18/ الكتب الستة في مدرسة الخلفاء
قال الله العظيم في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب - الآية (21)
حديثُنا بإذن الله تعالى يتناول موضوع الكتب الستة في مدرسة الخلفاء، والتي دُوّنتْ فيها أحاديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله، فبعد أن ذكرنا مصادر الإمامية والكتب الأربعة التي دوّنت سنة المعصومين عليهم السلام باعتبارها علمَ رسول الله وسنةَ رسول الله، نتناول هذه الليلة بشكلٍ مختصرٍ تعريفاً عن الكتبِ التي دوّنت أحاديث النبي واعتُمِدَت في مدرسةِ الخلفاء باعتبارها أنها الكتب الأهم والأفضل في هذا الجانب، بل وُصفَ إثنانِ منها بأنهما صحيحان وليس فيهما حديثٌ ضعيفٌ أو موضوع، وسيأتي الحديث عن قيمةِ هذه الكتب في مدرسة الخلفاء.
بعدَ عدةِ ليال - إن شاء الله - بعد ليالي شهادة أمير المؤمنين عليه السلام، سوف نتعرضُ إلى الملاحظاتِ التي وُجِّهت لهذه الكتب الستة، ولكننا في هذه الليلة نعرضُ عرضاً مختصراً لهذه الكتب، ذلك أنه بعد الفترةِ التي تم فيها منعُ التدوين ومَنعُ ذِكرُ الحديث وتسجيله عن رسول الله، والتي انتهت في زمانِ عُمر بن عبد العزيز - الخليفة الأموي - في سنة تسعة وتسعون هجريه عندما أصدرَ مرسوماً يَقضي بجمعِ سنةِ رسول الله وَجهَهُ إلى محمد بن حزم الأنصاري في المدينة ، فارتفعَ القانونُ الذي كان حاكماً قَرابة قرنٍ من الزمان والقاضي بمنعِ التدوين، هذا ارتفع، على أثرِ ذلك صارتْ حركة باتجاهِ التدوين للحديثِ النبوي والكتابة وإخراج ماكان رُبما مكتوباً عند بعضهم وكانوا يخشونَ مِن إبرازه، فصار فيما بعد المئة حركة باتجاه تدوين الحديث النبوي، إلا أننا لا نلتقي مع مُصنَفٍ تمتعَ بحمايةِ الدولة إلا في زمانِ العباسيين عندما أمر المنصور العباسي مالِكاً أن يُصنِّف كتاباً بمقاساتٍ معينة، قال اجتنب شدائدَ ابن عمر ورُخصَ ابن عباس ولا تروِ عن عليّ ووطِئهُ للناس، فألّفَ مالكُ هذا الكتاب الذي عُرِف فيما بعد باسم "الموطأ"، وهو موجودٌ الآن ومطبوع، هذا الكتاب صار ما يشبه الكتابَ الرسمي الديني في زمان المنصور العباسي، وهذا الكلام في نهايات القرن الثاني الهجري حيث توفيّ مالك في مئة وتسع وسبعين هجريه، قبله بمدة من الزمان ألّـفَ هذا الكتاب وأصبح المتداولاً، تعلمُ أنه إذا كان كتابٌ يتمتعُ بحماية الدولة سوف يَتنشر، يُستنسخ، يعطى لأئمةِ الجماعات، يُدَرس للمدارس التي لها أوقاف لطلبةِ العلم، بُتداول، بخلاف ما إذا كان كتابٌ لشخصٍ مثلاً مغضوبٍ عليه، فلعلَ أولَ كتابٍ اشتهرَ وانتشرَ هذا الانتشار كان كتاب مالك لهذه الجهة، أنه كان محمياً مِن قِبل السلطة الحاكمة، فيما بعد نلتقي مع كتاب مُسند الإمام أحمد بن حنبل، عنده كتاب اسمه مُسند أحمد، أحمد بن حنبل توفيّ في سنةِ مئتان وواحد وأربعون هجريه، سوف نشهدُ بدايةً مِنْ منتصفِ القرن الثالث الهجري حركةً قويةً في اتجاه التدوين وهي التي سوفَ تُبقي هذه الكتب إلى يومنا هذا باعتبارها كُتب تدوين سُنةِ النبي.
