كيف وصلتنا أحداث واقعة كربلاء
التاريخ: 12/1/1443 هـ
تعريف:

                    كيف وصلتنا أحداث كربلاء 

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

  قال الله العظيم في كتابه الكريم : (ماعِندَكُمْ يَنفَدُ ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ۗ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

  حديثنا هذه الليلة يتناول هذا السؤال كيف وصلتنا أحداث كربلاء بهذا التفصيل الذي نراه في الكتب المحققة ؟

وكمقدمة نشير إلى أن قسمًا من الأعمال التي يأتي بها الإنسان ، بقاؤها في الزمان بقاء محدود جدًا حتى في ذاكرة فاعلها ، فلو سألك أحدهم الأسبوع الماضي يوم الاثنين ماذا كان غذاؤك ؟ ربما تحتاج لفترة طويلة حتى تتذكر ذلك وهذا فضلًا عن غيرك الذي لا يهتم بهذا الموضوع . فحدود هذا الفعل وبقاؤه في ذاكرتك محدود أما لو مرت الأشهر والسنوات فقد يكون من المتعذر تذكره لأنه في الغالب أثره محدود . نعم بعض الأعمال التي يقوم بها الإنسان الصالحة أو الطالحة آثارها تبقى حتى وإن نسيها الإنسان فمن الممكن أن نظرة محرمة وهي كلها لحظات وينساها الإنسان ولكن أثرها يبقى فيسجل الذنب عليه ( أحصاه الله ونسوه ) وأثره أيضًا من ظلمة القلب وما شابه ذلك قد يبقى ما لم يتبعه بالاستغفار والعمل الصالح . 

     و هناك أعمال طبيعتها أنها تبقى وتستمر مثل كثير من الأعمال الاجتماعية التي ترتبط بالناس فهذه يكون بقاؤها أكثر فيتذكر الناس العمل الصالح الذي قمت به في حقهم لا سيما إذا شواخصه وشواهده باقية . فمثلًا هذا المسجد الشريف المبارك من الممكن أن يبقى إلى مائة سنة وأكثر ويذكر هذا البناء وهذا الصرح بعمل العاملين فيه كالذي جمع التبرعات والذي تكلم مع الناس والذي أدار العملية وغيره ، فهذا يبقى إلى فترة طويلة . وأعظم من ذلك إذا كان الأمر إلهيًا مرتبطًا بالله عز وجل فهذا لا يحده الزمان فإن القرآن الكريم يقول : ( ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ ) فكم تستطيع أن تمدح وتثني وتكتب وتبشر وتتكلم عن هذه الجهة أو تلك الجهة بالتالي في يوم من الأيام ستموت ومن وراءك سيموت أيضًا لكن هذا العمل الصالح الذي أريد به وجه الله تكفل الله سبحانه وتعالى برفعه وإعلائه (والعمل الصالح يرفعه )

   وهذا نذكره كمقدمة لنبين أن بقاء النهضة الحسينية لأنها أريد بها وجه الله عز وجل في الدرجة الأولى وإبقاء الإسلام ونفع الناس بعد ذلك فإن من طبيعتها أن تبقى ولو أراد الظالمون كتمانها وطيها . فالله تعالى يرفع الأعمال البسيطة فكيف بهذه التضحية العظيمة حتى ورد في حديثٍ قدسيٍ معروف : ( يابن آدم عملك الصالح أنت تخفيه وعلي إظهاره ) 

فأولًا نحن نعتقد أن القضية الحسينية ما دامت لله عز وجل فكان من الطبيعي أن ينشرها الله ويبينها وينميها ويحميها ويثمرها وأن لا تستطيع قوةً على وجه الأرض على طمسها وإخفائها . وهذا في الجانب الغيبي نعتقد به اعتقادًا تامًا . أما حديثنا الآن فهو عن الوسائل التي تم بها حفظ هذه القضية ووصولها إلينا . وهذا الحديث يحتاج إلى الكثير من البحوث التخصصية والحقيقة أنه بحث جدًا مفصل ونحن نشير إلى إشارات مختصرة .

