إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب .. هل يصح؟ 7
المؤلف: الشيخ فوزي السيف
التاريخ: 10/6/1442 هـ
تعريف:

سلسلة الأمثال الخاطئة 7

إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب

كتابة الفاضلة ليلى الشافعي

     حديثنا هذا اليوم أيضًا يتناول أحد الأمثال الخاطئة التي قد تنتشر في بعض الأوساط الاجتماعية وتؤثر في فهمها الخاطئ للحياة أو في سلوكها الاجتماعي وتعاملها مع سائر فئات المجتمع ، وقد نبهنا فيما مضى من الأحاديث أننا لسنا في صدد تصحيح هذه الأمثال فربما مثلًا يقول البعض أنه الأفضل أن يقال في المثل كذا وكذا ، لسنا بصدد تصحيح المثال وإنما في صدد أن نقول أن هذا المثل المنتشر بين الناس خاطئ والصحيح هو ما يهدي إليه القرآن الكريم وما تهدي إليه أحاديث المعصومين عليهم السلام .

   وربما يقول شخصٌ آخر أن هذا المثال قد يفهم بشكل آخر ، ونحن أيضا لسنا في صدد ذلك وإنما في صدد التوجيه إلى أن الفهم العام لهذه الكلمات وبهذه الطريقة شيئ غير صائب وغير صالح .

     من الأمثال التي صيغت شعرا أو في بعض الأوصاف هي باقية على صورتها النثرية ما ذكر من قولهم : ( إن لك تكن ذئبا أكلتك الذئاب ). وهذا المثل له صياغات متعددة ، منها ما هو شعر منقول :

  إن لم تكن ذئبًا من الذئاب     يأكلك فيها أحقر الكلاب 

أو في صياغةٍ أخرى قريبة منها : ( تغذى به قبل لا يتعشى فيك )

يعني بادره بالاعتداء والضرب والهجوم قبل أن يهجم عليك في وقت متأخر .

وهذا أيضًا من نفس القماشة . 

وأيضًا من نفس القماشة البيت المعروف للشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى :

     ومن لم يذذ عن حوضه بسلاحه      يهدم ومن لا يَظلم الناس يُظلم

الشاهد في عجز البيت ( من لا يَظلم الناس يُظلم )

    في هذا البيت والذي هو جزء من إحدى المعلقات الجاهلية المشهورة وهو شاعر كان قبل الإسلام ومات قبل بعثة رسول الله بسنة واحدة ومعروف كشاعر من كبار الشعراء الجاهليين وله معلقة وكان يقال لشعره الحوليات ، فكان في كل سنة يقول قصيدة واحدة .

   وهذه من جملة حولياته ، وهي للإنصاف في غير هذا الشطر من البيت قصيدة قوية ، فيها مواعظ وحكم حياتية فمثلًا مما جاء فيها :

      ومن يك ذا فضلٍ فيبخل بفضله     على قومه يستغن عنه ويذمم 

   فصاحب الثراء حين يبخل على أسرته وعلى أبناء مجتمعه وأصحابه وقبيلته هذا الشخص يستغني عنه الناس ويذمم أيضًا ولا يمدح . فطريق السيادة الجود وطريق الحضور الاجتماعي ليس باللباس الفاخر وركوب السيارة الفارهة ، إنما السخاء بالجود ، وفي الرواية ( من جاد ساد ) 

ومنها أيضًا :

   ومن يجعل المعروف في غير أهله       يكن حمده ذمًا عليه ويندم 

   فحين يجعل معروفه ليس في الفقير والمحتاج فلا يعطي الفقير والمحتاج ، كما يفعل قسم من الناس حين يذهب إلى صاحب الخضرة الذي بالنسبة له الريال له قيمة ويظل يأخذ ويعطي معه على نصف الريال وربع الريال والريال ، بينما حين يذهب إلى مقهى من المقاهي المعروفة لا مانع لديه أن يعطي إكرامية 20 ريال أو أكثر مثلًا بزعم البرستيج وغيره .