نحن نعتقدُ أنه كان الأولى بالمسلمين أن يتتبعوا كلام رسول الله، سيرتهُ أفعالهُ كلها كما أفادَ القرآنُ الكريم: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)، الأسوة ينبغي أن يقتدي الإنسانُ بها، وليس أيُّ أسوة، بل أسوةٌ حسنة، وليس أي شخص وإنما خاتمُ الأنبياء، الذين كانوا في زمانه يستطيعون أن يسمعوا هذا الكلام - كلامهُ - ويستطيعون أن يروا سيرته وأفعاله، لكن بعد سنة إحدى عشرة هجريه لا يستطيعُ أحد أن يسمعَ كلامهُ مباشرة ولا أن يرى أفعاله، فالاعتماد كان على ماذا ينبغي؟ كان ينبغي أن يتم الاعتماد على الرواية وعلى التدوين، وهذا الأمر الذي ذكرناه في عَملِ المعصومينَ وأهل البيت عليهم السلام في أنهم تتبعوا كلام رسول الله وأخذوا ما قاله لهم وصفاتهِ وأعمالهِ ونُقِلت إلينا فيما بعد.
نحن الآن في المدرسة الأخرى سوف نواجه مشكلتين، المشكلة الأولى مشكلة الانقطاع التي أقل فتراتها كانت ثمانية وثمانين سنة - منذ سنة عشره أو إحدى عشر إلى سنة تسعة وتسعين - هذه أحدى المشاكل حيث وُضِعت أحاديث كثيرة ليس لها أصلٌ عن النبي كما سيأتي بعد قليل من أن مثلا البخاري استخلص كتابه من بين ستمائة ألف حديث، هذه من نتائج ترك التدوين وترك التدوين، فصارَ مَنْ يريدُ الوضع والكذب يضعُ أحاديث هكذا لكن إذا كان أمراً مضبوطاً ومعروفاً ومدوناً فهذا الأمر ما كان ليحصل.
مشكلة أخرى سوفَ نُشيرُ إليها فيما بعد، أن هذه الأحاديث تأثرت بالاتجاه الأموي في الرجال والحديث وهذا له بحث ٌخاص في ليلةٍ خاصةٍ إن شاء الله - على أي حال سوف نجد أن بداية من منتصفِ القرن الثالث الهجري من مائتين وخمسين بل من مائتين وأربعين فصاعِداً سوف نجدُ البدايات الحقيقية للتدوين في مدرسة الخلفاء، فبدأ أول شيء أحمد بن حنبل وكتبَ كتابَهُ مُسند أحمد، المُسند يختلف في التعبيرِ عن مثلاً صحيح البخاري وعن سُنن، في أن المسند أي أن الراوي يُقسمُ الأحاديث بِحسبِ راويها، مثلاً مُسند العشرة من الصحابة الذين يعتبرونهم المبشرين بالجنة، ولنفترض مثلاً مُسندُ علي بن أبي طالب عليه السلام، فهو يأتي بكل ما رواهُ عليٌّ عن رسولِ الله عنده - طبعاً وهو قليلُ في مدرسةِ الخلفاء مارواه عليُّ بالقياس إلى كَونهِ بابَ مدينةِ علمِ رسولِ الله والفترةِ الطويلةِ التي كان فيها مع النبي من أول بِعثتهِ إلى يومِ وفاتهِ صواتُ الله عليه، ثلاثة وعشرون سنة، ثم مثلاً قد يكتفي بعض هذه الكتب بالستة وخمسين حديثاً أو سبعين حديثاً عن أمير المؤمنين عليه السلام - المهم المُسند معناه ماذا؟ معناه آخر شخص يروي عن الرسول من هو؟ إذا كان علي بن ابي طالب يُقال مُسندُ عليّ عن رسول الله، وإذا جابر بن عبد الله الأنصاري يُقال مُسند جابر عن رسول الله.. وهكذا طريقة ترتيبه للأحاديث - أحمد بن حنبل - هي هذه الطريقة، بعد هذا بدأت الكتب الأساسية الستة: صحيح البخاري وصحيح مسلم، والكتب الأربعة كتب السنن، وسنأتي على ذكرها تِباعاً. الأول كتابٌ يسُمونَه "الجامع الصحيح" وهو لمحمد بن إسماعيل البخاري المتوفى سنة مائتين وستة وخمسين هجرية، ومعنى هذا أنه عاصرَ زمان الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف وإمامته، وعاصرَ أيضاً زمان الإمام العسكري عليه السلام، وعاصرَ زمانَ الإمام الهادي سلام الله عليه، لأن عمره كان في حدود الاثنين وستين سنة، ففي هذه الفترة هو أدركهم، للأسف كما سيأتي نقلهُ عن شيخ كاشف الغطاء يقول نحن نأسف أن كتاب البخاري لم يَنقُل عن أئمة الهدى عليهم السلام ما كان ينبغي أن يُنقلَ عنهم، المهم هذا الرجل من بُخارى، بُخارى منطقة في دولةِ أوزباكستان الفعلية، أوزبكستان كانت من جُملة جمهوريات الإتحاد السوفيتي سابقاً على أثر انهيار الإتحاد السوفيتي استقلت هذه وصارت دول مستقلة واحدة منها أوزبكستان، أوزبكستان فيها منطقة بُخارى، البخاري هو من تلك المنطقة، ذكروا أنه أنفق على تأليف كتابه الجامع الصحيح الذي سوف يُعرف فيما بعد باسم صحيح البخاري ستة عشر سنة، وجَمَع وانتخبَ مِنْ بينِ ما يقوله هو ستمائة ألف حديث مروٍ عن رسول الله انتخب منها سبعة آلاف وخمسئة حديث تقريباً، إذا تلغي المكررات في هذه الأحاديث سوف تنتهي إلى ألفين وستمائة حديث، هذا كلُ الموجود في صحيح البخاري وقد ذكرنا هذا عند حديثنا عن كتاب "الكافي" للكليني، ألفين وستمائة حديث هي التي بدون مكررات في كتاب صحيح البخاري، مدرسة الخلفاء تَعتَبِرُ هذا الكتاب أعظم كتاب بعد كتاب الله عز وجل وأصدق كتاب وأكثرها فائدة ومنفعه، والاجماع كما قال النووي الإجماع قائم من الأمة - كما ذكر - على أن هذا الكتابَ كله صحيحٌ، وطبعاً هذه الدعوة فيها مجازفة بلا إشكال، لأن الإمامية كلهم لا يعتقدون بهذا الاعتقاد إلا إذا لا تعتَبِرُ هذا من الأمة، ثم في داخلِ مدسةِ الخلفاءِ كما سنأتي فيه عند حديثنا عن الملاحظات في هذه الكتب، بعضُ الإئمة الكبار المحدثين لا يرونَ نفس الرأيّ من أنه كله صحيحٌ، إلا أن تحسب هؤلاء مثلاً ليسوا من الأمة أو لا يَضُر مخالفتهم بالاجماع، وأساساً مثلُ هذا الكلام قد أُلقيّ على عواهنِه، ليسَ كلاماً دقيقاً، المهم أن هذا الكتاب اعتُبِرَ أهم كتاب وأصدق كتاب في مدرسة الخلفاء وأكثرها فائدةً ونفعاً، والرأي الرسمي العام يعتبر أن كل حديثٍ موجود في صحيح البخاري هو حديث صحيح ولا داعي لمناقشته والاعتراض عليه لا يُقبل وتضعيفه أيضاً غير مقبول، هذا الكتاب الأول وهو صحيح البخاري.