كيف انتقلت هذه القضية ؟

     وهذا فيه إجابة لمن يقول أن القدر المتيقن من أحداث كربلاء أن الحسين قتل فقط وأما بقية التفاصيل فكلها احتمالات ولا دليل عليها وهذا القول منسوب إلى أحد العلماء الفضلاء وهذه النسبة كاذبة وأساسًا فإن أي كلام ينسب إلى شخص ولا يذكر المصدر المعتمد في أنه قال هذا الكلام في الكتاب الفلاني وتراجعه أو قاله بصوته في التسجيل الفلاني وتراجعه ، فإن لم يكن في هذين فهو كذبٌ عليه إلى أن يثبت العكس ، كأن تقول أن الإمام الصادق قال كذا وتبحث أين قال هذا فلا تجد له مصدر فهذا كذبٌ على الإمام ولو صنع هذا الفعل أحد ما في شهر رمضان فإن صومه يكون باطلًا لكذبه على الإمام ودون ذلك أن تكذب على العلماء فتقول قال العالم الفلاني كذا وهو لم يقول هذا الكلام أصلًا . فماذا يعني أنه الذي ثبت عندنا فقط أن الحسين قد قتل ؟ علمًا أنه أشد المتعصبين في الاتجاه الأموي لم يقل هذا الكلام ، فابن كثير وهو تلميذ ابن تيمية والذهبي معاصر ابن تيمية وهؤلاء في الاتجاه الأموي لو يستطيعون تغيير كل التاريخ من أجل تبرئة بني أمية فعلوا ذلك ومع ذلك فالواحد منهم يكتب حوالي أربعين صفحة في مقتل الحسين عليه السلام وهو خلاصة ما نذكره نحن مع تغيير بعض الأحداث لتبرئة بني أمية . 

      فلنبين كيف انتقلت من الأيام الأولى حركة المقاتل فأساسًا بعد شهادة الحسين عليه السلام بدأت فكرة كتابة المقاتل وما كانت معهودة قبل ذلك ، فأول من عرف بأنه كتب عن مقتل الحسين عليه السلام كان الأصبغ بن نباته المجاشعي وهو من أصحاب الإمام علي والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام لكنه لم يشارك في عاشوراء وكتب كتابًا باسم (مقتل الحسين ) وهذا عاصر الحدث . وبعده بمدةٍ قصيرة كتب لوط بن يحيى الأزدي المعروف بأبي مخنف ( ومعنى مخنف يعني في أنفه خنف أي ميل ) والذي توفي سنة 157هـ وهو من أصحاب الإمامين السجاد والباقر عليهم السلام ، وهذا كتب المقتل مفصلًا الباقي منه والآن والموجود المعروف بتاريخ الطبري حوالي 150 صفحة من خروج الإمام الحسين من المدينة المنورة إلى أن استشهد وبعد شهادته أيضًا بعضًا من أخبار الكوفة وبعض من أخبار الشام ولكن كل هذه التفاصيل كخطب الحسين عليه السلام ومحادثته مع بني أمية وماذا حدث في المدينة مع مروان والوليد بن عتبة وما الذي دار بينه وبين ابن الزبير ومن لقي في الطريق إلى مكة المكرمة وماذا حدث في المدينة وكيف كانت المعركة القصيرة بين ركب الحسين وبين عمر بن سعيد بن الأشدق الأموي ومحاولات اغتيال الإمام والوساطات بينهما وتفاصيل كثيرة ثم خروجه من مكة إلى كربلاء وبمن التقى في الطريق وماذا قال الإمام وخطبه وتوجيهاته وكتبه إلى البصرة وسائر الأماكن إلى أن وصلوا إلى كربلاء وماذا جرى في كربلاء وقضية الحر الرياحي وشمر وتحريضه وعدد الجيش ثم ذكر مقتل الأصحاب واحدًا بعد واحد مع الإشارة إلى أشعارهم ورجزهم وما إلى ذلك وهذا الذي وصلنا ليس كله مقتل أبي مخنف إنما جزء منه الذي نقله الطبري أما أصل المقتل فقد ذكرنا سلفا أن الكتب الأساسية الموثقة حول قضية كربلاء تم إتلافها وإعدامها من قبل السلطات السياسية ولكنهم أرادوا أمرًا وأراد الله أمرًا آخر . وحين أتى الطبري المتوفى سنة 310 وهو يعد في مدرسة الخلفاء من أوثق المؤرخين وأضبطهم وأدقهم فهو لايكتب حدث كذا وكذا إنما يأتي بالسند فيقول حدثني فلان عن فلان عن فلان جرى هذا الأمر وهذا من أعلى درجات التوثق والتحقق فنقل في كتابه (تاريخ الطبري) ماورد في مقتل أبي مخنف ولولا أن الطبري نقلها لضاع علينا هذا التراث بالكامل وطبعا هذا الرجل شيعيٌ وصدوقٌ ولكن الطرف الآخر بتهمة تشيعه أسقطوا رواياته وقد تحدثنا في هذا الموضوع بشكل مفصل في كتابنا (انا الحسين بن علي) فهم يصرحون بذلك فيقولون شيعيٌ محترق لكنه مع هذا صدوق وثقة ومضبوط الرواية ويعتبر شيخ المؤرخين في زمانه والذين جاءوا بعده كثير منهم تتلمذوا على يده وأخذوا منه.