    هذا المعروف اجعله في محله مع ذلك الفقير الذي يجلس من الصباح إلى المغرب من أجل أن يربح ثلاثين أو أربعين أو خمسين ريال وهي تعني الكثير بالنسبة له . 

   ويقول أيضًا :

   ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ     وإن خالها تخفى على الناس تعلم 

   فإذا كان غضوبًا مثلًا فلا يستطيع أن يخفي هذه الصفة مهما حاول ، أو عنده خيانة ويتستر على نفسه ولكنه مع الأيام يكتشف . فلا تتصور أن الإنسان الذي عنده خليقة يعني أخلاق أو طريقة ويخفيها أنه ستبقى خفية بل لا بد أن تظهر ، فهذه معاني قوية . 

وهنا أيضاَا يقول : ومن لم يذذ عن حوضه بسلاحه يهدم

ذاك الذي لا يدافع عن شرفه وعن بلده وعن عرضه يهدم ذلك الحوض . 

    لكنه يأتي هنا ويقول : ( ومن لا يظلم الناس يظلم ) هنا محل توقف وتساؤل .

لذلك قسم من الباحثين في اللغة والشعر قالوا أن هذه لمعاني لا تنسجم مع هذه فلا بد أن نبحث عن مخرج لها فقالوا أنه يقصد من لا يرد الظلم عن نفسه يظلم وهذه تسمى في اللغة العربية المشاكلة مثل : ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) فرد الاعتداء ليس اعتداء . فسواء كان هذا الكلام صحيح أو غير صحيح باعتبار أن العرب كقبائل هذه الفكرة موجودة عندهم فكان شغلهم على الغزو والاعتداء والقتال والسيف وأنه لا بد أن يكون الواحد مرهوب الجانب حتى لا يعتدي عليه الآخرين وهذا يكون بأن يعتدي هو على الآخرين ويؤدبهم حتى لا يطمع فيه أحد ، فهذا الكلام منسجم مع حالة العرب في الجاهلية والتي كان بعضهم يفتخر أنه أنا لا آكل إلا من وراء سيفي فأحمل على هذه القبيلة وأغنم الإبل والشاة وسائر الأمور فأنا مصدر رزقي هو سيفي وهذا من الناحية الدينية خطأ وحرام شرعا . 

   على أي حال هذه الفكرة موجودة عند قسم من الناس ( إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب ) 

    والذئب في الثقافة العربية جدا سيئ يعني المثال في الذئب علامة على الخيانة والفتك والأذى لذلك تأتي الأمثلة هكذا مع أنه بعض الدراسات في علم الحيوان تخالف هذا تماما وتنصف الذئب عن هذه الصورة الموجودة . لكن إجمالا هذا المثال منتشر ومتأثر بهذه البيئة .

هل يصح هذا المثال ؟

الجواب : كلا 

فعندنا في الشريعة الإسلامية والتوجيه الديني أنه حتى إذا علم إنسان أن زيدًا سوف يهاجمه المغرب ، لا يجوز له أن يهجم عليه الصباح لأن هذا يكون من باب العقوبة قبل الجناية .

قيل للإمام علي عليه السلام : ما دمت تعلم أن قاتلك ابن ملجم فلم لم تقتله أولم تسجنه ؟