مواضيعه: يبدأُ في بدء الوحي، كيف بُدِأ الوحي لرسول الله صل الله عليه وآله، ثم يذهب إلى كتاب الإيمان وكتاب العِلم، ثم الكتب الفقهية المرتبطة بالعبادات من طهارة وصلاة وزكاة وغير ذلك، ثم يذكر في فضلِ القرآن وفي بعض الآداب، ثم في فضائل الصحابة، ثم في سيرة نبينا المصطفى محمد صلى الله عليه وآله، هذا الكتاب له شروحٌ كثيرة، وأبرزها وأشهرها كتاب "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني، هذا الكتاب الأول. طبعاً كما تعلمون يوجد مبالغات كثيرة في شأن هذا الكتاب بل حتى ادعاء بعض الكرامات لنفسِ الكتاب، كأن يقول بعضهم أنهم كانوا في سفينة وهاج البحر وعلى وشك الانقلاب وأن شخص تذكر أن عِنده كتاب البخاري فذهب وأخرجه ووضعه على طرف السفينة - حرف السفينة - فهدأ البحر وترتبت الأمور ومشت السفينة كما ينبغي، وفلان انسان في فلان مكان مرض حتى يُئِسَ منه فجيئ بالكتاب ووضع عليه فإذا به يُشفى وما إلى ذلك، وقد ذكر ذلك غير واحدٍ في المبالغات التي ذُكرت في شأنِ هذا الكتاب، سهل، كتاب حديث ما كان فيه صحيحاً من ذِكر رسول الله صلى الله عليه وآله فيه بركة اسم النبي نحن نعتقد أنه بركة وخير، لكن هذا أيضاً ليس فضيلة لهذا الكتاب أو ذلك بل فضيلة لذكر رسول الله - على فرض حصولِ تلك القضايا- هذا الكتاب الأول.
الكتاب الثاني أيضاً يُطلق عليه إسم الصحيح وهو "صحيح مُسلم"، مُسلم بن الحجاج القُشَيري النيشابوري، نيشابور بلدة في أطراف خراسان، ولعلَ ممن ذهب وتشرف بزيارة الإمام الرضا - رزقنا الله وإياكم زيارتهم وشفاعتهم - عادة يذهب البعضُ إلى منطقة نيشابور باعتبار أن فيها مكان الذي توقف فيه الإمام الرضا عليه السلام عند توجهه إلى خراسان وهناك حدث بالحديث المعروف بسلسلة الذهب: ( لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني أمنَ من عذابي) ثم قال (بشرطها وشروطها وأنا من شروطها)، سُميّ بسلسلة الذهب باعتباره يرويه عن آبائه الكرام عن رسول الله عن الله عز وجل، هذا الكتاب ألفه مُسلم بن الحجاج النيشابوري من خراسان من إيران، مسلم النيشابوري هو من تلامذةِ البخاري وتوفي في سنة مائتين وواحد وستين هجري، أي بعد نحوِ خمس سنوات من وفاة أستاذهِ البخاري، البعض يثير تساؤل أنه في صحيح مُسلم لا توجد أي رواية منه عن البخاري وهذا على خلاف المُعتاد، المُعتاد أن التلميذ يروي عن شيخه، وهذا سَندُ متصلُ واضحٌ وبالتالي البخاري بالنسبة إلى مدرسة الخلفاء أثْبَتُ المُحدِثين والمُصنفين ويتساءل هؤلاء كيف لم يتعمد مسلم النيشابوري وهو تلميذ البخاري أيَّ روايةٍ مرويةٍ عن أستاذه محمد بن إسماعيل البخاري، ربما تُقدّم إجابات كثيرة لكن في الغالب الباحثون لا يرَونَها مُقنعةً ولا يجدونَ جواباً في الحقيقة، لا نستطيع أن نقول مثلاً لم يكن يثقُ به بالتالي أستاذه هذا،أو لا يرى كتابه كتاباً صحيحاً بالتالي هو تلميذه، إلى ذلك، لكن يبقى هذا السؤال موجوداً.