وهناك أيضا جابر بن يزيد الجعفي وهو من أهم تلامذة وأصحاب الإمام الباقر عليه السلام وتوفي قبل أبي مخنف حوالي سنة 128ه قبل شهادة الإمام الصادق عليه السلام بحوالي 20سنة وهذا أيضا عنده كتاب عن مقتل الحسين وهو من جملة الكتب التي تلفت ولم تبقى.

    ومن أشهر المؤرخين الواقدي ولا سيما في ما يتعلق بالمغازي وله كتاب في مقتل الحسين عليه السلام وبقيت عنه روايات نقلها تلامذته مثل البلادري وابن سعد في الطبقات نقلوا عنه عدد من الروايات في مقتل الحسين سلام الله عليه .

     ونصر بن مزاحم المنقري وهو مؤرخ مشهور من شيعة أهل البيت عليهم السلام له كتب كثيرة منها وقعة الجمل و وقعة صفين و وقعة الخوارج كتب أيضا في مقتل الحسين سلام الله عليه وهو متوفى سنة 212ه فالمدائني وهو من أشهر المؤرخين عند العامة وهو غير متهم عندهم لأن توجهاته ليست شيعية فكثير من كلماته تصادف الحقيقة تحدث أيضا عن مقتل الحسين عليه السلام بشكل مفصل وهكذا حين تريد التفصيل هناك كتاب اسمه (موسوعة مقاتل الإمام الحسين عليه السلام) للشيخ محمد آل مكباس البحراني وهو شيخ موجود معاصر وقد جمع المقاتل الباقية إلى سنوات متأخرة من مقتل أبي مخنف إلى مثل مقتل الشيخ الصدوق المتوفى سنة 381ه إلى مقتل ابن قتيبة الدونري ومقتل الطبري وآخرين ، جعل ذلك كله في كتابين ضخام قد يصلان إلى 2000صفحة تقريبا وهو لمن يريد أن يتتبع المقاتل ويقارن بينها ويجمع النقاط المشتركة .

    فإلى سنة 300 في تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأعثم الكوفي وغيره في مقتل الحسين عليه السلام هذه الكتب الكبيرة بمعدل 100 إلى 150 صفحة كل واحد من هذه الكتب ذكرت مقتل الحسين عليه السلام ، وأما أولئك الذين كتبوه بشكل مختصر فحدث ولا حرج وقد ذكرنا عن ابن كثير والذهبي وابن الأثير الجزري في الكامل في التاريخ وغير هؤلاء كتبوا أقل من هذا المقدار ولكن من ذكرناهم  و هم من حوالي سنة 100هـ إلى 314هـ عدد كبير من هؤلاء ذكروا مقتل الحسين  فيما لا يقل عن 100 صفحة وفي بعض الأحيان يصل إلى 150 صفحة بالتفصيل الكثير .

      وعندنا أسبق من هؤلاء وهو الفضيل بن الزبير الرسان الكوفي وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام هذا كتب فقط في يوم الشهادة يعني عندما بدأ القتال من قتل وكيف قاتل وما هو رجزه وما هو اسمه ( الشهداء وقتالهم ) وهذا في زمان الإمام الصادق عليه السلام .

