الأرض حتى أوقف الفلكا  

          وأي خيل ضلالٍ في الطفوف     عدت على حريم رسول الله فانتهكا



       إلى أن بقول : 

        يا ميتًا ترك الألباب حائرة ً        وبالعراء ثلاثًا جسمه تركا 

   وهذه من قصائده التي غالبًا إما تقرأ كاملةً أو يقرأ قسمًا منها في أيام محرم وفي غيره .

   وهذا التوفيق كما قلنا غير عادي فالله لم يعطه عمرًا طويلًا من حيث السنوات و لكن أعطاه هذا العمر الطويل من حيث الذكر والثواب في قصائده كما ورد ( من قال فينا شعرًا فأبكى خمسين فله الجنة فأبكى أربعين فله الجنة فأبكى ثلاثين فله الجنة فأبكى واحدًا فله الجنة فبكى أو تباكى فله الجنة) كم من الآلاف بكوا على أثر إنشاد شعر هذا الشاعر في سنوات مختلفة و متمادية بكوا متأثرين بشعره والصور التي بينها وبالتالي فهو إن كان قد مات في هذا السن المبكر إلا أن أثره و ذكره و عمله وثوابه لا يزال مستمرًا      وقصيدته الدالية أيضًا : 

        لاخبت مرهفات آل عليٍ       فهي النار والأعادي وقود

        ملؤوا بالعدا جهنم حتى       قنعت ما تقول هل لي مزيد 

إلى أن يقول :

      وعلى العيس من بنات عليٍ        نُوحٌ كل لفظها تعديد 

      سلبتها أيدي العداة حلاها           فخلا معصمٌ وعُطِل جيد 

       وعليها السياط لما تلوت            خلفتها أساورٌ وعقود 

   وعليها كم غرد الركب شجوًا           للثرى فوك أيها الغريد

       أتجد السرى وهن نساءٌ             ليس يدرين ما السرى ما البيد 

يعني هؤلاء نساء غير معودات على السفر من مكان إلى مكان في جوف الليل . فهذه أيضًا من القصائد المؤثرة والحزينة والشجية التي تؤثر عنه رضوان الله تعالى عليه وغير هذه القصائد على الأقل إحدى عشر قصيدة ، إما تقرأ بشكل كامل أو يقرأ جزء منها على منابر الحسين صلوات الله وسلامه عليه .

استنهاضه بالإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف 

            أدرك تراثك أيها الموتور       فلكم بكل يدٍ دمٌ مهدور

            ما صارمٌ إلا وفي شفراته       نحرٌ لآل محمد منحور 

   إلى أن يأتي فيما بعد إلى ذكر عماته من نساء أهل البيت عليهم السلام وأيضًا يوجع القلب بذكر مآسيهن وبذكر قضاياهن .

    فهذه من القصائد التي خلفها هذا الشاعر وكما قلنا هو بالإضافة إلى شعره الرقيق والقوي بلاغيًا كان واحدًا من العلماء وشارك في بحوث الخارج العالية على يد أكابر العلماء في ذلك الوقت .

    أمثال هذا الشاعر كشاهد على القضية الحسينية بمقدار ما أثرت الشعر الحسيني وصنعت له مساحة وميدان واسع يتحرك فيه أيضًا استفادت القضية الحسينية في تصويرها وفي الإبداعات التي قدمها هؤلاء الشعراء من الصور المؤثرة حتى تتحول إلى تلك القضية الساخنة كما ورد في الحديث ( إن لقتل الحسين عليه السلام لحرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدًا ) وهذا ما تراه حقيقةً . 


   


مرات العرض: 3449
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 49328.71 KB
تشغيل:

الشريف الرضي وشعره في الحسين عليه السلام
ابن العرندس الحلي وقصائده الحسينية 23