عدد الأحاديث التي فيه أقل من صحيح البخاري ففيه سبعة آلاف ومئتان وخمسون حديثاً، عند حذف المكررات منها تصبحُ أربعة آلاف حديث وهذا غيرُ مكررٍ في صحيح مسلم ومنهجه تقريباً بهذا النحو: تحدث عن الإيمان ثم عن الطهارة ثم عن الصلاة ثم عن الحج وهكذا عن الزكاة، يعني مواضيع في الغالب هي مواضيعٌ في الفقه وروايات، والروايات المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يرتبطُ بالأحكامِ الفقهية والشرائع، بعد هذين الكتابين اللذيّن عُنْوِنا بعنوانِ الصحيح، سوف تأتي أربعة كتب بعنوان السُنَنْ، سُنّه يعني مستحب، وهذه الكتب التي سوف تأتي الغالب عليها هي أنها في باب المستحبات وأمور السُنن، وأولها من ناحية الترتيب الزمني هو سُنَنِ ابن ماجه، محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، أيضاً هذا من قزوين، بخاري من أوزبكستان، مُسلم من نيشابور خراسان، القزويني ابن ماجه من قزوين. عدد أحاديث الكتاب هذا أيضاً أربعة آلاف حديث، ولذلك قد ذكرنا فيما مضى ناقلين القول أن مجموع الكتب الستة بعد حذف المكررات فيها لاتصلُ عدداً إلى عددِ الكافي من الروايات إلى عدد روايات الكافي الذي تتجاوز رواياته عدداً ستة عشر ألف رواية، وحتى لو فرضنا أنه استخرج منها ما قالوا أنه ضعيف وغير صحيح وإلى آخره - حتى هذا المقدار الذي قيل - بقيّ أربعة آلاف فهو أيضاً يتجاوز سائرَ الكتب المدونة كل واحد واحد مع حذف المكررات إذا فرضنا أن كل أحاديثه صحيحة، فسُنَنُ ابن ماجه القزويني المتوفى سنة مائتين وثلاث وسبعين هجري أيضاً في أواخر القرن الثالث الهجري، بين هذا وبين زمان رسول الله، أي بين وفاة ابن ماجه أو بين وفاة مسلم أو بين وفاة البخاري وبين وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فوق المائتين وأربعين سنة في أقل تقديرٍ وإلا قد يزيد هذا العدد كلما مشينا بالتدريج.
الكتاب الرابع سُنَنِ ابن داوود السجستاني - سليمان بن الأشعث السجستاني - سجستان الآن معروفة بسيستان عندما كانت تُعرّب في السابق تقال سجستان والآن سيستان، سيستان منطقتان، منطقة تابعة لخراسان إحدى قرى خراسان وهي إماميةٌ بالكامل، ومنها المرجعيات الدينية وعلماء وغير ذلك، وعندنا سيستان وبلوشستان تلك محافظة في إيران لكن هذه المحافظة لها إمتداد قبليّ لأفغانستان وباكستان ويسكنها غالباً البلوش، البلوشيون سكناهم في تلك المنطقة - سيستان وبلوشستان - منطقتهم التاريخية ولهم لغتهم الخاصة وحتى أشكالهم مميزة موجودين في قسم من أفغانستان وموجودين في قسم من باكستان وموجودين أيضاً في قسم من إيران، أبو داوود السجستاني من تلك المنطقة، متوفى سنة مائتين وخمسة وسبعون هجري وهو تلميذ أحمد بن حنبل وأستاذ الترمذي، سيأتي أبو عيسى الترمذي محمد بن عيسى أيضاً له كتاب السُنن بعد قليل، عدد أحاديث السجستاني خمس آلاف وثلاثمائة وهذه سُنن، مثلاً يأتي على ذِكرِ الوضوء، ما هي سنن الوضوء، لنفترض البسملة، لنفترض بعض الأذكار، وفي الصلاة ماذا يُقال عند افتتاحها، الأعمال المستحبة والسُنن تتكفل بها هذه الكتب كتب السنن.