    فأولًا عندما نلاحظ سوف نرى أن كتب مؤرخي مدرسة الخلفاء لا يوجد تقريبا كتاب في التراجم مر على ذكر الحسين عليه السلام إلا وذكر مصرعه . فابن سعد البغدادي في الطبقات المتوفى حوالي سنة 230هـ عنده كتاب اسمه (الطبقات الكبرى في معرفة الصحابة) وحين يصل إلى قضية الحسين عليه السلام يكتب ما يقارب 80 صفحة في ترجمة الإمام الحسين وفي بيان شخصيته وأكثرها في قضية نهضته ومصرعه وطبعًا هذا توجهه توجه مخفف لأنه كان من ندماء المتوكل العباسي ، فكان من الطبيعي أن لايذكر كل الحقائق وإنما يلاحظ أن المتوكل هو رجل ناصبي بالنسبة لأهل البيت عليهم السلام ومع هذا فإن هذا المقدار الذي كتبه ليس شيئًا قليلًا .

     (تاريخ دمشق ) لابن عساكر حين يأتي إلى ذكر الإمام الحسين عليه السلام يترجمه ترجمةً جيدة حتى لتتعجب أن هذا دمشقي وفي أجواء الحالة الأموية ومع ذلك يذكر أمورًا كثيرةً عن قضية الإمام الحسين ويشبه في كثيرٍ منها ما جاء في مقتل أبي مخنف الأزدي . فهؤلاء كتبوا وغيرهم كتب بحيث تم تناقل هذا المقتل وهذا المصرع بل الحركة الحسينية من بدايتها في المدينة المنورة في27رجب إلى شهادة الإمام الحسين عليه السلام وبعضهم إلى ما بعد ذلك . هذا في قضية المقاتل .

     الأمر الثاني أن الذين كانوا حاضرين في كربلاء كشهود عيان كانوا على قسمين : قسم في معسكر الأعداء وقسم في معسكر الحسين وكل واحد من هؤلاء نقل قسمًا من المعركة وهذه هي طبيعة الأحداث ، ولنفترض أن حدثًا صار في الشارع وكان هناك حاضرون فإن أكثر الحاضرين عندما يذهبون إلى منازلهم أو مجالسهم ينقلون الخبر إذا كان فيه غرابة وهذا أمر طبيعي عند البشر ، وهذه معركة استمرت مدة ثمانية أيام يعني منذ وصول الإمام الحسين إلى كربلاء إلى أن استشهد ثم بعد ذلك قضية الكوفة والسبي ثم بعد ذلك الشام ، وهذه حوادث هزت الوجدان المسلم وهذا أمر غير طبيعي أصلًا وحتى لغرابتها كان من الطبيعي أن ينقلها الناقلون فقسم من المعسكر الأموي نقلها وأشهرهم كان حميد بن مسلم الأزدي وهذا الرجل من هنا ومواقف أخرى يتبين أن دوره كان أشبه بدور المراسل الصحفي وكان في الحوادث التاريخية من هذا القبيل أن ينقل أحدهم الأحداث ومن برز في المعركة ومن قتل وماذا قال ويدون ما حدث وكان حميد بن مسلم هكذا لذلك قسم كبير من الروايات نقلت عنه فأبو مخنف ينقل عنه إما مباشرةً في بعض الروايات أو بواسطة شخصًا آخر عن هذا الرجل . ولعلك تقول أن هذا الإنسان في صف بني أمية فكيف تنقل عنه ؟ والجواب على ذلك أن هذا أدعى إلى الصدق ، فحين ترى شخص مع أنه في صف بني أمية ومع ذلك ينقل جرائمهم فهذا ليست عنده مصلحة فلو قال أنا فعلت هكذا ومنعته أن يصنع كذا ومنعته من إيذاء النساء ومنعته من قتل زين العابدين هنا نضع علامة استفهام لأنه في هذه الحالة يمدح نفسه ، أما إذا كان بالعكس فهو ينقل جرائم بني أمية وأفعالهم فهذا ليست عنده مصلحة في ذلك بل العكس فهو من الممكن أن يتعرض للمساءلة والأذى فإذا مع هذا نقلها يتبين أن هذا النقل صادق وصحيح لا سيما إذا اعتضد بنقل غيره أيضًا وهذا الذي كان موجودًا .