فقال الإمام عليه السلام : كيف أقتل شخص قبل الجناية ؟

    فلو فعل ذلك لما كان علي بن أبي طالب إنما أصبح واحدًا من هؤلاء الحكام الموجودين في العالم الإسلامي الذين يأخذون بالتهمة ويعاقبون على الظنة . لكن عليًا يأبى ذلك . ومنطق تغذى فيه قبل ما يتعشى فيك هذا منطق غير صحيح . والمنطق الصحيح ( لا تَظلمون ولا تُظلمون ) ومن غير المسموح لك أن تترك أحد يظلمك ، فالله سبحانه وتعالى كما في الرواية : أوكل إلى عبده المؤمن كل شيء ولم يوكل إليه أن يذل نفسه . فغير مسموح له أن يترك أحد يذله ويهينه ويأخذ حقه ، وشرعًا غير جائز فالله سبحانه وتعالى أعطاك حقوقًا وأعطاك شخصيةً ورزقًا وجعلك أمينًا عليه فلا يجوز لك أن تذل وتخزى أمام من يظلمك ولكن في نفس الوقت لا تظلم غيرك . إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب يعني تصبح على طريقة أخلاقهم ؟ قبل أن يهجمون تهجم قبلهم ؟ كما يسفكون أنت تسفك الدماء قبلهم ؟ أو سيسرقونني أبادر إلى سرقتهم ، لا يجوز هذا .

سيضربونني فأنا الآن أضربهم !

سيقتلون مني أحد فأنا الآن أقتل منهم !

لا يجوز ذلك 

فالآية الكريمة ( لا تَظلمون ولا تُظلمون ) وإن كانت واردة في القضايا المالية ( فلكم رؤوس أموالكن لا تظلمون ولا تظلمون ) إلا أنه يستفاد منها أن هذه سياسة عامة يضعها الإسلام للمسلمين وأحد تطبيقاتها في الموضوع المالي وأحد تطبيقاتها في الجانب الاجتماعي وفي الجانب الشخصي وفيما بين الزوجين .... لا تَظلم ولا تُظلم 

  إذن هذه الفكرة التي يتحدث عنها بعضهم وهي للأسف شائعة عند قسم من الناس يبررون ذلك فحين تقول له أنت أخلاقك ليست هكذا يقول : إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب .

   لماذا تنزل لمستوى الشتم ؟ فيقول : المجتمع يحتاج هكذا .

  (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان )

 فأنت إنسان مؤمن ويجب ألا تنزل إلى مستوى الخاطئين والفاحشين في القول وهكذا الحال بالنسبة للأعمال . فمثلًا فلان سيتآمر علي أنا الآن أكسر رجله . لماذا ؟ فيقول : أتغذى به قبل أن يتعشى بي. هذا خطأ .

فهو خطأ عندما يفعله هو ، فهل أرضاه لنفسي أنا !

إذا عمل بي أذى بعد الفعل كالشتم والضرب آنئذٍ أرى إما شيء أنا لي الخيار فيه فأسلك سلوك قانوني ( من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) 

فهذا سلوك قانوني فقهي نفس الضربة أضربه بها ونفس الشتيمة أشتمه .

وهناك طريق أخلاقي وهو الأفضل ( وأن تعفو هو أقرب للتقوى )

فأنا أرى إنسان خاطئ في ضمن المجتمع المسلم ، زلت قدمه في هذه المرحلة وقال كلاما أو فعل فعلا ، التفت إلى نفسي فأرى أنه لم أفقد يدًا ولا فقئت عيني ولاصمت أذني ، أقول له غفر الله لك  . كما كان يصنع أئمة أهل البيت عليهم السلام مع أنه من الناحية القانونية له الحق . فإذا أتى شخص وسب الإمام فقانونًا وفقهًا للإمام الحق أن يرد عليه ولكن هل وجدتم إمامًا من المعصومين عليهم السلام يفعل هكذا ؟ أو أنهم كانوا في الغالب يعفون ويسمحون ويكون هذا أيضًا طريقًا لهدية هؤلاء الناس .

   فالفكرة التي تقول إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب ، أو تغذى به قبل لا يتعشى فيك وغيرها هذه أفكار خاطئة لا يؤيدها الدين لا على المستوى القانوني فضلًا عن المستوى الأخلاقي .

     نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لأن نكون ممن ينهج منهج مكارم الأخلاق إنه على كل شيء قدير وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين  



مرات العرض: 3444
تنزيل الملف: عدد مرات التنزيل: (25) حجم الملف: 23594.04 KB
تشغيل:

خيرا تعمل ..شرا تلقى مثل خاطئ المعنى 6
الذي في قلبي على لساني.. مانتائجها؟ 8