سُنن الترمذي لمحمد بن عيسى المتوفى سنة مائتين وتسعة وسبعين بعد وفاة أستاذه السجستاني بنحو أربعة سنوات، الترمذي عُدَ من المُصنفين الكبار وأنه فاقَ بعضَ أساتيذهِ، الذهبي ماذا يقول يقول عنه هو حاذقٌ وعارفٌ، هنا ملاحظة أريدُ أن أشيرَ إليها، الترمذي مع حَذقِه هذا ومع علميته في قضايا الرجال والحديث فقد أخرج في كتابه وكتب في كتابه بعض الأحاديث الصحيحة من حيث السند إليها، وهي تعتبر من أهم ما يَعتمد عليه الإمامية في إثباتِ إمامة أهل البيت وهو حديث الثقلين: ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، هذا الحديث موجودٌ في كتاب سُنَنُ الترمذي، والعادة هذا أمر مثير للاستغراب، كتاب السنن المفروض هو كتابٌ فيه المستحبات إلا أن الترمذي أخرج هذا الحديثَ في كتابه وبسندٍ معتبر خلافاً لما رواه مالك في كتابه بنص ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وسنتي) هناك سنده غير معتبر على مقاييسهم، وهنا في سُنن الترمذي هذا الحديث معتبرٌ على مقاييسهم، وسبحان الله كيف تمسكوا بذلك الكتاب وتركوا هذا، لعله مالك إذا أحد يريد أن يريد يعتذر إليه - لأن مالك تقريباً لم يذكر عن عليّ عليه السلام في الموطأ شيئاً وروى مثل هذه الرواية - يقول هذا كان تحت سلطة المنصور العباسي والمنصور أوصاهُ بأن لا يَنقل عن علي بن أبي طالب شيئاً والمنصور كان شرساً في قراراته، فالرجل لم يروِ عن علي وإذا عنده حديث صحيح (كتاب الله وعترتي) سوف يتركه لصالح (كتاب الله وسنتي) ولو لم يكن معتبراً لأجل خوفه وتَقِيته من المنصور - هذا إذا يُرادُ الاعتذار له - وإذا لا كما يقول باحثونَ آخرون، يقولون أن مالك أساساً ماكان حسن النظر في عليّ أمير المؤمنين عليه السلام لأنه نُقِلَ عنه أن أفضل الناس بعد رسول الله أبو بكرٍ ثم عُمر ثم عُثمان ثم لا نُفاضل بين أحد، أي أن عليّ بن أبي طالب حتى ليس في الرتبة الرابعة وبعدها يكون حالُه حال سائر الناس، هذا منقول في حياته وسيرته، فإذا صَح هذا يَتَبَيّن أن القضية ليست قضية لا ليست قضية ضغط أو حالة سياسية وما شابه ذلك، المهم الترمذي مع معرفتِه ودقتِه وحذقِه في هذا العلم جاء بروايةِ حديث الثقلين الذي يعتبر من أهم الأحاديث - لو لم يكن أهمها - التي تثبتُ المرجعيةَ الدينية لأئمة أهل البيت عليهم السلام والمرويه عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
ترمذ أيضاً في أوزبكستان، وهو يُعَدُ مِن تلامذةِ البخاري والسجستاني أيضاً. آخر كتاب هو كتاب سُنن النسائي، أحمد بن شُعيب النسائي، نساء أيضاً من خراسان، كُل هذه الكتب مؤلفوها من إما اوزبكستان أو خراسان، نعم مقيل أن مسلم بن الحجاج قُشيري وبنو قُشير أصولهم عربية ولكنهم سكنوا في نيشابور - هذا يُقال هالكلام أيضاً - النسائي من بلدة نساء أيضاً في خراسان وهو أحمد بن شُعيب متوفى في أوائل القرن الرابع الهجري من ثلاثمائة ويزيد - من ثلاثمائة واثنين وثلاثمائة وثلاثة - هذا النسائي، عندما يأتي الذهبي يصفه يقول الذهبي أنه أحذق من مسلم صاحب الصحيح، النسائي بالقياس إلى مسلم صاحب كتاب الصحيح أكثر حذقاً معرفةً خبرةً في الحديث و السجستاني والترمذي، يعني النسائي أفضل من ثلاثة من أصحاب الكتب الستة وألّفَ كتباً متعددة ومنها كتاب السنن، ومن أهم كُتبهِ كتاب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، ويصفونه بأنه كان قائلاً بأفضلية علي بن أبي طالب، هذا الأمر هو الذي جعل النسائي - فيما يعتقد باحثون مع أنهُ أحذَقُ من مُسلم أحذَقُ من السجستاني أحذَقُ من الترمذي - أي أنه يجب أن يكون في الطبقة الأولى بصف البخاري - فلماذا تأخر كتابهُ وتأخر الاستشهاد به ولم يُعطَ موقعه الطبيعي بين المحدثين، يقول الباحثون نظراً لأنه كان يقول بأفضلية علي بن أبي طالب، وإذا شخصٌ يقولُ بأفضلية علي بن أبي طالب فهذا مشكل مشكلته.