     بعض الذين مارسوا جرائم مباشرة مثل كعب بن جابر فهو الذي قتل برير بن خضير ولما رجع إلى الكوفة أخذ يتباهى أنه أنا اعتركت معه وتماصعت معه على التراب ولولا أن فلانًا جاء وضربه بالسيف لكان غير ذلك وإن له علي دين إلى يوم القيامة وأخذت زوجته تعاتبه أنه كيف أعنت وقتلت سيد القراء فهذا المفسر الأكبر في الكوفة الذي كان يعلمك ويعلم أمثالك القرآن تلاوةً وتفسيرًا ، فتمثل في ذلك الوقت بشعرٍ يفتخر فيه . ومن هذا النوع كان قسم غير قليل من الأفراد كانوا بدافع بيان أنه كان مقاتل شديد أو أنني كنت جريئًا أو ما شابه ذلك فكان بعضهم يقص على الناس ماجرى منه وما حصل منه . وجمعت هذه الروايات وصارت تشكل جزءً من المقتل . ومن ذلك مثلًا ذاك الهلال المخسوف هلال بن نافع والذي يحصل اشتباه في أحيان كثيرة بينه وبين نافع بن هلال والذي هو من أصحاب الحسين فهلال بن نافع من جند بني أمية ونافع بن هلال من خلص أصحاب الحسين فنميز بينهما بأن النافع من نفع نفسه بالإمام الحسين عليه السلام فلما رأى الحسين خرج لوحده خرج معه حتى يحافظ عليه فقال له الإمام الحسين أترى هناك قال نعم ظلام فقال له خذ بين الجبلين وارجع إلى أهلك فقال له سيدي وأتركك قال بلى قال أكلتني السباع حيًا إن فعلت ذلك .

    هذا نافع بن هلال نميزه بالاسم المقدم نافع نفع نفسه . أما هلال فهو هلال مخسوف والذي كان من جملة بني أمية وهو وقف على مصرع الحسين عليه السلام ويقول انا جئت إلى الحسين عليه السلام وهو صريع حتى أجهز عليه فيقول كنت واقفا عند الحسين وهو يجود بنفسه فما رأيت قتيلا مضمخًا بدمه أحسن منه وقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله ، فاستسقى في هذه الحال ماءً فأبوا أن يسقوه (هناك توجه يقول أن الحسين لم يطلب الماء هذا مخالف للحقائق التاريخية فيقولون ان الحسين عزيز نفس فلا يطلب ماءً بل قد يكون واجبه الشرعي أن يطلب الماء وهذه ليست ذلة فيشكل الحسين حسب المقاس الذي يريده بل أرجع إلى التاريخ وانظر إلى الروايات الموثقة وبعضها عن أئمة الهدى عليهم السلام فهذه ليست ذلة فأنت صنعت في ذهنك أن الحسين هو رجل حديدي لايملك عواطف فلا يبكي ولا ينزل إلى ابنته ليودعها ولا يطلب لطفله الماء ) فيقول هلال فاستسقى ماءٌ فأبوا أن يسقوه.

    وآخرون مثل ذلك الذي سأله أحد أصحاب عبيد الله بن زياد كيف كانوا وكيف كنتم فقال: ثارت علينا عصابة أيديها في مقابض سيوفها كالأسود الضارية تحطم الفرسان يمينًا وشمالًا وتلقي أنفسها على الموت لاتقبل الأمان ولا ترغب في المال ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنية ولا الاستيلاء على الملك. فيسأله: لم لم تكفوا عنهم ؟ فيقول فلو كففنا عنها رويدًا لأتت على العسكر بكامله فما كنا فاعلين لا أم لك؟ 

   هاني بن ثبيت الحضرمي يقول ؛( إني لواقفٌ عاشر عشرة لما صُرع الحسين إذ نظرت إلى غلامٍ فأقبل عليه رجلٌ – طبعًا هو نفسه – لكنه أراد أن يخفي هذا الأمر وذلك في قضية مصرع عبدالله بن الحسن لما جاء عمه الحسين وجلس في حجره وجاء رجلٌ ليضرب الحسين عليه السلام فتوقى الطفل عبدالله تلك الضربة حتى لا تصيب عمه الحسين فأطنها وتعلقت بجلده فقال : يا عم لقد قطعوا يدي . هذا هو نفسه هاني بن ثبيت الحضرمي هو من قطع يده لكنه كنى عن نفسه والروايات الأخرى تذكر اسمه .

   ومثل مسروق بن وائل الحضرمي الذي قال كنت أول الخيل لعلي أصيب رأس الحسين فأحظى به عند بن زياد فلما رأيت ما صُنع بابن حوزة الذي رأى الحسين وقد أحاط مخيمه بالنار حتى لا تقتحمه الخيل فالإمام صنع حزام حماية من الخلف إلى المخيم فلما جاء ابن حوزة قال : يا حسين تعجلت النار قبل يوم القيامة ؟ فقال الحسين من هذا ؟ قال : ابن حوزة . قال : اللهم حزه إلى النار . فلما قال هكذا رمته فرسه التي كان راكبًا عليها في وسط تلك النار فاحترق فيها إلى لعنة الله . فيقول أنا كنت في مقدمة الجيش حتى أحصل على رأس الحسين وأحصل على الجائزة ، فلما رأيت ما صُنع بابن حوزة بدعوة الحسين علمت أن لأهل هذا البيت حرمةً فرجعت إلى الخلف .

فهذه نماذج وإلا فيوجد عدد كبير من أراد أن يتتبع أقوالهم وكلماتهم وهؤلاء كانوا ينقلون هذه الأحداث لأهله وأصحابه ومجالسه .

ويوجد قسم آخر وهم الشهود الذين كانوا في معسكر الحسين عليه السلام وهؤلاء تولوا نقل ااحادثة بتفاصيلها ، ومنهم من غير المعصومين وغير أهل البيت:

مثل الضحاك بن عبيد الله المشرقي والذي تعاقد مع الحسين عليه السلام أن ينصره مادام هناك ناصر له وإذا بقي من غير ناصر فهو في حل من بيعته ، فقال الإمام الحسين : افعل ما بدا لك (وطبعا هذه خسارة أن يصل إلى باب الشهادة فيغلقه عن نفسه لكن الحسين يقبل من كل أحد استعداده ) وفعلا قاتل مع الإمام إلى أن تفانوا كلهم جاء الضحاك للحسين وقال له : أنا على الوعد .فقال الإمام كيف وقد أحيط بنا ؟ فقال الضحاك أنا حسبت لهذا الأمر فوضعت فرسي داخل الخيام حتى لا تعقر  . فقال الإمام :كما تشاء ، وفعلا فر من ذلك المكان فلم يفز بالشهادة لكنه صار هو الشخص الذي نقل الواقعة إلى ما قبل مصرع الحسين عليه السلام فأكثر الروايات تنتهي إلى هذا الرجل وصار المقتل أكثره يروى عنه وربما كان هذا من التدبير الإلهي أن هذا الرجل لا يقتل ويرجع ليروي الأحداث.

    عقبة بن سمعان مولى الرباب بنت امرؤ القيس زوجة الإمام الحسين وقد رافق الحسين من خروجه من المدينة إلى أن رجعوا إلى المدينة وقد نقل أحداث المقتل حتى أهم قضية و التي أراد بعضهم أن ينشرها لتشويه أهداف الحسين عليه السلام أنه في الاتجاه الأموي قالوا أن عمر بن سعد اتفق مع الحسين أن يترك الأمر ويسلم بيد يزيد يرسله أي مكان في الثغور أو يرجع المدينة أو يبايعه وهذا مكذوب على الإمام الحسين . وعقبة بن سمعان كان يحدث في المدينة أنه كنت مع الحسين منذ خرج من المدينة إلى أن استشهد فلا والله ما سمعته يقول ما يقول الناس من أنه يضع يده في يد يزيد أو يرسله إلى بعض الثغور .

     ومن شهود العيان المرقع بن ثمامة الأسدي وهو ممن أسر من أنصار الحسين عليه السلام ضُرب وأُسر و أُخذ مأسورًا ثم بعد حوالي ثمانية أشهر توفي على أثر الجراحات التي كانت فيه وكان يحدث بما جرى في كربلاء إلى شهادة الإمام الحسين عليه السلام .

     هذا فضلًا عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ‘ الإمام زين العابدين عليه السلام وقبله زينب وقبله هنا باعتبار السن وهو قبلها باعتبار الإمامة . فزينب عندما رجعت إلى المدينة أحد أهم أسباب إخراجها من المدينة بعد حوالي سنتين من شهادة الحسين عليه السلام أنها كانت تعقد المجالس وتتحدث فيها عن كربلاء وما جرى فيها فحاكم المدينة كتب إلى يزيد : زينب امرأة عاقلة لبيبة متكلمة إذا بقت هكذا تثير الناس وهي تحدثهم بما جرى في كربلاء وهي في كل يوم عندها مجلس . وهي ممن شاهد وعاصر .