سيأتي إن شاء الله عندما نتحدث بعد ليال الوفاة - إن شاء الله - حول الملاحظات التي تأتي على بعض هذه الكتب وعلى نمو الاتجاه الأموي في الرجال وفي الحديث سوف نجد اتجاهاً يستكثر على الإنسان أن يميلَ إلى علي بن أبي طالب، فإذا وُصفَ مثلاً بأنه كان يتشيّع - الذهبي عندما يتحدث في كتاب سيّر أعلام النبلاء تَكَلَم عن النسائي والذهبي شمس الدين يعتبر من المُتشدِدين مذهبياً وبالنسبة إلى التشيع وما يرتبط به هو النارُ المُحرقة - حسناً فأيُ شخص إذا فيه قليل من الميل يقول أنه كان يتشيع، وعندما يذكر عن النسائي يقول فيه تشيعٌ قليل وكان يُبغِضُ معاوية وعَمرو بن العاص سامحُ الله، كيف يعني يُبغض عمرو بن العاص، هذه كأنما خصلة عيب فيه وذنب يجب أن يسامحه الله ويغفر له، بل أكثر من هذا غيرُ الذهبي يقولون كان يقول بأفضلية عليّ، أفضلية عليّ تارةً تكون أفضلية عليّ من عُثمان وهذا حسب قول محدِثين يقولون هذا كثيرٌ في أهل الحديث، قليل الذين يُفضلون الخليفة الثالث على عليّ، أو أنه لا، أفضلية الإمام عليّ على الخليفة الأول والخليفة الثاني، وهذا بالنسبة إلى أتباع مدرسة الخلفاء جداً أمر مشكل، لماذا؟ لأنه إذا صار أفضل فكيف تقدما عليه وهم يعلمون أنه أفضل؟ كيف يمكن تبرير وتصحيح الخلافة هذه مع كونه أفضل ممن تقدمَ؟ فقرروا قاعدة نحن تحدثنا عنها في ما قبل عدة سنوات حول نظرية عدالة الصحابة كيف تأسست وكيف تكوّنت وما هي فروعها وأطرافها، كان من جملة فروعها الاتفاق على أن أفضل البشر بعد رسول الله ترتيب الخلافة بهذا النحو الذي جرت فيه ثم العشر المبشرة ثم أصحاب رسول الله ثم سائر الخلائق، لكن هذا الترتيب ترتيب صارم وحازم - ليس فيه كاف ولام كما يقولون - فإذا شخص مُحدث بمستوى مثلاً النسائي الذي هو أحذق من مسلم وأحذق من الترمذي وأعلم من السجستاني ثم يأتي ويقول أن هذا أفضل من الخلفاء هذا جداً مشكل بالنسبة لهم، طبعاً هو دفعَ حياته ثمن ذلك، النسائي خرج من مصر كما قالوا وكان يتنقل في طلب العلم والحديث، خرج من مصر وجاء إلى بلاد الشام بعضهم يقول دمشق وبعضهم يقول فلسطين - بلاد الرمل - وكان قد علم أن هذه المناطق فيها ميل عن عليّ وبغض له، فألّف كتاباً اسمه خصائص أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، يوجد عتابٌ عليه من عدة فروع، أولاً قسم من الناس قالوا له لماذا لم تكتب خصائص في غير عليّ بن أبي طالب يوجد ثلاث لماذا لم تكتب عنهم وخصصت علي بن أبي طالب دون غيره فاعتذر لهم بأنه في المنطقة الفلانية هناك بغض لعليٍّ، وكلمة خصائص أساساً كما يقول بعض المحدثين يقولون أن كلمة خصائص أن فيها إيحاء أنها كخصائص النبي وفيها جوانب غيبية حيث أنه عندنا أن النبي عنده خصائص لا يشاركه فيها غيره، في بدنه، في عبادته، في علاقته بالله، إلى غير ذلك، هذه مختصاته أي بشر آخر لا يشترك معه وهذه قادمة من الغيب من الله عز وجل وأنت تأتي وتستخدم هذه الكلمة في حق عليّ بن أبي طالب! فما هو قصدك، وأنت أيضاً يا أحمد بن شعيب النسائي واذهب إلى أين إلى بلاد الشام والآن سواءاً مدفنه الآن في فلسطين فهل نُقل من الشام إلى فلسطين أو لا هو كان الحادثة حدثت هناك - هذا يحتاج إلى تحقيق تاريخي - المهم في بلاد الشام إجمالاً، فذهب يُحدث في فضائلِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام! عمل فدائي حقيقةً، في ذلك الوقت كان عمره ثمانين سنة، ثمانون سنةً من العمرِ كان له، واذهب إلى هناك وابدأ في المسجد حدثني فلان عن فلان عن فلان عن رسول الله أنه قال أنا مدينة العلم وعليّ بابها، حدثني فلان عن فلان عن فلان أنه قال أعلمكم عليّ أقضاكم عليّ واستلم من هذه الروايات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، اليوم الأول اليوم الثاني اليوم الثالث، الأسبوع الأول هؤلاء الذين يستعمون يقولون له ألا يوجد عندك عن فضائل معاوية تحدثنا عنها، فأجابهم في اليوم الأول أنه أما رَضِيّ معاويةُ أن يخرجَ رأساً برأس حتى يريد له فضائل، يعني الآن تريدون أن تفضلونه على أحد هو لِيَقُل أنا مساوٍ هم كثير عليه، فألحوا عليه، فقالَ ما صح عندي من حديثٍ إلا قول النبي لا أشبَعَ الله بطنه، طبعاً هذا الحديث أيضاً موجود في صحيح مسلم، والشيء الطريف - وهذا سوف نذكره إن شاء الله عند الحديث عن الاتجاه الأموي - أن هذا الاتجاه حتى الأحاديث التي فيها ذمّ يؤولها بالفضائل، أحدهم سنشير إليه في ذلك البحث إن شاء الله، يقول تعلمون لماذا قال النبي لا أشبَعَ الله بطنه، لماذا فقال لأن عندنا حديث: أكثركم جوعاً في هذه الدنيا أكثركم شبعاً في يوم القيامة، فهذا النبي يدعو إليه أي أن يقول له أن الله يجوّعك هنا لتكون يوم القيامة شبعان وريّان فهذا ليس ذم بل هذا مدح، حسنا إذا كان بهذا الشكل نقول له لهذا الذي يؤوّل له أشبع الله بطنك ولا أروى الله معدتك حتى يكون في يوم القيامه وضعك مرتباً، لا أراحك الله حتى ترتاح هناك، هل هذا شيء معقول لكن هو الهوى يُعمي ويُصم، لمّا سمعوا هؤلاء هذا الكلام فقالوا له عجيب وتتكلم على صحابيّ من صحابةِ رسول الله، وبلاد الشام هي فيها هوى معاوية وبني أمية منذ سنة سبعة عشر هجرية ونحن الآن سنة ثلاثمائة وثلاثة هجرية وثلاثمائة واثنين هجرية، طوال هذه الفترة وهي تُغذى بالتوجه والفكر الأموي فأخذوا يَجُرونَه سحباً من السجد، وأتى جماعة اجتمعوا عليه هذا يقول كذا وكذا فظلوا يخبطونه في بطنه إلى أن أصيب بالفتق وتوفيّ في ذلك المكان، لماذا؟ لأنه حدّث بفضائل عليّ بن أبي طالب وذكر خصائصَ أمير المؤمنين سلام الله عليه، الآن بعضهم يقولون هذا شافعي المذهب لكن كان محباً لعلي، وبعض يقول كان شيعيّ القلبِ لكنه لا يستطيع إظهار ذلك، هذا له مكان آخر نتحدث فيه إن شاء الله، المهم أنه هذا ذهب شهيدَ شهادته لعليّ بن أبي طالب بخصائصه ومناقبه في مكانٍ كان رُبما يعلم أنه سيؤذى ويُعارض، وهذه مرتبة من المراتب الكبيرة.
الشام غُذّيت منذ وقت مُبكر في ثقافة والإعلام وخُطَبِ الجمعة وغير ذلك بعداء عليّ بن أبي طالب، لمّا يريد عمر بن سعد يحرش الجيش أكثر ويحركهم أكثر يقول لهم أتدرون من تقاتلون هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب احملوا عليه، هذا الذي قَتَلَ آباءكم، هذا الذي كان يُشهِرُ السيف في وجه أجدادكم
|