   الإمام زين العابدين عليه السلام أيضً تحدث وروى على الأقل لابنه الباقر عليه السلام ، هذا إذا لم نقل إلى كل أصحابه وإلا فإن هناك روايات منقولة عن الإمام زين العابدين عليه السلام .

    الإمام الباقر عليه السلام من الأحاديث المطولة عنه  وقد نقلها حتى بعض كتب مدرسة الخلفاء كالطبري وغيره  ، فقد قال عمار الدهني وهو من أصحاب الإمام الباقر : يا بن رسول الله حدثني حديث كربلاء حتى كأني حضرتها . وبالفعل الإمام الباقر عليه السلام حدثه بحديثٍ طويلٍ جدًا اقتطعه واستشهد به الطبري .

     والإمام الصادق أيضًا كذلك وأهل البيت عليهم السلام كان عندهم عنايةٌ في هذا الباب ولو تيسر الوقت لبعض المؤلفين والمحققين والباحثين أن يتتبعوا مصيبة كربلاء من لسان أئمة الهدى عليهم السلام لوجدوا شيئًا كثيرًا جدًا . والحمد لله في الفترات الأخيرة تؤلف كتب وموسوعات في المقتل وتنحو منحى التحقيق والتدقيق وهذه أعمال مشكورة . المرحوم السيد جعفر مرتضى العاملي عنده كتاب ( سيرة  الحسين في التاريخ والأدب ) والعلامة الشيخ الري شهري عنده كتاب ( الصحيح من مقتل سيد الشهداء ) وغيرهم أيضَا ولا نريد أن نقول أن هذا هو نهاية المطاف أو أن هذا هو الصحيح وغيره غير صحيح ، وإنما هذه عمليةٌ اجتهاديةٌ ومحاولة تحقيقية يثنى على القائمين بها سواءً المرحوم العاملي أو الشيخ الريشهري في هذا الكتاب أو غيرهما في سائر الكتب .

   نسأل الله أن يوفق الباحثين والعلماء للكتابة أكثر عن نهضة الحسين عليه السلام .    

   وهنا نشير أيضًا إلى العمل الجيد الذي قام به العلامة الشيخ محمد هادي اليوسفي في كتابه ( واقعة الطف ) وهذا أخذ ما روي من مقتل أبي مخنف وعمل دراسة ممتازة عليه وبين أهمية وإيجابيات وميزات مقتل أبي مخنف لوط الأزدي ونشره بهذا العنوان وهو بالتالي عمل مقدر جدًا وله عليه تعليقات وتحقيقات وما شابه ذلك .

    نسأل الله لهؤلاء ولجميع من يعمل في هذا السبيل التوفيق والتسديد والتأييد .

    فإذن حين يأتي أحد ويقول أن الشيء الثابت لدينا في كربلاء فقط أن الحسين قد قتل إما أن نشكك في نياته وليس من عادتنا ذلك ، وإما أن يقول أن هذا جدًا بعيد عن التحقيق وعن العلم والتتبع التاريخي وكما قلت أن نسبته إلى علمائنا الفضلاء نسبةٌ كاذبة ولا تصح أبدًا . نعم في بعض التفاصيل قد نحتاج إلى تحقيقها والنظر فيها مثل ربما من الخطباء أو من يشبه من الممكن أن يأتي بكلمةٍ زائدةٍ أو ناقصةٍ من كتابٍ أو غير ذلك ، لكن ليس الكلام عن هذا الاتجاه بينما الكلام عن المقتل الأصلي الذي يقرأ والذي تم الحفاظ عليه من بداية خروج الإمام إلى شهادته بل إلى رجوع السبايا ، وهذا بنيته الأساسية موجودة ومحفوظة ومدونة بأقلام متعددة  من مدرسة أهل البيت ومن مدرسة الخلفاء ومن شهود عيان من هذا الطرف ومن شهود عيان من ذلك الطرف وهذا ينبغي أن يكتفى به .

     نسأل الله لنا ولجميع من يعمل في نشر القضية الحسينية والحرص عليها الثواب والأجر الجزيل ولنعلم القاعدة التي افتتحنا بها ( ما عندكم ينفذ وما عند الله باق )  .


مرات العرض: 3532
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (0) حجم الملف: 56382.34 KB
تشغيل:

مصير مجرمي كربلاء 11
سيرة ذاتية توصلك الى الجنة 13